أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 22 نوفمبر 2018

لماذا لم نكن كأمهاتنا؟

بقلم: زهراء بسام
مدونات الجزيرة 

يبدو ملفتا للانتباه هذا الجدل الدائر حول تعريف "الأمومة" ومقتضياتها من الحقوق والواجبات والوقوف على شروط تحققها والتمثل بنماذج معيارية تتحقق بها "الأمومة" كما ينبغي أن تكون، وهذا ليس غريبا فقط من منطلق صعوبة الإحاطة بتعريف جامع "للأمومة" يمكنه إيجاز كل ما تعنيه من عطاء غير مشروط وجَهد لا يألو على ليال تنقضي بلا نوم وأيام تمضى دون حساب في عداد الإنجازات العظيمة، بل لأنه أيضا لن يستطيع أي تعريف موجز أن يشرح كل هذا القدر من الارتباك الذى تعيشه الأم كل يوم أمام مهام لا تتعدى رعاية بيولوجية لطفلها وحاجتها بمجرد الاستمتاع بكوب قهوة ساخن! هذا الارتباك الذي قد يراه البعض تناقضا حينما تراها تكاد تطير فرحا بابتسامة تشق شفتيه الصغيرتين، وفي الوقت ذاته تندم حسرة على حياة سابقة لم تكن فيها أسيرة احتياجات طفل رضيع.
سألتني صديقتي لماذا لسنا كأمهاتنا، لماذا كل هذا التعقيد فيما كان من قبل أمرا بدهيا لا يحتمل كل هذا الضجيج بالشكوى والسؤال حتى صرنا نبحث في تعريف الأمومة وشروطها؟ الإجابة ليست بسهولة السؤال أبدا، لماذا لسنا كأمهاتنا؟ لأننا ببساطة في زمن غير زمانهم، بقناعات وأفكار مختلفة، بأحداث سياسية واجتماعية تركت ظلالها علينا فأصبح تفكيرنا مرتبطا بها، واعتقد أن مبتدأ الإجابة عن هذا السؤال يكون في كيف ننظر لأنفسنا وكيف نقيم أدوارنا في الحياة؟ في هذا مفتاح الإجابة على سؤالك: لماذا لم نكن كأمهاتنا؟

الأمومة هي باب عريض لـحياة جديدة تحتمل شكوانا من رهقها أحيانا وفرحتنا بمتعتها أحيانا أخرى، كلٌّ على قدر سعته.

بنظرة -سريعة ومقتضبة- على واقع سابق حيث كان المجتمع في أغلبه ينتمي مهنيا إلى "الوظيفة الحكومية" بمحدودية طموحها، ويعيش في وضع سياسي شبه مستقر تحت حكم عسكري قد بسط سيطرته على المجال العام بالقدر الذي يديم وجود نظامه العام، في ظل هذا كانت الأسرة امتدادا طبيعيا لكل تلك الظروف السياسية والاجتماعية من حيث الانتماء الجذري لـ"البيت" ومن ثمّ رؤية الأبناء من منظور "العزوة" والحماية التي لا توفرها الدولة من ناحية، ومن جهة أخرى هم استكمال لأحلام مبتورة لم تكتمل.
فكان الانتماء "للأبناء" في أحد أوجهه انتماء للذات، والتفاني فيهم هو تفان لـحياة مؤجلة يعيشونها معهم، وهكذا فمن كان يطمح للمنزلة الاجتماعية كان حرصه أن يصير ابنه طبيبا، ومن كان يطمع في نفوذ السلطة سعى بكل جهده ليلحق ابنه بأحد الكليات الأمنية أو الجهات السيادية.
يختلف الحال بالنظر إلى واقع جيلنا، ولربما -بجرأة مبالغ فيها- قد ادّعى أننا أكثر أنانية من سابقينا، ندور حول أنفسنا ونتمركز حول ذواتنا بنسبة كبيرة، نعيش في عصر "الصورة المعدّلة" و"البروفايل الشخصي" الذي هو بمثابة منّصة تعبيرية مضخمة للأنا وقدرتها على تسويق تفاصيل يومها العادية بصورة تجارية بحتة.
ثمة من يجاهد في تحقيق التوازن العزيز بين " معنى الأمومة" المبنى في جوهره على تجاوز الذات وتحييد "الأنا" قدر الإمكان، وعدم الانغماس في مظلومية " الأمومة" وتضحياتها
يأخذنا هذا إلى الإيمان بفكرة "ترحيل الأحلام" إلى جيل لاحق! فالسؤال المنطقي هنا، لماذا علىّ أن أؤجلها إن كان بإمكاني بذل الوِسع للحاقِ بها، وهذا جزء أصيل من نظرتنا لذواتنا واستحقاقاتها، فهي أحقّ بالوقت والجَهدِ والمتعة بطبيعة الحال، وهذا يصبّ بدوره في خانة " الأنا" وصورتها وسوقها المرتبط بالقدرة على رسم صورة لامعة، برّاقة لا يحتملها رَهق الأمومة ولا تضحياتها.
من ناحية أخرى، نحن لا ننتمي إلى "الوظيفة الحكومية" بثباتها وقدرتها على التنميط، وكذلك بما تحققه من "أمان مادي جيد"؛ ومن ثمّ تبدو خطوة "الأبوة\ الأمومة" مغامرة غير مأمونة العواقب يحاصرها الخوف من المستقبل المجهول، فلا استقرار اقتصادي أو سياسي نرتكن إلى حائطه ونضمن به ومعه قدرة على العيش الكريم.
لكنه، وعلى الضفة الأخرى، ثمة من يحاول تجاوز هذه العقبات كلها، يجاهد -بما تحمله الكلمة من معني -في تحقيق التوازن العزيز بين " معنى الأمومة" المبني في جوهره على تجاوز الذات وتحييد "الأنا" قدر الإمكان، وعدم الانغماس في مظلومية " الأمومة" وتضحياتها ورؤيتها بوجهتها الصحيحة: باب عريض لـحياة جديدة تحتمل شكوانا من رهقها أحيانا وفرحتنا بمتعتها أحيانا أخرى، كلٌّ على قدر سعته.

