أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 6 ديسمبر 2015

لغةٌ ..كانت لنا بردا على الأكبادِ

رقة ورقيّ، طلاوة وحلاوة، تقع في القلب قبل الأذن.

مَن قال إن اللغة العربية عصِيَّة على الأطباء والعلماء؟
من قال إن الأطباء يجب أن يتلعثموا بنطق اللغة العربية الفصيحة، وأن يرطنوا فقط باللغات الأعجمية؛ ليدل ذلك -عند الجَهَلَة- على أنهم أطباء علماء معاصرون؟؟
اللغة العربية سحر وأي سحر! جمال وأي جمال!
" .. وسيظل الإنسان هو الإنسان في كل زمان..
إن الشمس التي تشرق علينا هذا الصباح هي نفس الشمس التي كانت تشرق على آدم، وإن القمر الذي سيطل علينا هذا المساء هو نفس القمر الذي كان ينظر إليه نوح على سفينته... إن أجمل شيء في هذا الكون هو إعادة البسمة على الوجوه الحزينة وهي مهمة الطب الشريفة".
استمتعوا بكلمة الدكتور يحيى بن محمد الفارسي - عميد كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة السلطان قابوس- يلقيها في حفل افتتاح المؤتمر العلمي العالمي الثامن لطلبة الطب بدول مجلس التعاون الخليجي.


السبت، 28 نوفمبر 2015

المتنبي ولغة العصر


اليومَ استمتعتُ جدا ربما للمرة الأولى بتدريس المتنبي، لقد كنتُ من قبل أتخذ منه موقفاً شخصياً - قد أكون مخطئة فيه- إذ أنفرُ من المدّاحين، و أراه متسلقاً يبذل ماء وجهه كي يحظى برنينٍ يملأ جيبه وسمعه، ويسعى في الأرض كي ينال منها قطعة يرى نفسه ملكاً عليها.
لكنني منذ أيام وأنا أحضّر لدرس قصيدة "واحرَّ قلباه ممَّنْ قلبُه شَبِمُ.." اطَّلعتُ لدى العم يوتيوب على عمل فني كبير لمنصور الرحباني من المسرح الغنائي بعنوان: المتنبي، انتقلتُ للرابط واستمتعتُ بمشاهدة العمل الرفيع الراقي.
وعاودني السؤال الذي لا أََمَلُّ من طرحه على نفسي، منذ نحو ربع قرن هي عمري مع اللغة العربية عِلماً وتعليماً: لماذا لا تكون الأعمالُ الفنيةُ الرفيعة المستوى، الدرامية أو الموسيقية أو التشكيلية وغيرها_ ضمن مناهج تدريس اللغة العربية لطلبتنا؟ 
وأظن السؤالَ مشروعاً؛ ونحن في عصرٍ لا يبالي كثيراً بالحروف المسطورة على الورق، قدرَ مبالاتِهِ بالصور التي يلاحقها على الشاشات الإلكترونية أمامه. 
نشكو دوماً من جفاف محتوى اللغة العربية وضعفه، ونشكو من الوسائل البدائية غير الجذابة في عرض اللغة على أبنائنا وطلبتنا، ونشكو من ضعفهم وسوء اتجاهاتهم نحو لغتنا الأم، وفي نهاية الأمر لا نجتهد إلا في حدودٍ ضيقةٍ لتشويقهم إليها. 
ما زلتُ أتساءل كيف يمكن لنا أنْ نفيدَ من رصيدٍ لا يُستهان به من الأعمال الدرامية والفنية المتنوعة، التي استوحت الأدبَ والتاريخ والتراث وما مضى وكان، تصبُّه في قالبٍ معاصر تجعله قريباً من قلوبنا، وتجعل من ذائقتنا الفنية والأدبية رفيعةً راقية كما نحبُّ ونرجو من عملية تربية النشءِ وتعليمه، التي ننفق في سبيلها سنواتٍ من أعمارنا وأعمارهم لا يكون لنا -أحياناً- في ختامها إلا كما السلافة في الكأس!

أترككم لتستمتعوا بمشاهدة بعض مقاطع المسرحية الرحبانية: أبو الطيب المتنبي

السبت، 14 نوفمبر 2015

موت العائلة

موت العائلة 
بقلم إبراهيم جابر إبراهيم 
http://alghad.com/articles/903378-%D9%85%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D9%84%D8%A9


لم يعد أحد يتبادل الحديث مع أحد، أو يودعه عند الباب فيكمل نصف ساعة أخرى من الحديث، لأن كليهما يريد أن يركض كالملدوغ إلى هاتفه المحمول !
فهو لا يستطيع أن يتأخر؛ ثمة أشخاص كثيرون داخل هذا “الكمبيوتر الصغير” ينتظرونه، أو ينتظرهم !
منذ سنوات كان التلفزيون في المجتمع العربي هو “ربّ البيت”، وهو الذي يربي الأولاد، ويسلّي الزوجة ويسهر معها في غياب “رب العائلة “ !
الآن، صار “الكمبيوتر” هو “رب البيت” الجديد. ويسلي الزوجة، والأولاد، وهو “رب عائلة” متعاون أكثر؛ يحملونه معهم أينما ذهبوا.
في العالم الجديد، المكتظ بوسائل الاتصال الحديثة، صارت للشخص عائلة أخرى مجازية، أو متخيلة، (يحوّلها أحياناً الى حقيقية ويتواصل معها) .. لكنها غير عائلته البيولوجية التي تجلسُ في البيت!
استبدل الناس اشقاءهم بقطع الكترونية صغيرة، أو بهاتف ملوَّن، .. وهنا تصير بعض العبارات حمقاء حين تحدث في هذا السياق؛ أقصد سياق العلاقات الإلكترونية، فيقول أحدهم لآخر (أنا أخبرك بكل هذا لأنك مثل أخي..) مع أنه في الحقيقة مقطوع العلاقة مع أخيه، ولم يخبره شيئاً من (كل هذا)!أو أن يقول أحدهم لامرأة (أنا محتاج لك لتسمعيني مثل أختي)، مع أن له خمس شقيقات في البيت لا يسمعن منه سوى (هاتي الشاي) .. أو (سخّني الشاي ) !
العائلة الحقيقية القديمة بدأت تنقرضُ من بيوتنا على نحوٍ خطيرٍ ومريبٍ وصامت، حتى إن “اللاب توب” صار بمثابة الأخ الأكبر في البيت، لكنه أخٌ بلا قلب وبلا مودّة ولا ترفّ عينه إن تعثرت خطى الشقيق الصغير.وهكذا تراجعت العلاقة الإنسانية في البيت، وبين أفراده، إلى أسوأ حالاتها، وحتى في الحالات النادرة التي تلتقي فيها العائلة في جلسةٍ واحدة، يظلّ ذلك الذي لم يستطع التملص من الجلسة ممسكاً بهاتفه المحمول يعبث به حتى وهو يأكل أو يهزّ رأسه مستمعاً، يهرب من خلاله من “البيت” الذي صار فكرة منفرة، الى العائلة الجديدة المقترحة!
لماذا نفعل ذلك؟! الإجابة سهلة جداً ويسيرة.
وهي أن العائلة الجديدة تقدم كل قيمها النظرية بشكل غير ملزم، ولا تتعامل مع “الفرد” بمنطق الوصاية والأبوّة، وتترك له مساحة من المرونة دون أن تتلصص عليه، او تشهر في وجهه سيف العيب وسيف الحرام وسيف اللازم وغير اللازم.
ربما يلزمنا ان نعيد النظر بأدوات “العائلة”، وأنسنتها، أو على الأقل إعادتها الى عصرها الذهبي؛ حين كانت “الأخت” صديقة حميمة وقريبة تعين شقيقها بحمل سرّه، وكان كتف الأم ملتقى الشقيقين، وكان ثمة فرصة حقيقية لتبادل الكلام، والمناكفات، والضحك، والساندويشات، والهموم، والمكائد، والنميمة، والنقود .. كان ثمة ما يمهد لصناعة تشابه، لاحقاً ، بين الأخوة!
الآن ثمة تشابه أكبر بين الفرد وشقيقه الإلكتروني. وليس هذا سيئاً بالمطلق، ولكنه سيئ بقدر ما يبتعد الفرد عن عائلته ليغوص في بطن الكمبيوتر.
وسيئ حين يصحو الفتى ليتفقد شقيقه بجواره فيفتقده، أو يروح الطفل مذعوراً الى أمّه:”ماما .. الكمبيوتر أكل إخوتي!!”

