أرشيف المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات أندلسيات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات أندلسيات. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 8 يناير 2020

غرناطة.... رمانة

غرناطة أو أغرناطة هي كلمة ترجع إلى الأصل اللاتيني granatum وتعني شجرة الرمان، سميت المدينة بها نسبة لشجر الرمان الذي تكثر زراعته في المنطقة، وشجرة الرمان موطنها الأصلي منطقة إيران ويطلق على أزهار الرمان بالفارسية لفظ (جُلَّنار) ، والرمان من شجر الجنة وقد وصفها الله عز وجل في سورة الرحمن عند حديثه عن الجنتين بأن " فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)" كأن الفاكهة صنف والرمان صنف آخر متميز بذاته!!.
وإذا ما كانت هناك فاكهة ترمز رمز لشعب أو لمكان فإن الرمان قد أصبح رمزاً لغرناطة، فاستقرت الرمانة على شعار مملكة غرناطة، وما زالت الرمانة رمزاً لها حتى اليوم كذلك في شعار المملكة الظاهر على العلم الإسباني...



 وتنتشر في كثير من الزوايا والأمكنة وحتى الهدايا التذكارية التي تحملها معك من هناك.



وتقع المدينة في موطنٍ إيبيريٍّ قديم يسمى Elibyrge (ومنه كانت إلبيرة) يعود إلى أيام السيطرة الرومانية على شبه الجزيرة الإيبيرية، فيما صار يعرف بالبيّازين.
كانت غرناطة أول نزول المسلمين الأندلس بلدة صغيرة في كورة إلبيرة قرب العاصمة التي تدعى بالاسم نفسه، وقد خربت قاعدة كورة إلبيرة مع انهيار الدولة الأموية، فانتقلت عاصمتها وأهلها إلى مدينة غرناطة مع بداية القرن الخامس الهجري، وتراجعت أهمية إلبيرة لتصبح قرية صغيرة تابعة لمدينة غرناطة.
وفي نفح الطيب : "غرناطة دمشق بلاد الأندلس ... وتسمى كورة إلبيرة التي منها غرناطة، دمشق، لأن جند دمشق نزلوها عند الفتح، وقيل إنما سميت بذلك لشبهها بدمشق في غزارة الأنهار وكثرة الأشجار .... وكانت إلبيرة هي المدينة قبل غرناطة، فلما بنى الصنهاجي مدينة غرناطة وقصبتها وأسوارها انتقل الناس إليها، ثم زاد في عمارتها ابنه باديس بعده".
وقيل: " ... غرناطة دمشق الأندلس لأنها أشبه شيء بها. يشقها نهر حدره ويطل عليها الجبل المسمى بـ شلّير الذي لا يزول عنه الثلج شتاءً وصيفاً. قال عنها ابن بطوطة :.. قاعدة بلاد الأندلس وعروس مدنها وخارجُها لا نظير له في الدنيا ، وهو مسيرة أربعين ميلاً، يخترقه نهر شِنيل المشهور، ... ومن عجيب مواضعها عينُ الدمع وهو جبل فيه الرياضات والبساتين لا مثيل له بسواها".
وفيها قد قيل:
غرناطة مالها نظيـــــــــــــرُ.... ما مصرُ ما الشامُ ما العراقْ؟
ما هي إلا العروسُ تُجلَى وتلك... من جُملة الصَّداق!!




ولتمام الجمال... أضفتُ إلى الصور الغرناطية مجموعة من التصميمات الجميلة التي كان وراءها الرمانة أو بالأحرى:
🌿💖غرناطة💖🌿












الثلاثاء، 7 يناير 2020

تصوير الآثار الأندلسية


كانت الرومانسية قد غمرت -في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر- عالم الفن والأدب في أوروبا، وكانت الآثار الأندلسية في إسبانيا قد لحقت بكل ما غدا محل تقدير الرومانسية وعلا كعبُها في هذا الشأن.
وفي الفن والعمارة والآثار غدا العمران الأندلسي بمختلف حقبه ونماذجه- موضوعاً للفنانين والرحالة والأدباء...، واستُلهمت الحمراء في غرناطة وغيرها من الأماكن الأندلسية لتكون عنصراً فنياً أصيلاً في أعمال عدد من المبدعين الروّاد.
أقدم لكم في هذا المنشور عددا من الأعمال الفنية المعمارية المعبرة عن هذه الحركة،

الأحد، 5 يناير 2020

سقوط غرناطة .... في لوحات فنية

من الأمور التي تلفت انتباه المتابعين لذكرى سقوط غرناطة، أن الكثير من المواقع والصفحات، بل المقالات الصحفية والرصينة- ترفق كلماتها بلوحات مكررة لمشهد تسليم آخر ملوك بني الأحمر أبي عبدالله الصغير - مفاتيح غرناطة للملكَــيْن الإسبانيـيْن إيزابيلا وفرديناند.
ولو أنعمنا النظر في هذه اللوحات والرسومات المنتشرة،

الاثنين، 25 فبراير 2019

اكتشاف قصر المعتمد بن عباد بإشبيلية

https://bit.ly/2tze74y
بقلم: سميرة فخر الدين

" أعلنت وزارة الثقافة الإسبانية نهاية يونيو (حزيران) الماضي عن اكتشاف قصر المعتمد بن عباد الذي ظلَّ آفلًا مُتواريًا عن الأنظار، ومطمورًا لأكثر من ألف عام، وقد أكد اختبار الكربون 14، المستخدم عادةً لتعيين عمر العينات القديمة والآثار الأركيولوجية، أن البقايا المكتشفة حديثًا تعود للقرن الحادي عشر، وترجع للمنطقة التي لطالما اعتُبِرَت مفقودة في قصر إشبيلية، ألا وهي قصر المعتمد بن عباد.
يشكل قصر المعتمد المُكتَشَف البناية الأصلية والنواة التي شُيِدَ على إثرها قصر إشبيلية الأثري الراهن. الآن نستطيع أن نعرف كيف عاش الملك الشاعر. فكل شيء تم اكتشافه داخل أسوار القصر الحالي بساحة لاس بانديراس، وهي ساحة عامة واقعة بحي سانتا كروث بإشبيلية.

وقد أكدت دراسات مسبقة أُجرِيَت سنة 2014 أن هذه المنطقة قد تضم القصر الأصلي؛ الأمر الذي دفع عالم آثار المبنى مغيل آنخيل طباليس لطلب إذن للقيام بأعمال تنقيب بعين المكان. وفجأة ظهرت بضعة أقواس، ثم تم التوسع في البحث والتنقيب، فتجلَّت أهم ملامح الاكتشاف ليتم التأكد لاحقًا بأن الآثار المكتشفة تعود للقرن الحادي عشر، للمكان الذي اعتاد فيه المعتمد بن عباد ابن الملك المعتضد كتابة قصائد لحبيبته اعتماد، كما تقول الأسطورة.
كل شيء كان سليمًا، ألف سنة من التاريخ غابرة محجوبة مبتورة السند، أقواس وأعمدة وجدران لآل أندلس حَلُّوا لزمن وجيز وارتحلوا، وعنهم غُلِقَت الأبواب والسبل، وسُدَ التاريخ والأجل، وما بقي سوى الحجارة والطلل، لذكرى لا تُريح، لا تُعيد ولا تصل.

قصر شبيه بجامع تلمسان الكبير بالجزائر
يُحيل القصر المُكتَشَف على الهندسة المعمارية السائدة في تلك الفترة وهو بذلك شبيه بجامع تلمسان الكبير بالجزائر الذي شُيِدَ سنة 1136 من طرف يوسف بن تاشفين أول خليفة لدولة المرابطين؛ وشبيه أيضًا بإحدى الرموز المعمارية الأندلسية الباقية في إسبانيا، ألا وهي قصر الجعفرية الذي بُنِيَ في النصف الثاني من القرن الحادي عشر للميلاد في عهد المقتدر بن هود أمير حاكم طائفة سرقسطة في زمن ملوك الطوائف.
بالإضافة إلى الغرف، كشفت الحفريات عن فناء واسع بالقصر، مقسم إلى أربعة أجزاء: منصة عبور، ونافورة مركزية. بُنِيَ القصر من الحجارة والطوب والجص. تلوح الزخارف المعمارية على الأسقف والحيطان كبقايا الحناء في ظاهرة اليد، لتُعَرِّي نقوشًا لم تُرجَم تحت الحجارة لألف عامٍ إلا لقيمةٍ تزداد.
قصر مهجور مع بداية الحكم المرابطي للأندلس
أمر الخليفة عبد الرحمن الثالث، ثامن حكام الدولة الأموية في الأندلس، بتشييد دار الإمارة في القرن العاشر. كانت الدار عبارة عن بناية رباعية الزوايا شبيهة بقصبة ماردة الأثرية، وعلى أنقاضها، وفي عصر ملوك الطوائف (القرن الحادي عشر)، تم تشييد القصر المُكتشَف، قصر بني عباد المسمى «المبارك» أو «المورق».

