أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 17 يناير 2018

7 رسائل بين «الجنوبيّ» وحبيبته «عبلة»


رحلة البحث عن 35 جرام تفاهُم بصُحبة المجنونة الصغيرة



بعد محاولاتٍ بائسة من الصحفيّة المبتدئة وقتها أن تلتقي الشاعر المُخضرم «أمير شُعراء الرفض»، لتُجري معه حوارًا لصالح جريدة «أخبار اليوم» لا تضمن تمامًا أنه سيُكلل بالنشر، فالشاعر اليساريّ لم يكُن وقتها خفيفًا على قلب من بيدهم أمر النشر من عدمه في الجريدة الحكوميّة، احتمل «جارسون» مقهى «ريش» مأوى الشاعِر المُفضل أول عربون الرسائل بين «أمل» و«عبلة» خطّت الصحفيّة فيها:
«الأستاذ أمل دُنقُل.. يبدو أن العثور عليك مُستحيل، يسعدني الاتصال بي في جريدة الأخبار، ويُشرفني أكثر حضورك»، لتترُكها الصحفيّة في حضرة فتى المقهى المُرشِد يحرُسها ويُعطيها للشاعِر الليليّ، ليكتفي الشاعر بإسعادها، حد وصفها في كتابها عنه «الجنوبيّ»، مادّا بذلك أوائل حِبال الود بين الشاعر والصحفيّة باتصاله بها على «تليفون» الجريدة.
«المصري لايت» يرصد قصّة لقاءه وغرامه بالصحفيّة «عبلة الرويني»، والتي ما إن جمع بينهُما القدر حتى باغته سرطان ملعون، بعدما كانت قد أرّخت لها باقة من رسائلهُما، وتنبّهت السيّدة لما تحمل هذه الرسائل من تفاصيل إنسانية متشابهة مع أغلب قصص المحبة تُرشحها بقوة لتُصبح نصوصًا رائعة من «أدب الرسائل»، لتنشُرها في غير موضع من بينها كتاب «الجنوبي» وأرشيف مجلة «أخبار الأدب».

7.من بين هدايا الصداقة الأولى، أهدى أمل لعبلة نسخة من ديوانه «العهد الآتي» قبل أن يُنشَر، وبخطوط مُلونة ومنمّقة اتخذ صفحته الأولى موضعًا لرسالة مُقتضبة تليق بين صديقين ما لبثت معرفة العمل أن تحوّلت إلى صداقة بينهُما:
«إلى صديقتي المُشاكسة، العزيزة جدًا علىّ، رغم أني لستُ عزيزًا عليها».

6.لكن على مايبدو أن ديوان «العهد الآتي» كان قد استحلى أن يكون محلاً لرسائل أمل وعبلة، فعلى نسخة الديوان المنشورة عن دار مدبولي عام 1975، وبعدما أصلح بعد أخطاءها المطبعية، كتب لها رسالةً قصيرة مُعلنًا عن تحوّل الصداقة مابينهما إلى محبّة وليدة:
«إلى الآنسة عبلة الرويني، كان من المُمكن أن تكون صديقتي، لكن عنادها حطم هذا الاحتمال، أرجو أن يكون هذا الكتاب عند حسن ظنها، مع تقديري لشاعريتها».

5.أمل، الذي لم يكُن مولعًا بالنثر تمامًا، اجتذبته محبة عبلة إلى ميدان النثر، فنظم لها خطابًا يُعلن لها عن حُبها له فيه، تقول عبلة في كتاب «الجنوبي» «أمام عدم قدرته على الإفصاح عن مشاعره بشكل صريح راح يكتُب لي».
«صباح الخير..
في المثلث الشمسي الممتد من الشباك إلى زاوية سريري أراك متمددة في الذرات الذهبية والزرقاء والبنفسجية التي لا تستقر على حال، تمامًا كنفسيتك ومع ذلك ابتسم لك وأقول صباح الخير أيتها المجنونة الصغيرة التي تريد أن تلف الدنيا على أصبعها، والتي تمشي فوق الماء وتريد ألا تبتلّ قدماها الفضيتان.
المسافة بين أمس واليوم لقاؤنا الممتد طريق ينشق في قلبي، في كل مرة أضطر إلى أن أتركك أحس أن لقاءنا الأول هو لقاؤنا الأخير، والعكس صحيح.. لا أعرف تماماً لماذا هذا الإحساس، لكني أرجح أنه نابع من إحساس بتقلبك الدائم وبحثك المستمر عن الحزن، لا أريد أن أفكر كثيراً في خلافاتي معك، فهذا الصباح أجمل ما فيه أنه يقع بين موعدين، بين ابتسامتين من عينيك، صحيح أنهما سرعان ما تنطفئان، لكني أسرقهما منك، وأحتفظ بهما في قلبي، وأتركك تغضبين وتغضبين.
حسنا لا يهم؛ فلقد عوَّدت نفسي على أن أعاملك طبقاً لإحساسي وليس طبقاً لانفعالاتك، أحبك ولا أريد أن أفقدك أيتها الفتاة البرية التي تكسو وجهها بمسحة الهدوء المنزلي الأليف.
صباح الخير أخرى، سأحاول أن أعود للنوم؛ فالساعة الآن لم تتجاوز العاشرة، هناك أربع ساعات باقية على موعدك، وأنا لم أنم جيداً، سأحاول أن أنام، أن آخذك بين ذراعي، وأخبئ رأسك العنيد في صدري لعله يهدأ ولعلي أستريح».