الأحد، 8 نوفمبر 2015

درس إنجليزي وشارع الأعمدة... من وحي عمان الغارقة

في ربيع العام 2000 كنتُ أستعد لأداء امتحان اللغة الإنجليزية IELTS بعد وصولنا لمدينة إدنبرة، ولهذا الاَمتحان قصةٌ لا بدَّ منها في سياق حديثي هذا؛ ملخصها أننا واجهنا ضيقاً مالياً شديداً استدعى مني محاولة الحصول على منحة دراسية، تكون رافداً للدخل يمكّننا من الوفاء بمتطلبات المعيشة في تلك البلاد (الكافرة) التي كانت صدمتُنا الثقافية الأولى فيها أمانةَ إخوتنا (المؤمنين) القائمين على ابتعاث الطلبة العرب واستقدامهم للدراسة في تلك البلاد المكلفة.
وكان سبيلي إلى تحصيل قبولٍ في إحدى الجامعات البريطانية يتطلب شهادة تثبت كفاءتي في اللغة الإنجليزية، ولأن العين بصيرة واليد كانت قصيرة، فلم أتمكن من الالتحاق بأي دورة تمكنني من دراسة اللغة، فاستعنتُ بزميلةٍ قادمة من بلادي أعارتْني كتاباً للتحضير للامتحان، عنوانه جواز السفر إلى أيلْتس، فاتخذتُ مني أستاذاً وطالبةً في الوقت نفسه، فكانت تجربتي الأولى في أن أكون معلمةَ نفسي؛ توفيراً لمئات بل ربما آلاف الدنانير التي كنتُ سأنفقها في الدورات التحضيرية التي يتطلبها إتقانُ اللغة الإنجليزية، وهكذا تفرغتُ شهراً للدراسة استعداداً للامتحان.
كان الكتابُ يضمُّ تسعَ وحداتٍ متدرجة من السهولة إلى الصعوبة، يتدرب الطالب من خلالها على استراتيجيات الامتحان وفروعه المتنوعة من استماعٍ وقراءةٍ وكتابةٍ وضبطٍ للوقت والتعامل مع الأسئلة وكيفية الإجابة... وما زلتُ أذكر إلى اليوم من ذلك الكتاب قطعةً من الـComprehension  في إحدى الوحدات موضوعها عن الطرق الرومانية القديمة، فقد أثارت القطعةُ في نفسي تساؤلاً كبيراً: ما الذي يجعل امتحاناً للغة يهتم بتدريب الطلبة على قراءةِ موضوعٍ كهذا: عن رصف الطرق وكيفية بناء الشوارع في الحضارات القديمة؟؟ خاصة أننا ننتمي –نحن في الشرق- في حياتنا المعاصرة إلى ثقافةٍ تنظر إلى الماضي بعين الاحتقار والتقليل، وتنظر إلى منجزات الأجداد على أرضنا وإلى بقايا الوافدين القدماء على بلادنا على أنها آثارٌ نشاهدها في المتاحف أو نشعل النيران في أفيائها لشواء قليل من اللحم في لمَّةٍ عائلية نسميها رحلة نهاية الأسبوع!
لا أدري لمَ ماتزال ذاكرتي تحتفظ بالمعلومات التي مررتُ عليها في أثناء دراستي تلك القطعة النثرية التي لا تتجاوز صفحتين، ولمَ ما تزال هذه الذاكرة تنطبع فيها الصورُ التوضيحية التي كانت ترافق النصَّ المكتوب، وتظهر فيها الطبقاتُ التي تتكون منها الطريق الرومانية تحت طبقة الحجارة الكبيرة الملساء، التي عادةً ما نسير عليها في شارع الأعمدة في مدينة جرش مثلا، دون أن نلتفت لما يمكنُ أن يكون وراءها أو تحتها على وجه الدقة.
لماذا تأتي هذه الذكريات الآن؟ لأن عمان التي ترقد بأَنَفة على سبعة جبال، والغارقة في أمطار يوم الخميس الماضي- لم تسعفها روحُها الجميلةُ في أن تحلَّ في قلوب أبنائها المهندسين وغيرهم، كي ينقذوها من مشاهدَ تخجل أن تُظهرَها للداني قبل القاصي.  
عمان الغارقة في مياه أمطارٍ امتدت لأقل من ساعة فغرقت منها الشوارعُ والأزقّة والحارات، أودت بكثيرٍ من حميميةٍ البيوت والأدراج التي تمتاز بها المدينةُ القديمة، بل حتى المعالم الأثرية الرئيسية كانت هي الأخرى في مرمى الغرق: فقد غرق المدرج الروماني الذي يكادُ يُتِمُّ الألفية الثانية من عمره، وقد كانت له تصريفاته الصحية الخاصة التي أنشأها الرومان أنفسهم، وهم المشهورون بالعمارة والبنيان. أما أبناء عمان اليوم فقد ضاقت صدورُهم عن فهم المدينة، فأغرقوها بكثير من القبح والتعثر الذي أصاب عمرانها.

حين وقع بصري على مشهد البحيرة الذي خلَّفَتْه مياهُ الأمطار حول المدرج الروماني وسط المدينة، كان درسُ رصف الطرق الرومانية في ذلك الكتاب منذ خمسة عشر عاماً هو ما وَرَدَ على ذهني مباشرة، وصار جوابُ التساؤل الكبير: نعم، لقد فهمتُ الآن لمَ قد يُحشَر موضوعٌ كهذا في دراستنا للغة!
المعرفةُ لا حدَّ لها، وغرورُ الإنسانِ المعاصر وغباؤه يجعله أحياناً لا يرى في الأعمال البسيطة والإنجازات القديمة، في معالجة مسائل كثيرة- لا يرى فيها قيمةً، وينفر من اقتفاء أثرها في معالجة مشكلات حياتنا المعاصرة. وهو يتعامى عن الحقيقة الأزلية: أن الإنسان يبقى هو الإنسان منذ عصر آدم إلى أن تقوم القيامة، لا يغيّر من هذه الحقيقة مظاهرُ التقدم التقني التي قد يعيشها بعضُ البشر في لحظةٍ تاريخيةٍ معينة، إذ يتبقى من الإنسان ما لا يمكن لأي منجَزٍ تقني جديد أن يمحو أثره.
عادت ذاكرتي إلى الرسم المنطبع فيها لصورةِ الطريق الروماني المرصوف،

وكثير من طرقات المدن الأوروبية الحديثة يتم رصفها بالطريقة القديمة نفسها، ما يعطي المدن جمالاً آسراً وحناناً على من يطأ تلك الأرض. كهذا المشهد من الشارع الذي كنتُ أسكن في إدنبرة.
وما أذكره من ذلك الدرس الحضاري الموجز هو: كيف أن أمراً بسيطاً لا يحتاج إلى حواسيب ولا ألواح إلكترونية ولا عطاءات هندسية، ولا استعدادات شتائية وهمية، أنَّ أمراً بسيطاً جداً كان يجنِّبهم الفيضان؛ عندما جعلوا الطريقَ محدودبة قليلاً في الوسط، كي يسهل جريانُ المياه إلى أطرافها التي تضم قناةً رفيعة تنتظر تلك المياه، ثم تنقلها إلى المصارف الصحية الجاهزة لاستقبالها بين مسافة وأخرى على جانبَيْ الطريق. وكيف أن طبقة الحجارة الملساء التي رُصِفَت بها تلك الطرقُ، كانت من أسباب تماسكها ودوامها حتى وقتنا الحاضر.
ولنتأمل بعض الصور التي تحفظ لنا هيئة الطرق القديمة في بلادنا ، التي نجد أنفسنا منها أكبر.



فكيف لمدينةٍ كمدينتنا عمان أن تغرق وهي تضم آثارَ عبقريةٍ هندسيةٍ قلَّ نظيرُها في العالم القديم والحديث؟ هل عجزنا عن أنْ نتعلم ونحاكي أثراً عظيماً من آثارِ عبقريةٍ هندسية عمرُها يمتد قروناً طويلة وما تزال ماثلةً إلى اليوم، لكننا تغافلْنا عن روحِ المكان الذي نسكن، تغافلْنا عن ملامحه الطبيعية حتى كادت تغيب. فكيف لنا أنْ نستعيدَ صورةَ الجبال التي تمتدُّ عليها عمان؟ وكيف لنا أن نستعيدَ المساحات الخضراء التي عادة ما ترقد على ضفاف مجاري المياه، وتمنح المدن قلباً رؤوماً خفّاقاً يحنو على أبنائها؟ أنّى لنا ذلك يُحيي رميمَ المدينة؟!
لقد نسينا في غمرةِ طمعٍ ببريقِ مالٍ يزول- أنَّ للمدن أرواحاً لا بدَّ تسكنها فلا تقتلوا تلك الروحَ، وعورةً لا بد تسترها، واليوم انكشفتْ أمامنا عورةُ عمان الغارقة أرجاؤها بأوحالنا، المقتولة روحُها بجشعنا. فمن لنا بمن يتعلم بلا خجلٍ مما مضى، ويفتح نافذةً لقلبٍ يضيء عمان من جديد؟


الأحد، 1 نوفمبر 2015

48 ساعة من دون شاحن!