تعرضت بنايات القصر للنهب والسرقة والتخريب مع حلول المرابطين بمملكة إشبيلية والقضاء على حكم المعتمد بن عباد. ويقدم هذه الفرضية عدة مؤرخين لتفسير عدم وجود أي إصلاحات أو عمليات توسيع للقصر وإن قام الموحدون في القرن الثاني عشر بإنشاء فناء إيل ييسو بجوار المنطقة التي اكتشفت فيها بقايا القصر المطمور.
كما تم اكتشاف بقايا تاريخية قديمة من بيوت حي الفخارين، وهي بيوتات كانت متواجدة بعين المكان في القرن الحادي عشر، تم هدمها في تلك الفترة الزمنية لتشكل جزءًا من قصر المعتمد بن عباد. هذا بالإضافة إلى أسوار عتيقة متلاشية غابرة لأكثر من ألف عام تحت غطاء نباتي كثيف. تنم هذه الأخيرة عن حالة معمارية متضررة، مقارنة ببقية البناية، كما أنها أقدَم زمنيًا، وإن كانت تعود هي الأخرى لنفس القرن وشيدت على الأرجح من طرف المعتمد أو والده المعتضد.
السياق التاريخي
يعود القصر للمعتمد ابن عباد (أبو القاسم المعتمد على الله بن عبَّاد 1040 – 1095م) الذي كان ملكًا على إشبيلية في عصر ملوك الطوائف. ووسَّع ملكه فاستولى على بلنسية ومرسية وقرطبة قبل أن يقضي على إمارته المرابطون. استولى يوسف بن تاشفين على إشبيلية وأسر المعتمد، ونفاه إلى أغمات في المغرب، وأثارت قسوة يوسف بن تاشفين بتضييقه على المعتمد في أسره وإنهائه لحكم المعتمد حفيظة عدة نقاد: باحثين، ومؤرخين، ما بين مؤيد ومعارض.
ارتبط اسم المعتمد باسم زوجته اعتماد الرميكية. كانت جارية للتاجر رميك ابن الحجاج. كانت على قدر كبير من الجمال، وعلى دراية بالشعر والأدب. أعجب بها المعتمد فلم يتخدها له كجارية، بل تزوجها ورفع من شأنها ليمنحها الجميع لقب السيدة الكبرى بعد ذلك. وفيها يقول:
أَغائِبَةَ الشَخصِ عَن ناظِري… وَحاضِرَةً في صَميمِ الفُؤادِ
عَلَيكِ السَلامُ بِقَدرِ الشُجون… وَدَمع الشُؤونِ وَقَدرِ السُهادِ
وهي القصيدة التي ألف فيها المعتمد بن عباد أبياتا يبدأ كل منها بحرف من حروف اسم زوجته (اعتماد).
شكل القصر المكتشف مبعث أحزان المعتمد بن عباد في منفاه بأغمات. سافرت أشعاره إلى قصر المبارك من المنفى وأخذت في زواياه تجوبُ وعلى جناح الذكريات تذوب. ما بين جسم في طوق أغمات يتفتَّق وخيال ماضٍ اشبيلي مُعتَّق. يشكو حجارة قصر عن الأنظار رحلت وحجارة بالضلوع حلّت:
غَريبٌ بِأَرضِ المغربينِ أَسيرُ… سَيَبكي عَلَيهِ مِنبَرٌ وَسَريرٌ
وَتَندُبُهُ البيضُ الصَوارِمُ وَالقَنا… وَينهلُّ دَمعٌ بينَهُنَّ غَزيرُ

يعتبر الاكتشاف مفتاحًا جديدًا لتاريخ إشبيلية. ولا زالت هناك سلسلة من عمليات التنقيب التي يعمل الباحثون وعلماء الآثار على مواصلتها. وقد اقترح أنطونيو مونيوث، المندوب الثقافي لمجلس المدينة، خططًا مستقبلية للاستفادة من الفضاء المُكتَشَف، إذ يدعو إلى تحويله إلى مركز توثيقي تأريخي لمجموع بنايات قصر إشبيلية.
الفكرة التي رحبت بها مديرة القصر إيزابيل رودريغيز؛ إذ ترى أن المشروع سيوفر رحلة تاريخية للزائر، وسفرًا في حقبه الزمنية المختلفة من زمن المعتمد، وهو أقدم مرحلة زمنية للبناية، مرورًا بالزمن المرابطي، ثم الموحدي، ثم القشتالي. خاصة أن قصر المعتمد المكتشف، حسب إيزابيل رودريغيز، كبير بما فيه الكفاية لإدراجه بباقي أروقة قصر إشبيلية، كما أن حالته الحافظة ممتازة ومثيرة للدهشة ما بين هيكل معماري متين، ونقوش وزينة وزخرفات في غاية الجمال والدقة.
كل شيء جاهز لإنجاز هذا المشروع التأريخي المعماري الهادف إلى دمج القصر الأصلي المكتشف ببقية أرجاء قصر إشبيلية الملكي. وبهذا الدمج ستتمكن إشبيلية من إكمال الحلقة الأندلسية المفقودة ونزع الغطاء عن التاريخ الإسلامي للمدينة بشكل كامل".

الأحد، 23 أبريل 2017

الديوان العربي -الأيبيري -اللاتيني للفكر والتبادل الثقافي

https://goo.gl/qXSVZZ

 نظم المعهد الملكي للدراسات الدينية ومنتدى الفكر العربي،برعاية صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، مائدة مستديرة بعنوان "درب الأفكار" بمشاركة عدد من الأكاديميين والخبراء والدبلوماسيين من دول مختلفة وذلك بتاريخ 23 أبريل/نيسان 2017. وتم خلال الندوة إطلاق "الديوان العربي الأيبيري اللاتيني للفكر والتبادل الثقافي" كمنبر لتعزيز الحوار بين العالم العربي والعالم الأيبيري–اللاتيني، والتعاون على المستوى الأكاديمي والاجتماعي والثقافي. ويركز هذا المنبر على إحياء درب الأفكار والعودة إلى الإنتاج المعرفي وتبادل الآداب والعلوم عن طريق التراجم، ما يؤسس لحوارثقافي وديني فاعل بين هذيْن العالميْن.


    ويستلهم "الديوان" أفكاره من تجارب سابقة شهدتها الثقافة العربية في عواصم مختلفة مثل بغداد  وقرطبة، وعبّرت عن فترة مزدهرة من الإبداع الفكري والثقافي ضمّت مساهمات العرب والعجم من ديانات وأصول مختلفة في إطار من التعددية والتنوع. فتحققت الوحدة في ثقافة عربية واحدة حملت هدفا مشتركًا تمثّل في البحث عن حقيقة الذات الإنسانية. 

    كما يتطلع"الديوان" للاستفادة من تجارب مؤسّسات عملت على تعزيز الحوار الثقافي والإنساني ومهّدتْللتعاون من أجل آفاق جديدة للعمل الثقافي، باعتباره أداة مميزة لتعزيزالعلاقات بين الناس في شرق البحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة الأيبيرية والعالم الجديد. في هذا الإطار،أشير إلى مؤسسة الثقافات الثلاث في إشبيلية و"الأكاديمية للثقافة اللاتينية"، التي تأسّست بهدف تعزيز التضامن والتكامل بين الدول والشعوب اللاتينية، ودعم التبادل الثقافي والعلمي بين ثقافات العالم.

    وتأتي هذه المبادرة تثمينًا لأهمية إنشاء نظام إنساني عالمي جديد يعيد التفاهم بين البشر،ويحقّقُ الفهم المشترك المنشود، الذي ينبثق من قناعتنا بأن الإنسان هو رأس المال الحقيقي الذي يجب استثماره والعمل على رعاية اللقاء الفكري والعاطفي بين البشر، وتعزيز العمل الثقافي لتسهيل الفهم التحليلي المقارن لنظرتنا لبعضنا البعض من أجل تحقيق فهم متبادل أفضل.

