أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 11 مارس 2017

مي زيادة التي أحبها جبران

بقلم: الأستاذة رندة سقف الحيط


كان يوجد علاقة قوية بين مي وجبران خليل جبران امتدت لمدة طويلة من الزمن لم يلتقيا فيها أبداً وعلى الرغم من المسافات الشاسعة التي تفصل بينهما حيث كان يقيم جبران في نيويورك ومي بالقاهرة إلا أنه كان يوجد بينه وبينها الكثير من التفاهم والحب والصداقة، واستمرت المراسلات بينهم لمدة عشرين عاماً حتى وفاة جبران في نيويورك.
يعرف جبران بأنه كان أديباً وشاعراً ورساماً وقد جمع بينه وبين مي كتاب "بين الجزر والمد" مي كاتبة وجبران رساماً .
رسائل مي زيادة وجبران خليل جبران : 
من مي إلى جبران :
(...جبران! لقد كتبت كل هذه الصفحات لأتحايد كلمة الحب. إن الذين لا يتاجرون بمظهر الحب ودعواه في المراقص والاجتماعات، ينمي الحب في أعماقهم قوة ديناميكية قد يغبطون الذين يوزعون عواطفهم في اللألأ السطحي لأنهم لا يقاسون ضغط العواطف التي لم تنفجر، ولكنهم يغبطون الآخرين على راحتهم دون أن يتمنوها لنفوسهم، ويفضلون وحدتهم، ويفضلون السكوت، ويفضلون تضليل القلوب عن ودائعها، والتلهي بما لا علاقة له بالعاطفة. ويفضلون أي غربة وأي شقاء (وهل من شقاءٍ في غير وحدة القلب؟) على الاكتفاء بالقطرات الشحيحة.
ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكني أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب. أقول هذا مع علمي أن القليل من الحب الكثير. الجفاف والقحط واللاشيء بالحب خير من النزر اليسير. كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا. وكيف أفرط فيه؟ لا أدري. الحمد لله أني أكتبه على الورق ولا أتلفظ به لأنك لو كانت الآن حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام، ولاختفيت زمناً طويلاً، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى. حتى الكتابة ألوم نفسي عليها، لأني بها حرة كل هذه الحرية.. أتذكر قول القدماء من الشرقيين: إن خير للبنت أن لا تقرأ ولا تكتب. إن القديس توما يظهر هنا وليس ما أبدي هنا أثراً للوراثة فحسب، بل هو شيء أبعد من الوراثة. ما هو؟ قل لي أنت ما هو. وقل لي ما إذا كنت على ضلال أو هدى فإني أثق بك.. وسواء أكنت مخطئة أم غير مخطئة فإن قلبي يسير إليك، وخير ما يفعل هو أن يظل حائماً حواليك، يحرسك ويحنو عليك.... غابت الشمس وراء الأفق، ومن خلال السحب العجيبة الأشكال والألوان حصحصت نجمة لامعة واحدة هي الزهرة، آلهة الحب، أترى يسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون؟ ربما وجد فيها بنت هي مثلي، لها جبران واحد، حلو بعيد هو القريب القريب. تكتب إليه الآن والشفق يملأ الفضاء، وتعلم أن الظلام يخلف الشفق، وأن النور يتبع الظلام، وأن الليل سيخلف النهار، والنهار سيتبع الليل مرات كثيرة قبل أن ترى الذي تحب، فتتسرب إليها كل وحشة الشفق، وكل وحشة الليل، فتلقي بالقلم جانباً لتحتمي من الوحشة فاسم واحد: جبران).

من جبران إلى مي
نحن اليوم رهن عاصفة ثلجية جليلة مهيبة، وأنت تعلمين يا ماري أنا أحب جميع العواصف وخاصة الثلجية، أحب الثلج، أحب بياضه، وأحب هبوطه، وأحب سكوته العميق. وأحب الثلج في الأودية البعيدة المجهول حتى يتساقط مرفرفاً، ثم يتلألأ بنور الشمس، ثم يذوب ويسير أغنيته المنخفضة.
أحب الثلج وأحب النار، وهما من مصدر واحد، ولكن لم يكن حبي لهما قط سوى شكل من الاستعداد لحب أقوى وأعلى وأوسع. ما ألطف من قال:
يا مي عيدك يوم
وأنت عيد الزمان
انظري يا محبوبتي العذبة إلى قدس أقداس الحياة، عندما بلغت هذه الكلمة ((رفيقة)) ارتعش قلبي في صدري، فقمت ومشيت ذهاباً في هذه الغرفة كمن يبحث عن رفيقه. ما أغرب ما تفعله بنا كلمة واحدة في بعض الأحايين! وما أشبه تلك الكلمة الواحدة برنين جرس الكنيسة عند الغروب! إنها تحول الذات الخفية فينا من الكلام إلى السكوت، ومن العمل إلى الصلاة.
