أرشيف المدونة الإلكترونية

‏إظهار الرسائل ذات التسميات من اختياراتي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات من اختياراتي. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 8 يناير 2021

مراجعة كتاب (هذا أبي عبدالله الخطيب: سيرة وذكريات)

 https://thaqafat.com/2021/01/93266

موقع ( ثقافات )



بقلم: مجد حمد

هذه السيرة التي كتبتها رشأ الخطيب عن والدها بعنوان: هذا أبي، عبد الله الخطيب سيرة وذكريات، ليست سيرةً لشخصٍ مشهور أو مؤثر، كما اعتدنا في السِّيَر الغيرية المعروفة، إنها سيرة إنسانٍ عادي عاش كما عاش غيره على أرضنا هذه، لم يكن يعرفه إلا أهلُه وأصدقاؤه ومعارفُه وجيرانه.. ممن صادف مرورُهم في حياته رابطة من دم أو صداقة أو جيرة أو رفقة.

تكمن أهمية هذا النص الصادر مؤخراً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2020، في أهمية قراءتنا لذواتنا، إذ ربما استطاع الشابُّ منا أن يرى في هذه السيرة ما يجعله يدرك أن جميع القصص تستحق فعلًا أن تروى، كي تكون جزءًا من حيوات الآخرين ولحظاتهم القادمة، فلكلٍّ منا قصةٌ يرويها.

في هذا النص، الذي ينتمي إلى السيرة من جانب، وإلى الذاكرة والذكريات من جوانب أخرى، نقف على القصص التي مرَّت في حياة عبد الله الخطيب، أحد أبناء شمال الأردن، مروراً بجزءٍ من سيرة أبيه وجدّه، تجعلنا نشرف على بعض ملامح الحياة التي مرَّت على الأردن منذ مطلع القرن العشرين حتى مطلع القرن الذي يليه.

يبدأ النص من سيرة الجدّ الأكبر لعائلة المؤلِّفة، الشيخ محمد بن السيد المصري، الذي هجر بلاده مصر، أواخر القرن التاسع عشر، انتقل بين أراضي سوريا الطبيعية، التي لم تكن تعرف الحدود، وأقام في فلسطين زمناً، يعمل خطيباً ومدرِّساً في قرى القدس حيث تزوج أنجب أولاده فيها، ثم شدَّ رحاله من جديد، منتصف القرن العشرين إلى شرق الأردن، فنزل لواء عجلون، واستقر في منطقة الكورة.

وفي أثناء سرد هذه القصص تمسُّ المؤلفة بعضَ تفاصيل الحياة اليومية البسيطة لنموذج من العائلات الأردنية وتقاليدها في رحلة للبحث عمّا يسد الرمق ويحفظ لها العيش الكريم. دون أن يمنعها شظف العيش من أن تكون حياتهم مليئة بالعطاء. وفي المقابل تمسُّ السيرة جوانب من بعض الظواهر السلبية التي سادت المجتمع الأردني مع الفتيات خاصة، والمواقف التي تكشف الوعي المجتمعي تجاه التعليم والتدين والسلوك الاجتماعي.

ربما تروي السيرةُ حياةً عاش مثلها كثيرون في المنطقة نفسها، من ترحالٍ وسفرٍ وضيقٍ وبناءٍ للذات على الرغم من ذلك كله، ولكنها قصص الحياة التي تستمر لتطوير النفس وتأمين مطالب الحياة الأساسية، فتستمر السيرة لتحكي قصة عبد الله الخطيب وكيف انتقل من قريته إلى إربد، ثم في مستهلّ شبابه إلى العاصمة عمّان، سعياً وراء العمل ولقمة العيش، وكيف بنى حياته خطوةً خطوة، حتى حصل على وظيفة في مطار عمان المدني، وأنشأ أسرته الصغيرة.

وقد التحق عبد الله الخطيب بالجامعة متأخرًا عشر سنوات بعد الانتهاء من المدرسة لأسباب متعددة ما بين عدم وجود جامعات في الأردن أواخر الخمسينيات، وضيق اليد عن إكمال الدراسة في دمشق أو بيروت أو القاهرة، ولكنه حين استطاع ما تردد، ووقع اختياره على اختصاص التاريخ، وبدأ الدراسة عن طريق الانتساب إلى جامعة بيروت العربية، ومعها وقع في حب بيروت التي ما غادرت قلبه، وكان الأمل يحدوه بمتابعة دراساته العليا لكن الحرب الأهلية اللبنانية منتصف السبعينيات حالت دون تحقيقه.

وبين كل هذا يقف القارئ على بعض تفاصيل الحياة اليومية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، للسفر بين بلاد الشام والزيارات الجميلة بين الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر، زيارات قصيرة لكن بطلنا اختار أن يعيش الحياة بكامل تفاصيلها واستغلال كامل لكل أوقاته، كما لو كان بطل فيلم خاص به.

بعد أن تنتهي المؤلفة في كتابها هذا أبي: عبد الله الخطيب من سرد سيرة والدها، تعود لتروي سيرته عبر آثار أخرى باقية ومكتوبة بقلمه، وهي انطباعاته التي كتبها عن رحلة الحج التي قام بها في 2006. والرسائل التي كان يرسلها لابنته رشأ في أثناء إقامتها وأسرتها في بريطانيا بين 2000-2002، التي تروي من خلالها جانباً من سيرة الجد وعلاقته بأبنائه وأحفاده؛ التي تكشف لنا بعض ما كان يؤمن به من أسس التربية ويقوم به من واجب العناية والاهتمام والحنيّة تجاه الأبناء والأحفاد.

وبتمام كتاباته تنقلنا المؤلفة لنقرأ بعضاً من سيرته بعيون الآخرين؛ بأقلام أحفاده وعيونهم، وبكلمات أبنائه، لتُختَتَم السيرة ويكتمل التشكيل بصور من محطات مختلفة من حياته.

هذا النص التذكاري هو حالة استرجاع طويل المدى لحياة شخص عادي، لكنه لامس حياة الآخرين بشخصه وبـ”عاديّته” وبحياته التي تكمل جزءًا من فسيفساء ذاك الزمن الممتد حتى الآن، وتروي سيرة أبٍ وجدٍّ ورفيقٍ وجار… كان مهمًا في حياة كل من عاصروه؛ إذْ لكلٍّ منا قصصٌ تستحق أن تُروى وستُروى.