الأهداف:

تعزيز العمل الثقافي والأكاديمي في هذيْن العالميْن، علاوة على تعليم اللغات العربية، والإسبانية، والبرتغالية.
رعاية تبادل الباحثين، والأكاديميين، والطلبة بين الجامعات في هذيْن العالميْن، عن طريق "الديوان"، إضافة إلى تنظيم برامج بحثية بهدف (بناء وتطوير) تميّز رأس المال الإنساني.
تعزيز مفهوم "توأمة المدن" في هذيْن العالميْنلتحسين التعاون الثقافي، والتقني، والتجاري بينها.
تحسين مفهوم "التراث الإنساني المشترك" عبر الاعتراف بتنوع الثقافات، وتعدّد الديانات، والحضارات.
الإشادة بالجوانب المشتركة لمواجهة القوالب النمطية السلبية المتعلقة بالدين والثقافة، وتعزيز حرية العبادة وحقوق الإنسان.
دعم المبادرات التي تعزز الحوار بين الحضارات، والثقافات، والأديان، والناسبشِكل عام.
تشجيع الدول غير الأعضاء في مجموعة "آسباASPA" (دول أميركا الجنوبية والعالم العربي) على المشاركة في الحوار وتبادل الخبرات في إطار "الديوان".
إشراك الصحفيين في هذا المشروع، لغرض الترويج لصورة صحيحة شاملة لقيَم الحضارات المعنية.
الأنشطة:

تنظيم مشاريع بحثية، وندوات، ومؤتمرات، وورش عمل.
تنظيم أسابيع ثقافية تتضمن عروضًا للكتب، وندوات ثقافية وفكرية، وعروضًا للفنون الجميلة، وكتب الأطفال، والأزياء التقليدية، وعروضًا مسرحية وموسيقية.
عقد محاضرة "ايميليو غارثيا غوميز" السنوية.
التعاون على تنظيم مناسبة مشتركة في الأسبوع الأول من شهر شباط/ فبراير من كل عام للاحتفال بأسبوع الوئام العالمي بين الأديان، ويشمل جميع الأديان، والمذاهب، والمعتقدات.
توصيات الندوة:

خلُص المشاركون في الندوة إلى مجموعة من التوصيات:

تبنّي مبادرة جديدة بعنوان "دستور الشرق Codex Levanticus" لتأمين مستقبل هذه العلاقات، وتجاوز النزعة العرقية الأحادية وضمان مشاركة دول شرق البحر المتوسط من دون استبعاد أو تهميش لأي شخص تحت أي ظرف من الظروف؛ مؤكدين على القواسم المشتركة وتبادل الخبرات.
دعوة مملكة إسبانيا لقبول وتشجيع هذه المبادرة، جنبًا إلى جنب مع المملكة الأردنية الهاشمية، بحيث يدعم كل طرفٍ، بالاتفاق/بالتعاون مع دول أمريكا اللاتينية، المشاريع والمبادرات التي تسهم في تحقيق هذه الأهداف.
دعوة الأكاديميين المشاركين في المائدة المستديرة إلى عمل بحثي أكاديمي يجمع بيننا في هذيْن العالميْنويركز على القواسم الإنسانية في المجالات المختلفة وعلى حاجات شعوب العالميْن.
البحث عن العالميّة بمنأى عن المركزية الأوروبية.
إدماج الأدب والشعر اللاتيني في الجامعات والمدارس الأردنية.
الابتعاد عن إدانة التاريخ ودراسة أخبار دول أمريكا اللاتينية ونشرهاباللغة العربية، ومنها ما نُشر في صحف الجاليات العربية في تلك الدول على مدار سنوات مضت.
وسيَتولى المعهد الملكي للدراسات الدينية نشر الأوراق التي قدمها المشاركون في المائدة المستديرة في كتاب باللغتين العربية والإسبانية ليكون الإصدار الأول ضمن سلسلة إصدارات "الديوان".

شارك في هذه المبادرة:

سعادة سفير البرازيل Francisco Carlos Soares Luz
سعادة السفير التشيلي Eduardo Escobar
سعادة السفير إبراهيم عواوده – مدير إدارة شؤون أمريكا اللاتينية والوسطى في وزارة الخارجية الأردنية (السفير الأردني في تشيلي خلال فترة زيارة سموه - حفظه الله - إلى تشيلي في 2010)
سعادة السفير عاطف هلسة
سعادة السيد سمير الناعوري – سفير سابق في إسبانيا
الدكتورة رناد المومني – قسم اللغات الإسبانية في الجامعة الأردنية
الدكتورة هند أبو الشعر – أستاذة التاريخ في جامعة آل البيت
معالي الدكتور صلاح جرار– وزير الثقافة الأسبق/الأردن
الدكتورة رشا الخطيب – الباحثة في المستشرقين والدراسات الأندلسية – الجامعة الأردنية
الدكتورة سحر المجالي – أستاذ مشارك في تخصص التاريخ - جامعة البلقاء التطبيقية
الدكتور جمال الشلبي – أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية- الجامعة الهاشمية
سعادة السفير الإسباني
سعادة القائم بأعمال السفارة الاسبانية
ميكيل فوركادا – جامعة برشلونة/ إسبانيا
سعادة سفير المكسيك
الدكتور خلبيرتو كوندي زمبادا أستاذ التاريخ في مركز دراسات آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط في جامعة المكسيكEl Colegio de Mexico
سعادة سفير فنزويلا
سعادة القنصل حسام العصامي – سفارة فنزويلا
السيدة عميرة زبيب زبيب – الوزيرة المفوضة في سفارة فنزويلا في لبنان
ستتم دعوة مفكرين وباحثين وأكاديميين من الدول العربية والأيبيرية واللاتينية للمشاركة في نشاطات "الديوان" القادمة.

الثلاثاء، 22 مارس 2016

يوميات أندلسية لـ ماجد ذيب غنما


ألقيت في الندوة التكريمية التي أقامتْها لجنةُ القصة والرواية في رابطة الكتّاب الأردنيين في عمّان، مساء 21/3/2016
 للأديب الأستاذ والقاضي ماجد ذيب غنما

لا تحضر الأندلسُ إلا وتستحضر السحرَ والحنين، كلُّ حديثٍ تكون فيه الأندلس- عذبٌ جميل، فكيف إذا كان الحديثُ حديثَ يومياتٍ أندلسية تعبُّ من سحر المكان وعبق التاريخ؟ بعينٍ تُحسنُ التقاطَ روحِ الإنسان في المكان الذي تزور؛ لتكسوَ تلك الروحَ جسداً من كلمات.
في هذه الأمسية التكريمية لقامةٍ من قامات الأدب الأردني المعاصر، أطوف بكم في يومياتٍ أندلسية سطّرها قلم الأديب ماجد ذيب غنما.
وسيكون حديثي في قسمين:
الأول منهما عرضٌ لفعل الرحلة لمن فاتتْهُ منكم قراءتُها، والثاني عرضٌ آخر لنصِّ الرحلة في كلمات.