الأحد، 18 نوفمبر 2018

حرب النساء ومعارك "الهَبَلْ"!

بقلم : أحلام مصطفى
مدونات الجزيرة
أحياناً يدفعني الفضول إلى البحث في تعليقات الناس على ما أنشر من باب التقييم ومحاولة إصلاح ما يمكن إصلاحه، أو حتى أحصل على لمحة عن الطريقة التي تؤثر بها كلماتي على الآخرين. تقع عيني على تعليقات مختلفة اللهجة بالتأكيد، ولكن أكثر ما يثير استغرابي هي تلك التي تترك كل شيء جاد أتحدث فيه أو أجرب أن أناقشه وأعرضه للناس، وتلقي بكلمات لا أعرف من أين امتلكت الوقت وراحة البال حتى تفكر فيها.

تلقيت مرّة رسالة خاصة، يعني الأخت أتعبت نفسها ولم تكتفِ بالتعليق، فقط حتى تقول لي بما معناه: ما هذا الافتقار إلى الذوق، ألوان ملابسك ليست متناسقة. لأنني أحمل حقيبة يد غير مطابقة للون الشال الذي أضعه على رأسي.. أو تعليق لأخرى تنعتني بالجارية وبأنني أريد أن أكون مملوكة لزوجي وأن أفقد شخصيتي وأعيش في العصر الجاهلي، لأنني قلت لا يجب على النساء أن يشعرن بالضغط للعمل خارج المنزل إن لم يكنّ في حاجة له، وليس لأحد أن ينظر إليهن بدونية أو يحاسبهن على ذلك. وهذه السيدة لا تعرف أنني أعمل بدوام كامل من المنزل بمرتب شهري إضافة إلى عملي الجانبي كمدونة. لكنها افترضت رأساً تخلفي العقلي لأنني فقط دافعت عن حقنا في الاختيار، ولأنني لا أرتدي ملابس العمل كل يوم صباحاً ولا أتوجه إلى مكتب أجلس أمامه 8 ساعات أضيع نصفها في الغيبة والنميمة.
لماذا تكره النساء أنفسهن؟
صديقة لي بدأت التدوين منذ فترة قريبة، أروى الطويل، تحدثت في مدونتها عن ظروف صعبة مرت بها وكيف كان زوجها عوناً وسنداً لها، فدخلت سيدة وتطوعت لتشعر بالشفقة على زوجها عوضاً عنها، وصرحت بأنها تتمنى لو كان زوجها هي شخصياً -السيدة صاحبة التعليق- قد تزوج من أخرى لأنها لا ترى في نفسها كل ما يستحق. أنا فيوز في عقلي ضرب، يعني أنت عندك مشكلات في تقديرك لنفسك، لماذا تطبعينها على غيرك وتريدين من الجميع أن يتتبعوا خطاك في تحقير النفس؟ لماذا تكرهين نفسك وتشجعين الأخريات على ذلك؟
لماذا تفعل النساء هذا ببعضهن البعض؟ لماذا نستخدم مهاراتنا في تتبع التفاصيل لكي نصوب سهامنا تجاه بعضنا البعض؟ نبحث عن الصغائر حتى نعتب ونلوم، ونضع العدسات المكبرة فوق الزلات، ونعتبر الاختلاف في الرأي والذوق والاختيارات فرصة لنزدري أخريات. لماذا تتركين كل العمل الذي أقوم به والمجهود الذي أبذله لتحقيق أمور ذات معنى في حياتي وحياة آخرين وتنظرين إلى الملابس التي أشتريها؟ أو الطريقة التي أصفف بها شعري؟ أو كوني لا أذهب إلى صالونات التجميل؟ أو تعايرينني لأنني لا أزرع كلمات إنجليزية في منتصف كل جملة وأخرى؟ ولا أتحدث إلى بناتي بـ baby وnaughty؟ لماذا هذه التفاهة يا عزيزتي؟
