أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 9 فبراير 2011

ثورة ...فيس بوك


ثورة فيس بوك


ثورة الفيس بوك...جيل تويتر...
جيل إلكتروني...شباب ياي باي.


مصطلحات عديدة تخلط البشر بالتكنولوجيا على هامش ثورة الشباب في مصر، فكثير من المقالات والتحليلات جمعت الإثنين على صعيد واحد، والدهشة علت الوجوه: كيف يمكن لشبابٍ أدمنوا الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر والموبايلات بأنواعها .. أن يتحركوا لثورةٍ ضد النظام، كيف لمثل هؤلاء الشباب يقودون ثورة.. ويصرخون.. ويهتفون ..حناجرهم تكاد تطير من مكانها، وقلوبهم تكاد تقفز من صدورهم ضد الظلم والإهانة، فأنّى لمثل هؤلاء ... وأنى لأمثالهم أن يكون لهم في الثورات "فطير أو خمير"؟.

وقد فات هؤلاء وغيرهم من الملاحظين والمراقبين أن الفيس بوك والإنترنت والموبايل...وغيرها وسائل وأدوات لا حول لها ولا قوة، هي أدوات صماء، وسلاح لا يمكنه أن يفتك بالعدو إلا إنْ كانت اليدُ التي تحمله يد الشجاع، والقلب الذي يبعث فيه الحياة قلبَ الجَسور.

..إن هذه أدوات، والأدوات تتغير من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر، ومن زمان إلى زمان...فلكل زمان دولة ورجال، ولكل رجال أسلحة وعتاد، إلا أن الثابت غير المتغير عبر الزمان وعبر المكان هو الإنسان..وكذبوا حين قالوا إن الشمس مركز الكون، بل الإنسان ثم الإنسان؛ إن الإنسان محور الأشياء على هذه البسيطة، وفي هذا الكون الذي ندرك.. ليس غروراً لكن ذلك من نعم الله على هذا المخلوق، على هذا (العالَم الصغير) على هذه (الصورة) لتلك (الهيولى).

نعم هو الإنسان..يخلق الثورات ويبتدع الوسائل، سواء أكان متصلاً عبر الإنترنت أم منقطعاً، وخاب أولئك حين ظنوا أنهم بقطع الاتصالات والإنترنت إنما يقطعون دابر الثورة، خاب ظنهم حين نظروا إلى القشور وعميت أبصارهم عن اللباب؛ فجوهر البشرية وجوهر الحياة هو..هو .. لا يختلف ولا يتغير، وإنْ تغيرت الصورة واختلفت الأماكن.

إن سلاح الفيس بوك وأدوات التواصل الاجتماعي المعاصرة تصعد إلى الواجهة الآن، لا لشيء إلا لأنها موضة العصر وصرعة هذا الزمان، لكنّ ذلك لا يغير من جوهر الأشياء وحقيقتها، فالظلم هو الظلم منذ فرعون ومن قبل ومن بعد، والفساد هو الفساد صغُر أم كبر،  والبشر هم البشر سواء ألبسوا (الكاجوال) ، أو ارتدوا (العمائم)، أو (خصفوا أوراق الشجر) يسترون بها عوراتهم وأجسادهم العارية.

قلوبهم هي ذات القلوب..وعقولهم هي ذات العقول..تيارات العواطف الهدّارة.. والمائجة من فوق ومن تحت..هي ..هي، صحيح أن سرعة الاتصال والتواصل غيَّرتْها، ونوَّعتْ طبيعتها ونتيجتها، إلا أن الجوهر واحد والوجوه عديدة.

فطوبى للسيف والقلم..

وطوبى للفيس بوك والإنترنت.

وطوبى للكاميرا .. تحبس الحدث في صورة تبقى في العين وتُطبع في الذاكرة.

الأحد، 6 فبراير 2011

تكنولوجيا ...وزغرودة


كان مساء اليوم الأحد استثنائياً بامتياز؛ ونحن ما نزال نعيش ظلال ثورة الشباب في مصر، الثورة التي حركها أعضاؤها عبر أدوات التواصل الحديثة مثل فيس بوك وتويتر ويوتيوب…. وغيرها على شبكة الإنترنت.
…. كان موعدنا مساء لدى الجارة سناء لحضور قراءة الفاتحة بمناسبة خطوبة ابنتها القادمة من أمريكا على شابٍ، قطع البحارَ والفيافي وجاء خصيصاً ليطلب الفتاة من والديها هنا على أرض أبوظبي.

