أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 20 سبتمبر 2015

أزهار قرطبة... ربيعٌ لا ينتهي





حين تسير في شوارعِ قرطبةَ الجميلةِ وأزقّتِها، لا يمكنُ إلا أنْ يأخذَكَ جمالُها، وتأسرَكَ نظافتُها، وتستحضرَ روحُكَ ما كنتَ تقرؤُهُ مدوَّناً في مصادرِنا الأندلسيةِ من اشتهار أهل الأندلس بالنظافة والتدبير والمروءة، "ففيهم من لايكون عندَه إلا ما يقوتُ يومَه فيطويه صائماً ويبتاع صابوناً يغسل به ثيابَه، ولا يظهر على حال تنبو العينُ عنها".

وأنتَ تجد حتى اليوم مصداقاً لهذا في الغادين والرائحين في المدينة القديمة، بثيابهم الأنيقة النظيفة، على بساطتها وعلى ذوقها الغجري، وتجد ذلكَ أكثر في الجدران البيضاء التي تسرُّ أعينَ الناظرين، وفي طلاءِ الأبواب وإطاراتِ النوافذ بما يبهج النفس من الأزرق والأخضر... وإنَّكَ لتجدُ ذلك في الأصصِ المنتشرة بذوقٍ لا تخطئُه العينُ- على الجدران ناصعة البياض، فيمنحكَ الأخضرُ والأزرقُ والأبيضُ تشكيلاً بصرياً يأخذُ جمالُه بالأرواح. ثم تعطفُ عليه الزهرَ المختلفةَ ألوانُه فتكونَ أنتَ الآنَ في قطعةٍ من السِّحر الحلال..



ومن الأشياء التي قد تستحوذ على اهتمام مَن لديهم ميلٌ إلى شؤون الفِلاحة والعناية بنباتات الأصص أو أزهار الرياض، مسألةُ سقايةِ الأزهار المعلَّقةِ على الجدران السابحةِ في الفضاء الأبيض الناصع.. فكيف يستقيمُ لهذه الأزهارِ المبهجةِ للسائرين في الأزقة والطرقات، كيف يستقيمُ لها أنْ تبقى الجدرانُ على أبيضها الناصع، وأنْ تبقى الأصصُ على ألوانها الزاهية الطبيعية أو الخضراء والزرقاء وهي تحتاج الري والارتواء؟



والجواب في هذا النصب التذكاري الذي يمثِّل لحظةً من اللحظات الحلوة التي يقضيها المرءُ في ظل العناية بالنباتات والأزهار، ألا وهي السقاية، اللحظة التي نمنحُ فيها هذه المخلوقاتِ سرَّ الحياة وروحَ الله، كي تبقى تسبِّح بحمده ونبقى نسبِّح بحمدِ واهبِ الجمالِ والحياة!


في هذه المجموعة من الصور قطعةٌ من سحر قرطبة، وقطعةٌ من سحر الفِلاحة التي أورثَها أجدادُنا في ديار الأندلس وخلَّفوها بعد الرحيل.. ولكم في جمالها متعةٌ يا أولي الألباب!




  


الصور من:

http://www.artencordoba.com/PATIOS/Patios-Cordoba-monumento-escultura.html

الأحد، 13 سبتمبر 2015

ربيع قرطبة ...بعيداً عن التاريخ قريبا من الحياة


استبدَّ بي شوقٌ متجدد لا ينقضي إلى الأندلس، وكان صديقٌ أرسل لي يسأل عنها، فعادوتُ مشاهدةَ حلقاتِ الثلاثيةِ الأندلسية التي تكونت من مسلسلات: صقر قريش (2002) و ربيع قرطبة (2003) وملوك الطوائف (2005)، من تأليف أستاذي المبدع د.وليد سيف وإخراج المخرج المتألق حاتم علي، وتمثيل نخبةٍ من الممثلين السوريين والمغاربة .. وهذه الثلاثية هي من المسلسلات التاريخية المتميزة لهذا الفريق...