القسم الأول:
أما فعلُ الرحلة فكان ظهرَ يومٍ من أيام تموز العام 1977، كان فيه ماجد غنما في جوف طائرة تسابق الريح إلى الأندلس، وإذ خاب أملُه حين لم يرَ الأرض من الجو كما يشتهي، أخذ يسلي النفس بعبارات توينبي: "أمتعُ وسيلة للسفر أبطأها، وأمتعُ الدروب أوعرُها"! فكانت هذه الكلمات دليلاً له في بقية الرحلة تعين على التقاط تفاصيل الأرض والناس وروح المكان والزمان.
كانت العاصمة الإسبانية مدريد محطته الأولى رفقة الدليل الإسباني بلسانه الإنجليزي، وبعين المثقف الواعي لم تمضِ أيامُه القلائل في مدريد إلا وقطعها بما لذَّ وطاب من جولات: فتلك جولة في شوارع المدينة وميادينها، وتلك زيارة لمتحف الفن المزدحم بآلاف الزائرين، وهذه زيارةُ الكورّيدا حلبة مصارعة الثيران، وتلك زيارةٌ للمعهد الثقافي الإسباني والاطلاع على أعمال المستشرقين والعاملين فيه، وأخيرا تلك الزيارة لنصب شهداء الحرب الأهلية في دير الإسكوريال.
وتمضي بنا يوميات ماجد غنما الأندلسية ليقف في يوميةٍ خاصة على لغة الخميادو، وهي لغة أهل الأندلس بعد سقوط غرناطة وتعرضهم لملاحقات محاكم التفتيش، فتفتَّقت أذهانُهم عن طريقةٍ عبقرية يحفظون بها ما بقي من تراث يتناقلونه جيلاً فجيلا، فكتبوا الإسبانية – اللغة التي أُجبروا على التحدث بها- بالحروف العربية التي صار نطقُها ورسمُها ومحمولُها، محرَّماً على ألسنتهم وأقلامهم، فحفظوا في الخميادو -اللغةِ الفريدة- حروفَهم وبعضَ دينهم.
وإذا ما تابعنا الرحلةَ غادرْنا وإياه مدريد مترسماً خُطى طارق بن زياد، متجهاً إلى طليطلة واسطةِ عقد الأندلس ومنبع الفن، مدينةالتلال السبعة على نهر تاجُة، واقفاً قرب أسوارها على بوابتها بوابةِ الشمس، لقد كانت طليطلة أولى محطات ماجد غنما وهو يغذُّ المسيرَ إلى الجنوب حيث تأخذ الأندلس بشغاف القلب.
عندما عبرَ بوابةَ الشمس إلى طليطلة انثالت إلى ذاكرته- اللغةُ العربية؛ فالأماكن والشوارع والدروب كلُّها تذكّر بمن كان هنا! القنطرة/ الكانترا، القصر/ الكاثار، السوق/ ثوكو... والطرُز المعماريةُ العربية والآياتُ القرآنية والنقوشُ الإسلامية التي تزين الجدران لم تترك شيئاً حتى الكنائس- كي تقول : لقد كُنّا هنا!
كما تأخذك كلماتُ ماجد غنما حتى لتشعر كأنك تسير معه في شوارع المدينة القديمة، في صورةٍ تطابقُ شوارع القدس العتيقة، ترى وجه القدس في طليطلة فتنسى آلاف الأميال التي بينهما، ولا تعود تذكر إلا تلك الرجفةَ التي تسري في روحكَ وأنت تدعو  في سرّك معه كما دعا: أن يبقى الشبَهُ بين المدينتين قاصراً على المظهر لا على المصير!
كانت محطته الثالثة جارةَ الوادي الكبير، العاصمةَ الأندلسية قرطبة، التي لم تكن يوماً مدينةً عادية، ولا كانت زيارتُها بالأمر الهيّن اليسير، قرطبة ما زالت شاغلة التاريخ وصانعة الأمجاد، وإنَّ زيارتها لهي حجٌّ تاريخي وثقافي  بل هي صلاةٌ في محراب الفن والأدب.
في الطريق إلى قرطبة تمتع ناظريْك بمزارع الزيتون وكروم العنب الممتدة إلى ما لا نهاية..
 في الطريق إلى قرطبة أحلامٌ مسافرةٌ مع ذكرى العلماء والشعراء الأندلسيين ..أسماءٌ لا تنفكُّ تطرق ذاكرتك كلما انبجست شفتاكَ عن : قرطبة!
في ذلك الحج التاريخي الثقافي إلى قرطبة تدخل مسجدها الجامع، تدلف صحنه فناء البرتقال تستقبلك نافورةُ المسجد بماءٍ عذب لا تملك من نفسك إلا أن تُعَمِّد جوفك بقطراته، كي تغوص في غابة الأعمدة والأقواس المزروعة في المسجد روعةً وجمالاً.
فإذا ما استفاق صاحبُنا الرحالةُ من نشوة الجمال غادر المسجد مكرهاً  بأمر الدليل السياحي، وهو لا يدري بقيةَ السحر التي تنتظر! إنه سحرُ الدروب العتيقة لتلك الجميلة التي اسمها قرطبة!
سار ماجد غنما ورفاقه في تلك الدروب، وما زال للّحظةِ يرنُّ في أسماعنا صدى أصواتِهم يتصايحون:  إنها شوارع القدس.... لا بل أزقة دمشق!!! كلُّ واحدٍ يرى فيها مدينتَه وبلدته، لكن طيف نزار قباني يهمس في آذانهم: " في أزقة قرطبة الضيقة مددتُ يدي إلى جيبي أكثر من مرة لأخُرِجَ مفتاحَ بيتنا في دمشق".
والبيوت قد فُتِّحت أبوابُها، خلفَ كلِّ باب... بيتٌ دمشقي. وما زالت في القلب دمشقُ... الروح دمشقية.. والعشقُ دمشقي.. ودمشق لم تغادر صاحبَنا، لكنه غادرَها وفي القلب أنينٌ ووجع من فَوْتِ الحج إلى أطلال الزهراء بضواحي قرطبة.
غادر ماجد غنما سحر قرطبة إلى أجمل مدن الأندلس إشبيلية، مدينة الحدائق التي تزهو على نهر الوادي الكبير،كأنما النهرُ قد خُلق من أجلها هي.
إشبيلية التي تضم ثالث أكبر كاتدرائية في العالم، يرقد تحت قبتها ذلك الشابُ الذي غيَّر وجه التاريخ بعالمه الجديد، كولومبس الذي أبحرت سفنُه وأحلامُه من مياه الوادي الكبير.
الكاتدرائية مبينةٌ فوق المسجد الجامع الذي لم يبق منه إلا فناءُ النارنج ومنارة المنصور (الخيرالدا) تشرف على المدينة بأكملها، يجاورها القصر الملكي (الكازار) بشقَّيْه العربي والإسباني. كلُّ بهوٍ منه أو فناءٍ أو عقدٍ أو نقش يحكي الروعةَ والجمال الذي يغمر المدينة.
لم ينس صاحبُنا الرحالةُ أن يختم لياليه في مدينة المعتمد بن عباد برقصٍ وغناء إشبيلي فلامنكي حزين، يحكي الأسى الذي تخلّفه المدنُ الأندلسية في قلوب الزائرين، المأخوذة بسحر ماضيها وبهاء حاضرها، ليكون الغناءُ الشجي هذا آخرَ العهد بإشبيلية وهو يرحل عنها إلى غرناطة، في رحلة استردادٍ تاريخي تعود فيها عقارب الزمان للوراء، يودّع فيها الأندلسَ قطعةً قطعة، من حيث يظن أنما يطأ ثراها للمرة الأولى.
فكانت غرناطة تنكأ جراح القلب الساكن بين الضلوع وتشفيه! وفي الحمراء داءٌ، وفيها  الدواء.
كان الدليل السياحي يحدِّث بأخبار المصير الذي آلتْ إليه (دولة) الأندلس، وصاحبُنا تحدِّثه نفسُه بالمصير الذي آلت إليه (دول) الأندلس، وعلى أصابعه يتلمّس عدد الدول في الجامعة العربية يقارب عدد ممالك الطوائف الأندلسية، فتلهج نفسُه بالدعاء إلى الوحدة والاتحاد سبيلاً وحيداً للانتصار!
كان الجرحُ النازفُ يشفيه بلسمُ الوقوف على باب الجنة، جنةِ العريف، وإذا ما كان دخولُ الجنة أمراً غيرَ مؤكدٍ لأي إنسان ولأي قاضٍ –بحكم أن القضاةَ ثلاثةٌ اثنان منهم في النار- فقد هبَّ صاحبُنا يلبي نداء الدليل السياحي كي يرافقهم في دخول الجنة. وفي المساء كانت السهرةُ الغجرية في كهوف جبال غرناطة، ثم كانت العودةُ منها سيراً على الأقدام، يسير الجسدُ بمحاذاة نهر حدُرَّة، والعين ترقب الحمراء  تتلألأ تحت الأضواء قصراً أسطورياً فتاناً ساحراً، يسلب الألباب ويُنسي المرءَ نفسَه.
****************
ولكني أرجو أنكم لا تنسَوْن أنَّ هذا كان فعلَ الرحلة، رحلة ماجد غنما إلى إسبانيا في يومياته الأندلسية. والآن نحن حديثٍ آخر حول نصِّ الرحلة أو ثوب الكلمات الذي ألبَسَهُ قلمُ أديبنا الرحالة لرحلته تلك.

