أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

هل أنا أم مثالية؟

بقلم: رجاء العيادي

كثيرا ما تتساءل الأمهات إن كن أمهات جيدات لأبنائهن.. كثيرا ما تصاب الأم بالاحباط وهي تقارن نفسها بصديقتها أو ابنها بابن قريبتها.. أمهات يسعين للمثالية في تربيتهن لأطفالهن حتى لو لم يسعين إليها في أنفسهن..

ففي ظل انتشار صفحات الأمهات اللواتي يشاركن أنشطتهن مع أطفالهن؛ هذه تقوم بنشاط حسي حركي، وأخرى ترافق ابنها إلى نادي السباحة، وتلك تدرس ابنها بأحدث الانظمة النعليمية، وهذه تحفظ أبناءها القرآن منذ السنتين، وتلك أنشأت لابنها مسجدا في البيت، ناهيك عن التي تبدع في الأطباق المتنوعة والمزخرفة.. تجد الأم تتحسر بين هذه الصورة وتلك وتلوم نفسها لعدم قدرتها على توفير ما توفره الأمهات لأبنائهن، ولو أن تلك المشاركات قد يكون الهدف منها التشجيع وتبادل التجارب..

فاجأتني ابنتي في أحد أيام عطلة نهاية الأسبوع، التي لم يتيسر لنا فيها الخروج إلى أحد الملاهي أو الحدائق كما اعتدنا، فاكتفينا بمشاهدة أحد الأفلام في البيت منكمشين تحت غطاء واحد، فقالت: أمي، هذه أجمل عطلة نهاية أسبوع أمضيتها في حياتي.. وكذلك ابني الذي يفضل ألف مرة أن ألعب معه الكرة بكل عفوية على أن أسجله في أحد نوادي كرة القدم..

أنتِ، أسرتك، أبناؤك.. لستم نسخة من أحد، وليست هناك وصفة موحدة للتربية الناجحة والأسرة السعيدة.. كل له ظروفه وكل له شخصيته، وكل أسرة لها تركيبة خاصة بها تجعل منها حالة مختلفة تسعد بطريقتها وتربي بوسائلها وتعيش بنمطها..
يحز في نفسي عندما أجد أمّاً تشتغل وقلبها يتحرق على ابنها الرضيع الذي تركته مع المساعدة أو الجارة أو الحضانة.. وتجلد نفسها كل يوم على هذا الوضع، لأنها لم تعط طفلها حقه كما تفعل الأمهات المثاليات..
إنْ كنت قد اخترت العمل أو الدراسة، بعد أن فكرت مليا في الأمر وراعيت في ذلك جميع الظروف المتعلقة بهذا القرار من ظروف مادية واجتماعية وثقافية وشخصية، وراعيت فيها وضعية أبناءك، والاختيارات المتاحة.. وسددت وقاربت وتبين لك أنه القرار الأنسب في ظل كل تلك الظروف، فانطلقي إلى عملك وعيشي في سلام مع نفسك واعلمي أنك لم تظلمي أحدا وأنك أم مثالية.. وإن كنتِ قد اخترت عدم العمل ورعاية أبنائك بنفسك، لأن هذا أنسب بالنظر لظروفك، فأنت أم مثالية..

الأم المثالية قد تغضب وقد تصرخ، وهذا لا ينقص من قيمة أمومتها شيئا.. الأم المثالية قد تكتفي بوضع فطيرة خبز بالجبن وتفاحة في محفظة ابنها ليتناولها في الغذاء.. الأم المثالية قد لا تستيقظ باكرا لتعد الفطور لأبنائها في الصباح وتعطيهم تمرات وحليب.. الأم المثالية قد لا تراجع مع أبنائها دروسهم ولا تساعدهم في حل واجباتهم.. الأم المثالية لا تقوم بالضرورة بأنشطة المونتسوري مع أبنائها في البيت.. الأم المثالية قد تذهب لممارسة الرياضة وتترك أطفالها مع المساعدة… الأم المثالية قد لا ترضع طفلها حولين كاملين..
الأم المثالية تعطي أفضل ما عندها في ظل ظروفها.. فهذه تصبر وتعطي أفضل ما عندها في ظل قهر زوجها لها.. وتلك مطلقة تشتغل وتعطي أفضل ما لديها في ظل ظروفها.. والأخرى مريضة تكابر وتعطي أفضل ما لديها في ظل تعبها.. وأم عصبية تحاول أن تعالج الأمر وتعطي أفضل ما عندها في ظل عصبيتها.. والمتفرغة تلاعب أبناءها وتعطي أفضل ما لديها في ظل تفرغها.. والغنية تدرس ابنها في أحسن المدارس وتعطي أفضل ما لديها في ظل غناها.. والطالبة تدرس وتعطي أفضل ما لديها في ظل انشغالها..
فيكفي أن تحبي أبناءك وتغدقي عليهم من حنانك، تمضي معهم وقتا نوعيا ولو كان قليلا، تسعديهم بما يحبون، تقتربي منهم في ساعة فرحك، وتعتزليهم ساعة غضبك.. حاولي أن تبحثي في عالم التربية وتستفيدي من التجارب، ونزليها بتصرف وفق امكانياتك وتطلعاتهم.. أعطيهم أفضل ما عندك في ظل ظروفك..
وأبشري فأنت أم مثالية..