تقولين لي أنك تخافين الحب.
لماذا تخافين يا صغيرتي؟
أتخافين نور الشمس؟
أتخافين مد البحر؟
أتخافين مجيء الربيع؟
لماذا يا ترى تخافين الحب؟
أنا أعلم أن القليل من الحب لا يرضيك، كما أعلم أن القليل في الحب لا يرضيني، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل. نحن نريد الكثير. نحن نريد كل شيء. نحن نريد الكمال. أقول يا ماري إن في الإرادة الحصول، فإذا كانت إرادتنا ظلاً من أظلال الله، فسوف نحصل بدون شك على نور من أنوار الله.
لا تخافي الحب يا ماري، لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة.
اسمعي يا ماري: أنا اليوم في سجن من الرغائب، ولقد ولدت هذه الرغائب عندما ولدت. وأنا اليوم مقيد بقيود فكرة قديمة، قديمة كفصول السنة، فهل تستطيعين الوقوف معي في سجني حتى نخرج إلى نور النهار وهل تقفين إلى جانبي حتى تنكسر هذه القيود فنسير حرين طليقين نحو قمة جبالنا؟
والآن قربي جبهتك. قربي جبهتك الحلوة …والله يباركك ويحرسك يا رفيقة قلبي الحبيبة.
لا بأس – على أنني أخشى بلوغ النهاية قبل الحصول على هذا الشرف وهذا الثواب.
لنعد هنيهة إلى ((عيدك)) أريد أن أعرف في أي يوم من أيام السنة قد ولدت صغيرتي المحبوبة. أريد أن أعرف لأني أميل إلى الأعياد وإلى التعييد.
وسيكون لعيد ماري الأهمية الكبرى عندي. ستقولين لي ((كل يوم يوم مولدي يا جبران))
وسأجيبك قائلاً: ((نعم، وأنا أعيّد لك كل يوم، وكان لا بد من عيد خصوصي مرة كل سنة)).

من جبران إلى مي ..!!
لقد أعادت رسائلك إلى نفسي ذكرى ألف ربيع وألف خريف وأوقفتني ثانية أمام تلك الأشباح التي كنا نبتدعها ونسيرها مركبا إثر مركب .. تلك الأشباح التي ما ثار البركان في أوروبا حتى انزوت محتجة بالسكوت , وما أعمق ذلك السكوت وما أطوله ! .
هل تعلمين يا صديقتي بأني كنت أجد في حديثنا المتقطع التعزية والأنس والطمأنينة , وهل تعلمين بأني كنت أقول لذاتي , هناك في مشارق الأرض صبية ليست كالصبايا , قد دخلت الهيكل قبل ولادتها ووقفت في قدس الأقداس فعرفت السر العلوي الذي اتخذه جبابرة الصباح ثم اتخذت بلادي بلادا لها وقومي قوما لها.
هل تعلمين بأني كنت أهمس هذه الأنشودة في أذن خيالي كما وردت على رسالة منك ولو علمت لما انقطعت عن الكتابة إلي , وربما علمت فانقطعت وهذا لا يخلو من أصالة الرأي والحكمة
من جبران لمي
حضرة الأديبة الفاضلة.
قد فكرت بأمور كثيرة في تلك الشهور الخرساء التي مرت بدون خطاب ولا جواب ولكنه لم يخطر على بالي كونك " شريرة" أما الآن وقد صرّحت لي بوجود الشر في روحك فلا يجمل بي سوى تصديقك فأنا أصدق وأثق بكل كلمة تقولينها لي ! أنت بالطبع تفتخرين بقولك – أنا شريرة – ويحق لك الافتخار لأن الشر قوة تضارع الخير بعزمها وتأثيرها . ولكن اسمحي لي أن أقول لك مصرحاً بأنك مهما تماديت بالشر فلا تبلغين نصف ما بلغته فأنا شرير كالأشباح الساكنة في كهوف الجحيم بل أنا شرير كالروح السوداء التي تحرس أبواب الجحيم ! وأنت بالطبع ستصدقين كلامي هذا !.
غير أنني للآن لم أفهم الأسباب الحقيقية التي دعتك إلى استخدام الشر ضدي فهلا تكرمت بافهامي ؟ قد أجبت على كل رسالة تكرمت بها عليّ واسترسلت متعمقاً بمعاني كل لفظة تعطفت بهمسها في أذني فهل هناك أمر آخر كان يجب عليّ أن أفعله ؟ أو لم تبدعي لي من " لا شيء" ذنباً لتبيني لي مقدرتك على الاقتصاص ؟ لقد فلحت وأحسنت البيان , أما أنا فقد آمنت باقنومك الجديد الكلي المطلق الجامع بين أسياف " كالي" ربة الهند وسهام " ديانا" معبودة الأغريق .