ليست التفاهة شتيمة.. هي صفة علينا أن نستخدمها في مواضعها حتى نتوقف عن استعباد بعضنا البعض بها.. حتى نفهم أن قيمتنا ليست في أن نخوض معارك الهَبَل حول مساحيق التجميل، وعوجة اللسان، وطريقة المشي، وماركة الثياب، وهدايا الزوج والحبيب، والبطيخ..
منذ أسابيع أعتقد، انتشرت صورة لممثلة بعد زواجها بعدة أيام، لم تكن ترتدي ملابساً مبهرجة ولا شعرها مصففاً بطريقة احترافية ولا تضع مساحيق تجميل، يبدو أن النساء اجتمعن على أنها لا تستحق زوجها الممثل هو الآخر لأنه يفوقها وسامة. توقعت التعليقات ولم يخب ظني: طيب ما تحطي شوية مكياج على وجهك، هذا شكل عروس جديدة؟، أنا مش عارفة على إيه متجوزها، أنا أحلى منها مية مرة، أمك معلمتكيش العروس المفروض تعمل إيه؟ إلى آخر ذلك من الوقاحة وقلة الأدب العلنية.. نساء يقيمن أنفسهن بالشكل والمادة ثم تشتكين من النظرة السطحية للمجتمع وتنسين أنهن نصف المجتمع في علّاته ومصائبه وليس فقط في فضائله.
هل تذكرون فيلم عسل أسود؟ عندما قال لها: وإنت تسيبي بيتك علشان اتكتلك على السين؟ للأسف النساء يعشن حياتهن بنفس المقاربة.. 
نظرت لي نظرة غير لطيفة، لم تقُل لي مبروك على الحذاء الجديد، لم تحضر لي هدية كالتي أحضرتها لها، لم تعزمني على حفلة زواج ابن عمة خالتها، لم تمدح الفستان الذي ارتديته بالأمس.. كل هذا وقد تكون كل واحدة منهن قد عاشرت فلانة التي ينتقدنها الآن ويعرفن أنها لا تقصر معهن في وقت الحاجة ولا تسيء إليهن في غيبتهن ولا تعتب أو تلوم عندما يقصرن.. ولكننا ننسى ولا نرى إلا ما نريده حسب مقاييسنا وحسب نظرتنا التي تعطي للمظاهر وزناً أكبر بكثير مما تستحق.. نفسر تصرفات الناس على أنها غير مخلصة فلا نتقبلها على حقيقتها.. أنها رسم ودّ ودفع بالتي هي أحسن.. ثم ننتظر منهم أن يبجلوا كل ما نفعل نحن من أجلهم وأن يُبدوا علامات العرفان.. وكأننا سنمتلكم بالمعروف الذي بذلناه.. الكثير من الكلكعة هنا.
لماذا كل هذا الأذى لأنفسنا وللآخرين؟ لماذا نبحث عن الصغائر حتى ننتقص من الأخريات؟ لماذا لا نستمتع بصحبة بعضنا البعض ونحترم اختياراتنا المختلفة ونقدر الجيد قبل أن نضع السيء تحت المجهر؟ في غالب الوقت كل تلك التناحرات تصدر إما عن سوء تفاهم أو انتصار للنفس، رغبة في أن نثبت لأنفسننا أننا الأفضل. أنا أفضل منها في كذا، أنا أستحق كذا أكثر، أنا أجيد كذا وهي لا. 
لأننا نتربى أننا ناقصات، لا ناقصات عقل ودين فقط، بل أننا غير مكتملات الأهلية، لسنا كافيات كإناث أمام الذكور، لذلك علينا أن نتناقر فيما بيننا حول من الأنثى الأفضل التي تستحق الرجل. ثم هناك أمراض النفوس التي تنتجها المجتمعات العفنة، مجتمعات المقارنات، التظاهر، والمجاملات الخادعة.. الهمزات واللمزات والتلميحات والتلقيحات.. كل هذا لماذا؟