*******


هذا أبي، عبد الله الخطيب، سيرة وذكريات

تأليف: رشأ الخطيب

الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2020

عدد الصفحات: 269

السبت، 30 مايو 2020

البيت: إلهام يُفضي إلى الذات

بقلم: وفيقة المصري

لوحة بعنوان «Fried potatoes» للفنان الروسي فيكتور بيفوفاروف، 2006
لم يعتبر المكوث في البيت بالنسبة للبعض خلال الفترة الأخيرة إجراءً احترازيًا ضد خطر الإصابة بفيروس كورونا فحسب، بل فرصة منقطعة النظير للتصالح أخيرًا مع رغبات دفينة ومؤجلة، والتباهي بها أمام من ينتقدون البيتوتية باعتبارها دلالة على شخصية مملة أو تعاني من بعض الاضطرابات النفسية. وإن كان انتشار الوباء قد أرجع البصر إلى بعض ما انحسر عنه، كتلك المسلّمات والمفاهيم المغلوطة التي يغرق العالم بها، فإن رغبة البقاء في البيت واحدة من تلك المفاهيم التي تقتضي إعادة النظر.

الثلاثاء، 5 مايو 2020

لو كان لدينا مدن حقيقية.. لو كان!

https://bit.ly/3chg4qU

بقلم: إبراهيم غرايبة
جريدة الغد

أظهر منع استخدام السيارات عيوب التخطيط العمراني والاجتماعي لمدننا وأحيائنا، وبدا في غاية الأهمية ما كان يقال عن المدن والبلدات والأحياء والشوارع والأرصفة في بلدنا وأنها مصممة على نحو عدائي مع المواطن أو على الأقل تتجاهل وجود الناس واحتياجاتهم.

الاثنين، 23 مارس 2020

الرسائل الورقية.. عن الحنين الذي لا يفهمه أبنائي

بقلم: جعفر العقيلي
في زمن ليس بالبعيد، عبّرت سيدة الغناء العربي فيروز عما تحمله (المراسيل) الخاصة من قيمة وجدانية تخلدُ وتبقى في الذاكرة: (يا مرسال المراسيل ع الضيعة القريبه، خدلي بدربك هـالمنديل واعطيه لحبيبي، عالداير طرّزتو شوي بإيدي والإسوارة، حيكتلو اسمو عليه بخيطان السنارة).
 هذه الكلمات البسيطة والعميقة في آن، يعيش معناها جيلٌ عاش زمنين مختلفين تماماً؛ الماضي الذي نحمل له ولصوره بالأبيض والأسود نوستالجيا شفيفة، والحاضر، صنيعة وحش التكنولوجيا وثورة الاتصالات اللاهثة.

الخميس، 13 فبراير 2020

ما هو الحب؟

بقلم: ديك الجن

عندما رأيتك لأول مرة.. تدخلين عبر ذلك الباب الزجاجي كغزالة بيضاء.. أدركت ما معنى أن يصعق الإنسان.. أن يضربه سحر ما فيستلبه من وجوده.. ويحوله إلى مجرد عينين شاخصتين ذاهلتين.. لا أذكر فعلا ما الحوار الذي دار بيننا وقتها.. ربما كان كلاما عابرا متلعثما.. لكنني عندما عدت إلى منزلي، عدت وأنا أخبئ تلك الكلمات في راحتيّ كمن يخبئ كنزا.. وأمضيت تلك الليلة الشتائية كاملة وأنا

السبت، 1 فبراير 2020

لماذا يثير ترك الحجاب ضجة أكبر من ترك الصلاة؟


بقلم ديمة مصطفى سكران
مدونات الجزيرة
لماذا يثير ترك الحجاب ضجة أكبر من ترك الصلاة؟

18/8/2018
ليس تعليقا على حادثة خلع الفنانة حلا شيحة للحجاب نفسها، فمن الطبيعي أن تأخذ فنانة مشهورة كحلا شيحا كل هذه الضجة، ولكن تعليقا على بعض القناعات التي كشفت عنها ردود أفعال الناس على حادثة خلع حلا لنقابها أو ما يشابهها من حوادث.


الكاتبة: ديمة مصطفى سكران

 تبعات خصوصية فريضة الحجاب:
لحجاب المرأة خصوصية غير موجودة في باقي العبادات وهو أنه ظاهر للناس على مدار الوقت بخلاف الصلاة أو الصيام وغير ذلك، ولذا يعتبره الكثيرون مقياسا شديد الوضوح سهل الاستخدام لدرجة تدين المرأة وإيمانها، علما أنهم يستخدمون مقياسا واحدا فقط بين مئات المقاييس الأخرى التي لا يستطيع أحد سوى الخالق سبحانه وتعالى الجزم بحقيقتها.
إن وضوح هذا المقياس عند المرأة جعل التركيز عليه كبيرا جدا في الحركة الدعوية

الأحد، 29 ديسمبر 2019

وليد سيف ساحر الفن والتاريخ


بقلم : محمد إلهامي

لـو كـان يخلد قـوم بمجدهمـو *** أو ما تقدم من أيـامهم خلـدوا
أو كان يقعد فوق الشمس من كرم *** قـوم بأولهـم أو مجـدهم قعدوا

(1)

كنت على أحر الشوق في رمضان الماضي (1429هـ) لأن أشاهد مسلسل "سقوط غرناطة"، وهو المسلسل الأخير في سلسلة تاريخ الأندلس التي كتبها المبدع الموهوب، نادرة الزمان بحق الدكتور وليد سيف، وهي تبدأ بمسلسل (صقر قريش) ثم مسلسل (ربيع قرطبة) ثم مسلسل (ملوك الطوائف).. غير أن المسلسل لم يعرض، وتضاربت حوله الأخبار على الإنترنت برغم أن المسلسل

الخميس، 12 ديسمبر 2019

الاثنين، 9 ديسمبر 2019

كتاب " وليد سيف أديباً ومفكراً" للأستاذ زياد أحمد سلامة


لقاء إشهار كتاب:
 " وليد سيف أديباً ومفكراً" للأستاذ زياد أحمد سلامة
                                                               
في المكتبة الوطنية بعمّان- مساء الأحد 8/12/2019
بقلم: رشـــــــــــــــأ الخطيب 

إشهار كتاب (وليد سيف: أديباً ومفكراً) في المكتبة الوطنية بعمّان

كان غرضُ الكتابة الأول تقييدَ العلوم كي لا تُنسى، ثم صار للتأليف مقاصدُ وأغراضٌ أُخَر، فلا يؤلِّفُ عاقلٌ كتاباً إلا وفي نفسه شيءٌ منها، ومن تلك المقاصد أن يعمد إلى متفرق فيجمعَه ومختلط فيرتبَه، وهذا الذي كان من مؤلفنا الأستاذ زياد أحمد سلامة في كتابه عن الدكتور وليد سيف أديباً ومفكراً؛ فقد نهض أ.زياد لجمع أعمال د.وليد سيف على مدى سنيّ عمره وترتيبها وعرضها في تأريخ سردي بين دفّتيْ كتابه هذا، الذي أراده سيرةً في أدب الدكتور وليد وفكره وأعماله.

الثلاثاء، 3 ديسمبر 2019

يوماً ما ...