48 ساعة من دون شاحن!

 بقلم فريهان الحسن


طوال 48 ساعة، كانت تحاول إخفاء ما بداخلها من مشاعر توتر وقهر وغضب..!
القصة بدأت حين وصلت البيت، فاكتشفت أنها نسيت شاحن هاتفها المحمول عند صديقتها التي تقطن في مكان بعيد، فيما كانت بطارية الهاتف تتناقص بسرعة، فلم يبق من طاقتها سوى 5 %. وقد حاولت عبثاً إيجاد شاحن قديم في زوايا المنزل. 
هي في بيتها، لكن تملكتها حالة من الغربة، وسيطرت الأفكار السلبية على عقلها! تساءلت: كيف سأتمكن من إكمال هذا الليل الطويل من دون هاتفي؟! وهل باستطاعتي الانتظار حتى صباح اليوم التالي؟!
فالهاتف المغلق كان كافياً لإشعارها بالعزلة التامة؛ إذ هي غائبة عن محيطها الإلكتروني، لا أحد معها سوى ذاتها.. وهذا لا يكفي! ولتستقل مركبتها، متجهة بأقصى سرعة إلى منزل صديقة أخرى تسكن في منطقة قريبة منها، مستعيرة منها شاحنا يعيد النبض في بطاريتها وحيوية حياتها هي شخصيا، فتنام بسلام!
في الصباح، اطمأنت بدرجة ما إذ وجدت هاتفها وقد شحن بما لا يتجاوز الربع، لأن الشاحن المستعار لم يكن يعمل جيدا. وقد حاولت أن لا تستنفد البطارية حتى تصمد لبقية اليوم، علها تتمكن من شحنها بشكل أفضل حين تعود إلى البيت.
لكن الفاجعة كانت ليلا حين تعطل أيضاً الشاحن المستعار، ليعود إليها القلق، وتدخل في الدوامة الأولى! ماذا ستفعل الآن بعد أن استنفدت البطارية تماما وتوقف الهاتف؟! كيف ستغيب عن عالم التواصل الاجتماعي (فيسبوك، انستغرام، تويتر، سناب تشات)؟ كم رسالة وصلتها على تطبيق واتس اب؟! يا ترى من اتصل بها ووجده مغلقا؟ كم رسالة إلكترونية وصلتها؟!
أفكار تذهب هنا وهناك، ويزيدها صعوبة أنه لم يعد بمقدورها وقد تأخر الوقت ليلا شراء شاحن جديد! وهي ستضطر أن يمر الليل الطويل، والممل، بعيدا عن عالم افتراضي لكنه يأخذ جلّ وقتها الحقيقي.
يومها خلدت إلى النوم مبكرا على غير العادة؛ فلا شيء يستحق أن تسهر الليل من أجله، إذ لمن تبعث رسائل وممن تستلمها؟ أين ستقرأ وتتابع وتبتسم وتحزن، وتختبر كل المشاعر معا؟.. الليلة لن يرافقها هاتفها إلى سريرها كما في كل ليلة سابقة.
استسلمت للنوم سريعا، أيضا، على غير العادة، واستيقظت باكرا، رغم أن موعدها مع صديقتها في الساعة العاشرة صباحا. لقد نهضت وكلها نشاط، واستعدت سريعاً للخروج، بحيث وصلت قبل الموعد بنصف ساعة.. فهي تريد أن تستغل الوقت في منزل الصديقة كي تشحن هاتفها، وتلحق ما ضاع عليها في ليلة وضحاها!
استغربت رفيقتها من نشاط غير معتاد، ولم تصر أن يخرجا على الموعد، فهي ملتصقة بالمكان الذي يشحن به هاتفها وتريد أن تكسب مزيدا من الوقت! لكنها اكتشفت، بأنها بالغت في توترها؛ فلم يضع عليها الكثير. الأخبار كانت عادية، والرسائل قليلة وغير مهمة.. إلا أنها مع كل ذلك شعرت أنها تستعيد أمانها كلما زادت نسبة الشحن في البطارية.
خرجتا وصديقتها، وأخذت معها شاحن الأخيرة. وكانا كلما وصلا مكانا ما، شحنته هناك قليلا، إلى أن ذهبت وأحضرت شاحنها العزيز من بيت صديقتها الأولى.
كانت تلك حالتها في 48 ساعة!... هاجس شحن الهاتف، يسيطر عليها كليا. فقد أحست خلال تلك الفترة أنها تفتقد شيئا عزيز جدا عليها، بحيث لم تستطع الاندماج في محيطها من دونه.
هي، ونحن، تعلقنا بهذا الجهاز الأصم الصغير الذي يلغي عالمنا الحقيقي، ويجعلنا أسرى لعالم افتراضي ينسينا إنسانيتنا، حياتنا، أصدقاءنا وعائلتنا، ويقذف بنا إلى عالم العزلة. هي تعترف أنها أدمنت هذا الجهاز “الذكي” الصغير الذي يجذبها لحديث صامت معه فقط.. غير أنها اعترفت أيضا، أنها معه أصبحت أكثر سلبية وسذاجة!
ربما لم تتوقف عند سؤال هو الأهم.. من يملك الاخر نحن ام هواتفنا؟!

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

ذكريات جامعية

.. بين الفينة والأخرى يطلع علينا أصدقاء الفيسبوك ببعض ذكرياتهم الجميلة في الدراسة والعمل من صورٍ تجمعهم وزملاء وأساتذة، ومن أوراق قديمة لخطواتهم المبكرة في عالم البحث العلمي أو أعمالهم الإبداعية وغيرها، ما يعطي هذا الفضاء الأزرق كثيرا من الأمل والجمال.
اليوم أدين للدكتور أحمد كريّم بلال أنْ فتح لي نافذةَ الذكرى على هذه الصفحات، في الصور التالية، التي كانت جزءا من مسيرتي العلمية التي أعتزُّ بها في دراستي اللغة العربية..

فمنها الصفحاتُ الأولى لنسخة أطروحة الدكتوراه، وعليها ملاحظات أستاذنا في لجنة المناقشة أ.د فايز القيسي، وهي كلماتٌ فيها كثيرٌ من التشجيع والتقييم الجاد، وقد تفضَّل د.القيسي بنشر تقييمٍ وافٍ لأطروحتي حين صدرت في كتاب، وتجدون كلماته في الرابط التالي على مدونتي:


أما الورقة الثانية من أوراقي التي أعتز بها، فهي ورقة الامتحان الأول مع د.محمد أبو حمدة، الذي جعل الطالبة الجديدة في كلية الآداب تغيِّر من تفكيرها بدراسة اللغة الإنجليزية، وتقطع الدرب إلى قسم اللغة العربية لتقول: هذا الذي قد كنتُ أختارُ!، فتختار تغيير التخصص وترسم لنفسها قدَراً جديداً غير الذي كانت تحلم.



والورقة الأخيرة هي من أوراق السنة الدراسية الثانية وهي امتحان مادة الأدب الأندلسي، المادة الجميلة التي درستُها على أستاذي الكبير أ.د. صلاح جرار، فكانت تلك المحاضراتُ الرائعة للدكتور الرائع، التي جعلتْني أعشق الأدب الأندلسي والتجربة الأندلسية حتى أصبحت شغفي، فكتبتُ في الماجستير والدكتوراه في موضوع الأدب الأندلسي الجميل...وما زال في النفس هوىً إليها يميلُ.

الجمعة، 23 أكتوبر 2015

فيلم The Martian




في صفحاتٍ قليلةٍ من مادة مهارات العربية التي أدرِّسها – نبذةٌ عن الأدب والتكنولوجيا ووقفةٌ عند أدب الخيال العلمي، وفي كل فصلٍ حين أمرُّ تلك الدقائقَ القليلات على هذه الصفحات، أقفُ حائرةً أمام نفسي، ولكنْ ثابتةً أمام طلبتي، حين أجدُني أدافع عن محتوىً دراسيٍّ من (الخيال العلمي) في أدبنا العربي؛ إذ لا أقدر أنْ أُبْعِدَ عن خاطري أنَّ الأدبَ في عصرنا اليوم في بعض أجناسه -إنْ لم نقل في معظمها- لا يعودُ يعني الكثيرَ إذا لم يلتقِ بفنون الإبهار البصري الذي يحاصرنا في كل مكان بالصور المتحركة والثابتة، بأبعادها القديمة المعروفة أو بأبعادها الثلاثية الجديدة.