والآن وقد فهم كل منا ما في روح الآخر من الشر والميل إلى الاقتصاص فلنعد إلى متابعة الحديث الذي ابتدأنا به منذ عامين . كيف أنت وكيف حالك ؟ هل أنت بصحة وعافية ( كما يقول سكان لبنان )؟ هل خلعت ذراعاً ثانية في الصيف الماضي أم منعتك والدتك من ركوب الخيل فعدت إلى مصر صحيحة الذراعين ؟ أما أنا فصحتي أشبه شيء بحديث السكران وقد صرفت الصيف والخريف متنقلاً بين أعالي الجبال وشواطئ البحر ثم عدت إلى نيويورك أصفر الوجه نحيل الجسم لمتابعة الأعمال ومصارعة الأحلام – تلك الأحلام الغريبة التي تصعد بي إلى قمة الجبل ثم تهبط بي إلى أعماق الوادي .
وقد سررت باستحسانك مجلة الفنون فهي أفضل ما ظهر من نوعها في العالم العربي , أما صاحبها فهو فتى عذب النفس دقيق الفكر وله كتابات لطيفة وقصائد مبتكرة ينشرها تحت اسم " ليف" ومما يستدعي الإعجاب بهذا الشاب هو أنه لم يترك شيئاً مما كتبه الافرنج إلا وعرفه حق المعرفة . أما صديقنا أمين الريحاني فقد ابتدأ بنشر رواية جديدة طويلة في مجلة فنون وقد قرأ لي أكثر فصولها فوجدتها جميلة للغاية ولقد أخبرت صاحب الفنون بأنك سوف تبعثين إليّ بمقالة ففرح وبات يترقب .
بكل أسف أقول انني لا أحسن الضرب على آلة من آلات الطرب ولكنني أحب الموسيقى محبتي الحياة ولي ولع خاص بدرس قواعدها ومبانيها والتعمق بتاريخ نشأتها وارتقائها , فان ابقتني الأيام سأكتب رسالة طويلة في الدوائر العربية والفارسية وكيفية ظهورها وتدرجها وتناسخها .
ولي ميل للموسقى الغربية يضارع ميلي للأنغام الشرقية فلا يمر أسبوع إلا وأذهب مرة أو مرتين إلى الأوبرا غير أني أفضل من البيان الموسيقي الأفرنجي تلك المعروفة بالسنفوني والسوناتا والكنتاتا على الأوبرا والسبب في ذلك خلوّ الأوبرا من البساطة الفنية التي تناسب أخلاقي وتتمايل مع أميالي . واسمحي لي الآن أن أغبط يدك على عودك وعودك على يدك وأرجوك أن تذكري اسمي مشفوعاً باستحساني كلما ضربت نغم النهوند على الأوتار فهو نغم أحبه ولي رأي فيه يشابه رأي " كارليل في النبي محمد ". ( كارلايل : أديب ومؤرخ انكليزي درس بعضا من العربية في جامعة كمبردج سنة 1795 وكتب عن النبي محمد فصلا ضمنه إعجابه بشخصيته البطولية في مؤلفه " الأبطال , عبادة الأبطال , والبطولة في التاريخ "
وهلا تكرمت بذكري أمام هيبة أبي الهول ؟ عندما كنت في مصر كنت أذهب مرتين في الأسبوع واصرف الساعات الطوال جالساً على الرمال الذهبية محدقاً بالأهرام وكنت في ذلك العهد صبياً في الثامنة عشرة ذا نفس ترتعش أمام المظاهر الفنية ارتعاش الأعشاب أمام العاصفة , أما أبو الهول فكان يبتسم لي ويملأ قلبي بحزن عذب وندبات مستحبة .
أنا معجب مثلك بالدكتور شميل فهو واحد من القليلين الذين انبتهم لبنان ليقوموا بالنهضة الحديثة في الشرق الأدنى وعندي أن الشرقيين يحتاجون إلى أمثال الدكتور شميل حاجة ماسة كرد فعل للتأثير الذي أوجده الصوفيون والمتعبدون في القطرين مصر وسوريا .
هل قرأت الكتاب الفرنساوي الذي وضعه خير الله افندي خير الله ؟ أنا لم أره بعد وقد أخبرني صديق أن في الكتاب فصل عنك وفصل آخر عني فإذا كان لديك نسختان تكرمي بإرسال نسخة منهما إليّ وأجرك على الله .