بقلم: أحمد خيري العمري

يوما ما في حياتك..
سيفاجئك وجه ما في المرآة!
ستقف عنده..
وأنت تدرك أنه وجهك..
لكنك لوهلة، ستسأل نفسك..
هل هذا أنا حقا ؟
يوما ما في حياتك..
بين الثلاثين والأربعين، عندما يكون ما قد ذهب من عمرك -على الأغلب- أكثر مما سيأتي،

الاثنين، 28 أكتوبر 2019

ولادة الفرد والصحافة والرأي العام: من المطبعة إلى الإنترنت

بقلم منى فياض
14 أكتوبر، 2018

يقصد بالصحافة المكتوبة، عموما، مجموع وسائل النشر والإعلام المكتوب، أي الصحف والمنشورات الدورية إضافة للمنظمات المهنية المرتبطة بها.

واقعتان خلف ولادة الصحافة؛ اختراع المطبعة ونشر الدوريات. لكن المنشورات الأولى التي ظهرت في البداية قبل الصحافة كما اعتدنا عليها، لم تكن أخبارا، بل

الجمعة، 11 أكتوبر 2019

رسائل الحب، تراث أدبي (يخيف) بعضنا كعرب!

بقلم: غادة السمان
جريدة القدس العربي

نحن لا نجهل «الهياج اللاعقلاني» الذي يثيره نشر رسائل حب بالعربية… وبالذات اذا كانت التي نشرت تلك الرسائل (انثى)… كأن حق (فضح) الحب يخص ذكور القبيلة وحدهم. ومن حق قيس دون ليلى!
ولكن الرسائل تلقي ضوءاً كشافاً استثنائياً على أعماق كاتبها/كاتبتها، وتعري الحقيقة الداخلية. والذين يحبون (تفصيل) حقيقة الآخرين على مقاس ازدواجيتهم ومصالحهم، يعادون رسائل الحب!

ماريا: ماتت مضرجة بحبها!


ذكّرني بكل ما تقدم

الاثنين، 30 سبتمبر 2019

توقعات ما بعد العصر الرقمي

https://bit.ly/2mddwp5
بقلم : بروين حبيب
القدس العربي

بعد عشرين سنة، ربما على أكثر تقدير لن تعرف الأجيال القادمة الدفاتر والأقلام ورائحة الورق التي أدمناها، إذ تفاجئنا بعض الدراسات التي أجريت في أمريكا وأوروبا، أن كتابة الحرف يدويا أصبح مهمة شاقة بالنسبة للتلاميذ في المدارس، فيما يتقن كل مَنْ هم فوق الأربعين الكتابة جيدا، لكنهم يفضلون استعمال أجهزتهم الإلكترونية للكتابة، فيما ترسل نصوصهم الرقمية بسرعة البرق للمعنيين بدون عناء. كانت هذه التوقعات منذ عشر سنوات مضت.

ومنذ عشر سنوات فكّرت ميكروسوفت في ابتكار قصص رقمية محضة، يكفي أن تمنح لها بعض العناوين العريضة لتتم حبكة القصة المطلوبة للقارئ حسب عمره، ويتم إطلاقها، مرفقة بالصور وبالصوت أيضا، إلى هنا يبدو المشروع ممتازا لكنه في حقيقة الأمر مثير للخوف، كون الكُتاب ذوي المخيلات المتقدة ستنتهي مهنتهم عند عتبة الأجهزة المستقبلية، التي ستتولّى أدوارهم في سرد الحكايات وتأليفها، حسب معطيات تقوم على خلفياتهم الثقافية والاجتماعية والقدرات الشخصية لمخيلاتهم. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل نحن ذاهبون إلى تعطيل العقل؟ أم إلى منحه ميزات إضافية؟ إن توقف العقل عن الابتكار ألن يضمر؟
قد يجد البعض ما يشاكسني به سائلا هل الورق والأقلام وسائل عديمة الفائدة اليوم للتعليم، ونشر العلم والثقافة؟ وقد يكون السؤال ملغما والجواب أكثر تلغيما، لكن ألم تتوقف فنلندا في مدارسها عن استعمال الأقلام والأوراق لتلاميذها؟ ألم يبلغ هذا الزحف القارة الأمريكية الشمالية بقوة، فبدأت المدارس منذ 2014 بالتخلي عن الأقلام اليدوية؟ مع أن الأقلام الجافة لم يدم استعمالها أكثر من نصف قرن فقط في المدارس، بعد أن أحدثت ثورة حقيقية لتعويض الأقلام الحبرية المتعبة للتلاميذ، التي دام استعمالها أربعة قرون تقريبا، خاصة بعد أن طورها المخترع الأمريكي لويس إيدسون ووترمان ومؤسس شركة ووترمان سنة 1884 وجعل حامله يعوّض زجاجة الحبر بخرطوشة بلاستيكية سهلة الحمل والاستعمال عند انتهاء عبوة الحبر. وكان الدافع مؤلما لاختراعه ذاك، حين خسر صفقة مهمة بسبب انكسار قلمه لحظة توقيعه للعقد، وانسكاب الحبر على أوراق العقد مرتين متتاليتين، رغم اقتنائه أقلاما جديدة لتحمسه للصفقة.
فما الذي نتحدث عنه بالضبط؟
نحن نتحدث اليوم عن رحلة القلم والورقة، قصة حب جميلة ورومانسية، بدأت منذ زمن طويل ودامت قرونا، وهي اليوم تصل إلى نهاية مؤسفة، بحيث أصبح الحرف عويصا على رسمه بالأصابع الرّشيقة التي تمسك قلما، وتتفنن في إتقانه، في العالم كله كسرت التكنولوجبا صعوبة إتقان الكتابة يدويا، فأصبح الحرف جاهزا، بكبسة زر واحدة، ولعلّ هذا ما سيجعل كل الأجيال السابقة تحمد الله على نعمة لم نعشها، نحن الذين تعلّم بعضنا الكتابة بعد أن تلفت يداه من ضربات المعلم بالعصا. تنهي التكنولوجيا ذلك العذاب الذي عرفناه في مدارس، بعض أساتذتها يشبهون جلاّدي السجون، بحيث كانت العصا جزءا من أدوات التعليم الأساسية.
شيئا فشيئا تنحسر الأتربة عن قصتنا «الرومانسية» عن الأقلام والأوراق، فنكتشف أنها لم تكن كذلك فعلا، فبعض جوانبها كانت مظلمة، في بعض مجتمعاتنا وليس كلها طبعا، كانت صناعة القلم من القصب مهمة التلميذ في بواكير عمره، وصناعة الحبر أيضا، وكل من لا يتقن صناعة قلمه وحبره فعليه أن يتحضر للعقاب المناسب له، وظلّ العقاب رفيقا لنا إلى أن ودّعنا المدارس، كون قلم الحبر أيضا كانت له عيوبه، فهو يكشف أخطاءنا اللغوية التي لا يمكن تصحيحها بأي نوع من الطرق، فقد وصلنا القلم السحري الذي يمسح الحبر ونحن في الجامعة.