قليلات جداً من التقيت بهن طوال سنوات حياتي الثلاثين ممن استطعت أن أتعامل معهن دون أن أحس بأنني سأحاسب على كل كلمة وسأقيم كل حركة.. بخلاف أخواتي وأمي لا يكاد العدد يملأ أصابع اليدين.. هل المشكلة فيّ أنا؟ ربما نعم.. ربما أعاني من عدم القدرة على التواصل الاجتماعي بصورة صحيحة، ربما أسلوبي الصريح هو السبب، ربما قناعة حملتها منذ الصغر تربط بين المجاملات الخادعة والتملق والكذب جعلتني أجد صعوبة في أن أعتاد حتى المحمود منها.. المقربون مني يعرفون أنني لا أتلقى المديح بشكل جيد.. سأصف لكم الموقف:
فلانة: أحلام هذا (شيء أرتديه) جميل. 
أنا: ابتسامة مقتضبة ربما تصاحبها كلمة شكر.. ثم لا شيء! 
ليس لأنني لا أعتقد أن ما ترتدينه جميل، ولكن لأنني بأمانة لا أكترث.. بطبيعة الحال أنت ترتدين شيئاً لائقاً وإلا لكنتُ لاحظت، ولكنني فعلاً لست مهتمة بما ترتدين لأنه لا يؤثر على الطريقة التي أراك بها. 
مع الوقت بدأت أتلحلح قليلاً كما يقولون وأبحث عن شيء يعجبني وأشير إليه، ولكن عندها سندخل في دوامة "اتفضليها"، ودوامة إني حسدت الشيء فلاني، وليس كل الناس قادرين على إخفاء انطباعهم أنك حسدت شيئاً أطريت عليه في وقت سابق!
أحاول جاهدة أن أقوّم نفسي في إطار التعاملات الاجتماعية وفق ما يرضي الله أولاً، أبحث عما يجعلني أقف أمام الله وأقول فعلت ما ينبغي فعله. ولكنني مؤمنة أن صلاح النوايا وسلامة النفوس هي أهم ما يمكن أن نقدمه للآخرين، لا الكلمات ولا الأفعال التي اتفق عليها المجتمع أو التي سيرانا الناس ويمدحوننا من أجلها. ولكن لأصدقككم القول، وجدت أن هذا الأمر يستنفذنا كثيراً، كثيراً من الوقت والجهد وراحة البال، يأكلنا من الداخل، هل قلت الكلمة الصحيحة، هل كان يجب أن أفعل كذا. ماذا يتبقى إذاً لنا من الحياة؟ كيف سننجز شيئاً "عليه القيمة" ونحن نلتفت إلى مثل هذه الأمور طوال الوقت؟ العلاقات الاجتماعية مكلفة هذا حقيقي، ولكن تلك التكلفة يجب أن تكون إيجابية لا سلبية. تكلفة مساعدة الآخرين، الوقوف إلى جانبهم، دعمهم، توجيه النصح لهم، الرحمة بهم، تفهم شخصياتهم، العمل معهم على تحسين أنفسنا وأنفسهم، الترفيه عن النفس، التواد والتراحم.. لا كل تلك اللعبكات ومهلكات المال والوقت والروح..
سأواصل العمل على نفسي، نعم، لا كي أعجب الناس، ولكن كي أحقق راحة البال وسلامة النفس تلك، وحتى أرضي ضميري.. وانتهى الأمر.. أما ما تبقى من الحياة فسأنفقه على الغرباء الذين ربما تنفعهم كلمة نكتبها، أو عمل نعمله، أو مشروع نشارك فيه.. فيدعون لنا دعاءً بظهر الغيب.. لعله يكون هو المنقذ..