القسم الثاني
أما نصُّ الرحلة فأبدأ التمهيد له بأن القيمة الثقافية والجمالية لكتب الرحلات لا تنتهي، ولا غنى لنا عنها، حتى وإن استغنى اليومَ كثيرٌ من المسافرين والرحالة بالصور عن الكلمات.
ربما ما عاد كثيرٌ منا -في زمنٍ كثرت فيه الأسفار وصارت اللحظات معظمُها محبوسةً في صور- ماعاد كثير منا يجد في نفسه ما يكتب فيه عن رحلة أو زيارة إلا القليل، ولكن تبقى لأدب الرحلة قيمةٌ إبداعية  لا تقل عن فنون أخرى، لكنْ قليلٌ ما هم الملتفتون إليه. بل إن أجمل ما يكتب المبدع ما هو قريبٌ من يومه قريبٌ من نفسه.
في يوميات ماجد غنما الأندلسية لا نعثر فيها على اليوميات التي قد نظن، بل إن عدد أيام الرحلة يكاد يخفى، فلم يجرِ كاتبنا فيها على تدوينٍ زمنيّ بتسلسلٍ محدد، بيد أنه جعل يومياتِه في عناوين للأمكنة التي زارها وللوقفات التي أوقف قُرّاءَه عليها. . إنها يوميات عابرةٌ للقلب والذاكرة بدليل أن محطاتِ رحلته ما زالت إلى اليوم هي محطاتُ أي زائر للديار الأندلسية.
إذا ما وقفنا عما تكشف عنه هذه اليوميات فإن أول ما يقع في النفس بعد اكتمال قراءتها أن رحّالتنا مثالُ الرحالةِ الواعي، ترى هذا الوعي في خطة سير رحلته المُحكمة ومحطاتها.. تراه في انتقاء الأماكن التي سار إليها.. في الانطباعات التي وقعت في نفسه.. في النظرات الثاقبة الاستشرافية التي لم تغفل عنها عينُ العدالة في ضمير القاضي ماجد غنما.. في اللفتات الذكية التي تربط الحاضر بالماضي ولا تكفُّ عن السؤال في حضرة الأندلس تلك المعجزةِ الحضارية الفريدة. وهو ما قرره في مقدمة الرحلة عندما قال:" إن التاريخ لا يعيد نفسه إلا عندما نعيد نحن أخطاءنا" . ففي كلماته القليلات تلك عِبَرٌ كثيرة وعِظات، وهي الغرض الذي ارتآه ليومياته: عودة هادئة للتاريخ يرجو أن يكون فيها عبرة وعظة.
فكان له في كل مدينة زارها موقفٌ وتأمل: حين وقف في مدريد أمام تماثيل أبطال الإسبان المنتشرة في ميادين المدينة ذكَّره هذا الوفاءُ بالمحاولات اليائسة في أقطارنا لتشويه الرموز وتحطيم منجزاتهم.
وفي وقفته في الكورّيدا حلبة مصارعة الثيران تساءل : وما هو مستقبل هذه اللعبة؟ في زمنٍ لم يعد يُرى فيها ما كان يراه أصحابُها من قبل.
وعندما وقف في متحف الفن على أعمال الفنانين الإسبان التي لامست قلبَه كأنها قصائد شعر خالدة، تساءل في نفسه: ومتى يكون في بلادنا ديوان شعر قصائده لوحات كهذه اللوحات؟!
وفي الدهشة التي اعتَرتْه أمام غرفة الكنز في كاتدرائية طليلطة العظيمة، فإنَّ في بذل تلك الكنوز خدمةً للشعب - عبادةٌ أكثر مما في كنزها في غرفة!
وفي جولات رحالتنا في أزقّة قرطبة ولقائه بتماثيل من أهلها الغابرين، وقف أمام تمثال ابن رشد حتى خُيِّل إليه أن التمثال يكاد ينطق والسؤال على فمه يقول: وكيف حالُ عرب المشرق اليوم؟ فأيَّ جواب سيكون هو الجواب وليس في أحوالهم ما يسرُّ!!
ولم تخلُ تأملات ماجد غنما في آثار الأندلس الباقية من العبرة والعظة، وحالُ العرب اليوم لا ينفكُّ ينادي ماضيهم نادباً شاهداً على عجزٍ يؤمَلُ تعافيه.
كانت هذه الوقفاتُ التأملية والدروسُ المستفادة من آثار العرب في الأندلس تتدفق بسلاسة في سطور الكاتب الممتلك قلماً رشيقاً لا تنقصه الجزالةُ والإتقان، فكان نتاجُه ذاك تجسيداً لبيانٍ أتقنه أدباؤنا في الأردن من أهل التخصصات الأخرى.
لكن جزالةَ كلماته ورشاقة أسلوبه لم تمنع الفكاهةَ اللطيفة من أن تطلَّ بين الفينة والفينة لتلطِّف أجواءَ تموز الحارة في بلاد الأندلس. فها هي تطالعك أولاً في أوصاف سنيور أنجيلو الذي يسمي الأشياءَ بغير مسمياتها: فقصرُ العدل هو قصر اللاعدل! وكلية الطب هي المكان الذي يمنح الطلبةَ شهاداتٍ لقتل الناس! واسمُه اللطيف هو الملاك، مع أن ملامحه لا تشي باسمه أبدا!
ولأن العربَ تسمي الأشياء بأضدادها فإن كاتبَنا التزم الصمتَ كي لا يفسد الود بينه وبين السنيور الملاك!! أما زيارته للكورّيدا فلم يشاهد فيها مصارعين ولا ثيران! لكنّ الثيران أبت إلا أن تثبت وجودها براحة روْثها التي ملأت الممرات!!
وكما أن جزالة أسلوب ماجد غنما ورشاقة ألفاظه لم تمنع من الفكاهة خفيفة الظل، فإن إحكامَ صنعةِ كتابه تبدو للعيان؛ إذ سار صاحبُنا في ظلٍ منهج علمي يمنعه من الهوى فيما يعرض ويسجل من انطباعات، وكأني به في يومياته تجمع بين الذاتية والموضوعية، المتعة والفائدة، التجربة الشخصية والمنفعة العامة. فلقد سار وفق منهجٍ في انتقاء ما يقدم وتمحيصه؛ كيما ترتقي اليومياتُ لتكون وثيقةً ومرجعا.
وأمثلةُ ذلك كثيرة، فمنها: لقاؤه بالدكتور بيدرو مارتينيث مونتابيث عميد كلية الآداب في جامعة مدريد، وما سجّله غنما لما دار بينهما من حوار عن تاريخ الأندلس وحاضر إسبانيا، فيتحرز المؤلف في نهاية يوميته تلك من أي مسؤولية قد تلحق صاحبه في الحوار؛ لأنه سجل كلامه من الذاكرة لا من ملاحظات مكتوبة، فما أبعد نظرةَ المؤلف في إتقانه صنعته!
ويبدو منهجه في الضبط العلمي في اليومية الخاصة بالفتح العربي في الأندلس، وهي وقفةٌ تاريخية أكثر منها رحلة في المكان، أراد لها أن تكون بقعة ضوء تعين القارئ على تمثل أجواء الرحلة، وكان من لطفها أنها جاءت في آخر الرحلة لا في أولها لتجعل الرحلةَ بعيدةً عن كتب التاريخ التي قد يضيق بها قرّاء كثيرون.
وفي هذه اليومية يناقش ماجد غنما بعين العاقل السؤال الجدلي الأول حتى هذه اللحظة في أي حديث تكون الأندلسُ حاضرةً فيه: هل الوجود العربي الإسلامي فيها كان فتحاً أم استعمارا؟
ومما يثير الإعجاب في إجابته أو في إدارة النقاش حول هذا السؤال، أن يقرر أنه من غير المنطق النظر لأحداث القرن السابع بمنظار القرن العشرين؟! وهذه الأرضية تصلح مدخلاً لنقاشٍ هادئ ينبغي أن يكون في مثل هذه المسألة.
وفي اليومية قبل الأخيرة من اليوميات (التاريخ يعيد نفسه) يلفت ماجد غنما نظرنا إلى منهجه في بناء يومياته، عبر عددٍ من الإضاءات التي كانت بحضرة العالِم الأندلسي الأستاذ الدكتور محمد عبده حتاملة، الذي أشاد بطرافة النقاط التي عرَض لها ماجد غنما وجِدَّتها. وهذا من القيمة العلمية التي تحملها اليوميات، خاصة أن المؤلف تطرَّق إلى مسائل لمــّــــا تكن تجد طريقاً لها في البحث والدرس في عالم الدراسات الأندلسية في عالمنا العربي. كمثل مسألة لغة الخميادو ودور المستشرقين في حفظ التراث الأندلسي ودراسته.
ونختتم مع ماجد غنما رحلته في آخر يومياته بأن أسباب معاناتنا اليوم هي الأسبابُ القديمة نفسُها وهي التي تؤدي بنا إلى نتائج مشابهة: اتحاد الممالك الإسبانية، واختلاف العرب وغياب وحدتهم! وبعين العقل والمنهج العلمي يصل ماجد غنما إلى أن الأندلس العربية في روحها هي الأندلس التي تدعونا اليوم إلى دعم الإخاء الدائم بين الشعب العربي والشعب الإسباني، فالأحداث الماضية صارت في ذمة التاريخ والمستقبل هو لوشائج الإخاء والصداقة.



المشاركون في الندوة التكريمية للأديب الأستاذ ماجد ذيب غنما ، من اليسار:

د.سليمان أزرعي / الضيف الأستاذ القاضي ماجد غنما/ د.أحمد ماضي/
 د.رشأ الخطيب/ د.محمود عبابنة/ أ.كايد هاشم

الأحد، 20 سبتمبر 2015

أزهار قرطبة... ربيعٌ لا ينتهي





حين تسير في شوارعِ قرطبةَ الجميلةِ وأزقّتِها، لا يمكنُ إلا أنْ يأخذَكَ جمالُها، وتأسرَكَ نظافتُها، وتستحضرَ روحُكَ ما كنتَ تقرؤُهُ مدوَّناً في مصادرِنا الأندلسيةِ من اشتهار أهل الأندلس بالنظافة والتدبير والمروءة، "ففيهم من لايكون عندَه إلا ما يقوتُ يومَه فيطويه صائماً ويبتاع صابوناً يغسل به ثيابَه، ولا يظهر على حال تنبو العينُ عنها".

وأنتَ تجد حتى اليوم مصداقاً لهذا في الغادين والرائحين في المدينة القديمة، بثيابهم الأنيقة النظيفة، على بساطتها وعلى ذوقها الغجري، وتجد ذلكَ أكثر في الجدران البيضاء التي تسرُّ أعينَ الناظرين، وفي طلاءِ الأبواب وإطاراتِ النوافذ بما يبهج النفس من الأزرق والأخضر... وإنَّكَ لتجدُ ذلك في الأصصِ المنتشرة بذوقٍ لا تخطئُه العينُ- على الجدران ناصعة البياض، فيمنحكَ الأخضرُ والأزرقُ والأبيضُ تشكيلاً بصرياً يأخذُ جمالُه بالأرواح. ثم تعطفُ عليه الزهرَ المختلفةَ ألوانُه فتكونَ أنتَ الآنَ في قطعةٍ من السِّحر الحلال..