شكرا في هذا المقام أزجيها للإنترنت وخاصة تطبيق الـ Youtube ؛ الذي يتيح الحصول على ما يحضُرُ في الخاطر من أعمالٍ دراميةٍ أو معلوماتٍ أو ذكرى مضَتْ من الذاكرة، وربما عفا عليها الزمن.
 فكان أن استمتعتُ على مدى ثلاثة أيام من الإجازة -بعد انتهاء الفصل الصيفي بعمله وثقله- بمتابعةِ واحدٍ من أجملِ المسلسلات التاريخية التي قدَّمتْها الشاشةُ الفضيةُ للجمهور منذ سنين.

 وقد كنتُ حين تابعتُ هذا الإنتاج منذ ما يزيد عن اثني عشر عاماً أستحضرُ الصورَ القديمةَ المطبوعة في ذاكرتي وأنا طفلة عن المسلسلات التاريخية المملة، التي كان يجب علينا متابعتُها، في ظلِّ قناةٍ تلفزيونيةٍ رسمية وحيدة، في أيام الجُــمَع أو شهر رمضان أو بعض المناسبات الدينية: حيث تمتلئ المسلسلات التاريخية بـ (الديكورات ) الخشبية الهشة؛ ما يزيد من هشاشة المشهد تمثيلاً وأداءً.. كما تزيد من هشاشتِهِ وضعفه تلك الملابسُ العجيبةُ المستخرجة من جوفِ تاريخٍ لا ندري كيف وصل إليه أو تفتَّــــقت عنه أذهانُ العاملين على تلك المسلسلات..ويزيد من ركاكة تلك المسلسلات ذلك الحوارُ الذي يمضي طوال حلقات المسلسل على ألسنة الممثلين، في رتابةٍ وعلى نغمةٍ واحدةٍ لا تعلو ولا تنخفض، وفي صَنَميةٍ مفتعلةٍ للغة العربية الفصحى، تنفِّر المستمع منها، وهي اللغةُ التي ما ضاقت يوماً عن أن تسَعَ الاختلاجاتِ والابتهاجاتِ والأحزانَ والأشجانَ ومعاني الوجدان..حتى تغير الحال ووجدناها رائعة وشائقة في برامج الأطفال مثلا حين يتكلمون في كل شؤون الحياة بانفعالٍ وتلوينٍ للكلام وتنغيم يعبِّر عن المواقف الحقيقية بطبيعيةٍ وتلقائيةٍ جذابة.
هذه بعضٌ من جوانبِ الهشاشةِ والضعف الذي كان يطبعُ الأعمالَ الدرامية التاريخية في الماضي.. لكنَّ الماضي يتغيَّر مع هذه الثلاثية الأندلسية التي قدَّمها المخرج حاتم علي وفريقه، في عملٍ يحمل بصمةً لا تُخطئها ذائقةُ المتابعِ؛ إذ يمشي التاريخُ فيها على قدميْن وتُبعَثُ الروح من جديد في أجساد من قضَوْا وراحوا.. ليقوموا من جديد بكلِّ ما في حياتهم من صخبٍ وألَق، وبهجةٍ وحزن، وسرورٍ وحبور..بكل ما في تلك الحياة من إثمٍ وطهر، من ذنب وتوبة... بكلِّ ما فيها من غضبٍ وهدوء.. بكل ما في النفس البشرية من تناقضاتٍ جَعَلَها المخرجُ تنطقُ في حركةٍ الممثلين، وثيابهم، وكلامهِم، وإيماءاتهم، ونظراتهم، وآهاتهم.. بل حتى نبضات قلوبهم..بحيث نرى أجدادَنا في الماضي أقربَ للبشر منهم إلى الأنبياء، أقربَ للأرض منهم إلى السماء.. أقربَ للقلب منهم إلى أي شيء آخر.. بحيث نرى فيهم أنفسَنا..