يحضرني هذا الخاطر وأنا أكتب الآن هذه السطور عن فيلم:
 (المريخي) The Martian
 وهو فيلم أمريكي مثير من أفلام ما يمكن تسميته الخيال العلمي، من إخراج ريدلي سكوتّْ وبطولة ماتّْ ديمون. وقد جرى تصوير مشاهده الخارجية في منطقة وادي رم في جنوب الأردن، التي تحاكي بيئةَ المريخ الوردية القاحلة الشاسعة، والتي جعلَها الفيلمُ بالتقنيات المبهرة وزوايا التصوير الفاتنة، قطعةً ساحرةً من أرضٍ لا نكاد نعرفها وهي أقربُ إلينا مما نتخيل، وجعلَنا نرى جمالَ بلادنا بمنظارٍ وبعيون جديدة.
يقوم الفيلم على حكايةٍ معروفة لا جديد فيها، إنها حكاية روبنسون كروزو، ولكنه هذه المرة في الفضاء! إذ يتعرض أحدُ رواد الفضاء في البعثة الاستكشافية للمريخ مع زملائه لعاصفةٍ شديدة، فتغادر البعثةُ على عجل معتقدين بوفاة زميلهم، فينقطعُ السبيلُ به وحده على ذلك الكوكب، وعندما يدرك هذه الحقيقة يكتشف أن عليه مواجهة مصيره من أجل البقاء، والعمل على أن يصلَ لأهلِ الأرض خبرٌ من أهل المريخ يقول إن هناك نفساً بشريةً ما تزال تنبض بالحياة على سطح الكوكب الأحمر.
وكما هي صورة البطل الخارق في الأفلام الأمريكية، يعمل فريقُ (ناسا) بأكمله على محاولة استرداد رائد الفضاء، مارك وتني، حيّاً من ذلك الكوكب البعيد، وهي محاولة تتكلل بالنجاح في نهاية الفيلم السعيدة.
وبين اللحظة التي يقرر فيها بطلُ الفيلم أنْ يخوضَ صراعَ البقاء، وبين اللحظة التي يعود فيها إلى أحضان الأرض، بينهما كثيرٌ من اللقطات والتفاصيل التي تُبهر المشاهد، وتثير في نفسه عدداً من الملاحظات الجديرة بالتأمل.
تستوقفني عادةً في الأعمال العلمية التي تلامسُ الفضاءَ والأفلاك العالية- فكرةُ الله، أو فكرة عظمة الخالق وتفاهة المخلوق: ففي اللقطات التي تُسحَر فيها العينُ في الفيلم بروعة الفضاء السرمدي الممتد حول روّاد الفضاء، والظلام المزيَّن بنجومٍ لا تُعدّ، والكواكب والنجوم والأفلاك والمدارات... والكون الذي يموج بكل ما فيه بلا توقف وأنتَ تنظر إليه ذاهلا- تجدُ الفطرةَ السليمةَ لا تملكُ أمام هذا كلِّه إلا أن تقول: سبحان الله ما أعظمكَ! وتجعلك ببساطة تفتشُ عن خالق هذا كله. 
لهذا فإنني ما زلتُ أذكر كيف فوجئتُ حين حضرتُ محاضرةً مباشرة مع الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينج، في جامعة نيويورك أبوظبي، بمناسبة ترجمة كتابه (التاريخ الأكثر إيجازاً للزمن) إلى اللغة العربية، فوجئتُ كيف لعالِمٍ فيزيائي من وزن هوكينج أن يجاهر بإلحاده على الرغم من علمه الغزير الذي أغنى به الفيزياء وأبهر العالم، وعلى الرغم من أنه لا بدَّ اقتربَ من الله الذي يخافه من عباده: العلماءُ.
لا أدري لمَ يثيرُ الشفقةَ في نفسي- أولئك الذين لا تقوى قلوبُهم ولا ألسنتُهم على استحضار تنزيهِ الله في مثل تلك المواقف بأي لغةٍ كانت وبأي إحساس وهي كثيرة في الأديان والثقافات، وأَحمَدُ اللهَ كثيراً على نعمته لأننا ما زلنا نستطيع أن نقول: سبحان الله! وما شاء الله! بتلقائيةٍ وعفوية يُحرَم منها المترفِّعون عن الإيمان به. لهذا لم يعجبني في الفيلم استخدامُ البطل إبان الكارثة التي حلَّت به، لكثيرٍ من الشتائم والألفاظ السوقية مثل الـ F. word. و الـ Sh. word ، التي تثير في النفس نفوراً من أولئك الذين يُفحشون في القول في مجالسهم، وهو من المقبوحات.
لقد كان من المثير لاستغرابي أن الفيلم في دقائقه التي تقرب من مئةٍ وأربعين دقيقة- لم يُذكَر اسمُ الله فيها إلا في حوارٍ قصير لأقل من دقيقة! لم يُذكر اللهُ الذي يلجأ إليه الإنسانُ عادةً في لحظات الضعف البشرية، عندما لا يجد ملجأً يأوي إليه. لم يُذكَر اللهُ الذي تجدُ نفسَكَ قريباً منه كلما ارتفعتَ أمتاراً معدودةً فوق الأرض في طائرة، فكيف إذا خرجتَ منها إلى الفضاءِ الكونيّ الواسع؟ وكيف إذن لا تستطيعُ أن تتلمَّس وجودَ اللهِ فيما حولك وأنت وحيدٌ متفرد على كوكبٍ يسامِتُ السماءَ ويسامتُ الله، وأنتَ تستذكرُ جوابَ الجاريةِ في الصحراء...أين الله؟ فقالت: إنه في السماء. فكيف لا يقترب من الله ذلك الفضائي، وهو وحيدٌ في فضاءٍ ممتد على كوكب جدب، لا رجاءَ فيه ولا مستقبل... إلا أن يشاء الله.
ومن الأشياء الباعثة على التأمل في الفيلم بعضُ الأفكار التي قد تبدو فلسفية؛ لذا فإن شيئاً هنا يُقال: فعندما أيقن رائدُ الفضاء أنَّ زملاءَه غادروا الكوكب الأحمر وأنه بقي وحيدا، لم يجزع كما يتوقع بل كان متماسكاً، وهي ربما من نقاط ضعف الفيلم حين أعمَتْ القائمين عليه صورةُ البطل الذي ينبغي أن يكون خارقاً، والذي لا تظهرُ طبيعتُه البشرية والضعفُ الذي قد يصيب نفسه في هكذا موقف رغماً عنه، كما خلا الفيلمُ تماماً من إشارات عاطفية للبطل، إلا ما كان منه عندما ذكَر والديْه حين ظنَّ بنفسه اقترابها من الموت، لكنَّ المخرج الذي جعل العالم كلَّه يشهدُ لحظةَ إنقاذ البطل وإعادته إلى المركبة الفضائية التي ستقلُّه إلى الأرض، لم يجعل لوالديه مكاناً بين الملايين من الناس الذين شهدوا عملية الإنقاذ، في مشهدٍ لا يخلو من استعراض القوة الخارقة في بلاد العم سام!
لقد كان البطلُ واقعياً جداً عندما قرَّر أنْ يبقى على قيد الحياة قدر احتماله، وقدر ما تسمح به الإمكاناتُ الخارجية التي تتيحها محطةٌ فضائية مهجورة على الكوكب، لكنَّ شيئاً واحدا كان هو سرَّه في البقاء والصمود ألا وهو الأمل، الأمل هو سرُّ البقاء، الأمل هو ما يبقيك حياً رغم تقلب الأحوال. ربما لم يقل الفيلمُ ذلك، لكنك ترى الأملَ في كل خطوةٍ يخطوها رائدُ الفضاءِ تجاه الهدف الذي وضعه نصب عينيه، وهو أن ينقذ نفسه من الكارثة التي حلَّت به.
وفي طريقه المزروع بالأمل بدأت رحلةُ حياته الجديدة التي تشبه رحلة البشرية منذ طفولتها في صراعها من أجل البقاء. فاهتدى أولاً إلى تأمينِ مصدرٍ غذائي يقيم أوَدَه، المدةَ المتوقعة التي قد تفصله عن رفاق رحلته في الفضاء حتى العودة إلى الأرض، وهي أولويةٌ لا بدَّ منها تعيدنا إلى هرم الاحتياجات الأساسية للإنسان. وهكذا تبدو فكرةُ استنبات البطاطا في الدفيئة التي هيَّأها للزراعة- خطوةً وفكرةً واقعيةً لا من باب الخيال العلمي، وخطوةً أولى في رفض الإنسان للاستسلام للواقع الذي يحيط به ولا يقدم شيئا. وكان استمطارُ الماء سببِ الحياة، وتوظيفُ معارفه العلمية ومهاراته العديد، والموجوداتُ الباقية في المحطة الفضائية، كانت كلُّها مسَّخَرّةً من أجل تحقيق الأمل: سرِّ البقاء. وحين نجحت تجربةُ الزراعة كان شيئاً رائعاً أن ترى الأوراقَ عياناً تشقُّ (أرضَ) مريخٍ بعيدٍ وتنبت، فيخلق اللونُ الأخضر في المشهد حياةً، نحن فقط على كوكب الأرض مَنْ يعرف جمالَها وفتنتها!
وآخر ما في الفيلم من انطباعاتٍ استقرت في نفسي كانت فكرةَ الخلود التي تؤرق البشر، وهي فكرة فطرية وجدت مع الوجود البشري؛ إذ يحاول رائدُ الفضاء المفقود على المريخ (مارك)، أن يترك أثراً أياً كان مقدارُه في المكان والزمان الذي يحلُّ فيه، وتجلَّى ذلك في بدئه تسجيلَ بعضِ المذكّرات اليومية بالصوت والصورة أو بالقلم، في كل لحظةٍ يراها تستحق التسجيل والتوثيق، بل حتى في اللحظات الأخيرة التي سيغادر فيها أرضَ كوكبِ المريخ تراه يسجل كلماته الأخيرة، ويوقع اسمه على ورقة صغيرة يتركها خلفه هناك على الكوكب الأحمر، لعلَّ زائراً قادما يمرُّ على دياره تلك فيقف على أطلالها.

الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

الأم الشريرة ! بعضٌ مما عندي...

... ربما كنتُ في كثيرٍ مما قمتُ به مع أطفالي- أُمَّاً (شريرة)؛ لقد كانت لي فلسفتي الخاصة في التعامل مع أبنائي؛ حتى تعرضتُ للنقد والتجريح من أقرب الناس لي على هذه المعاملة.
.... ولكن  بعد مضيّ نحو عقدين على اتباعي ما يقترب من هذه الأساليب التربوية  -التي ستأتي في الشرائح القادمة في هذه المختارات-...أقول: الحمدلله أنني كنتُ في كثيرٍ من تعاملي مع أطفالي (أُمّاً شريرة )؛ وأشكر الله على هذا الإلهام، وأدعوه أن يحفظ لي أولادي كما يحبّ وكما أحب.
ويحفظ لكم أولادكم جميعا..

عثرتُ على هذه الخلاصة التي أعجبتني وفيها - بصراحة - الكثير جداً من الدقة، عن تجربة وليس فقط عن تنظير..

https://www.facebook.com/tarbiyadakiya/photos/pcb.537993769689566/537993336356276/?type=3&theater
 ففي كتابها «Mean Mom Rules» تؤكد دينيز سكيباني أن الأم عندما تكون من وجهة نظر صغارها والآخرين- شريرة فهذا يعني أنها تربي أبناءها جيدا، وأن النظام والقواعد والشدة أحيانا أفضل من التدليل والاستجابة لكل طلبات الصغار؛ التي تفسدهم وتجعلهم غير قادرين على مواجهة الحياة بصعوباتها ومشكلاتها.

دينيز سكيباني قدمت عرضا لكتابها في مجلة «Parents & Child» مع سبع نصائح للأمهات تؤكد لهن: أن قسوة الأم تأتي من وراء قلبها لمصلحة أبنائها، وأن الأم الشريرة تملك المنطق لذلك الشر الذي توصف به.








الجنة ستصبح تحت أقدام الأب في يومين

بقلم:دينا جمال


"إعفاء الرجل من أي شيء بسبب دفعه المقابل المادي لكل شيء" نظريةٌ بُني على أنقاضها تقسيم أدوار غير سوية بين الزوج والزوجة والأب والأم، وهذا كان سبباً في حدوث شيء لديه من الاضطراب والعجز، فالاضطراب تسبب له في خلط كبير بين أدواره، والعجز الذي أصابه تمثل في عدم قدرته على الفصل بين دوره كزوج ودوره كأب.

وبناءً عليه دائماً الرجل ما يتذكر فقط حقوقه كزوج وينسى تماماً واجباته كأب، ونتيجة لحالة التلبد التي فرضت نفسها عليه كزوج بشكل كلي ومبالغ فيه وصلت عنده كأب مؤشر الكسل واللامبالاة بأولاده لأعلى درجاته.. ونظراً لوظيفته التي حصرها ما بين متعته مع الزوجة وإنجاب الأطفال وما بين محفظة الفلوس التي تنفق عليهم أصبح يهمل ويتجاهل تفاصيل كثيرة في حياة أبنائه معتمداً على الأم التي يعلم أن لو الدنيا طُربقت فوق رؤوسهم هي من سيقوم بالواجب !
على سبيل السرد وليس الحصر دائماً ما نجد معظم الآباء لا يهتمون بالذهاب مع أطفالهم عند الطبيب ولا يفقهون شيئاً عن أدويتهم وليس لديهم أي خلفية عن مواعيدها، الأم هي المجبورة على أنها تذهب بهم للطبيب وتحفظ الأدوية بالمواعيد والجرعات، كثيراً ما نجد أيضاً الغالبية العظمى منهم لا يملكون أي فكرة عن المواد التي يدرسها أبناؤهم ولا الأنشطة الخاصة بمدارسهم، الأم هي الُمكلفة بأنها تذاكر لهم وهي التي تتواصل مع المدرسة وتتابع المدرسين، وهناك منهم أيضاً الذي يجهل مقاسات ملابسهم، حيث إن الأم هي التي تنزل لتشتري لهم "يونيفورم" المدرسة وملابس العيد.
وتفاصيل كثيرة كهذه اقتصر دور الأب فيها على أنه في حالة لو وجد تقصيراً منها في أي شيء من هذا يصرخ في الأم المهملة التي لا تقوم بواجباتها !

تقسيم الأدوار التي فرضته علينا تقاليد وعادات المجتمع لا تمنع أبداً أن الأب يعطي شيئاً من الاهتمام والمشاركة أكثر لمثل هذه الأمور، حيث إنها لا تعتبر أموراً نسائية مثل الطبخ (هذا إذا اعتبرنا أن الطبخ عمل نسائي مثل السائد والمتعارف عليه في مجتمعنا) والذي لا يصح أنه يقوم به معها، حيث إنه ربما يُنقص من رجولته شيئاً!
ما يدعو للغرابة الرجال التي دائما ما تُمجد رجولتها بقوامتها علي النساء ويكون هو وهي كلاهما يعمل وكل منهما يقبض مرتباً متقارباً نسبياً من مرتب الآخر، وهو يعود الى البيت لينام وهي تعود البيت من أجل إكمال عملها كالطور الذي يقوم باللفّ في الساقية، فهي عليها الاهتمام بالأطفال من طعام وشراب واستحمام وأطباء وأدوية ومذاكرة وتلبية طلباتهم التي لا تنتهي، بالإضافة لعمل البيت وطلبات زوجها المصون، والذي يثير للاشمئزاز أكثر أنه في آخر المطاف لا يوجد تقدير ولا كلمة حلوة.
الجنة ستصبح تحت أقدام الاب في يومين، أول يوم هو ذلك اليوم الذي سينجب فيه أطفاله وهو واثق ومتأكد فعلياً انه قادر على تحمّل مسؤوليتهم ومستوعب ومدرك تماماً أن أبوته لا تتلخص في كونه محفظة فلوس تنفق على مصاريف طعامهم وشرابهم وملابسهم ودراستهم.
واليوم الثاني سيكون اليوم الذي سيأخذ فيه قراراً بأنه لن ينجب لأنه على يقين تام ودراية كاملة بأنه ليس على استعداد كافٍ لتحمل مسؤوليتهم، حيث إنه بهذا القرار الحكيم سيكون قد رحم نفسه من ذنب أم كانت ستعاني بهم من اللفّ في الساقية بمفردها ورحم نفسه أيضاً من ذنب أبناء كانت ستعيش حياتها وبداخلها الكثير من العقد النفسية بسبب افتقادهم اهتمامه ورعايته .

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2015

أمهات آخر زمن !!