ها قد انتصف الليل فليسعد الله مساءك ويبقيك للمخلص ...!!
مي زيادة فراشة في سماء الأدب
أديبة وشاعرة متميزة ومثقفة، وصاحبة مكانة متميزة في الأوساط الأدبية والثقافية مي بين الأدباء والصحافيين بثقافتها الواسعة وتألقها الأدبي والفكري، وصالونها الأدبي الذي كان يزخر بالعديد من الأدباء والمفكرين الذين يتبارون في عرض إنتاجهم الأدبي والثقافي مما كان له تأثير كبير في تنشيط الحركة الأدبية في ذلك الوقت اشتهرت مي زيادة بثقافتها الواسعة والتي كانت تعمل دائماً على زيادتها بالقراءة والدراسة وأطلعت على العديد من الكتب سواء العربية أو الغريبة ساعدها في ذلك إلمامها بالعديد من اللغات، تعرفت مي على العديد من الشخصيات سواء من الكتاب أو الصحفيين وعرفت كأديبة وباحثة وناقدة، كما كانت لديها قدرة رائعة على الخطابة.
الحبُّ السماوي بين مي زيادة وجبران خليل جبران
إذا كان يحق لتراثنا العربي أن يفخر بأنه أنجب شعراً يتناول قصص الحب العذري ("قيس وليلى" "جميل بثينة" "قيس ولبنى") فإننا اليوم نعايش امتداد هذه الظاهرة في أدبنا الحديث بفضل الحب السماوي الذي بزغت أنواره بين قلبي الأديبين مي زيادة وجبران خليل جبران، رغم أنهما لم يلتقيا أبداً، فقد كانت الرسائل المتبادلة بين القاهرة حيث تقيم (مي) ونيويورك حيث يقيم (جبران) هي وثيقة هذا الحب الفريد
ولكن مع الأسف ضاعت معظم رسائل المرأة في الثلاثينيات وبقيت رسائل الرجل (كما ذاعت في الستينيات رسائل غادة السمان وبقيت رسائل غسان كنفاني) رغم أن (جبران) كان يعيش في أمريكا، حيث تتم العناية بكل ما يتركه الأديب، وفعلاً هذا ما حصل إثر وفاة جبران، إذ حافظت سكرتيرته وأخته على أعماله الأدبية والفنية وأشيائه!!...‏ هنا لابد أن نتساءل: هل المرأة أكثر حرصاً على رسائل حبها من الرجل؟ أم أن ميراث جبران قد تعرض لعملية سطو إثر وفاته، كي لا نظلم الرجل؟‏
نعتقد أن التساؤل الأول يخفي تعصباً نسوياً يهاجم وفاء الرجل، لذلك نميل إلى التساؤل الثاني، فقد ذكر ميخائيل نعيمة في كتابه عن حياة جبران أنه رأى تلك الرسائل لديه، لهذا من الأرجح أن تكون تلك الرسائل قد سرقت من قبل امرأة لبنانية أرادت أن تكون حبيبة جبران الوحيدة.‏ مهما تكن الإجابة فإن النتيجة واحدة، وهي غياب صوت المرأة في هذا الحب! كما غاب صوتها في الحب العذري الذي خلّده لنا الشعراء! وقد آلمني أن يضيع صوت المرأة في هذا العصر كما ضاع في الماضي، فحاولت نسج خيوط هذه العلاقة في "رواية الحب السماوي بين مي زيادة وجبران خليل جبران"، لعلي أقدّم معاناة المرأة عبر تخيل صوتها والاقتراب من تجربة حب فريد تعيشه المرأة معاناة يومية منذ تفتحها وحتى موتها!..‏ 
لم تكن مي امرأة عادية، فقد امتزجت في ملامح شخصيتها الريادة الأدبية بالريادة الاجتماعية في بداية القرن العشرين، لهذا كانت أولى خطواتها في هذا المجال هي الإقبال على التعليم والتفرغ للكتابة، وقد دفعها حبها للغة العربية أن تفتح بيتها، بتشجيع من والديها، لرجال الأدب، فكانت تحاورهم وتستمع إلى إبداعاتهم في صالونها الذي كانت تعقده كل يوم ثلاثاء، مما أثر إيجابياً على عملها الصحفي والأدبي، فقد عملت مع أبيها في صحيفته "المحروسة" التي افتتحها في القاهرة، كل ذلك في زمن لم تكن المرأة العربية تجرؤ على الخروج من المنزل وحدها.‏ 