في العالم كله كسرت التكنولوجبا صعوبة إتقان الكتابة يدويا، فأصبح الحرف جاهزا، بكبسة زر واحدة، ولعلّ هذا ما سيجعل كل الأجيال السابقة تحمد الله على نعمة لم نعشها، نحن الذين تعلّم بعضنا الكتابة بعد أن تلفت يداه من ضربات المعلم بالعصا.

فكم هو محظوظ جيل اليوم، والأجيال القادمة، وهم يتخطون كل تلك المراحل التي كانت رحلة شاقة لنا لنتعلّم الخط… صدقا ـ رغم أني لم أعش معاناة في هذا الأمر، كون خط يدي واضحا وجميلا جدا- لكنني عشت معاناة الآخرين حولي، وأتذكر بعض تفاصيلها المؤلمة إلى يومنا هذا. اليوم حين حلّ زمن الكتابة الجاهزة يتحول القلم إلى هدية ثمينة، بحيث يصل ثمن بعض الأقلام فيها إلى أرقام خيالية، مثل قلم «مون بلان» المرصع بـ1430 حبة ماس بسعر مليون ونصف دولار!
أكثر الأقلام غلاء في العالم مصنوعة من الذهب ومرصعة بالماس، لكن الملاحظ أنها جميعها أقلام حبرية، مع عودة الريَش القديمة التي ترافقها زجاجات الحبر إلى الأسواق الفاخرة، كنوع من الهدايا الثمينة للأثرياء، مفرغة تماما من كل دلالاتها التاريخية القيِّمة.
تحوُّل الأقلام إلى هدايا مجرّدة من وظيفتها الأساسية يجعل البعض يرى أنها لا تزال تحافظ على قيمتها، كون ابتكار هذه الأقلام الفاخرة يعوّض الخسائر التي لحقت بمصانع الأقلام، بعد اكتساح الحرف الجاهز المدارس الغربية، لكن الشيء الذي خسر قيمته هو الورق، لكن تأثير هذه النقلة الحضارية الصادمة من الملموس إلى المحسوس قد لن نعرف نتائجه الآن، بل يلزمنا المزيد من الوقت لمعرفة ما إذا كان استعمال القلم للكتابة أفضل للعقل من استعمال الحرف الجاهز والأجهزة الإلكترونية المتساهلة مع العقل. الباحثون عن حلول لحماية تجارة الورق المتراجعة، يقترحون تعويض كل ما يسيء للبيئة من صناعات بلاستيكية بالورق، وبالطبع أكثر المقترحات تجد طريقها للتنفيذ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن المشكلة الوحيدة التي تبدو مبهمة اليوم وتمضي بنا نحو المجهول، هي مصير العقل البشري، فهل تراه سيصاب بعطب بسبب تقليص استعماله؟ أم أنه سيتأقلم ويتطوّر مع كل هذه التطورات الحضارية الصادمة له؟
يقول المختصون حول الموضوع أن العقل خلال الكتابة اليدوية يعمل وفق حركة تكوين الحرف، ثم تكوين الكلمة، أما مع مفاتيح الكتابة فيعمل لإيجاد موقع الحرف وتحديد المسافة بين كلمة وأخرى، ويؤكدون أن الذاكرة تعمل أكثر خلال الكتابة اليدوية، ما يجعل المناطق الحسية للدماغ أكثر نشاطا، هذا الأمر تعمّقت فيه المحاضرة مارييك لونغكامب المختصة في الأسس المعرفية والعصبية للكتابة اليدوية عند البالغين والأطفال، والتفاعلات بين المعالجة اللغوية والتحكم الحركي في الكتابة اليدوية، والكتابة بلوح المفاتيح، وتغيرات الدماغ الوظيفية أثناء العمليتين، وخلصت إلى نتائج مبكرة تحذِّر فيها من إدخال الأطفال في دوامة الحرف الجاهز، والتخلي عن الكتابة اليدوية، والاكتفاء بالأجهزة الإلكترونية للتعلم، كما نبّهت أيضا لافتقار النصوص التي تُكتب من طرف الأطفال على لوح المفاتيح للمحتوى الدلالي والنحوي للنصوص، وأنه يجب أن لا نخدع بالنتائج الجيدة التي يحققها الجيل المخضرم، الذي تعلّم الكتابة والتأليف يدويا، ووجد في لوح المفاتيح ما يُسَرِّع عملية الكتابة، وسهولة تصحيح نصه، لكنّ تكوينه الأساسي هو الذي بنى قاعدة متينة لدماغه ليكون مبتكرا.
تُقرع أجراس الخطر الداهم لدماغ الإنسان بسبب التكنولوجيا، من مختبرات دراسة التحولات الخطيرة، التي قد تدمّر الذكاء البشري بسبب الحرف الجاهز، منادية بالحفاظ على قدرات الفرد على الكتابة والقراءة، لأنّهما أهم نشاطين يحافظان على اللغة، والتفكير، والابتكار، وإلاّ فإن هذه المرحلة هي مرحلة بداية الانحدار لإنتاج إنسان بدماغ معطّل، وهي بالضبط مرحلة ما بعد العصر الرقمي بكل مساوئها وما تحمله من انهيارات كبرى للمنجز الإنساني الذي حققه بعد قرون من الاجتهاد.

الأحد، 22 سبتمبر 2019

الوجه الآخر لجبران خليل جبران.. حقائق لم يُرِد أن يخبرك بها عن نفسه!

بقلم: آلاء السوسي
 18 يناير,2017
من منا لم يقرأ جبران بإشراقاته الروحية المفتونة بسحر الطبيعة، والهائمة بالذات العليا الذائبة في الوجود، كلمسة نور متى مست القلب احترق فأضاء فأشرق؟

ربما جميعنا قرأنا روائعه الأدبية في مرحلةٍ ما، حيث انصهرت نفوسنا في لغته المتطهرة ذات الجمالية المترفعة عن حياة المدينة ومادتها وصخبها، ورحنا نطير بأجنحته المتكسرة، ونحط على شاطئ رمله وزبده، ونلتقي أخيرًا بنبيه العظيم المبشر بديانةٍ بلا شرائع، ولكنها ذات روحٍ متوحدة بالوجود.
إن لم تقرأ جبران، فلعلك سمعته بصوت فيروز، وهي تغني »أعطني الناي وغني.. فالغنا سر الوجود«، أو وهي تنغم نثره في كتاب »النبي« في حديثه عن المحبة: »المحبة مكتفيةٌ بذاتها«.
وإن لم تقرأ ولم تسمع، فلعلك سمعت الكثير من الشبان يهيمون في قراءة تلك الرسائل المتبادلة بين جبران خليل جبران، وبين الأديبة مي زيادة، حتى إن لم يكن لك اهتمامات أدبية، فإن قصة الحب العذرية بين شخصين لم يلتقيا أبدًا، ربما ستكون ملهمةً وجذابةً للاطلاع عليها.
هذا ما نعرفه عن جبران، فهل كان حقاً هذا النموذج الروحاني والإشراقي الذي ظهر في كتبه وقصصه؟ هل كان العاشق الولهان، والإنسان الإلهيَّ النبوي، والزاهد في مغريات الحياة العصرية؟ في هذا التقرير نحاول الإجابة من خلال بعض ما ورد في سير معاصريه عنه.

