أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 14 أبريل 2011

الخيانةُ ... الدُّنيا


أحقاً ما يُقال إنها خيانة عظمى؟ هل يمكننا أن نُفاضلَ بين خيانةٍ عظمى وأخرى دنيا؟ أم  أن الخيانة هي خيانة خيانة فقط؟
...رغم أنَّ الحياةَ مليئةٌ بالألوان، وكل لون فيها يتفاوت بين القوة والضعف.. والشدة والخفوت إلا أن ذلك قد لا يصدق تماماً على عالم علاقات البشر، أيمكنكَ أن تكون صديقاً قليلاً أو صديقاً كثيرا؟ أينفعُ أن تكون زوجاً قليلا أو زوجاً كثيرا؟ أيمكنكِ أن تكوني رفيقة قليلة أو رفيقة كثيرة؟ أيمكن أن تكون ابناً باراً قليلاً أو ابناً باراً كثيراً؟
لا أظن التفاضل والتفاوت أمر تسمح به طبيعة العلاقات البشرية الخاصة المعقدة، إذ "لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار" في هذه العلاقات، و"المنـزلة بين المنـزلتين" هي محضُ فكرةٍ تقبعُ في عقول الفلاسفة والمتكلمين، ولا تخضع لمنطق الحساب والتقييم.
فكيف يمكن أن نصفَ علاقةً بين اثنين ..كالحب أوالصداقة أوالأخوة أو ما شابه، هل يمكن أن نقبل في علاقةٍ من مثل هذا النوع ببعض الحب.. أو بقليلٍ من الوفاء.. أو بكثيرٍ من الإخلاص؟ هل يمكن للكأس أن تكونَ نصف مملوءة حيناً أو نصفَ فارغة حيناً آخر؟ وكيف يمكن أن تسيرَ علاقةٌ بين اثنين أو ثلاثة أو أكثر.. بكأس من هذا القبيل؟
هل يقبل أحدُ أطراف العلاقةِ ببعض الحب ليترك ما بقي من الكأس لبعض الكراهية؟ وهل يؤدي بعضَ الوفاء ليملأ الباقي بالخداع؟ وهل يقدِّمُ بعضَ الإخلاص.. ليملأ ما تبقى ببعض الاحتيال؟ أيمكن أن يحدث هذا؟ نعم يمكن ...بل هو كائن!
..لكن كيف هو مذاقُ علاقةٍ من هذا القبيل؟ أليس التسليم لأطراف العلاقة هو جزء من جمال العلاقة ودوامها بينهم؟ وإذا كنا نخصّ في الحديث- الحبَّ والصداقة وحتى الأبوة والبنوة.. وغيرها من بين العلاقات الإنسانية..فكيف يكونُ شكلُ تلك العلاقةِ بين طرفين: نمنحُ فيه الطرفَ الآخرَ بعضَ الحب لبعض الحين.. ولا بأس من الكذب والخداع والخيانة والاحتيال....فيما بقي من الأحيان.
الكذب...الخيانة... وما اشتق منهما من معانٍ تشوه العلاقات بين الناس، حتى لتعجَز اللغةُ عن المفاضلة، ولا تقدر أن تقول عنها إلا: إنه كذب.. إنها خيانة.. إنه خداع، لا أكثر ولا أقل.. لا يتجزَّأ ولا يقبل القسمة، فالكذب كذب والخداع خداع..كطعم الموت:
"فطعمُ الموت في أمرٍ عظيم  كطعم الموت في أمرٍ حقير!"
ولكن هل يشفى الحبُّ وهل تشفى الصداقةُ وهل تشفى علاقاتُ الناس.. حين يعتريها داءُ الكذب وداءُ الخيانة وداء الاحتيال بأي صورة؟ هل يمكن للقلب البشري أن يقترب من الله وأنْ يغفرَ الخطايا؟ .. سؤال مفتوح للإجابة عنه!!
لعل مما يساعد على اختيار إجابة، أن نعرف أن الحبيبَ لا يكذب حين يكذب وهو يحب، وأنَّ الصديقَ لا يخون حين يخون وهو يصادق، وأن الإنسانَ لا يدنِّس علاقاته بغيره حين يقوم بالتدنيس.. وهو إنسان.. فحين يفعل ذلك مرةً فإنه يكون في حال خاصة، يخرج فيها من رباط الحب والصداقة والرحمة والمودة.. بينه وبين غيره، ليدخل في شيءٍ آخر ودائرةٍ أخرى لا صلةَ لها بما جمع بينه وبين أولئك الذين يخونهم ويكذب عليهم..تماماً كالجريمة حين تقترفها يدُ المجرم: يقوم بها حين يقوم وهو خارجٌ عن وعيه الإنساني داخلٌ في وعـي ٍ آخر لا صلة له ببشريَّـته ولا بإنسانيّـته بنواميسها وضوابطها، وبما تملأ كيانَه من معانٍ، تجعل من ذلك الجسد وتجعل من تلك الجثة ذلك الشيء الذي نسميه إنساناً. وهي تماماً حين يكذب ويخون ويخدع..فهو يخرج من تلك الأشياء التي تحيط ببدن ذلك الشيء وذلك الكائن الذي.. نسمّيه الصديق والحبيب والأخ والأب والأم ..والأبناء!