-تشوف يا خويا الأم من دول مع ولادها ..تبقى عايز تسألهم مامتكم فين يا حلوييين !!؟ ...تيجي تتصور جنب بنتها تبقى عايز تعاكسهم هما الاتنين 😉
..تتصور جنب إبنها اللي أطول منها ...تبقى عايز تقوله #انت_معلم 😎 ... #أمهات_آخر_زمن😏
-و لا بوز البطة و الشقاوة و الدلع اللي بيتصوروا بيها و هما بياخدوا سيلفي 60 مرة ف الدقيقة ... #أمهات_اخر_زمن 😏
-و تلاقيها كدة مهتمة بنفسها و لبسها و ع الموضة ...مانيكور و باديكور و اكسسوارات ... كإنك بتتفرج على قناة fashion .. تدخل هي و بنتها يشتروا من نفس المحل و ساعات يبلسوا من بعض كمان #أمهات_آخر_زمن 😏💅
-و اول ماتتخن ...على طول تجري على الجيم او تروح النادي تلف التراك ...و تبقى لافحة إبنها على صدرها و هي لسة والدة و تقوم رايحة ترقص زومبا 💃
.. #أمهات_آخر_زمن😏
-تمارين و برايفت و صحيان بدري و رجوع ف نص الليل و كل دة علشان ايه !!؟؟؟ يبقى رياضي و بطل و جسمه و صحته.. #أمهات_آخر_زمن😏💪
-دروس دين و حفظ قرآن ف الجامع و بتخلي ابنها إمام عليها كمان و هما بيصلوا جماعة ...بتهتم بدينهم و دنيتهم #أمهات_آخر_زمن
-و لو الولد نفسيته تعبانة و لا عنده أي مشكلة ...جري تدور على دكاترة أطفال نفسيين او مستشارين تربوين !!!!👀
#أمهات_آخر_زمن😏
-كل ما تسمع عن كورس تنمية بشرية او القائد الصغير او روبوتيك ...جري تعمل ابليكيشن و تعمل المستحيل علشان تحجزلهم 😎...#أمهات_آخر_زمن😏
-تقعد تتفرج على قناة فتافيت و سي بي سي سفرة علشان تفننلهم ف طبخات و اكلات مفيدة و صحية و شكلها حلو و تفتح النفس...
#أمهات_آخر_زمن😏
-اتعلمت تعمل برجر و بيتزا و كنتاكي ف البيت علشان تحميهم من اكل برة و كله يبقى healthy و organic #أمهات_آخر_زمن😏
-اتعلمت لغات مخصوص و خدت كورسات علشان تعرف تذاكر لولادها فرنساوي و الماني #أمهات_آخر_زمن😏
-عندها أكاونت فيس و تويتر و إنستجرام ..و طول الليل و النهار تعمل سيرش و شير مع ولادها و تشوف مصاحبين مين و بيتفرجوا على إيه #أمهات_آخر_زمن😏
-بتلعب كاندي كراش و كلاش أوف كلانز و بايرت كينجز و سيم سيتي و بتتنافس مع ولادها مين أشطر ...و هيجيب آخرها 💪
#أمهات_آخر_زمن😏
-عاملة جروبات واتساب مع أمهات أصحاب ولادها ف المدرسة و النادي علشان تتابع كل الأخبار أول بأول #أمهات_آخر_زمن😉
-مصاحبة ولادها و بتقعد معاهم على الكافيه و تروح السينما يتفرجوا على minions و يطلعوا يضحكوا و هما الإتنين مستمتعين... #أمهات_آخر_زمن😂
-بتعرف تئلش و تقول افيهات و تضحك و يوروا بعض كوميكس و بيعملوا Dubsmash ...#أمهات_آخر_زمن😂
-الموبايل ف ايديها ليل نهار و اي معلومة ف الدنيا بتجيبها ف ثانية..شعارها دائما ( Google it )... #أمهات_آخر_زمن😉
-لو خيروها ما بين شغلها و مستقبلها و بين أولادها فى الفترة اللي محتاجينلها فيها...(غالبا) لو #ظروفها_الماديةتسمح بتختار اولادها و تضحي بكل حاجة .... #أمهات_آخر_زمن😍
-لو ظروفها اضطريتها تكون single_mother# ..بتتحمل المسئولية و بتربي اولادها احسن تربية ..و بتبقى 100 راجل ف بعض ...تشتغل و تكافح و تيجي على نفسها علشان مايحسوش ابدا بأي تقصير او نقص #أمهات_آخر_زمن💪
أمهات آخر زمن اولادها كل حياتها ... بتحاول و تفهم و بتطور معاهم...عارفة أسرارهم ..بتتكلم زيهم...فاهمة إهتمامتهم ... بتاخد بالها منهم و ف نفس الوقت #مش_ناسية_نفسها
أمهات آخر زمن عرفت إزاي ما تجيش على نفسها ..التضحية لها حدود ... فهمت إن علشان ولادها يبقوا مبسوطين ...هي كمان لازم تكون #مبسوطة ...#متوازنة_نفسيا و #مرتاحة..عرفت تعمل التوازن بين نفسها و مسئولياتها ..إهتمت بنفسها لنفسها قبل ما يكون لأي حد تاني ...💪
أمهات آخر زمن مهما كبرت #مش_هتعجز ..لإنها إتأكدت إن العجز عمره ما يكون بالسن و لا الشكل ..#العجز_الحقيقيف الروح و الفكر ...💆
أمهات آخر زمن... حطت أولوياتها و طبقتها ??
أمهات آخر زمن...بتجرب..بتقع..بتحاول..بتقوم..بتتعلم..بتصر تنجح
أمهات آخر زمن ...#هما_احنا 😌🙋👸
#تحية_لأمهاتنا اللي كانوا قدوة لينا و علمونا ازاي نبقى كدة
#تحية_لكل_أب ساعد زوجته و عرف واجبه ناحية بيته و اولاده
#تحية_لكل_الأمهات اللي فاهمين قدسية دورهم و اهميته
#تحية_لكل_أم_من_كل_زمن
#ياسمين_الفيلالي

الاثنين، 12 أكتوبر 2015

كل الخيانات خطيرة… لكن أخطرها خيانة الذات

http://www.alquds.co.uk/?p=416890

كل الخيانات خطيرة… لكن أخطرها خيانة الذات

بروين حبيب
شاعرة وإعلامية من البحرين
خيانة طبيعتنا الإنسانية الفطرية التي بداخلنا، وإلحاق الأذى بمَنْ تدفق في الإخلاص لنا بقوة الصدق.. تلك القوة المتدفقةً التي تجعلنا كباراً في عيون الآخرين وقبلها في عيون أنفسنا، تلك الطبيعة الفطرية المتحررة من أي استلاب عاطفي واستغلال روحي أو اجتماعي.. الخطيئة الفعلية هي حين نكون،:ملتزمين أمام الآخرين بحب مزيف، وخائنين لذاتنا خيانة حقيقية. 