ومن الأشياء التي قد تستحوذ على اهتمام مَن لديهم ميلٌ إلى شؤون الفِلاحة والعناية بنباتات الأصص أو أزهار الرياض، مسألةُ سقايةِ الأزهار المعلَّقةِ على الجدران السابحةِ في الفضاء الأبيض الناصع.. فكيف يستقيمُ لهذه الأزهارِ المبهجةِ للسائرين في الأزقة والطرقات، كيف يستقيمُ لها أنْ تبقى الجدرانُ على أبيضها الناصع، وأنْ تبقى الأصصُ على ألوانها الزاهية الطبيعية أو الخضراء والزرقاء وهي تحتاج الري والارتواء؟



والجواب في هذا النصب التذكاري الذي يمثِّل لحظةً من اللحظات الحلوة التي يقضيها المرءُ في ظل العناية بالنباتات والأزهار، ألا وهي السقاية، اللحظة التي نمنحُ فيها هذه المخلوقاتِ سرَّ الحياة وروحَ الله، كي تبقى تسبِّح بحمده ونبقى نسبِّح بحمدِ واهبِ الجمالِ والحياة!


في هذه المجموعة من الصور قطعةٌ من سحر قرطبة، وقطعةٌ من سحر الفِلاحة التي أورثَها أجدادُنا في ديار الأندلس وخلَّفوها بعد الرحيل.. ولكم في جمالها متعةٌ يا أولي الألباب!




  


الصور من:

http://www.artencordoba.com/PATIOS/Patios-Cordoba-monumento-escultura.html

الأحد، 13 سبتمبر 2015

ربيع قرطبة ...بعيداً عن التاريخ قريبا من الحياة


استبدَّ بي شوقٌ متجدد لا ينقضي إلى الأندلس، وكان صديقٌ أرسل لي يسأل عنها، فعادوتُ مشاهدةَ حلقاتِ الثلاثيةِ الأندلسية التي تكونت من مسلسلات: صقر قريش (2002) و ربيع قرطبة (2003) وملوك الطوائف (2005)، من تأليف أستاذي المبدع د.وليد سيف وإخراج المخرج المتألق حاتم علي، وتمثيل نخبةٍ من الممثلين السوريين والمغاربة .. وهذه الثلاثية هي من المسلسلات التاريخية المتميزة لهذا الفريق...

شكرا في هذا المقام أزجيها للإنترنت وخاصة تطبيق الـ Youtube ؛ الذي يتيح الحصول على ما يحضُرُ في الخاطر من أعمالٍ دراميةٍ أو معلوماتٍ أو ذكرى مضَتْ من الذاكرة، وربما عفا عليها الزمن.
 فكان أن استمتعتُ على مدى ثلاثة أيام من الإجازة -بعد انتهاء الفصل الصيفي بعمله وثقله- بمتابعةِ واحدٍ من أجملِ المسلسلات التاريخية التي قدَّمتْها الشاشةُ الفضيةُ للجمهور منذ سنين.

 وقد كنتُ حين تابعتُ هذا الإنتاج منذ ما يزيد عن اثني عشر عاماً أستحضرُ الصورَ القديمةَ المطبوعة في ذاكرتي وأنا طفلة عن المسلسلات التاريخية المملة، التي كان يجب علينا متابعتُها، في ظلِّ قناةٍ تلفزيونيةٍ رسمية وحيدة، في أيام الجُــمَع أو شهر رمضان أو بعض المناسبات الدينية: حيث تمتلئ المسلسلات التاريخية بـ (الديكورات ) الخشبية الهشة؛ ما يزيد من هشاشة المشهد تمثيلاً وأداءً.. كما تزيد من هشاشتِهِ وضعفه تلك الملابسُ العجيبةُ المستخرجة من جوفِ تاريخٍ لا ندري كيف وصل إليه أو تفتَّــــقت عنه أذهانُ العاملين على تلك المسلسلات..ويزيد من ركاكة تلك المسلسلات ذلك الحوارُ الذي يمضي طوال حلقات المسلسل على ألسنة الممثلين، في رتابةٍ وعلى نغمةٍ واحدةٍ لا تعلو ولا تنخفض، وفي صَنَميةٍ مفتعلةٍ للغة العربية الفصحى، تنفِّر المستمع منها، وهي اللغةُ التي ما ضاقت يوماً عن أن تسَعَ الاختلاجاتِ والابتهاجاتِ والأحزانَ والأشجانَ ومعاني الوجدان..حتى تغير الحال ووجدناها رائعة وشائقة في برامج الأطفال مثلا حين يتكلمون في كل شؤون الحياة بانفعالٍ وتلوينٍ للكلام وتنغيم يعبِّر عن المواقف الحقيقية بطبيعيةٍ وتلقائيةٍ جذابة.
هذه بعضٌ من جوانبِ الهشاشةِ والضعف الذي كان يطبعُ الأعمالَ الدرامية التاريخية في الماضي.. لكنَّ الماضي يتغيَّر مع هذه الثلاثية الأندلسية التي قدَّمها المخرج حاتم علي وفريقه، في عملٍ يحمل بصمةً لا تُخطئها ذائقةُ المتابعِ؛ إذ يمشي التاريخُ فيها على قدميْن وتُبعَثُ الروح من جديد في أجساد من قضَوْا وراحوا.. ليقوموا من جديد بكلِّ ما في حياتهم من صخبٍ وألَق، وبهجةٍ وحزن، وسرورٍ وحبور..بكل ما في تلك الحياة من إثمٍ وطهر، من ذنب وتوبة... بكلِّ ما فيها من غضبٍ وهدوء.. بكل ما في النفس البشرية من تناقضاتٍ جَعَلَها المخرجُ تنطقُ في حركةٍ الممثلين، وثيابهم، وكلامهِم، وإيماءاتهم، ونظراتهم، وآهاتهم.. بل حتى نبضات قلوبهم..بحيث نرى أجدادَنا في الماضي أقربَ للبشر منهم إلى الأنبياء، أقربَ للأرض منهم إلى السماء.. أقربَ للقلب منهم إلى أي شيء آخر.. بحيث نرى فيهم أنفسَنا..
بحيث نوقنُ أنَّ التاريخ حقاً يعيد نفسَه، وأنَّ اللهَ الذي يُبدئ ويُعيد بقادرٍ على البدء والإعادة من جديد كلما استلزم الأمر، لكننا –للأسف- ننظر ولا نتعلم.
كانت أهم ميزات المسلسل أنه ابتعد عن (الديكورات) الخشبية المصطنعة لواقعِ الماضي، التي احتلَّت مخيالنا وذائقتنا البصرية الجمالية لمدة غير قصيرة، ورسمتْ حياةَ أجدادِنا في قالبٍ نمطي غير جميل، يتناقض مع الروايات التاريخية التي تنص على غير ذلك، لينتقل التصويرُ إلى مواقعَ حقيقيةٍ من قصورٍ وحدائقَ وبيوتٍ وشوارعَ...وغيرها، وارتدى الأجدادُ ملابسَ عاديةً قريبةً لروح العصر..
وصارت اللقطاتُ تحتفلُ بأطفالٍ في الصورة التلفزيونية، تُقنع المُشاهِدَ أنَّ التاريخَ الذي يُعرَض هو منّا، مِــــــنّا نحن الذين نحبُّ كثرةَ المواليد وتزخر بهم الحاراتُ والأزقة والبيوت والقصور... فكيف يختفون بقدرة قادر في المسلسلات التاريخية والأعمال الدرامية التي تحكينا؟؟
الشكر موصولٌ مجدداً للصديق الذي فتح قلبي على هذه الذكرى، والشكر موصولٌ لليوتيوب الذي يتيح لنا استعادةَ اللحظاتِ الجميلة؛ إذ أصبحت الأعمالُ الدراميةُ والإعلامية المرئية، جزءاً من واقعنا الذي يشكِّل –في بعض الأحيان- كثيراً من قناعاتنا، في ظلِّ ابتعادٍ حقيقي عن المطالعة التي هي طريق المعرفة الأولى.
في المقاطع السابقة على صفحتي من مسلسل (ربيع قرطبة) بعضٌ من قصة حبٍ طاهرة قد يعيشها آخرون في زمنٍ آخر، وسواء أاتفقت المصادرُ التاريخية على صحَّتِـها أو تلفيقها، فإنَّ كاتبَ النص والمخرج والممثلين قد أبدعوا جميعاً في بثِّ ماءِ الحياة في القصة من جديد، وبث ماءِ االحياةِ فينا؛ بهذا التمثيل الذي يكاد يقترب من الحقيقة ويجعلنا نلمسها بأيدينا.
في الحقيقة.. أجدُ في مثل هذه المسلسلات فائدةً كبيرة في العملية التربوية والتعليمية، أدعو إليها زملائي وطلبتي، بإضافةِ مادةٍ مشوقةٍ باللغة العربية الفصيحة الرشيقة الحقيقية، التي أبدع الممثلون في أدائها ونطقها، كي يعرف طلبتُنا أنَّ اللغةَ العربية فيها سرُّ الجمال والإبداع، وأنها يمكن أن تكون على لسانهم سلسبيلا لا تنقطع خيراتُه. وأنَّ التاريخَ المحنطَ في صفحاتِ الكتب المدرسية والجامعية، يمكن له أنْ يُبعَث حيّاً في مشاهدَ تقرِّبُ لطلبتنا التاريخَ الذي نحدِّثهم ببعض أخباره في المحاضرات والكتب.
هذا ما تفعله الأندلس فينا: ففيها الروح، وفيها الجمال، وفيها الحب،.. وفيها الموعظةُ والذكرى. 
صباحكم معطر بعطر الأندلس ونسماته البهية.