لماذا كان يكتب جبران؟
على الرغم من أن محتوى أدب جبران كان رسالةً إنسانيةً ساميةً مترفِّعةً عن أية شهوات دنيوية، غير أن ما يرويه يوسف الحويك في كتابه »ذكرياتي مع جبران« كان مختلفًا؛ إذ يورد أنه حين سأل جبران عن سر حماسته للكتابة، كانت إجابته كالتالي »أذكر أني عندما بدأت (أخرطش) كما يفعل الأولاد حتى في ذلك العهد المبكر، كنت أحلم في أن أبيع رسومي وأربح منها، وكذلك كنتُ عندما أطالع قصة طريفة يحفزني دافعٌ قوي لكتابة القصص، وأنا اليوم أؤمل بأن كتاباتي ستغل علي يومًا«.
ويبدو أن جبران قد حقق غايته تلك بالفعل، فقد حققت كتاباته انتشارًا واسعًا، بل إن كتابه »النبي« ترجم إلى أكثر من 50 لغة، وقد عاد عليه هذا الانتشار، وهذه الشهرة بثروة ماليةٍ جيدة.
واللافت أن مفهوم الفقر والغنى قد تغير بالنسبة لجبران وفقًا لهذه التغيرات في حياته، فالفقر في كتاباته الأولى كان مستمدًا من واقعه بالفعل، فيه روح الكدِّ والعناء والمعاناة، والحقد على الطبقات المتنفذة ذات الثروة.
يقول في قصة »الكوخ والقصر« على سبيل المثال »جاء الفجر فهبَّ ذلك الفقير من نومه، وأكل مع صغاره وزوجته قليلًا من الخبز والحليب ثم قبلهم، وحمل على كتفه معولًا ضخمًا، وذهب إلى الحقل ليسقيه من عرق جبينه، ويستثمر ويطعم قواه أولئك الأغنياء الأقوياء، الذين صرفوا ليلة أمس بالقصف والخلاعة. طلعت الشمس من وراء الجبل وثقلت وطأة الحر على رأس ذلك الحارث، وأولئك الأغنياء ما برحوا خاضعين لسنة الكرى الثقيل في صروحهم الشاهقة«.
بينما في كتاباته الأخيرة بدأ يتوجه نحو معنىً روحاني تفرضه حياته الجديدة التي وصلت حدًا من الرفاه المادي والغنى الفعلي، يقول في كتاب »النبي« مثلًا »أليست مادةً فانيةً تخزنها في خزائنك، وتحافظ عليها جهدك خوفًا من أن تحتاج إليها غدًا؟ والغد، ماذا يستطيع الغد أن يقدم للكلب البالغ فطنة الذي يطمر العظام في الرمال غير المطروقة، وهو يتبع الحجاج إلى المدينة المقدسة؟ أوليس الخوف هو الحاجة بعينها؟ أوليس الظمأ الشديد للماء عندما تكون بئر الظامئ ملآنة هو العطش الذي لا تروى غلته؟«
هل ينتبه القارئ إذن إلى أن مثل هذه الكتابات الزاهدة إنما جاءت في عهد الرفاهية والغنى؟

هل رسم جبران صورته أم رسمها الآخرون؟
من الطبيعي أن يحاول كلُّ أديبٍ رسم صورة ذاتية لنفسه، يظهر من خلالها في أعماله، فما هي الصورة التي أرادها جبران لنفسه؟
«بربارة يونغ»، إحدى النساء المؤثرات في حياة جبران، وقد كتبت سيرةً ذاتيةً عنه بعنوان »هذا الرجل من لبنان«. «خليل حاوي» الذي قارن بين ثلاث سير ذاتية عن جبران، رأى أنَّ يونغ لم تصور إنسانًا خلال هذه السيرة بل »إلهًا«، حتى إنها ادعت أنها كانت ترى «هالة نورانية» ساطعة تشرق حول رأسه، فكيف اقتنعت بربارة يونغ بهذه الصورة إذن؟
يصف حاوي الكتاب بأنه »سلسلة خوارق لا تصدق«، تتحدث فيه يونغ عن طفل عاش حياةً مرفهةً لعائلة عريقة تهتم بالثقافة والفن والموسيقى، والحقيقة أن جبران ولد في عائلة مارونية، وقد كان أبوه خليل، هو الزوج الثالث لأمه بعد وفاة زوجها الأول، وبُطْلان زواجها الثاني. كانت أسرته فقيرة بسبب كسل والده وانصرافه إلى الخمر والقمار، لذلك لم يستطع الذهاب للمدرسة. فمن أين جاءت يونغ بهذه الأسرة الثرية التي تملك مربيةً خاصة تدلل الطفل المرفه جبران؟
يرى حاوي أن جبران نفسه هو من كان قد أوحى لها بكل هذه الادعاءات حول طفولته السعيدة.
لا يتوقف أمر الادعاءات عند رسم طفولةٍ خياليةٍ مغايرةٍ لطفولته الفعلية، بل إن بعض الروايات تثبت أنه كان يمارس هذه الصورة بالفعل، فيخبرنا خليل حاوي أنه كان يظهر «على هيئة ناسك نحيل يتشح بالسواد، يحمل في يده مسبحة طويلة، ويحرق البخور أمام آلهته«.
والأغرب من ذلك، ما يرويه حاوي من أمور ادعاها جبران بحسبه لنفسه، وثبت بطلانها، مثل زعمه عضويته في جمعية الفنون الجميلة الفرنسية، والحصول على عضوية شرف في جمعية الفنانين الإنجليز، ولقاءه بالفنان العالمي (رودان)، والحقيقة التي يرويها ميخائيل نعيمة أنه التقاه بالفعل، لكنها كانت زيارةً بصحبة آخرين، تحدث فيها رودان عن الشاعر وليام بلايك، فخرج جبران مفتونًا به.