الأحد، 29 أكتوبر 2017

الباب الخشبي!

منقول
لم يلاحِظ آثارَ البكاءِ على ملامحِ ابنِـه ذي الثلاثةَ عشَرَ ربيعاً عندما التقطه من أمامِ بوابةِ المدرسة نـهايةَ الدوام؛ استمرَّ في القيادةِ حتى وصلَ البيتَ، وصَعِدا معاً الدرجاتِ القليلةَ التي تؤدي إلى بيته في الطابق الأول.
 اتجه الابن فوراً نحو غرفته، بينما دخل الزوجُ إلى المطبخِ حيث كانت الزوجةُ تضفي لمساتِها الأخيرةَ على وجبة الغداء. بادرها بالسلام فردَّتـهُ بأحسنَ منه، ثم قالت وهي تبتسم:"كيف كان يومك؟" ردَّ بآليةٍ وهو يلتقط بأصابعه بضعَ حباتٍ من الأرز: "تمام، تأخرتُ قليلاً على محمد، ولكنني وجدتُه ينتظرُ عندَ البوابةِ".
ضحكتْ الزوجةُ وقالت: "هذا جيد، فهو ما زال غاضباً منك لأنك نسيتَه البارحة، واضطُرَّ إلى العودة وحدَه"... تحرَّك خارجاً من المطبخ وهو يقول بلامبالاة: "كنتُ سأنساه اليومَ أيضاً لولا أنْ ذكَّرْتِـني....غداً سيصطحبه جارُنا أبو محمود، لقد طلبت منه أن يتولى المهمة".
كانت الزوجةُ ترتب الأطباقَ على الطاولة عندما خرج محمدٌ من غرفتِهِ يحمل منشفته متجهاً نحو الحمام، فبادرته بالقول: "محمد؟! دخلتَ إلى غرفتك دون أن تحيِّـيني!". أحنى رأسَه قليلاً وهو يواصل مسيره نحو الحمام:"آسف، دقائق وسأعود" . كان يحاول أنْ يتملَّصَ منها، إلا أنَّ صوتَـهُ المتهدِّجَ حالَ دون ذلك؛ فقد كشف ذلك الصوتُ عن أنَّ الصبيَّ كان يبكي بحرقة؛ التفتتْ إليه بقلقٍ ولهفة واقتربت منه قائلةً:"لحظة، ما بك؟ أكنتَ تبكي؟" ...