والفتاة شابة رقيقة جميلة تدرس الطب.. وما فهمته أنها ناشطة كذلك مع الداعية المسلم الأمريكي الشيخ حمزة يوسف، فكان الشاب العريس أنْ رآها وأعجبته ..فجاء يخطبها..

لكن الجميل في الموضوع..هو أننا جلسنا في صالة المنـزل: أنا وبعض الجارات وبعض الأقرباء… كان الحضور تقريباً 15بشرياً و6 أجهزة كمبيوتر محمولة! نعم لقد كانت الكمبيوترات حاضرة بقوة في هذا الحفل المميز!

شاهدتُ بأمّ عيني كيف يمكن أن تكون الكمبيوترات فرداً في أسرة، فإذا تجاوزْنا الإدمانَ الحاصل الذي يتزايد يوماً بعد آخر على هذه الأجهزة، لعرفنا أيَّ مبلغٍ وصلت إليه تلك الأجهزة وأي منـزلة نزلتْ بيننا؛ فقد كانت الكمبيوترات المحمولة في هذا الحفل بأهمية البشريّـين المتحلِّقين حول العروسيْن.

في الحقيقة ..أنا لم أفهم في البداية لِـمَ هذا التواجد المكثف للكمبيوتر في حفل صغير وحميمي للخطوبة، وقد فسَّـرتُـه في نفسي بذلك الإدمان الذي أراه يتسلل بقوة في بيتي لدى زوجي وأبنائي وبناتي..وأنا سائرة وإياهم على الطريق…حيث ننسى أنفسنا لساعات أمام تلك الأجهزة اللعينة، تسرق منا بعض بهجة الحياة التي يمكن أن نعيشها مع بشر في علاقة سوية .

لكنني كنتُ مخطئة في تقديري، فحين ابتدأتْ مراسم الخطبة، أي أن يتقدم الشاب بطلب يد العروس من والدها، عرفتُ حقاً ما الذي تفعله هذه الأجهزة بيننا، إنها "مرسول الحب"! ..فلقد سأل الشاب والدَ فتاته أن يوافق على طلب الزواج بها، فرحّب الأب بالطلب لكنه توجه عبر الكمبيوتر إلى جدّ الفتاة، الجالس في مكانٍ ما على هذه الأرض، طالباً من الشاب أن يطلب يد فتاته من جدها مباشرة؛ لأن العائلة كانت قد اتفقت فيما بينها منذ 20 سنة على أن (مريومة) هي حصة جدها لأمها، ومن سيتقدم ليطلب يدها لا بد أن يطلبها من جدها لا من والدها فقط.

وهكذا كان…فقد أعاد الشابُ كلماته الإنجليزية لطلب الفتاة، التي ابتدأها بالبسملة والصلاة على النبي –بالعربية- وسأل جد الفتاة أن يوافق على طلبه، وجاءه الجواب عبر الجهاز بالموافقة، والكمبيوترات الأخرى تشهد على هذه اللحظات، بمتابعة آخرين في قارات وولايات أخرى.

كانت لحظة فريدة…فقد كنا نتخيل أن الخطبة التقليدية للعروس ستتغير في المستقبل، وها نحن نرى شيئاً جديداً ، أنا شخصياً لم أرَ مثله من قبل يتحقق أمامي، لكي يثبت للبشر أن الحاجة أُمُّ الاختراع، وأنّ لكل زمان دولة ورجال، ولكل مجتمع خصوصياته؛ فالشاب مصري الأصل، أمريكي المولد والنشأة، وربما لا يعرف من مصر إلا اسمها، مسلم الديانة، لكنه على الرغم مما يجمعنا به – شخصية أخرى ونمط حياة مختلف من الناس عما تربى عليه مثلاً أبناء مصر في مصر، أو أبناء أي دولة عربية أخرى فيها.

..حضر في بالي وأنا أتابع المشهد لهؤلاء العرب الأمريكيين، ما كان عليه أهل الأندلس في زمانهم، إذ حقاً هم شخصية أندلسية: لا شرقية ولا غربية، جعلتْ منهم ظروفُ زمانهم ومكانهم شيئاً آخر غير العرب الأقحاح وغير العرب المشارقة وشيئاً آخر غير المغاربة، إنهم مزيج حضاري وثقافي وإنساني متميز في التاريخ، فيهم من الشرق نفحة ومن الغرب أخرى، فكانت تلك النكهة المميزة المذاق!

بارك الله للعروسين؛ فقد حظيتُ بسببهما بلحظات لا تنسى تثير في النفس التساؤلات الكثيرة التي لا تخمد في عقلي عن شكل المستقبل كيف يكون؟؟