هل كانت قصة حب جبران ومي زيادة مثاليةً حقًا؟
إن مجموع الرسائل المتبادلة بين مي وجبران، وقصة حبهما التي لم تحقق لقاءً واقعيًا واحدًا، تُظهر كلًا من جبران ومي في مظهر أسطوريٍّ ملهم يوازي قصص الحب العذرية الأسطورية التي لطالما تغنَّى بها العشاق، لكن هل كان جبران عاشقًا مخلصًا لمي؟
في مقدمة كتاب »الشعلة الزرقاء، رسائل جبران خليل جبران إلى مي زيادة«، تظهر تلك الطبيعة المتوترة لهذه العلاقة الغريبة، فبين آمال مي ومراد جبران، كانت هناك مساحةٌ جعلت هذه العلاقة تتصل وتنقطع مراتٍ عدة، فما الذي كانت تحلم به مي؟
تقول مقدمة الكتاب موضحةً أسباب هذا التوتر، »تُرى هل كانت مي تنتظر قدوم جبران إليها، أو دعوته للقائها في أوروبا؟ ما من شكٍّ في أنها كانت راغبةً في لقائه، منتظرةً قدومه بشوقٍ كبير، فطالما دغدغ أحلامها. نقول هذا استنتاجًا؛ لأن معرفتنا بطبيعة المرأة التي تحب، ولا سيما الشرقية المحافظة، تمنعها من المبادرة، وتجعلها تنتظرها من الرجل، أما دليلنا الثاني فهو عزوف مي عن الزواج… لقد عبَّر جبران عن رغبته في السفر إلى القاهرة عدة مرات في رسائله إليها، ولكنه لم يبرح مكانه«.

في موضعٍ آخر، تُوصف مي بأنها »ضحية جبران«؛ فقد »عاش جبران في الغرب كما يروي ميخائيل نعيمة حياةً منطلقة دون أية قيود، فعرف العديد من النساء، وطمح إلى أن يعيش حياةً خيالية مع امرأة شرقية، تغذِّي إبداعه بنبضٍ خاص. كانت هذه الازدواجية تريحه، وربما مصدرَ إلهامٍ له، في حين كانت العلاقة بالنسبة إلى مي حياتها بأكملها، بالرغم من أنها خيالٌ أقرب إلى الحلم… لقد كانت مي ضحيةَ علاقة رسمها الرجل كما يريد له طموحه الإبداعي بغض النظر عما تريده المرأة أو تحلم به«
في الحقيقة أن جبران لم يَعِد ميَّ بالزواج، وهي لم تكن ضحيته بالمعنى المباشر، لتكون امرأةً ما ضحية وعودٍ كاذبةٍ لرجلٍ مخادع، لكنه كان منتفعًا من هذا الإلهام الشاعري لقصة الحب الغريبة تلك، والتي توازيها علاقات نسويةٌ أخرى، بينما كانت مي تعاني شوقًا ومحبةً من نوعٍ آخر، كانا يغذيان إلهامه بتلذذ.
لقد بقي جبران أعزبًا؛ إذ كانت له آراؤه الواضحة في التفريق بين المحبة والزواج؛ يقول جبران »ولدتما معًا، وتظلان معًا. حتى في سكون تذكارات الله، ومعًا حين تبددكما أجنحة الموت البيضاء، ولكن، فليكن بين وجودكم معًا فسحات تفصلكم بعضكم عن بعض، حتى ترقص أرياح السموات بينكم. أحبوا بعضكم بعضًا؛ ولكن لا تقيدوا المحبة بالقيود، بل لتكن المحبة بحرًا متموجًا بين شواطئ نفوسكم، ليملأ كل واحد منكم كأس رفيقه؛ ولكن، لا تشربوا من كأس واحدة».
ولعلَّ هذه الرؤية المتعالية للحب تشبه رؤيته السابقة للفقر، إنها رؤيةُ مرحلة الرفاه، التي يحتاج فيها كأديب إلى ملهم، إلى إبقاء جذوة روحه مشتعلة غير متخمة بالمزيد من الإشباع.

هل كان جبران شاعرًا رومانتيكيًا؟
لابدَّ أن أبرز السمات التي يوصف بها نتاج جبران الأدبي هي صفته الرومانتيكية ذات النزعة الإنسانية المحبة للطبيعة والوجود، والمشرقة بروحٍ إلهيةٍ حاضرةٍ في الذات تمنحها شيئًا من الطهر والقداسة، ولكن الأمر لا يبدو بهذه الصورة بالنسبة للشاعر الباحث خليل حاوي، والذي يرى أن رومانتيكة جبران كانت هروبًا، وتمثِّل مخرجًا وهميًا من واقعٍ عجز عن حل تعقيداته؛ فلا هو استطاع التفهم والتكيُّف، ولا هو استطاع الفعل والتغيير.
وحسب هذه الرؤية لا يكون الجمال الروحي الذي تتردد أصداؤه في »مواكب» جبران ناجمًا عن روحه السامية، بل عن ضعفه في غربةٍ قاسية لم يستطع مواجهتها، فهجرها إلى الغاب ليغنيَ أغانيه ويشدو بأحلامه، فهل يكون أدبه ملاذَ الضعفاء الهاربين؟
هذا هو جبران بتناقضاته، بين طموحاته في استغلال أدبه من أجل الثروة والشهرة وبين مؤلفاته الرومانسية السامية. بين رسائله الغرامية، وما خلَّفه وراءه من عذاب امرأة ارتضت لنفسها هذا العذاب الحر. بين صورته الأصلية كطفلٍ فقير أبوه سكيرٌ مقامر، وبين صورته التي أرادها له طموحه السامي الاستعلائي كابن مرفَّه تأتيه المربية بالهدايا.
ومهما يكن من أمر هذه الروايات، يبقى السؤال عن حق الإنسان في الاستمتاع بالجمال بغض النظر عن مدى إمكانية تحققه في الواقع، أو صدق قائله، هذا الذي يراه البعض حقًا يلوذ به البشر من قسوة العالم ووحشته.