في الرابط مشهد يومي من التاريخ

في السوق.. اصطياد قلوب الزبائن في البيع والشراء
 https://www.youtube.com/watch?v=AoMXRnCDCR8

الأحد، 6 يناير 2013

صباح سقوط غرناطة...

 


تكشف التفاعلات حول الذكرى 521 لسقوط الأندلس وآراء الناس حولها عن أننا أمة مهزومة بامتياز، تستكثر على بعض أبنائها أن يقفوا أمام تاريخهم لأيام، هذا التاريخ الذي يمحى من ذاكرتنا شيئا فشيئا دون أن ندري .. بحجة أننا أمة تحب دوما التغني بالأمجاد الماضية ولا تقدم شيئا في حاضرها للبشرية.
إننا أمة مهزومة حقا منذ عشرات السنين وربما منذ قرون، ولأننا أبناء العصر الحديث الذين لم نفتح أعيننا إلا على النكبات والنكسات والهزائم، فإننا كذلك لعجزنا المتمكن فينا- عاجزون أيضا حتى عن مجرد التخيل أو التصور، إننا عاجزون عن أن نتصور أن أمتنا كانت يوما ما هي الدولة العظمى في العالم، وكانت القطب الأوحد، وكانت رمز التقدم. إننا عاجزون عن ذلك، لأننا أمة مهزومة حضاريا متخلفة ماديا ومعنويا عن الركب الحضاري للأمم الحية، لكن ومع ذلك كله فما زال فينا بقية من رمق، ما زال فينا جمرة تتقد تحت الرماد، جمرة متوهجة، وربما تنفث فينا الحياة من جديد مرة أخرى. إننا لهواننا على أنفسنا لا نقدر أن نتصور أننا كنا لعدة قرون شمس الحضارة الذهبية الساطعة في العالم، لماذا نستكثر على أنفسنا الفرح والانتشاء بحضارة كانت، وهذا حق للأمم، ليس نكوصا، إنه التماسُ ما يدفعنا إلى مزيد من العطاء والغيرة لنعيد مجدا غابرا مضى.
..وقد كشفت المواقف والنقاشات التي دارت حول القضية الأندلسية على صفحات التواصل الاجتماعي، أننا بحاجة أكثر إلى النبش في تاريخنا، فنحن نكاد نصبح أمة بلا تاريخ بلا ذاكرة، فذاكرة أبنائنا تكاد تخلو إلا من كل تافه فارغ، ذاكرة أبنائنا تكاد تنقطع بحاضر الأمة عن ماضيها، وإذا ما استمر التردي الثقافي واللغوي الذي نعاني، سنصحو فجأة ذات يوم - أظنه ليس ببعيد- على أمة منقطعة عن الماضي لن تقوى على الصمود في وجه المستقبل.
وقبل أن نبدأ ينبغي التنبه إلى أن أهل الأندلس ليسوا جميعا من خارج تلك الأرض، ومن السذاجة بمكان أن نظن أن المسلمين الفاتحين ارتحلوا إليها بعائلاتهم وقبائلهم وأهليهم…بل إن سكان الأندلس كانوا على مر الوجود العربي الإسلامي فيها، ببساطة (أندلسيين)، نعم فقط هم (أندلسيون) تعرَّبوا باتخاذ اللغة العربية لغة ثقافة ولغة حديث يومي، وأسلموا باتخاذ الدين الإسلامي عقيدة ومذهبا.. أو سالموا المسلمين وبقوا على دينهم.. فكان ذلك الخليط الرائع الذي يسمى الشعب الأندلسي مزيجا حضاريا يشبه - على نحوٍ ما- الشعب الأمريكي حاليا من مختلف الأعراق في ظل دولة واحدة..
فالذين يستهجنون الوقوف على ذكرى سقوط الأندلس، لا يعلمون أن سقوط الأندلس قد غيَّر معالم البشرية على وجه الأرض، كثير من الأشياء كان يمكن أن تكون مختلفة لو بقيت الأندلس إسلامية. بل أكاد أقول إن سقوط الأندلس في القرن الخامس عشر كان أشد وطأة على الأمة الإسلامية من سقوط فلسطين في القرن العشرين، فإن فلسطين لو لم تكن محتلة الآن كانت ستكون كغيرها من دولنا العربية الأخرى في جسدنا الممزق!
أما سقوط الأندلس فقد غيَّر تاريخ البشرية، لماذا ؟! لأنه في سنة 1492 التي سلَّم في بدايتها أبو عبدالله الصغير آخر ملوك غرناطة- مفاتيح المدينة إلى الملكيْن الكاثوليكيين إيزابيل وفرناندو - ملكيْ قشتالة وأراغون - إذ لم يكن وقتها هناك شيء اسمه إسبانيا - هذه السنة هي السنة نفسها التي شهدت وصول كريستوفر كولمبس شواطئ أمريكا بمساعدة الخرائط العربية وبمساعدة علم الملاحة العربي وبمساعدة الملاحين والبحارة العرب، وما أحدثه وصوله إليها من تغير هائل في موازين القوى الدولية، وتلاشي حضارات وانبثاق أخرى.
وقبل السقوط بنحو خمسين سنة -1447- تم إنجاز الاختراع الذي غيَّر تاريخ البشرية قاطبة إنه اختراع الطباعة الحديثة، الذي جرى على يدي يوهان غوتنبرغ في ألمانيا .
إذن فقد خلَّف سقوطُ الأندلس ظواهر كبرى كان لها نتائج كارثية خاصة على العالم الإسلامي ما نزال ندفع إلى اليوم ثمنها: من الكشوف الجغرافية وما نتج عنها من توسع استعماري أوروبي في شتى بقاع الأرض، مع تغير المفاهيم وظهور المركزية الأوروبية واستعلاء العرق الأبيض واحتقار الثقافات والشعوب الأخرى. ومن تراجع السيطرة الإسلامية على طرق التجارة العالمية، مما أدى إلى تراجع حاد في الشؤون الأخرى.. ومن ظهور الطباعة وما ترتب عليه من النهضة العلمية والثقافية والتنويرية التي غيرت وجه أوروبا والعالم وقلبت المفاهيم في الأسرة والمجتمع والدولة والرعية…. وفي كل شيء .
…ولمن لا يعرف ما معنى سقوط الأندلس، يكفي التذكير بمصانع الورق التي كانت تنتشر في المدن الأندلسية، ومنها انتقلت معرفة الورق إلى أوروبا التي كانت ما تزال تكتب على الرق من جلود الحيوانات….. مصانع الورق تلك التي كانت تلبي حاجة السوق الثقافية والفكرية التي كانت تزخر بها الأندلس في ظل الحكم الإسلامي، والتي يكفي عليها دليلاً مكتبة الخليفة الحَكَم المستنصر التي كانت تضم مئات الألوف من الكتب والمجلدات قبل ألف عام، في حين أن أوروبا لم تكن تعرف ما معنى كلمة (مكتبة)، وفي حين كانت مكتبة أكسفورد - التي تأسست بعد مكتبة قرطبة بنحو خمسمئة سنة- قد نُهبت وجرى فيها بيع قطع الأثاث ومحتوياتها، وبيعت أوراق الكتب فيها قراطيس كما نستعملها نحن اليوم، لنلفَّ بها قليلا من الفشار أو بعض الترمس!
وفي حين كان مثقفو أوروبا من الرهبان يلجؤون إلى طمس الكتب القديمة المخطوطة بغسل الأحبار ليعاودوا كتابة الصلوات والأدعية على أوراقها من جديد، فأفنوا كثيرا من العلوم دون أن يعلموا ذلك، بما يعكس المستوى العلمي الحقيقي لـ(أهل العلوم) و(المثقفين) الأوروبيين في ذلك الزمان، الذي ما كنتَ لتجد فيه أندلسياً أو أندلسية لا يعرف القراءة ولا الكتابة!
إننا مع الأسف رغم ما وصل إليه كثير من شبابنا في العلوم الحديثة لا نقدر أن ندرك كم نحن مدينون إلى حضارتنا العربية الإسلامية- وجزء مهم منها في الأندلس- تلك الحضارة وما وصلت إليها التي اتكأت عليها أوروبا ولم تجد غيرها أمامها لتنهض وتمحو ظلمات العصور الوسطى التي كانت غارقة فيها، في الوقت الذي كانت أمتنا فيه تنعم فيه بنور العلم والحضارة والتسامح الديني والرقي الأخلاقي …وغيرها من ميزات الأمم المتحضرة، بما يحفزنا على أن نقبس منه من جديد لنعيد أمجادا لنا كانت.