لم تحاول مي الخروج من الأغلال الخارجية التي تقيد المرأة فقط، بل وجدناها تحاول الخروج من أغلال الذات، فكانت رائدة في محاولة التعبير عن أعماقها عبر الأدب ( الرسائل، المقالة، الخاطرة الوجدانية التي وجدناها في كتبها) أي عبر أجناس أدبية تظهر صوت (الأنا) صريحاً واضحاً، وبذلك استطعنا أن نعايش أعماقها بكل ما يعتلج فيها من عواطف وأحلام وصراعات، إذ من المعروف أن الكاتبة العربية لم تجرؤ على الخوض في هذا المجال إلا بعد (مي) بأكثر من خمسين سنة، وهي، غالباً، حين تريد أن تعبر عن ذاتها تتخذ قناع الشخصية الروائية (وهذا ما فعلته الأديبة غادة السمان في روايتها "الرواية المستحيلة فسيفساء دمشقية"(1997). والتي إلى الآن لم تصدر الجزء الثاني المتعلق بمرحلة الشباب، وتوقفت عند مرحلة الطفولة والمراهقة!!).‏ 
هنا يجدر بنا أن نوضح أن (مي) لم تكن في بداية علاقتها بجبران امرأة منطلقة في التعبير عن ذاتها، فقد اكتفت في البداية بالعلاقة الفكرية، بل دعت جبران للالتزام بحدودها، فاتسمت لغتها بالحذر، وتحصنت باللهجة الرسمية في الخطاب، فأخفت مشاعرها بألف قناع، حتى وجدنا جبران يتساءل مستغرباً شدة ترددها وحذرها: "أهو الخجل أم الكبرياء أم الاصطلاحات الاجتماعية". لعله كان يقارنها بالمرأة التي التقى بها في الغرب، والتي تتمتع بحرية التعبير عن أعماقها! دون أن يغفل عن خصوصية المرأة الشرقية وضغط القيود الاجتماعية عليها، مما تضطرها إلى الاحتماء بالخجل تارة وبالكبرياء تارة أخرى!..‏
من المؤكد أن (مي) في البداية سعت إلى توظيف المراسلة بينها وبين أديب مشهور، كي تجعلها عاملاً في تطويرها الفكري والأدبي، ولم تتوقع أن تقع أسيرة كلماته، لكنها حين أحست أنها بدأت تحرك عواطفها وتمتّع ذائقتها الفنية معاً، بدأت بالتهرب منها!..‏
هنا لا نستطيع أن نفصل بين مي الإنسانة والأديبة، فقد عشقت مي الأديبة كلماته ربما قبل المراسلة، وازدادت عشقاً لها بعدها، فانقلب العشق الفني إلى عاطفة متأججة يأباها عقلها، لهذا ملأ التردد ذاتها، وشاعت لديها الصرامة في محاسبة الذات ومحاسبة الطرف الآخر (المرسل) على كل كلمة، لهذا وصفها جبران في إحدى الرسائل بـ(الموسوسة) التي لا تعرف سوى التردد، من هنا لن نستغرب تكرار هذه الأفكار والمواقف التي نستشفها من رسائل جبران، فهي محبة يعجبها الاستمرار مع جبران في مثل هذه المغامرة، لكن سرعان ما يؤرقها صوت العقل الذي يذكرها بالواقع الاجتماعي الذي يعلي قيمة الأسرة والزواج في حياة المرأة، ولم يعتد مثل هذه علاقات الصداقة والحب بين المرأة والرجل دون رابط شرعي! كما يذكرها صوت العقل بوقع الزمن الذي لا يرحم المرأة، فكانت تنقطع عن مراسلته أشهراً طويلة، ثم تعود، ومع عودتها كانت تضطر لمعاودة الحوار مع ذاتها لإقناعها بضرورة علاقتها مع جبران، وقد كانت تعيش صراعاً دائماً مع ذاتها، فتتكرر محاسبتها لها، لهذا كانت تتكرر أسئلة جبران مستفهماً أسباب الانقطاع، فكانت تدافع عن وجهة نظرها بترداد حججها نفسها، التي تزداد مع الأيام وجاهة وإقناعاً! إذ تنطلق باسم العقل الذي لا ينفصل عن المشاعر كما يعتقد الكثيرون!! كما نجدها تنطق باسم المجتمع حيث كانت أمها أحد الأصوات القوية التي تردد على مسامعها أن الزمن لا يرحم وأن الاستقرار ضروري للمرأة!‏

لهذا كله انتظرت حوالي اثنتي عشرة سنة لتصرح بعواطفها كتابة لجبران، ولتبين له أن الورق هو الذي منحها الجرأة، وأنه لو كان يشاركها العيش في بلدها لما جرؤت على ذلك! لكن يبدو أن التصريح لم يجلب لها الراحة المتواخاة، أو الأمل بعرض للزواج يأتيها من جبران! لذلك تعود إلى ترددها وتهربها خاصة بعد أن غزا الشيب مفرقها!.. لكن عاطفتها القوية تلح عليها بالكتابة، يضاف إلى تلك العاطفة حس إنساني مرهف بآلام الآخرين، لهذا كان قلقها على صحة جبران من أسباب عودتها للكتابة إليه أحياناً!..‏
لعل هذا التردد في قبول مثل هذه العلاقة الاستثنائية أحال حياتها إلى مأساة، فعاشت القلق والمعاناة في علاقة كان عزاؤها فيها هو الخيال والرحلة عبر الكلمة إلى عوالم مدهشة، تنأى بها عن الواقع واحتياجاته الطبيعية.‏