الخميس، 5 سبتمبر 2019

أين تختبئ الحكايات؟

بقلم: بروين حبيب
جريدة القدس العربي

تختبئ الحكايات في ثنايا الأشياء، وإن شئنا أن نسرد حكاية من اللاشيء سنلجأ للمخيلة لابتكار تفاصيل تغري المتلقي بالاستماع والمتابعة ولو بإطلاق كذبة.
نتذكر بعض الأشياء التي رافقتنا في أفراحنا، وأخرى في أتراحنا، أقلّب في خزانتي فأتوقف عند

السبت، 24 أغسطس 2019

سيكولوجية البيت.. لماذا نرتبط ونتعلّق بمنازلنا؟

بقلم: غيداء أبو خيران
http://www.noonpost.com/content/26357?fbclid=IwAR23Q5K6_jefm7IRsURKEnHMbruS3LS3mKYh5zUr2sWSmYA7hb-lrDTHZYQ#.XVeB4z2boFo.facebook

يُقال بأنّ البيت هو كوننا الأول وركننا في العالَم. وليس غريبًا البتّة أنّنا على مدى سنواتٍ عديدة نقضي الكثير من الوقت والجهد والتفاني في تصميمه وتجميع أثاثه وحاجياته وأشيائه بطريقةٍ تُشعرنا بالفعل أنّنا في "البيت"، حتى أنّنا نجد أنفسنا كثيرًا بعد قضاء عددٍ من الليالي في غرف الفنادق

السبت، 17 أغسطس 2019

لماذا نحب ربيع قرطبة؟

بقلم: دينا سعد

أُنتجت الكثير من المسلسلات التاريخية في جميع أنحاء الوطن العربي، وبميزانيات ضخمة، لكن يبقى المسلسل السوري «ربيع قرطبة» يحتل مكانة خاصة في قلوب الكثيرين. المسلسل أتى ضمن ثلاثية المؤلف الفلسطيني «وليد سيف» والمخرج السوري «حاتم علي»، التي تناولت

الأربعاء، 14 أغسطس 2019

لماذا نحب القصص؟

بقلم: د.أحمد خيري العمري

سواء كنا نحب أن نقرأها- أو نسمعها ..أو نشاهدها، فنحن نحب القصص. منذ فجر التاريخ عندما كان البشر يتجمعون حول النيران، إلى عصر النتفلكس، نحن نحب القصص..


قد يبدو الأمر مجرد تسلية وتزجية للوقت، لكن أي شيء منتشر إنسانيا لهذه الدرجة، وعبر التاريخ، لا بد أن يرتبط بشيء أكثر جوهرية من مجرد التسلية.
الـتأثير المباشر للقصص واضح، ويمكن ملاحظته بسهولة في أي محاضرة، عندما تكون هناك قصة شخصية متضمنة، فأن التفاعل والنشاط من قبل الجمهور يكون أكبر بكثير مما يكون عندما يخلو الحديث من القصة..
الدراسات البيولوجية تقدم تفسيرا مدهشا للأمر:

الاثنين، 22 يوليو 2019

العربية الفصحى ثورة على الطغيان

بقلم: ديما مصطفى سكران

 قد يبدو الرقم صعب التصديق، لكن الاسكتلنديين، ووفق دراسة لجامعة غلاسكو، يملكون في لغتهم 421 كلمة للثلج، في حين يملك العرب كلمة واحدة فقط ليس لها أي مرادفات!

اللغة، أداة الفكر أم سجنه؟
إن المرء حبيس لغته، وإن فهمه لأي أمر محدود بقدرته على صياغة ذلك الأمر لغويًا، لذا فإنّ هذا الفارق الشاسع في عدد المفردات المتعلقة بالثلج بين اللغتين العربية والاسكتلندية، لا يعني فقط فارقا بسطور المعاجم الخرساء، ولكنه يعني

الخميس، 11 يوليو 2019

المحجبات في ألمانيا ليس لهن آذان

بقلم ديمة مصطفى سكران
مدونات الجزيرة
https://bit.ly/2Ga5N21


"تقول الأسطورة إن النساء المسلمات ليس لهن آذان ولذا هن يضعن الحجاب"، هذا ما قاله لي مديري الألماني في اليوم الأول في العمل ممازحا، فوجدت نفسي أتحسس أذني من فوق الحجاب السميك وأنا أصطنع ضحكة، فمن المهم أن تضحك على نكات مديرك مهما كانت سمجة، خصوصا في اليوم الأول في العمل، ولكن هل كانت هذه نكتة بالفعل؟ أم أنه كان يريد التأكد؟ لأنني ضبطه أكثر من مرة يتأملني من بعيد وكأنه يبحث في رأسي عن شيء ما. إنني أملك أذنين بالفعل، ولكنني للأسف لا أستطيع جعله يتأكد من ذلك.
لا أستغرب أبدا أن يصدق أحد معارفي الألمان، في هذه المدينة الصغيرة غير المعتادة على الأجانب، أنني لا أملك تحت الحجاب أذنين، ما دام أنني سُئلت مرارا إن كنت أنام بالحجاب أو أستحم به، فحولنا نحن المسلمات تنتشر هنا الكثير من الخرافات المضحكة. وفي كل مرة أجلس فيها مع أحد الزملاء أفند له خرافة جديدة، فيتحلق الباقون حولي باهتمام، بينما أنا أروي لهم كيف أنني زرت الجامعة، وكيف أنني أتحدث عدة لغات، وكيف أنني أعرف من يكون أينشتاين، وكيف أنني أفضل الجاز على الراب. تفاصيل صغيرة عن امرأة عادية لم تكن لتثير اهتمام أي أحد، لكنها تبدو مثل أخبار الصفحة الأولى عندما تصدر عن امرأة مسلمة. يكون الأمر مسليا بالنسبة لي في المرة الأولى والثانية والثالثة، لكنه يصبح في المرة العاشرة مملا جدا.
العقل الألماني يقف عاجزا أيضا عن فهم قدرتي على تثبيت حجابي الكبير بدبوس واحد، فتتجمد صديقتي الألمانية فاغرة فاهها لتراقبني أمام المرآة وأنا أضع الحجاب خطوة خطوة، منبهرة بكل ما أفعله
ولا يعكس هذا الفضول لدى شريحة واسعة من الألمان إلا حالة من الجهل المطبق بالمرأة المسلمة، واستسلاما للصور النمطية التي تُعتنق دون كثير من التدقيق. إنه فضول يشي بنظرة دونية للمرأة المسلمة، تكشفها شهقات الانبهار وعبارات التقدير التي تلي ذكر أي أمر عادي، كدخول الجامعة أو قيادة السيارة أو القدرة على السباحة، فهذا التقدير في الحقيقة هو تعبير مبطن عن الازدراء، يصبح معه أي إنجاز مدعاة للتصفيق! لكن اضطراري لشرح نفسي للآخرين على مرارته يظل أفضل من عدم تمكني من الشرح على الإطلاق، وإن سيل الأسئلة الذي يغرقني به البعض هو أكثر إيجابية من الصمت المطبق لدى البعض الآخر، الذي يكتفي بما يؤمن به من قناعات حول المرأة المسلمة، ليأتي سلوكه تعبيرا عمليا عن هذه القناعات. ولعلنا كنساء مسلمات تزداد حساسيتنا بشكل مضاعف في الغرب، ونتمكن من التقاط أي تعبير عن الكراهية والنفور مهما كان صغيرا!