لا شيء يسند الروح كالصدق، ولا شيء يخلق الضعف والتمثيل في العاطفة كالكذب.. الكذب الذي يجعل الآخر محتاجا، ضعيفا بل متسولا صغيرا. ربما تلك الأفكار التي تعتريني هي في دائرة موت الأجزاء فينا باتجاه العطب الأكبر في القلب، والعاطفة لا يمكن اختصارها، إنّها تضرب في أعمق الأعماق لتجعل المكان ملوّثا هناك، حيث نحن في مواجهة المرآة الحقيقية للنفس.
في دراسة مهمة أجرتها باحثة ألمانية تبين أن الخائن لا يستطيع أن يصلي، تصاب نفسه بالعطب فجأة ويصبح الوقوف أمام الله صعبا عليه لأداء الصلاة. وهذا ينطبق على كل خطايا الخيانة التي يمارسها الشخص، وتنطبق على كل الأشخاص من ديانات مختلفة. وقد ناقشت صديقا لي يمارس مهنة الطب النفسي منذ أكثر من عشرين سنة في موضوع النكتة العربية الشهيرة عن بعض لصوصنا الذين يصلون صلاة الاستخارة ليعرفوا أي بيت يجب أن يسرقوه، حتى تطمئن قلوبهم. والحقيقة تقال فإن مقاييس خيانة الذات وخيانة الآخر تأخذ أشكالا مختلفة، حسب شخصية الفرد وبيئته، وقد تكون بتأثيرات قنبلة ذرية أحيانا، وقد تكون أخف، لكنها بشكل عام مدمرة للطرف الذي تلقى طعنة الخيانة في ظهره.
في لقاء خاص جمعني بكاتب عربي كبير، رحمه الله، سأبقي اسمه سرا احتراما لأولاده، قال لي أن أول خيانة له لزوجته كانت طعنة سامة، ظلّ يعاني منها لفترة طويلة، ثم حين أقدم على الخيانة الثانية كان الأمر أخف وقعا على نفسه، ولم يلاحقه تأنيب الضمير بالقوة نفسها. لكن، قال، إن الخيانة الثالثة جعلت الأمر يصبح سلوكا محببا! وحين سألته كيف استطاع أن يكرر خياناته تلك وضميره يجلده يوميا بعد أول خيانة، أجاب أنه ضعيف أمام غوايات المرأة، وأن الأمر يبدأ بشغف يفوق قدرته على الالتزام والتفكير بعقله، فقد وقع في الحب عدة مرات ودخل في علاقات عابرة بلا حساب، واكتشف سر المتعة، ويعرّفُ الخيانة بأنها فعل لذيذ يجب أن يعيشه كل شخص حر.
السؤال هو: هل يمكن لكل شخص أن يتفق معه في كل هذا الكلام؟ 
وسلفا أعرف أن الإجابات ستكون في الغالب ضد هذا المفهوم الذي يتخذ من الحرية مشجبا لقطعة لحم نتنة، إذ ليس من المنطقي أن نمارس الخيانة بكل أنواعها ونشعر بطمأنينة في القلب.
لكن ميلان كونديرا يقول: «الخيانة هي الخروج عن الصف والذهاب نحو المجهول»، ويضيف في إحدى رواياته «سابينا لا تعرف أجمل من الذهاب إلى المجهول» ومن هذا الباب هناك اتفاق سري لأغلب الكتاب والشعراء و»الهائمين على وجه الفن» يجدون متعة بإلقاء أنفسهم من على الهاوية ليقعوا في منحدر الخيانة، يسقطون ويسقطون ويسقطون ثم ينتهون في القاع شبه موتى ولا أعرف هنا هل النهوض بعد كم من الخيانات سهل؟
خيانة الذات هي جوهر الموضوع، لأن الخائن في قرارة نفسه حين يخون الآخر، صديقا أو حبيبا، أو وطنا أو مبدأ، أو التزاما أو أي شيء آخر فإنّما يعرف جيدا أن أحد ثوابت نفسه تنهار، تهوي دعامة في داخله ثم يتساقط شيئا فشيئا حتى يصاب بصدمة من نفسه ذات يوم، وهو يقف أمام المرآة.
فولتير المنتمي لزمن آخر غير زمن كونديرا يصف مشهد الخيانة بهذه الصيغة المؤلمة ويذهب بعيدا حين يصف شخصية الجاسوس الذي خان أخاه كيف كان يموت يوميا ليس ندمًا بل لأنّه وقع ضحية غش…! في الحروب طبعا الخيانة محاولة لإنقاذ الشخص لنفسه وعائلته، إنها معبر خطير نحو الحياة، ولكن من لديه القدرة لفهم هذه الأحجية المعقدة؟ وبين خائنين كل له مشاعر مختلفة نحو نفسه، يطفو المنكوب الحقيقي على سطح الماء يبحث عن خشبة خلاص، يفقد المخدوع الكثير من شجاعته للنهوض ثانية. يصاب بجبن مفاجئ وكأن حياته كانت متوقفة على شخص واحد هو ذاك الذي منحه الكثير من الثقة وطعنه. وبدل أن يجمع شجاعته في هدوء يقع فريسة وسائله الدفاعية الهزيلة، فيرتدي قناعا في الغالب ليكابر. كل شيء بعدها يتحول إلى مسرحية يؤدي فيها أدوارا مقلقة بحثا عن شخصيته التي دمرها الآخر، فبمفهوم ما الخيانة رفض لشخص أو فكرة أو التزام ما.
أما ذلك الشخص المنكوب فأول ما سيتبادر إلى ذهنه هو لماذا تعرّض للخيانة؟ لماذا هو؟ أين أخطأ؟ وما يثقل حجم هذه الخيانة هو الثقة الكبيرة التي وضعها في طاعنه. من هذا الباب يحفظ البعض حديثا يُنسب للنبي محمد، عليه الصلاة والسلام، يقول فيه «أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وابغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما يوما». وسواء كان الحديث صحيحا أو غير صحيح، فإنه يحمل في طياته رسالة خطيرة، وهي أنه على المرء أن يعيش في قلق دائم، وينتظر خيانة متوقعة من محبيه، فهل يبدو هذا الحديث صحيحا حتى إن صححه الألباني؟ بالطبع قد يكون أحدهم قاله لكنّه ينفي تماما حديثا آخر يقول: «إن بعض الظنّ إثمٌ»، وهذا يعني أيضا أن الشك في علاقاتنا مع من حولنا سلوك خطير يبلغ مرتبة تصنيفه إثما.
ولأنني من الذين لا يتوقفون كثيرا عند جمل من هذا القبيل وأؤمن بالحلول العلمية، فقد آثرت أن تكون محطتي الأخيرة في هذا المقال بعنوان: كيف نشفى من الخيانة؟
أولا علينا أن نعرف أن الخيانة تشطر حياتنا نصفين «الماقبل» و»المابعد». ثانيا علينا أن نعمل على شيئين مهمين جدا: أولا ألا نسمح لأنفسنا لنرتدي عباءة الضحية ونوقف الزمن وحياتنا كلها عند تلك العتبة. في الغالب التخلص من خائن شيء جيد وإيجابي لنا، لهذا علينا أن نشكر الله على نعمته، وأنه لم يربطنا إلى الأبد بشخص سيئ منحناه الثقة ومنحنا خيانة. ثم لنأخذ هذه القاعدة: طالما نفكر في الانتقام من الشخص الذي خاننا فهذا يعني أننا لم نشف من مصابنا.
ما الحل إذن؟
يتفق التحليل النفسي أن إيقاف العلاقة بين الخائن والمخان من طرف هذا الأخير هو الذي ينهي ألم الذات وتوابعها.. حين يقرر المرء بصوت عالٍ أنه لم يعد بحاجة لفلان، فإن النتائج تكون مبهرة. وهناك مقولة رائعة تقول: «الخيانة متعة المنافقين». وعلى كلٍّ فكل الخيانات مقدور عليها لتأديب أصحابها، إلاّ خيانة الذاكرة لنا فهذه من أصعب ما يواجهنا، حين نبلغ الأربعين فما فوق.. ثم تليها خيانة أجسادنا لنا، حين تقرر فجأة أن تتخلى عنّا فنصاب بعطب ينتهي بانتهائنا.



الأحد، 11 أكتوبر 2015

قلوب

يأبى القلبُ إلا أنْ تزورَه الذكرى الموجعةُ في الحادي عشر من تشرين الأول من كل عام.
في صباح مثل هذا اليوم منذ تسعة عشر عاماً فقدت ابني الثاني سلام، هكذا بلا سابق إنذار رحلَ بصمتٍ وسلام...مثل اسـمه، مثل النور المرسوم على وجهه، مثل الصورة التي بقيت في عقلي وأمام عيني..
ذكراه لا تغيب عن بالي، في يوم مولده في9/19 أذكره .. وفي يوم وفاته أذكره.. في الثلاثة أسابيع التي هي مقدار عمره أذكره.. ويعود شريط ذكرى ذلك اليوم بتفاصيله كاملةً أمام عينيّ..

ما أوجع الذكرى ! وما أوجع فقدان الأبناء على قلوب الأمهات!

ربما، لا يتذكره أحدٌ في هذا اليوم سواي، ويأتي من يتقوَّل على المرأة: من أنتِ وماذا فعلتِ؟



قد لا يذكر بعضُ الآباء مولدَ أبنائه الأحياء، فكيف بميتٍ من نـحو عشرين سنة؟! وتبقى الأمُ تستعيدُ اللحظاتِ مع فلذة كبدها منذ اللحظة الأولى لتخلُّقه فيها حتى خروجه منها ...وإلى أن تفارق الروحُ جسدَها.
كلَّ عام وأنتَ في قلبي حيٌّ لا تموت.