الجمعة، 16 نوفمبر 2018

الإنترنت والـ «ملينيال مومز»... ونصائح الأمهات

المرشدة الأسرية والباحثة الاجتماعية في الإرشاد الزواجي
نورا جبران
جريدة الحياة

انتشرت في السنوات القليلة الماضية، طُرفة تقول: أنا لست في حاجة إلى «غوغل»، زوجتي تعرف كل شيء. وسرعان ما تحوّلت إلى جملة شهيرة، تُطبع على ملابس الرجال، وأكواب القهوة وغيرها.
 لكن الأمر في النصائح المتعلّقة برعاية الأبناء ذهب في اتجاه معاكس: لست في حاجة إلى نصائحكم في تربية أبنائي، لدي غوغل!

ساهمت الثورة المعلوماتية والمعرفية التي رافقت ظهور الإنترنت، في تغييب عدد من أشكال التواصل الإنساني المباشر، واستبدالها بطرق ومصادر أخرى للمعرفة، كما يحدث حالياً في الاستشارات أو النصائح المتعلّقة بتربية الأبناء ورعايتهم، لا سيما لدى الأمهات الجديدات، والصغيرات، أو ميلينيال مومز (Millennial moms)، اللاتي أصبح الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالأمهات، مصدر المعرفة الرئيس بالنسبة لهن.
و «ميلينيال» أو «جيل الألفية»، هو مصطلح يستخدمه علماء الديموغرافيا، والباحثون في الدراسات السكانية، للتعبير عن مواليد بداية ثمانينات القرن الـ20، وحتى بداية العقد الأول من القرن الحالي، أي بداية عام 2000.


وفقاً لإحصاءات موقع «بيبي سنتر»، وهو موقع علمي عالمي متخصص في تقديم خدمات التعليم والتثقيف الخاص برعاية الأطفال والأمهات منذ بداية الحمل وحتى سن المراهقة، ويتوافر بتسع لغات، ويستخدمه 51 مليون أب وأم حول العالم، فإن 83 في المئة من الأمهات الحاليات اللاتي يستخدمن خدمات المواقع الإلكترونية المتخصصة في الوالديّة هنّ «ميلينيال مومز» أو أمهات «جيل الألفية»، أي أنه يعبّر عن الأمهات اللاتي لم يبلغن سن الـ30 أو الـ40 بعد، واللاتي ونظراً لارتفاع سن الزواج حول العالم، تعتبر كثيرات منهن أمهات جديدات أو أمهات للمرة الأولى.
تقول الثلاثينية آلاء: «حين أنجبت طفلي الأول كنت في الثالثة والعشرين من عمري، وكانت والدتي وحماتي هما مصدر المعرفة الأساس والوحيد تقريباً، لكيفية رعاية ابني وتربيته. توقفت عن إرضاع طفلي رضاعة طبيعية في الشهر الثاني من عمره، لأنهما كانتا مقتنعتان أنه لا يشبع مني، وأنه في حاجة إلى الحليب الاصطناعي الذي سيزيد وزنه ويُسكت بكاءه، ويجعله ينام في شكل أفضل. وبدأت بإدخال الطعام إلى نظامه الغذائي في عمر ثلاثة أشهر. وحين حملت بطفلي الثاني في سن التاسعة والعشرين، كنت قد بدأت القراءة النهمة للمواقع الطبية، وقرأت عن توصيات منظمة الصحة العالمية وجمعيات طب الأطفال العالمية لأهمية الرضاعة الطبيعية، والسن الصحيح لإدخال الغذاء في نظام الطفل الرضيع، والبعيدة كل البعد عن نصائح والدتي وحماتي وممارساتهما. وحين أنجبت طفلي بدأت باتباع ما تعلّمته، ما أثار غضب أمي وحماتي وزوجي، الذين يرون أن ما أقوم به فلسفة وعناد لا حاجة لهما. أصبح عمر طفلي الثاني سنتين الآن، وأصبحوا هم أنفسهم يلاحظون أنه يتمتّع بالصحة والنشاط، وأن مشكلات صحية واجهت شقيقه الأول لم يواجهها، ولقد ندمتُ أشدّ الندم لأنني حرمته من صدري، وأدخلت الطعام باكرا جداً إلى جهازه الهضمي، وتركته يبكي لساعات حتى ينام وحده أو لا يعتاد الحمل كما نصحاني».