كم من أطبائنا ومهندسينا وعلمائنا اليوم يعلمون عن إنجازات أسلافهم العلماء في الأندلس - وفي غيرها بطبيعة الحال-؟ وكم منهم يعرف مقدار ما تدين به الحضارة الأوروبية الحديثة لحضارة أجدادهم العرب المسلمين؟ كم طبيبا منهم أو جراحا أو صيدلانيا يعرف أو قرأ سطرا في الموسوعة الطبية التي ألَّفها الطبيب الأندلسي الفذّ أبو القاسم الزهراوي (التصريف لمن عجز عن التأليف) هذا الكتاب الذي بقي مرجعا وحيدا لدى الجامعات الأوروبية في كليات الطب لعدة قرون، كم واحدا منهم ألقى نظرة على الفصل الثلاثين فيه، وهو مقالة في الجراحة، وفيها صفحات عديدة تضم صورا لأدوات الجراحة التي استعملها الزهراوي من نحو ألف سنة، وتشبه إلى حد كبير ما يستعملونه الآن بين أيديهم وما يستعمله الأطباء في مستشفيات أوروبا وأمريكا، وفي المقالة كذلك وصف لعمليات جراحية دقيقة نصعب أن نتخيل كيف كانت تجري منذ ألف سنة ؟ هل نقدر أن نتصور ذلك ونصدق أنه كان موجودا ونحن مهزومون حضاريا؟؟؟ أم لأننا استفقنا على تخلفنا الحضاري فأصبحنا عاجزين كذلك حتى عن استحضار ما كنا فيه!!
هل نقدر أن نتخيل شوراع قرطبة، أكبر مدينة في العالم من حيث عدد سكانها في ذلك الزمان، الشوارع المضاءة بالمصابيح ليلاً يقوم على حراستها والسهر عليها شرطة المدينة، تنتشر فيها الأسواق والمساجد والرياض والدور والقصور والدروب المرصوفة النظيفة، في حين كانت شوارع باريس ولندن تغرق في الوحل والظلام وبَوْل الناس يلقونه من نوافذ بيوتهم على قارعة الطريق، لا يأبهون بالماء إن غاب عن أجسادهم سنوات، بل يفاخرون بعدم الاستحمام، في الوقت الذي كانت فيه قرطبة ومدن الأندلس - كباقي المدن الإسلامية- تغصّ بالحمامات العامة تأكيدا لقيمة النظافة .. هذه الحمامات التي طالها الأذى كما طال أهل الأندلس عند سقوطها؛ فقد سارع الإسبان بعد سقوط الأندلس إلى حرق الكتب وهدم الحمامات، في خطوة لا أدري ما الوصف المناسب لها: همجية، جهل، قذارة، حقد أعمى؟…..
هل نملك أن نتخيل حجم الاستعراضات العسكرية والتشريفات الأميرية والملكية التي كان يستعرض بها خلفاء الأندلس وملوكها وأمرائها قوتهم أمام أعدائهم، حتى أنها لأعجزت الأندلسيين أنفسهم قبل أن تُعجز سفراء أعدائهم حين كانوا يأتون لتقديم فروض الطاعة لحكام الأندلس.
هل نقدر أن نتخيل العقلية الفذة التي تفتقت عنها العبقرية الهندسية التي حملت المياه العذبة في غرناطة إلى قصر الحمراء وإلى بيوت الناس الرابضة على جبالها؟ أو نتخيل العبقرية التي أبدعت في أنظمة الري ونقل الماء إلى البساتين والحقول داخل المدينة وخارجها؟ ونحن الآن في مدينة عمان لا نقدر على أن نجرّ مياه "الديسي" إلا بـ"عطاءات مليونية" و"شركات فرنسية"؟!
ما هو السر العظيم والعقلية التي تقف وراء من استطاع أن يجعل تماثيل الأسود في قصر الحمراء تنفث من أفواهها الماء حسب ساعات معينة من النهار؟ ما هي الميكانيكية التي تعمل بها؟ وكيف أنتجها أهل تلك البلاد؟
… ربما نجد هذه الأمور عادية جدا في أيامنا الحالية، نظرا لما شهدته البشرية من تقدم هائل على مختلف الأصعدة، لكنها مع ذلك معجزة حضارية لمّا يفك العلماء كثيرا من أسرارها بعد.
لهذا فإن الإسبان حين أسقطوا الأندلس كانوا يدركون قيمة الإنجازات الحضارية للأندلسيين المسلمين؛ فحين كان يتم جمع الكتب العربية لتضرم فيها نيران الحقد عام 1499 في ساحة باب الرملة في غرناطة بعد طرد المسلمين، استُثنيت من هذا المصير المفجع الكتب العربية في العلوم الطبية والهندسية والفلسفية وغيرها من العلوم الطبيعية والرياضية والتطبيقية، لتأكل النيران فقط المصاحف وكتب الفقه الإسلامي والأدب العربي واللغة العربية وكل ما يمس هوية العربي ويحفظ كيانه االثقافي.. في حين حُملت بقية المجلدات إلى مراكز الترجمة والجامعات ليكون بالإمكان الإفادة منها على أفضل وجه؟ وهكذا كان..
وهكذا سُرقت حضارتنا ، ثم رُدَّت بضاعتنا إلينا بعد قرون في ثوب جديد لذا لم نعرفه، والتبست على كثيرين منا، والآن فهمنا - بعد فوات الأوان- كيف كان بعض فقهاء الأندلس يحرّمون بيع الكتب العربية إلى النصارى الإسبان، بحجة أنهم يترجمون ما فيها وينسبونه إلى أنفسهم. فكم واحداً منا يعرف أصل الكاميرا ؟ ويعرف أصل الأرقام العشرية ؟ وأصل روبنسون كروزو ؟ والكوميديا الإلهية؟ فحتى الأدب الأوروبي في نشأته لا يخلو من تأثير عربي إسلامي بوجه من الوجوه.. بل حتى اللغة الإسبانية نفسها تعود في ثلثيْن من ألفاظها إلى أصول عربية!!! فما هذا النقاء الحضاري وهل هو موجود حقا؟؟ وما حرف الثاء والخاء المتكرر فيها بكثرة -على غير المعهود في اللغات الأوروبية- إلا مثل على ما نقول.
إننا أمة مهزومة … لا نقدر أن نتخيل الآية معكوسة، حين كان الطلبة الأوروبيون يتزاحمون على أبواب الجامعات العربية في قرطبة لتحصيل العلوم التي عجزت بلادهم أن تقدمها لهم، لا نقدر أن نتخيل كيف كان شبابهم يتباهون بمعرفتهم اللغة العربية وإتقانهم لها، إلى درجة نظم الشعر والرسائل واتخاذ العربية لغة الحديث اليومي ولغة الثقافة لبعضهم.. حتى ضجَّ القس (ألبارو القرطبي) من أبناء جلدته لغرامهم الزائد عن الحد بتقليد الأساليب العربية في النثر والنظم.
ولا نقدر أن نتخيل كيف أن ملك صقلية روجر الثاني كان يتباهى بلبس عباءة مطرزة بكتابات عربية وبحروف عربية.. وبعضنا يخجل الآن من توقيعه البائس إذا كان بحروف عربية.
..وبعد، لا نقول إن التجربة الأندلسية كانت نقية من العيوب وخالية من الأخطاء، فهي كمثل تجاربنا في بلادٍ أخرى فتحها المسلمون- شابها الكثير من النقائص والعديد من العيوب.. لكن ذلك لا يمنع أن نفخر بها تجربةً فريدةً لا مثيل لها في الحضارات الإنسانية، ولا ترقى إليها نماذج شبيهة ربما تأخذ بعقلنا في عصرنا الحديث لأننا فقط "مغلوبون…ومولعون بتقليد الغالب"…رحمك الله يا ابن خلدون، هل قرأتم بعض سطوره، أعرف أن كثيرين منكم سمع به..ولكن هل قرأتم بضعة سطور من كلماته؟ إن فهمتموها.. فأنا على يقين أننا أمة ما تزال على قيد الحياة!