الخميس، 1 أكتوبر 2015

الأستاذة ربيعة الناصر

"من لا يشكر الناس لا يشكر الله"
في حياة كلِّ واحدٍ منا يمرُّ أناسٌ كثيرون، لكنّ القلَّةَ القليلة منهم تبقى في الذاكرة وتترك في النفس أثراً لا تمَّحي آثارُه ولا تزول... تماما كالعابرين على هذه الأرض: ملايين وملايين، عاشت ثم ماتت، أما الذين نعرف أخبارهم وآثارهم على هذا الكوكب فقليلون!
ومن القلة التي تنطبع في ذاكرة المرءِ عادةً ولا ينساها بسهولة: أساتذةُ المدرسة؛ فالمعلم -على الرغم من النظرة السلبية التي تحيط به من المجتمع ومن الأفراد، وعلى الرغم من الذكريات المحبطة التي قد تنطبع في ذاكرةٍ كثيرين منّا عنهم- هو من تلك القلّة القليلة التي لا يزول أثرُها على مرِّ السنين.
كم سمعنا من آبائنا عن جيلٍ كان يحترم الأساتذة، ممَّن يغيّرون الدروب خوفَ الالتقاء بأستاذٍ عياناً خارج أسوار المدرسة. كم سمعنا عن مبدعين كان فضلُ أساتذتهم عليهم عظيما. كم سمعنا عن فاشلين كان لأساتذتهم يدٌ طولى في هذا الفشل...  كم سمعنا تلك القصص التي تحكي صورةً نعرفها جميعا، تلامسُ وتراً من ذكرى نقتاتُ عليها في خريف العمر.
عني شخصيا أحتفظ بصورٍ عدة لبعض معلماتي، كلُّ واحدةٍ منهن تتخذ مجلساً لها في ركنٍ مميز من الذاكرة ، بدءاً من معلمة الصف الأول وانتهاء بمعلِّماتي في السنة الأخيرة.
...... هذه المقدمة الطويلة أسوقها في مقام إسداءِ المعروف إلى أهله، إلى واحدةٍ من أولئك اللواتي بذَلْنَ من أنفسهنّ في مسيرتي العلمية ما حقَّــــــقتُه، وما أحقّــــقُه، وما سأحقّــــقه غدا، ممن لهنّ فيه فضلٌ لا يُنكر، وجميلٌ لا تدرُسُ آثارُه. ومن أولئك كانت ست ربيعة الناصر أم طارق.

يوم الأربعاء الماضي 30/9 -الذي صادف اليوم العالمي للترجمة- قادتْني خُطايَ إلى دار المُنى للنشر والتوزيع، لحضور ندوة في الترجمة الأدبية، سررتُ فيها بلقاءٍ رائع، التقيتُ فيه على غير ميعاد بأستاذتنا ربيعة الناصر، وهي أمينة المكتبة في مدرستي مدرسة أم عمارة في إربد، حين كنتُ على مقاعد الثانوية العامة منذ ثلاثين عاماً.
 
يا إلهي! كيف يمكن لبريقٍ في عينين تلتقيان لوهلة، أنْ يمحوَ فراقَ سنين طويلة مرَّت ويشعل النار في القلوب، فكأنكما لم تلبثا إلا عشيةً أو ضحاها؟
غمرتْني سعادةٌ لا توصف بلقاء أستاذتي من جديد، وأخالُها كذلك قد ملأت نفسَها روحُ الفرح    عندما صادفتْ واحدةً من طالباتها أمامها، ما زالت تذكرها بعد هذا العمر.
عفواً... لم أكن حقاً واحدةً من طالباتها بمعنى الكلمة، كانت أمينةَ المكتبة وأنا كنتُ في سنتي المدرسية النهائية ولم أكن أجد وقتاً للمكتبة حينها. وربما لم أتبادل أنا والأستاذة ربيعة كلاماً أو حوارا خاصاً أو موقفاً معينا لتذكرني فيه بعد هذه السنين.. لكنني أذكرها تماما!
أذكرها جيداً في الطابور الصباحي في عباراتها وحواراتها مع الطالبات، في علاقتها الحكيمة مع طالباتِ مدرسةٍ ثانوية حكومية، وما تتطلبه تلك المهمة من حكمةٍ ومهارة. وأذكر زيارةً يتيمةً لبيتها ذات يوم؛ فهي تسكن في حيٍّ قريب، وكانت أختي صديقةً لابنتها. أما الذي ما زال ينطبع في ذهني من تلك الزيارة،  فهي الكتب التي كانت تملأ بعضَ رفوفٍ في الصالة التي جلسنا فيها في بيت ربيعة الناصر؛ إذ عادةً لا يعلق بذهني من الأمكنة التي أحِلُّ فيها- إلا الكتب والنباتات والموسيقا!
.. هذا فقط هو كل ما في الأمر، هذه هي ست ربيعة الناصر في ذاكرتي المدرسية، هذه هي فقط. لكنها كانت وما زالت امرأة مميزة، والمميزون فقط هم الذين يتركون في روحك أثراً إيجابياً لا يقدر عليه غيرهم حتى وإن تركوا أثراً في نفسك.
هذه السيدة المتميزة هي أستاذتي وأستاذة كثيرين وكثيرات مسَّت روحُها شغافَ قلوبنا.. ولا بُدَّ أنها مسَّت شغافَ قلوبِكم ربما دون أن تعلموا، إذا ما علمتم أنَّها والدةُ الموسيقيّ الأردني الشاب المبدع طارق الناصر، الذي لامستْ موسيقاه السحرية أرواحَنا منذ مسلسل "نهاية رجل شجاع"، ومقطوعاته الموسيقية في "فرقة رم"، وإبداعاته الفنية التي لا تتوقف، وهي صاحبةُ "بيت الحكايات والموسيقا" للأطفال، حيث تبدأُ الحكاياتُ ولا تنتهي، حيث القراءةُ طقسٌ يوميّ زادُ الروح وخبز العقل!
هذه هي ربيعة الناصر في نفسي... انتصبت واقفةً من مجلسها الذي تتخذه في ذاكرتي، لتقول لي ولكم الإنسان المميز يترك بصمته التي لا تُنسى في أي مكانٍ حلَّ وفي أي زمانٍ كان! ويُبعَث في كلِّ خفقةٍ من قلبٍ محبٍّ يعرف الوفاء... ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
استمتعوا بموسيقا نهاية رجل شجاع

الأحد، 20 سبتمبر 2015

أزهار قرطبة... ربيعٌ لا ينتهي





حين تسير في شوارعِ قرطبةَ الجميلةِ وأزقّتِها، لا يمكنُ إلا أنْ يأخذَكَ جمالُها، وتأسرَكَ نظافتُها، وتستحضرَ روحُكَ ما كنتَ تقرؤُهُ مدوَّناً في مصادرِنا الأندلسيةِ من اشتهار أهل الأندلس بالنظافة والتدبير والمروءة، "ففيهم من لايكون عندَه إلا ما يقوتُ يومَه فيطويه صائماً ويبتاع صابوناً يغسل به ثيابَه، ولا يظهر على حال تنبو العينُ عنها".

وأنتَ تجد حتى اليوم مصداقاً لهذا في الغادين والرائحين في المدينة القديمة، بثيابهم الأنيقة النظيفة، على بساطتها وعلى ذوقها الغجري، وتجد ذلكَ أكثر في الجدران البيضاء التي تسرُّ أعينَ الناظرين، وفي طلاءِ الأبواب وإطاراتِ النوافذ بما يبهج النفس من الأزرق والأخضر... وإنَّكَ لتجدُ ذلك في الأصصِ المنتشرة بذوقٍ لا تخطئُه العينُ- على الجدران ناصعة البياض، فيمنحكَ الأخضرُ والأزرقُ والأبيضُ تشكيلاً بصرياً يأخذُ جمالُه بالأرواح. ثم تعطفُ عليه الزهرَ المختلفةَ ألوانُه فتكونَ أنتَ الآنَ في قطعةٍ من السِّحر الحلال..



ومن الأشياء التي قد تستحوذ على اهتمام مَن لديهم ميلٌ إلى شؤون الفِلاحة والعناية بنباتات الأصص أو أزهار الرياض، مسألةُ سقايةِ الأزهار المعلَّقةِ على الجدران السابحةِ في الفضاء الأبيض الناصع.. فكيف يستقيمُ لهذه الأزهارِ المبهجةِ للسائرين في الأزقة والطرقات، كيف يستقيمُ لها أنْ تبقى الجدرانُ على أبيضها الناصع، وأنْ تبقى الأصصُ على ألوانها الزاهية الطبيعية أو الخضراء والزرقاء وهي تحتاج الري والارتواء؟



والجواب في هذا النصب التذكاري الذي يمثِّل لحظةً من اللحظات الحلوة التي يقضيها المرءُ في ظل العناية بالنباتات والأزهار، ألا وهي السقاية، اللحظة التي نمنحُ فيها هذه المخلوقاتِ سرَّ الحياة وروحَ الله، كي تبقى تسبِّح بحمده ونبقى نسبِّح بحمدِ واهبِ الجمالِ والحياة!


في هذه المجموعة من الصور قطعةٌ من سحر قرطبة، وقطعةٌ من سحر الفِلاحة التي أورثَها أجدادُنا في ديار الأندلس وخلَّفوها بعد الرحيل.. ولكم في جمالها متعةٌ يا أولي الألباب!




  


الصور من:

http://www.artencordoba.com/PATIOS/Patios-Cordoba-monumento-escultura.html