آلاء واحدة من أمهات كثيرات من جيل الألفية حول العالم، اللاتي يجدن في مواقع الإنترنت، وصفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالأمهات، بديلاً مريحاً وآمناً لنصائح الأمهات والجدّات، وأن ما نشأن عليه من تعاليم وطقوس والديّة لا يناسب أطفالهن، ما يشكّل بالتالي في حالات كثيرة جداً، سبباً أساسياً من أسباب الصراع، حيث ترى الأمهات والجدات أن الجيل الجديد من الأمهات لا يمتلك المعرفة والمهارة اللازمة والكافية لتربية طفل والاعتناء به، وأن ما تقوم وسائل التكنولوجيا الحديثة بحشوه في عقولهن كفيل بإفساد هؤلاء الأطفال والإضرار بهم.
تُجمع المواقع الخاصة بالتدريب على الوالدية، مثل «بيبي سنتر»، و «بيبي شيك»، و «بيرنتنغ سكلز»، و «ميلينال مومز»، على أن أمهات جيل الألفية، يتصفن بمجموعة صفات مشتركة، منها الاعتماد على الإنترنت كمصدر للمــعلومات حول التربية، وليس الأمهات أو حتى أطباء الأطفال، وأنهن عضوات في عدد من صفحات أو مجموعات التواصل الاجتماعي الخاصة بالأمــهات، وهن مــهووسات بتقديم الغذاء الصحي والعضوي لأطفالهن، ويمضين وقتاً طويلاً في اللعب مع أطفالهن مـــقارنة بأمهات الجيل السابق، اللاتي كن يصرفن وقتاً أطول على مهمات المنزل والعمل، وإعطاء التعليمات بدلاً من الانخراط في اللعب مع الأطفال.
وتعتني تلك الأمهات في شكل كبير بالتقاط الصور الإلكترونية لأطفالهن ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة أو مشاركتها مع العائلة، بينما لا يحرصن على طباعة هذه الصور أو الاحتفاظ بها في ألبوم تقليدي. كما تعتبر أمهات جيل الألفية رافداً أساسياً من روافد التجارة الإلكترونية، نظراً لكثرة شرائهن للبضائع عبر المواقع الإلكترونية، بدلاً من طرق التسوّق التقليدية. ولا مانع لديهن من دعم الماركات الجديدة والمشاريع الصغيرة، والمواد المنتجة منزلياً التي تسوّق عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وهن كثيرات التساؤل: هل أنا أم شبيهة بأمي، أم أنني أقدّم لطفلي شيئاً مختلفاً؟
إنّ «الميلينيال مومز»، أو أمهات جيل الألفية لَسْن سوى نتاج طبيعي، لعصر ثورة المعلومات والمعرفة، والانفتاح اللامحدود على شبكة الإنترنت ومن خلالها على ملايين المواقع والبشر والمصادر التي يمكن للمرء الوصول إليها بالضغط على زر واحد. كما أن الفجوة بين أجيال الأمهات والجدات ممن عشن أو ولدن في سبعينات القرن الـ20 وما سبقها، هي فجوة طبيعية كان لا بدّ أن تظهر استجابة للتغيّرات السريعة والشديدة التي شهدها العالم بانتشار وسائل الاتصال وإغراق العالم بالمعلومات عبر وسائل الإعلام التقليدية، فضلاً عن التكنولوجيا الحديثة.
كما أن الطريقة التي تقوم بها كل أم في التربية، سواء كان ذلك بالاعتماد على والدتها أو على وسائل الاتصال الحديث، ليست سوى ردّ فعل طبيعي لمجموعة مكتسبات بيئية وتربوية واجتماعية وثقافية تشكّل شخصية هذه الأم الجديدة، وطريقتها في اختيار مصدر التعلّم والتثقيف الذي يناسبها، ومدى وعيها وإدراكها أهمية الوصول إلى المعلومات من مصادر علمية وطبية موثوقة، حتى لا تفرّ من نصائح أمها وجدتها، لتقع في براثن سيل جارف من المعلومات والنصائح على شبكة الإنترنت، التي لا تخضع في أحيان كثيرة لأي مراجعة أو تدقيق علمي.