لم تستطع (مي) الركون إلى هذه العلاقة سوى لحظات تحلق بها بعيداً، ثم ترتطم بالأرض، فالمرأة المثقفة والأديبة كانت تبحث عن علاقة طبيعية، تعيش فيها عواطفها وأمومتها! وفي الوقت نفسه تحلق روحها فيها بعيداً عن المألوف في علاقة أقرب إلى الاستثناء!..‏
أعتقد أن روعة شخصية (مي) تجلت في كونها أنهت صراعها الداخلي حين تأكدت في النهاية من مرض جبران، فبدت لنا امرأة عاشقة وأماً حانية، تسعى للوقوف إلى جانب جبران في محنته!... فتحيطه بعواطف الحب والأمومة معاً!!..‏
إن المتأمل في قصة الحب هذه، لابد أن تدهشه قدرة المرأة على الحب والعطاء، فقد منحت رجلاً لم تره أبداً كل حياتها، حتى أصبح هذا الحب مأساتها وعزاءها معاً! فقد أحبت جبران عبر كلماته، وأخلصت له، حتى إنها عاشت تستمد القوة منها سواء في حياة جبران أم بعد وفاته!..‏
للوهلة الأولى تبدو لنا (مي) امرأة تعيش حياة منطلقة بالقياس إلى نساء عصرها الشرقيات، إذ استطاعت أن تجمع في صالونها أبرز أدباء عصرها (طه حسين، العقاد، الرافعي...)، وذلك بفضل سماتها الشخصية (الثقافة واللباقة والروح المرحة والإخلاص والصدق) مما يدفعني إلى الاعتقاد بأنها أسهمت في تطوير الحركة الثقافية في تلك الفترة، خاصة أنها خلقت جواً تنافسياً بين الأدباء، فكل واحد منهم كان معنياً بكسب ودها، بل عاطفتها! لكنها رغم ذلك ظلت امرأة شرقية متحفظة في علاقتها مع الرجل، إلى درجة أن العقاد قال لها يوماً: أنت تعيشين كراهبة في صومعة! فهي من الناحية الشعورية ظلت أمينة لعادات الشرق وتقاليده، لهذا استطاعت أن تنال احترام مجتمعها رغم اختلاطها بالرجال هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان ذلك خير دليل على إخلاصها لجبران!!..‏
لقد تجاوزت مي المألوف حين وجدت في كلمات الحب ملاذاً عاطفياً لها، فسجنت حياتها فيها، فاختارت حباً أشبه بالخيال على حياة عادية، فحرمت نفسها من دفء العائلة وضحت بسببها بالأمومة التي هي حلم كل امرأة!..‏ 
ولعل خير دليل على أهمية تلك الكلمات في حياة (مي) أنها عاشت متألقة في حياتها الاجتماعية والأدبية على وقع رسائل جبران، ولم تتدهور حياتها النفسية إلا بعد وفاة جبران (1931) إذ عدّت نفسها أرملته، فارتدت السواد عليه، ومما فاقم بؤسها وفاة أمها في إثره (1932) لعلها في تلك الفترة بدأت تشعر بعدم الرضى عن نفسها، واكتشفت أن قرارها بعدم الزواج لم يكن صائباً! وبدأت تحاسب نفسها بقسوة، فقد أحست بمدى الظلم الذي ألحقته بحياتها حين تعلقت بكلمات جبران، ووهبت شبابها لحب سماوي لا علاقة له بالواقع وبطبيعة البشر!..‏ 
لا يمكننا أن نحمّل الكلمة المجنحة المسؤولية عن تدهور حالتها النفسية وإغراقها في الكآبة، لأننا نلغي إرادتها في استمرار تلك العلاقة، التي جلبت لها الفرح والألم معاً!.. لكننا نستطيع أن نحمّل أقاربها في مصر ثم في لبنان تلك المسؤولية، إذ بدؤوا بإزعاجها منذ وفاة أبيها (1930) فطالبوها بالإرث، بل وصل بهم الطمع حد مطالبتهم بنصف ثروتها التي كونتها مع أبيها! وحين رفضت زاد إزعاجهم لها، حتى وصل شرهم حدّ تدبير مكيدة إدخالها مشفى المجانين في لبنان! ولولا مساعدة أهل المروءة من الأدباء (أمين الريحاني) والشرفاء من أمثال أولاد الأمير عبد القادر الجزائري وغيرهم من الصحفيين والمحامين لما خرجت من محنتها!!..‏ 
المدهش أن (مي) حملت رسائل جبران معها، في كل مكان رحلت إليه، ورافقتها في مأساتها في مشفى (ريفز) في بيروت أطلعت عليها جارتها في الغرفة المجاورة، فقد شكلت لها عزاء في مأساتها الرهيبة!..‏