بحيث نوقنُ أنَّ التاريخ حقاً يعيد نفسَه، وأنَّ اللهَ الذي يُبدئ ويُعيد بقادرٍ على البدء والإعادة من جديد كلما استلزم الأمر، لكننا –للأسف- ننظر ولا نتعلم.
كانت أهم ميزات المسلسل أنه ابتعد عن (الديكورات) الخشبية المصطنعة لواقعِ الماضي، التي احتلَّت مخيالنا وذائقتنا البصرية الجمالية لمدة غير قصيرة، ورسمتْ حياةَ أجدادِنا في قالبٍ نمطي غير جميل، يتناقض مع الروايات التاريخية التي تنص على غير ذلك، لينتقل التصويرُ إلى مواقعَ حقيقيةٍ من قصورٍ وحدائقَ وبيوتٍ وشوارعَ...وغيرها، وارتدى الأجدادُ ملابسَ عاديةً قريبةً لروح العصر..
وصارت اللقطاتُ تحتفلُ بأطفالٍ في الصورة التلفزيونية، تُقنع المُشاهِدَ أنَّ التاريخَ الذي يُعرَض هو منّا، مِــــــنّا نحن الذين نحبُّ كثرةَ المواليد وتزخر بهم الحاراتُ والأزقة والبيوت والقصور... فكيف يختفون بقدرة قادر في المسلسلات التاريخية والأعمال الدرامية التي تحكينا؟؟
الشكر موصولٌ مجدداً للصديق الذي فتح قلبي على هذه الذكرى، والشكر موصولٌ لليوتيوب الذي يتيح لنا استعادةَ اللحظاتِ الجميلة؛ إذ أصبحت الأعمالُ الدراميةُ والإعلامية المرئية، جزءاً من واقعنا الذي يشكِّل –في بعض الأحيان- كثيراً من قناعاتنا، في ظلِّ ابتعادٍ حقيقي عن المطالعة التي هي طريق المعرفة الأولى.
في المقاطع السابقة على صفحتي من مسلسل (ربيع قرطبة) بعضٌ من قصة حبٍ طاهرة قد يعيشها آخرون في زمنٍ آخر، وسواء أاتفقت المصادرُ التاريخية على صحَّتِـها أو تلفيقها، فإنَّ كاتبَ النص والمخرج والممثلين قد أبدعوا جميعاً في بثِّ ماءِ الحياة في القصة من جديد، وبث ماءِ االحياةِ فينا؛ بهذا التمثيل الذي يكاد يقترب من الحقيقة ويجعلنا نلمسها بأيدينا.
في الحقيقة.. أجدُ في مثل هذه المسلسلات فائدةً كبيرة في العملية التربوية والتعليمية، أدعو إليها زملائي وطلبتي، بإضافةِ مادةٍ مشوقةٍ باللغة العربية الفصيحة الرشيقة الحقيقية، التي أبدع الممثلون في أدائها ونطقها، كي يعرف طلبتُنا أنَّ اللغةَ العربية فيها سرُّ الجمال والإبداع، وأنها يمكن أن تكون على لسانهم سلسبيلا لا تنقطع خيراتُه. وأنَّ التاريخَ المحنطَ في صفحاتِ الكتب المدرسية والجامعية، يمكن له أنْ يُبعَث حيّاً في مشاهدَ تقرِّبُ لطلبتنا التاريخَ الذي نحدِّثهم ببعض أخباره في المحاضرات والكتب.
هذا ما تفعله الأندلس فينا: ففيها الروح، وفيها الجمال، وفيها الحب،.. وفيها الموعظةُ والذكرى. 
صباحكم معطر بعطر الأندلس ونسماته البهية.

في الرابط مشهد يومي من التاريخ

في السوق.. اصطياد قلوب الزبائن في البيع والشراء
 https://www.youtube.com/watch?v=AoMXRnCDCR8