الخميس، 8 نوفمبر 2018

كلنا أمهات مثاليات.. قبل أن ننجب!

https://goo.gl/wUvVa9
بقلم : أحلام مصطفى
مدونات الجزيرة

منذ سنوات مضت قرأت مقالاً لسيدة بعنوان "كنتُ أُمّاً مثالية حتى أنجبت". تحكي فيه السيدة عن الخطأ الذي كانت ترتكبه خلال فترة حياتها قبل أن تتزوج وتنجب. في كل فرصة تتاح لها كانت تلك السيدة تصدر الأحكام على آباء وأمهات آخرين، ربما رغبة منها في ملء فراع ما، أو لسوء تقدير حقيقة الموقف، أو لأنها كانت تريد أن تثبت لنفسها أن تستطيع فعل ما يفعلون. ولكن تلك السيدة بعد أن أنجبت أول أطفالها، وبدأت نظرات الناس المصدرين للأحكام تلاحقها دون أن يكلف أحدهم نفسه عناء فهم المواقف، وبعد أن أصبحت تفعل أشياء كانت تلوم الآخرين عليها.. أدركت كم كانت مؤذية. يسمونها في الثقافات الآخرة "كارما"، حيث يعود ما فعلته ليقلق راحته ويلحق به ما ألحقته بالآخرين، ونسميه نحن في ثقافتنا: كما تدين تدان.
سأستغل هذه الفرصة كنوع من الفضفضة والتفريغ: قبل أن أنجب كنت قد قضيت فترة طويلة من التحضير النفسي والجسدي بطريقة أو بأخرى، حتى قبل أن أتزوج، كنت أعتقد أنه من الطبيعي أن تحضّر المرأة نفسها لتقوم بدورها كأم وزوجة قبل أن يحين الوقت بكثير، والرجل نفسه حتى يكون زوجاً وأباً، خصوصاً أننا لم نعد كالأجيال الماضية في حالة جسدية وصحية جيدة، وطعامنا أسوأ بمراحل وحالتنا النفسية أسوأ وأسوأ. كنت أرى بأنني لا أعرف متى وأين وكيف ستبدأ هذه المهمة أو إن كانت ستبدأ، ولكن تجهيز النفس لها ضروري ولا شيء يضيع هباءً.
المهم في الأمر أنني أنا أيضاً لغباء مني اعتقدت أنني تحصلت على قدر كبير من المعرفة والخبرة مع إخوتي الصغار تؤهلني لأكون في مكان جيد من هذه المهمة، وكنت كثيراً ما أحكم على أمهات وآباء آخرين حتى قبل أن أنجب بطريقة توحي بأنني ربما كنت لأقوم بدورهم بصورة أفضل.... ثم أنجبت.

ليس الأمر بتلك البساطة... قمت بقراءات وتجارب وتغيير عادات وتغيير سلوكيات وتغيير طريقة حياة بأكملها بعد أن أنجبت أكثر بكثير مما فعلته في كل ما مضى من حياتي ربما. ببساطة أنت لن تعرف معنى أن تكون أباً أو أماً ولا ما تحويه هذه الوظيفة من تفاصيل وتعقيدات إلا إن مررت بها شخصياً، لا يكفي أن تمضي عدة ساعات مع طفل، أو أن تعمل في حضانة أطفال، أو مدرساً، أو يكون لك ثمانية إخوة وأخوات مثلي حتى تعتقد أنك تجيد التعامل معهم وتتقن التربية بصورة كاملة.
       