انفجر في البكاء فوراً وتَحَشْرَجَ صوتُه بالكلمات:"نعم كنتُ أبكي، أريد أنْ أستحمَّ الآن، اتركيني وحدي"... تركَتْـهُ وهي تفكر في أنَّ الماءَ الباردَ في هذا الجوِّ الحارِّ ربما يهدِّئُ من نفسه قليلاً... على أي حال ستراقبه، إذا تأخر لنْ تتركه وستستعجله على الفور.
خرج الزوج بعد أنْ استبدل ثيابَه ليجلسَ إلى الطاولة ويبدأ فوراً في سكب الطعام في صحنه، قال:"أضحكني أبو محمود اليوم، فقد كان عندي وتحادَثْـنـا بشأنِ عودة الصبيَّـيْن من المدرسة، حضر للورشة حتى يطلبَ مني استبدال بابَهُ الحديديَّ بآخر، قد صدَأَ بابُـهم لكثرةِ ما تغرقه زوجتُه بالماء، كان يمازحني محاولاً معرفةَ سببِ عدم صدأ بابِنا رغم مرور سنواتٍ عديدة" .
لم تردّ الزوجةُ ولم يأبه الزوجُ لعدم ردِّها واستمرَّ في الحديث: "الطعام ينقصه بعض الملح، ناوليني الملح لو سمحتِ" ناولته الملح وقالت:"ألاحظت أن محمدا يبكي؟" أجاب:"لا، متى كان يبكي؟".
 قالت الأم:"الآن، قد كان يبكي بالفعل، أرجوك أن تتحدث إليه".لم يتوقف الزوج عن تناول الطعام وهو يقول بلامبالاة: "عزيزتي، سبق وتحدثنا في هذا الأمر، إن عبءَ التربيةِ يقع عليكِ وحدَكِ، أنا لستُ متفرغاً لمثل هذه التفاهات". ارتفعت حدَّةُ صوتِ الزوجة قليلاً وهي تقول باستنكار:"تفاهات؟! أنت لا تـهتم بأيِّ شيءٍ على الإطلاق، لا فيما يتعلق بمحمد فقط".. أضاف بـهدوءٍ ساخر:"وأنا لا أتقن إلا العمل والإنفاق على المنـزل، وأنا لا أتدخل في شؤون البيت، وأنا لا أرافقكِ إلى السوق، وأنا لا أخرجُ معكما للتنـزه … أكملي يا عزيزتي.. أم هل أكملُ أنا؟!" .
تأففت ونـهضت لتستعجل محمداً ثم عادت لتجلس بعصبية، سحبتْ نفساً عميقاً وقالت:"عزيزي، إنَّ محمداً قد كبر، وهو الآن يخلع عنه ثوبَ الطفولة ليرتدي حُـلَّةَ الرجال، هو أحوجُ إليكَ مني".
 قال الزوجُ الجائع دون أنْ ينظر إليها:"حسنٌ قولُكِ، سأعتني به حالما يترك الدراسة ويأتي للعمل معي في الورشة، سأعلمه كيف يصنع أبواباً لا تصدأ مثل بابِنا، سأصنعُ منه رجلاً وسأفخر به بين الرجال".
ردَّت بيأس:"أهذا ما تريد؟ ألن تعتني به إلا إذا اختار طريقك؟ إنَّ ابنك قد اختار طريقاً آخر فسانِـدْه حتى لا تفقدَه، إنكَ تفقد كلانا يوماً بعد يوم: تحلُّ علينا كالضيف، لا تعلم بأدق تفاصيل حياتنا،  ولا تعلم عنا شيئاً يُذكر ".

 نـهض ناظراً إليها بضجر:"الحمد لله، قد شبعت، يبدو أنني سأخرج مبكراً فلست في مزاج للعراك". توجَّه نحوَ الباب وهمَّ بالخروج عندما نادته الزوجة قائلةً: "أبا محمد".. التفتَ إليها.. فبادرته بالسؤال:"أتعلم لماذا لم يصدأ بابُنا رغم مرور السنين؟"..  عقد حاجبيه في فضول، لقد كان يريد أن يعرف الجواب حقاً، قالت وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها وتنظر إليه باستخفاف:"لأن بابنا ليس حديدياً"!!

السبت، 14 أكتوبر 2017

حذار من تصديقهم دائما!

غادة السمان
http://www.alquds.co.uk/?p=808272

قرأت في الصحف عن إشكالية مدرسية أثارها الأستاذ محمد خمريش ـ من جامعة «الحسن الأول» في المغرب ـ بسبب سؤال طرحه على التلامذة في الامتحان، وأثار سؤاله استغراب العديد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بل والاستنكار «للجهل الفظيع لدى بعض أساتذة الجامعات». كما قال بعضهم. ولا ادري ما إذا كانوا على حق ام لا، لأنني لم أطلع على السؤال إياه. ولكن ذكرني ذلك كله بحكاية شخصية حدثت لي وعلمتني عدم الثقة كثيرا في البيت الشعري الذي يقول:

قــم للمـعــلم وفــــه التبجــــيلا
كـاد المعــلم أن يكـــون رســـولا..

ولكنه ليس كذلك في بعض الأوقات.. ولي تجربة شخصية (تحذيرية) لسواي في هذا الحقل.

ابنك لا يصلح للعلم!
لا زلت أذكر اليوم الأول لإبني في المدرسة حين وقفنا على الرصيف والده وأنا ومشى للمرة الأولى إلى داخل المدرسة، بعدما التفت نحونا نصف خائف وفرحنا بدخوله إلى «حقل العلم»..
وبعد عام من ذلك اليوم وصلتنا ورقة من معلمته في المدرسة (ل.م) تحدد لنا موعدا لمقابلتها لأن ابننا غير صالح للعلم وفهمنا من نبرة سطورها أنها لا تحبه!..
واتصلت بصديقة (حميمة) لي تعمل أستاذة في المدرسة ذاتها هي (ن.ش) وطلبت منها أن تحصل على بعض المعلومات من معلمته عن سبب حكمها الخطير عليه. وبعدها بأيام ذهبت إلى المدرسة انطلاقا من موعد مع الأستاذة صديقتي ناديا. ش. وما كادت تراني حتى قالت لي بالحرف الواحد كلمتين بالعامية اللبنانية لن أنساهما يوما هما: «ابنك طش» أي أنه «لا يصلح للعلم»
لم أعلق. غادرتها بحزن عميق ولكنني قلت لنفسي وأنا أغادرها: ماذا لو كانت أستاذته هي (طش) لا هو؟ ماذا لو كانت همومها الشخصية تتغلب على حيادها العلمي والقضية مزاجية؟