4.وبالرغم من نجاح عبلة في إنزال شاعر الرفض عن عرش التمنُع، إلا أن ذلك لم يمنع من بعضِ «مُبارزات الديَكة»، بل الكثير منها حد وصف عبلة، وفي ذلك كتب لها أمل:
«لو لم أكن أحبك كثيرا لما تحملت حساسيتك لحظة واحدة.. تقولين دائما عني ما أدهش كثيرا عند سماعه، أحيانا أنا ماكر، وأحيانا ذكي، رغم أنني لا أحتاج إلى المكر أو الذكاء في التعامل معك؛ لأن الحب وسادة في غرفة مقفلة أستريح فيها على سجيتي، ربما كنت محتاجا إلى استخدام المهارات الصغيرة معك في بداية العلاقة؛ لأنني كنت أريد أن أفهمك بحيث لا أفقدك، أما الآن فإنني أحب الاطمئنان الذي يملأ روحي عندما أحس بأن الحوار بيننا ينبسط ويمتد ويتشعب كاللبلاب الأخضر على سقيفة من الهدوء.
أكثر شيء أخافه هو تربيتك أو بالأحرى حياتك، ففي العادة تبحث كل الفتيات اللاتي لهن مثل ظروفك من الأمان في البيت والعمل عن قدر من القلق والانشغال وأنا لا ألومك في هذا بل وأصنعه لك متعمداً في كثير من الأحيان.
إنني أحتاج الكثير من الحُب، وكثير من الوفاء، وكثير من التفاني إذا صح هذا التعبير، ولكنك لا تعطيني أي شئ، لدرجة أني أحسست أني محتاج إلى كلمة حُب رفضتِ أن تنطقيها، وإذا طلبت منك طلبًا صغيرًا فأقرب شئ إلى لسانك هو كلمة الرفض.. إن قلبك قِفر جدًا لا يستطيع أن يكون وسادة لمُتعب أو رشفة لظمآن.»

3.على الشاطئ الآخر من رسائل أمل المُطوّلة المُسهِبة، جاءت رسائل عبلة تلغرافيّة قصيرة من جنس الطابع الصحفيّ الغالب عليها، والمُطعّم بشاعريّة مُميّزة رُبما اكتسبتها من طول مُلازمة أمل، فجاءت رسائلها على النحو التالي:
«كلما قرأت أشعارك أحس أن مكانك الطبيعي في صفوف الانقلابيين، ولهذا فأنت شاعرٌ جيد وعاشق شرير»
«نواظب بشكل جدي على قهوة الغضب الصباحيّة (كل مابيننا غضب وعناد ساطع) نشربها صامتين، يزهر الفنجان من بنهما: حبنا، والموت المُبكر»
«جلس اليوم أمامي في المترو شاب جميل الملامح، نظر إليّ وابتسم، أحست أن ابتسامته تغتالك من الخلف فتجهمت مدافعة عنك، أتمنى أن تكون جواري في مترو الغد لأبتسم لكل الملامح الجميلة، وأغتالك وحدي»
«الغفران ليس من طبيعتي، والنسيان أيضًا ليس من طبيعتي، لكنك حين تدخُل كالسيف في دوائر حلمي، أتحول إلى مساحات للحُب والغفران».
«أحبك.. أكثر اتساعًا من رؤئ عينيك، أكثر قربًا من مسامات جلدك، عصفور ينطلق من أطراف أصابعي، هاربًا من ضيق الحروف الأربعة»
«تسألني كل الفروع المُتسلقة فوق الأيام بلا جذر: ولماذا هو؟ لأنه لا يستطيع أن يكون أنتم».
«يسألني قلبي بعفوية شديدة: من هو؟ أرسمك امتدادًا».

2.وعلى ما يبدو أن أمل في مرّات التجأ إلى طابع عبلة التلغرافيّ في رسائلها، لكن هذه المرة وسّط بينهما في هذه الرسالة الغاضبة مكتب البريد، وبمزيد رسميّة كتب لها:
«الآنسة عبلة الرويني.. صفحة المسرح بجريدة الأخبار: أرجو إرسال 35 جرام ثقة، التفاهم مطلوب، مع إلغاء التفكير السابق، أخطرونا تلغرافيا.. أمل»

1.وفي مرّات كانت رسائل أمل لعبلة مناجاة نفس أكثر منها حديث حبيبين، لتتمتع بدرجة عُليا من مُصارحة الذات، بل وتعرية الذات والتحدُث عن أدق تفاصيل شخصية الشاعر ومخاوفه، كما كتب لها في هذه الرسالة:
«إنني لا أعتقد أن الشاعر في قلبي تقاسم الكينونة مع القاتل في أعماقي، لقد قتلت عبر سنوات العذاب كل أمل ينمو بداخلي قتلت حتى الرغبات الصغيرة، والضحك الطيب، لأنني كُنت أدرك دائمًا أنه غير مسوح لي بأن أعيش طفولتي، كما أنه من غير المسموح أن أعيش شبابي.
كنت أريد دائمًا أن يكون عقلي هو السيد الوحيد، لا الحُب ولا الجنس، ولا الأماني الصغيرة، لقد ظللت لا أقبل كلمة رقيقة من امرأة لأنني أضطر عندئد إلى الترقق معها، وهذا يعني بلغة إحساسي التودُد لها، وهو يمثل الضعف الذي لا يغتفر.
وقد لاتعرفين أنني ظللت إلى عهد قريب أخجل من كوني شاعرًا، لأن الشاعر يقترن في أذهان الناس بالرقة والنعومة وفجأة تطلُبين مني دفعة واحدة، أن أصير رقيقًا وهادئًا وناعمًا يعرف كيف ينمق الكلمات».