الأمر يختلف عندما يكون هذا الطفل معك وتحت رعايتك وجزءاً من مسؤوليتك طوال اليوم، كل دقيقة وكل ثانية حتى لو لم يكن بين يديك أو مع شخص آخر عقلك يعمل معه ويفكر فيه، وليس هذا هوساً ولكنه طبيعة أن تكون أباً أو أماً مسؤولاً عن طفل مازال غير قادر على تحمل مسؤوليات كثيرة ولا يعرف الكثير عن حقيقة الحياة. يختلف كثيراً أن تكون أباً أو أماً لطفل وكل ملحقاته من علاقات وظروف ومتطلبات، عندما يأتي الطفل تأتي معه مجموعة من الالتزامات الاجتماعية والواجبات التي لم تكن موجودة من قبل. تصبح هكذا بين ليلة وضحاها مسؤولاً عن علاقته بك وبأبيه وبأجداده وأخواله وأعمامه وأقاربه والأصدقاء إذا كبر وأصدقائك أنت والجيران! تصبح مسؤولاً عن علاقته بالعالم والكون من حوله، تصبح مسؤولاً عن صحته ونفسيته، تصبح مشغولاً بهموم أتت أو لم تأتِ.. تتحول إلى كيان مختلف تماماً عن ذلك الذي بدأت به.   
فإذا ما دخلت المعمعة وبدأت في تلقّي الملاحظات والتعليقات والانتقادات أخذت تبحث عن صبر فوق الصبر حتى تتمكن من التعامل مع كل هذا. كثير من الناس يفعلون ذلك بحسن نية أو خوفاً على الطفل كما يقولون، وبعضهم يفعل ذلك لأن بينه وبينك مشكلة شخصية ربما ويريد أن يظهر تفوقه عليك، وآخرون يفعلون ذلك بحسب العادة، كما فُعِل بهم يفعلون. والأمر يمتد ويتشعب فيصبح الجميع جزءاً من هذه الحرب الدائرة التي يبدو أن مركزها الطفل لولكنها في الواقع لا تدور سوى حولنا نحن.
فكرت مليّاً كأم في بداية مشواري مع أطفالي ومازلت أفكر حتى الآن، ما الذي يزعجني كثيراً في مثل هذه المواقف؟ هل يزعجني أنها تستبق الأحكام دون معرفة التفاصيل؟ هل يزعجني أنها لا تراعي الاختلافات بين العائلات وتغير الطبائع؟ أنها لا تترك مجالاً لتقبُّـل أنّ لكل أم ما تفضله وتراه مناسباً لأطفالها؟ أنها لا ترى أن من حقي أن أختار كيف أربي أطفالي كما ربى غيري أطفالهم؟ هل أنها أحياناً تتسبب في مشكلة وتؤثر سلباً على الطفل بدلاً من تقديم مساعدة؟ هل هو كل ذلك؟
       
أكرر على نفسي: عليك أن تفصلي بين الموقف والشخص والمحتوى، ربما يكون الأسلوب غير مناسب، يكون التوقيت غريباً، لكن هل في الحديث ما يفيد طفلك أم لا؟ أجاهد نفسي كثيراً حتى لا أبني حاجزاً.. أكرر على نفسي: لابد أنك تخطئين، لا أحد كامل، فكري في الخطأ، وتعاملي معه ولا تعاندي فقط لأنك تعتقدين بأن الأمر مستفز، ابحثي عن المصلحة. ليس الأمر سهلاً، تبحث أنت عن الدعم والتخفيف وتجد المحاكمات والتقييمات والنقائص.
         
أحاول أن أحصر ردود الفعل في الأمور التي أرى بأن أثرها سلبي صريح لابد من التعامل معه.. أما ما يمكن أن يمر فليمر.. لم تقتلني الكلمات يوماً ولا بقيت محفورة على الجدران إلى الأبد، كثرة التعلق بالصغير من المواقف في الحياة يحيلها إلى دوامة من المنغصات التي لا داعي لها. أفكر قليلاً فأجد أنه حتى الأمهات اللاتي جربن وعرفن لا يرحمن، هنّ أيضاً تجد منهن من تنقض عليك كلما واتتها الفرصة.
أقول ربما هي تحاول أن تَجبُر ما كسره فيها الآخرون بأن تكسر غيرها؟ لعلها تقول: هكذا نصبح جميعاً عرجان ولا فضل لأحد على أحد؟ أصبحت أوقف نفسي كثيراً وأنا أهمّ بأن أصدر حكماً. أقول: تذكري يا أحلام، لا تحكمي على ما لا تعرفين. أتوقف. أرى الأم في السوق وطفلها يبكي بكاءً شديداً وهي تقف أمامه تنتظر منه أن ينهي حفلة الغضب هذه، أمر بجانبها وأنا أبادلها ابتسامة. أقف في السوق وقد قررت ابنتي أنها لا تريد البقاء في عربة التسوق لأنها تحلم بأن تأخذ كل علبة من على الرف، أقف أمامها حتى تنتهي أو أشاغلها بشيء تحبه، تمر بجانبي أم أخرى بأطفالها، تبادلني ابتسامة.