إننا أمام امرأة غير عادية أخلصت لحب رجل، يعيش بعيداً عنها، ويعترف لها، في إحدى رسائله، أن حياته موزعة بين امرأتين، (امرأة الحلم وامرأة الواقع) فكان نصيب (مي) دور الملهمة التي تحمل روح الشرق الذي يحلم بالعودة إليه دون أن يستطيع، فيرسل لها تلك الكلمات المجنحة، التي تعبر عن عواطفه لها، فتشدّها إليه كلما حاولت فكّ أسرها! في حين كانت امرأة الواقع (ماري هاسكل) تقف إلى جانبه فتسانده مادياً ليكمل رحلته في عالم الفن، كما ساندته معرفياً، حين كانت تصحح له نسخ كتبه التي كان يكتبها بالإنكليزية! وتعترف ماري هاسكل أنه عرض عليها الزواج لكنها رفضت، ربما بسبب الفارق الكبير في السن، وربما بسبب علاقاته النسائية المتعددة! المهم أن صداقتها بجبران تستمر رغم زواجها، كما استمرت (مي) في حبها له رغم عدم زواجه بها! فقد أسرتها كلماته المدهشة، التي تستلب الروح والإرادة بعنفوانها وصدقها "أنت تحيين بي، وأنا أحيا بك" كما أسرتها صراحته، فقد وجدناه يكشف لها عيوب نفسه فهو يعيش في سجن طموحاته، يلاحقه إحساس أنه لم يقل شيئاً خالداً بعد، وأنه مؤرق بهاجس الإبداع الذي يحتاج تفرغاً كلياً، لعله يستطيع أن يقول كلمته، وهكذا يوضح لها أنه يعيش أسير مشروعاته الفنية والأدبية، وأن المرأة في حياته ملهمة ورفيقة إبداع بعيدة عن الأطر المألوفة!‏
لقد عاش جبران في الغرب كما يروي صديقه ميخائيل نعيمة حياة منطلقة دون أية قيود، فعرف العديد من النساء، وطمح إلى أن يعيش حياة خيالية مع امرأة شرقية، تغذي إبداعه بنبض خاص، كانت هذه الازدواجية تريحه وربما مصدر إلهام له، في حين كانت العلاقة بالنسبة إلى (مي) حياتها بأكملها رغم أنها خيال أقرب إلى الحلم! فبدت كلماته تسري في عروقها لتمنحها دماء الحياة وألقها، لقد كانت (مي) ضحية علاقة رسمها الرجل كما يريد له طموحه الإبداعي بمعزل عما تريده المرأة أو تحلم به.‏
إذاً لو كانت مي امرأة عادية لرفضت تلك العلاقة التي كانت عبءً عليها!! هنا نتساءل: هل طغت على (مي) رهافة حس الأديبة، فعاشت مخلصة للكلمة في حياتها الشخصية وفي حياتها العامة! هل رأت في الخيال جمالاً يفوق الواقع؟ هل كانت كلمات جبران حلماً لاذت به يعوضها عن بؤس الواقع؟... هل حياتها في مصر أي في بيئة غريبة عن بيتها في الشام سبباً في تعلقها بجبران، الذي رأت فيه وطناً تنتمي إليه!؟ هل أحست بأن هذه البيئة العربية قد عجزت عن إنجاب كفء لها؟.. فكان الخيال أرحم بها من الواقع!..‏
ربما افتقدت في محيطها الرجل الند لهذا عاشت قصة حب ترضي ذاتها، ولو كان ذلك عبر الوهم والخيال، مادام الواقع لم يطرح أمامها من يراه قلبها مناسباً فعاشت الصدق والإخلاص لعلاقة أشبه بالحلم، بل دعاها فيها جبران بامرأة الحلم.‏
لقد أدهشتني تضحية المرأة بشبابها من أجل حب سماوي، كما آلمني ضياع صوتها الخاص بضياع معظم رسائلها، رغم أنها ضحت بحياتها من أجل هذا الحب! لهذا تجرأت في كتابي "الحب السماوي بين مي زيادة وجبران خليل جبران" على تجسيده عبر الخيال مستعينة برسائل جبران، كي أستطيع استشفاف ردود فعل مي، وأبيّن أن الكلمة لم تكن محور حياتها الأدبية فقط، وإنما محور حياتها الشخصية!.. لهذا يمكنني القول بأن أبطال هذا الحب السماوي ثلاثة (مي وجبران والكلمة المجنحة).‏

ولكن ألم تكن الكلمة والخيال أحد أسباب كآبة (مي) التي ملأت الغصة حياتها؟
يعتبر جبران خليل جبران من الأدباء الذين أثروا فن المراسله عند العرب بما تركه من رسائل لفتت نظر الباحثين وأثارت فضولهم , فولجوا عبرها إلى عالم جبران المليء بالرموز والأسرار .. لقد فتح جبران فتحاً جديداً ورائعاً في دنيا الأدب العربي , عندما تحول عن التأليف بالعربيه ألى التأليف بالأنجليزيه.. حتى لمع أسمه في كثير من الدول الأجنبيه ..