فالوقوف في طابور في السوبر ماركت، على رأسه موظف يحيي الجميع تحية آلية لطيفة، يتحول إلى حالة من الترقب فيما إذا كانت هذه التحية ستجد طريقها إلى وجهي أم لا. وكثيرا ما يحدث أن يطبق البائع شفتيه تماما عندما أقف أمامه، ليقوم مجبرا بخدمتي، مع عدم ترك أي فرصة تفلت منه لإشعاري بأنه يفعل ذلك بلا أي سرور، على عكس عبارة "بكل سرور" الترويجية المطرزة على قميصه.
لقد تحولت هذه المواقف إلى شيء من الروتين اليومي، فهناك دوما هؤلاء الأشخاص الذين يتحكمون بمزاجي الشخصي عند لقائهم على طاولات الحساب، أو خلف مكاتب الدوائر الحكومية، فأخرج من عندهم باشة عندما يقابلونني ببشاشة، ومعكرة عندما يقابلونني بعبوس.
وعلى الرغم من تكرر هذا الأمر كثيرا، لكنه يبدو في كل مرة يحدث فيها وكأنه يحدث للمرة الأولى، وكأن المرء غير قادر أبدا على التعود على الشعور بالإهانة! تلك الإهانة التي فاجأني بها الضابط الذي استقبلني في مطار التيغيل في برلين، عندما تقديمي طلب اللجوء. لقد كان تحقيقا طويلا خاضه الضابط مع طاولته تقريبا، لأنه لم يرفع نظره عنها، متحاشيا تماما النظر في عيني. وكانت تلك المرة الأولى التي أعاين فيها بنفسي معنى أن أكون مسلمة على أرض أوروبية، ومعنى أن أتعرض للتمييز بسبب معتقدي، وأدركت حينها أن جزءا كبيرا من حياتي سأمضيه على هذا النحو، يُخاطب فيه الآخرون الطاولات والكراسي ولوحات الجدران وساعات الحائط وهم يتكلمون إلي، أو ينظرون إلي أحيانا بحدة بالغة وكأنهم، رغم استخدامهم ضمير المخاطب المحترم، يهددونني بالقتل.
وعلى الرغم من أنني قد أُتهم بالإصابة بالرُّهاب إذا تحدثت عن الخوف من تعرضي للإيذاء، لكن صمتي عن هذا الأمر لن يغير حقيقة شعوري به أحيانا، ولعل هذا ما يدفعنا نحن المحجبات أحيانا إلى تغطية حجابنا بقبعات السترات الشتوية قدر الإمكان، لكن الصيف يجعلنا نبدو في مجتمع تتكشف فيه سيقان الرجال والنساء على حد سواء ملفتاتٍ جدا للنظر، ثم هَبْ أننا تمكنا من حل المشكلة في الصيف بطريقة ما، فماذا نفعل بملامحنا الشرق أوسطية؟ وأين نذهب بأنوفنا؟ إن أنوفنا تفضحنا للأسف، وأنوفنا هي المسؤولة الأولى عن انكشاف أمرنا حتى عندما يكون حجابنا متوار تحت القبعات الشتوية!
لكن أنوفنا لا تسبب للبعض أي مشكلة، فعلى النقيض من أولئك الذين يريدون إشعاري أنهم لا يرونني على الإطلاق أو أنهم يرغبون بقتلي، هناك أولئك الأوروبيون اللطيفون الذين يريدون إظهار مودتهم إلى درجة الاحتضان، دون أن تعني لهم هويتي المسلمة أنني امرأة لا تعانق! نعم، لم نعد الآن في جدال "أنا لا أصافح"، بل انتقلنا إلى جدال "أنا لا أعانق"، والذي أجد نفسي بسببه أدفع عني بعنف زملاء لطيفين يريدون معانقتي على الطريقة الشبابية. العناق، وزجاجة الشمبانيا الصغيرة التي وضعها أمامي زميلي في العمل بمناسبة يوم المرأة، والشوكولا التي يناولونك قطعة منها لتنكسر في فمك عن جرعة من الخمر، كلها ليست إلا تفاصيل في جهل الأوروبي بالمرأة المسلمة، يبرِّرُه أحيانا بأنها ليست إلا جرعة صغيرة من الخمر فقط، وبأن بإمكاني ابتلاعها، طيب وماذا عن زجاجة الشمبانيا؟ هل آخذها لأنها زجاجة "صغيرة" أيضا ويمكنني احتساؤها؟ يفاجئك العقل الألماني أحيانا عندما لا يستوعب أن الأمر لا علاقة له بالحجم.

والعقل الألماني يقف عاجزا أيضا عن فهم قدرتي على تثبيت حجابي الكبير بدبوس واحد، فتتجمد صديقتي الألمانية فاغرة فاهها لتراقبني أمام المرآة وأنا أضع الحجاب خطوة خطوة، منبهرة بكل ما أفعله، طالبة مني التوضيح، فأبدأ بالتفلسف عن نوعية معينة من القماش أحتاجها، وعن أبعاد معينة لأطراف الحجاب، وعن آلية معينة للفه حول الرأس، لأنني أجد من غير اللائق بمكان الاعتراف ببساطة الأمر أمام مقدار ما تبديه هذه المرأة من انبهار ، كما أنني أجد انبهارها فرصة للتباهي بأمر ما أمامها. نعم يا سيدتي، أنتم الألمان لديكم فولكس فاجن، لكننا نحن المسلمات نستطيع تثبيت حجابنا بدبوس واحد فقط!
وكما تعجبت السيدة من قدرتي على ارتداء الحجاب بهذه السرعة، فإنها أبدت اندهاشها الذي كاد يقارب إصابتها بأزمة قلبية حين حضرت عرسا سوريا، رأت فيه النساء المسلمات اللواتي تعرفهن بالحجاب حاسرات الرأس متزينات! كانت تحتاج قرابة العشر دقائق من البحلقة بكل امرأة على حدى قبل أن تبدأ بالنطق، وهذا هو الأمر الوحيد الذي لم يفلح أحد بعد في شرحه للألمان، فهم لا يستطيعون أن يفهموا كيف بوسع النساء أن يكن جميلات ثم يخفين جمالهن بالملابس المحتشمة! ولعلي بعد هذا الموقف فهمت سبب الثرثرات الهامسة التي أسمعها من خلفي أحيانا، عندما أكون واقفة أمام رفوف محل التجميل، أقلب علب الشامبو بين كفي، وأجرب ألوان أحمر الشفاه كعادة النساء العربيات على ظهر يدي. نعم يا عزيزاتي نحن نستخدم الشامبو، ونحن نضع أحمر الشفاه، ونحن ندرس في الجامعة، ونحن نعرف من هو أينشتاين، ونحن نقود السيارات، ونحن نستحق تحية لطيفة أمام الكاشير، ونحن لا نعض ولا نرتدي أحزمة ناسفة تحت ملابسنا الواسعة، ونحن لا نتحجب لأننا قبيحات، ونحن قبل كل ذلك أيضا لدينا آذان!