انقلوه إلى مدرسة أخرى!
وهكذا قررت تبديل المدرسة بدلا من تبديل ابني! واستطعت تسجيله في مدرسة أخرى راقية أيضا وهناك نجح بتفوق، وتذكرت كل ما تقدم يوم حفل تخرج ابني من جامعة أمريكية شهيرة حاملا شهادة الدكتوراه ثم عمله كأستاذ جامعي في واحدة من أهم الجامعات في أمريكا..
وكان يــــرن في اذني صـوت صديقــــتي (الوفية): «ابــــنك طش» وأسخر منه. وأيضــا تذكرتها يوم قرأت اسمه في موسوعة who is who في أمريكا! وردد الصدى عبارة «ابنك طش»!!
وقد كتبت كل ما تقدم لأقول للأهل الذين يعانون من حكم أستاذة/أستاذ ما بأن أولادهم لا يصلحون للعلم بأنه قد يكون الأستاذ نفسه لا يصلح للتعليم!

مقدسات تقليدية لإعادة النظر
نعم. «كاد المعلم أن يكون رسولا» لكنه بشر يخطئ ويصيب.. ويقف أحيانا ضد الطالب دونما مبرر (علمي) لذلك بل بمبرر مزاجي. و(تقديس) المعلم في حاجة إلى إعادة نظر لأنه بشر وكثيرة هي (مقدساتنا) التقليدية التي ينبغي إعادة النظر فيها وتقضي الأمانة العلمية القول: ما أكثر الأساتذة الذين يغرسون ضوء المعرفة في النفوس مقابل مادي زهيد هو راتبهم!.. ولكن، قد يكون من المفيد للأهل تبديل مدرسة الطالب المتهم بأنه (طش) للاطلاع على وجهة نظر أخرى حوله، كما نعيد النظر في رأي طبي لا يقنعنا ونذهب إلى طبيب آخر لرأي إضافي ونكتشف أننا كنا على حق. وقد أحببت كتابة هذه السطور والمدارس في مطلع (اقتراف) سنة دراسية جديدة والوقت متاح لتبديل المدرسة لطالب متهم بأنه (طش)!..
أعرف أن التدريس يتطلب أصعب الشروط: الحياد العلمي وهو ما لا يحظى به الكثير من الطلاب الأطفال الصغار من أهل (الشغب!). ولأن الحياد المطلق ليس صناعة بشرية، لا مفر من إعادة النظر في المقدسات التقليدية كلها وبينها التعامل مع الأستاذ على انه بشر آخر له أمزجة وأخطاء.

إبداع «الرؤوس» أم «الأقدام»؟
قرأنا في الصحف أن لاعب الكرة البرازيلي «نيمار» سيحصل على 45 مليون يورو كراتب سنوي لخمسة أعوام لأنه انضم إلى PSG أي نادي «باريس سان جرمان» لكرة القدم. وأن النادي دفع 222 مليون يورو مقابل صفقة انتقاله من برشلونة الإسباني إلى PSG الباريسي.
فرنسا استقبلت «نيمار» استقبال الفاتحين في المطار والملعب وتسابق الشبان إلى تقليد تمشيطة شعره وارتداء قميص يحمل اسمه بل وبيع من تلك القمصان في يوم واحد مئات الآلاف.. وهو ما لم يحظَ به يوما أصحاب الأدمغة مثل أديسون واينشتاين ونيوتن ومدام كوري وسواهم من كبار العلماء الذين بدلوا حياتنا وأخص بالذكر مخترع الكهرباء..
صديقتي اللبنانية المقيمة في باريس مثلي التي قالت عن حفيدها معلمته الفرنسية ما معناه إنه (طش) في العلم، قالت لي إن ذلك (من حظه) فهو يعشق كرة القدم وبساقين موهوبتين في حقل مداعبة الكرة وركلها.. ترى هل صار علينا تطوير أفكارنا مع روح العصر والكف عن اعتبار (الرأس) أهم من (القدم) وعلينا الفرح لأن الأحفاد (طش) في العلم لكنهم يتقنون فن إدخال الكرة في الهدف؟..
أسئلة كثيرة يطرحها عصرنا على الذين ما زالوا مثلي يتوهمون أن إبداع الرأس أهم من مهارة القدم.. وأعترف أنني حائرة ولا أعرف: ترى هل كسب المال هو وحده مقياس النجاح في عصرنا؟ أم ماذا؟ وما رأي القراء في ذلك؟