وفي هذا الموضوع أود أن أسلّط الضوء على الحب الذي نشأ بين جبران ومي زياده , , حب فريد لامثيل له في تاريخ الأدب , أو في سير العشاق ,مثال للحب النادر المتجرد عن كل ماهو مادي وسطحي لقد دامت تلك العاطفه بينهما زهاء عشرين عاماً , دون أن يلتقيا الاّ في عالم الفكر والروح , والخيال الضبابي إذ كان جبران في مغارب الأرض مقيماً وكانت مي في مشارقها , كا ن في امريكا وكانت في القاهره. لم يكن حب جبران وليد نظره فابتسامه فسلام فكلام بل كان حباً نشأ ونما عبر مراسله أدبيه طريفه ومساجلات فكريه وروحيه ألفت بين قلبين وحيدين , وروحين مغتربين .ومع ذلك كانا أقرب قريبين وأشغف حبيبين ..

كان طبيعياً جداً أن يتعارف بطلا هذا الحب عن طريق الفكر والنشر في اوائل هذا القرن , بعد ان أصاب كل منهما شهره كبيره .. كانت مي معجبه بمقالات جبران وافكاره فبدأت بمراسلته عقب أطلاعها على قصته ( الأجنحه المتكسره ) التي نشرها في المهجر عام 1912م, كتبت له تعرب عن أعجابها بفكره واسلوبه , وتناقش اراءه في الزواج وقيوده , والحب وأطواره حسب رؤيته في هذه القصه التي قرأتها له وتعرض عليه رأيها في وجهة نظره في حرية المرأه التي طالب بها والتي اتفقت معه في أمر وعارضته في جانب آخر , حيث قالت " لايصح لكل أمرأه لم تجد في الزواج السعاده التي حلمت بها أن تبحث عن صديق غير زوجها فلا بد أن تتقيد المرأه بواجبات الشراكه الزوجيه تقيداً تام حتى لو هي سلاسل ثقيله , فلو توصل الفكر الى كسر قيود الأصطلاحات والتقاليد فلن يتوصل الى كسر القيود الطبيعه لأن أحكام الطبيعيه فوق كل شيء, وهذه تعتبر خيانه ولوفي مظهرها طاهر وتخون الهيأه الأجتماعيه التي هي عضو عامل فيها
ومن هنا كانت البدايه ومن ثم تواصل بالرسائل التي كان كل منهما يبحث عن روح الآخر في يقظته وأحلامه , كان كل منهما يسعى لرؤية ذاته في روح صاحبه حتى لكأن تلك الروح هي المرآة التي ينعكس على صفحتها نور الأخر ... وكلما قرأنا هذه الرسائل النابضه بالحياة الناضحه بالصدق , كلما أزددنا يقيناً بأن الحب الذي شد جبران الى مي , وشغف مي بجبران , حب عظيم , بل عشق يكاد يكون صوفياً لأنه تخطى حدود الزمان والمكان والحواس الى عالم تتحد فيه قوة الوجود
ويتضح لنا لدى التأمل في بعض الرسائل برغم ضياع بعضها أن الصله بين جبران ومي توثقت شيئاً فشيئاً لأن لهجته في مخاطبتها تدرّجت من التحفظ الى التودد , ومن الأعجاب الى صداقه حميمه , ومن ثمَ الى حب عام 1919م ما أن بلغ ذروته حتى عكرت صفوه سلسله من الخلافات بينهما التي عبّر عنها جبران مرةً " هي معاكسات التي تحوّل عسل القلب ألي مراره " وقال" ان الغريب حقاً في هذه الصله تأرجحها بين الحب الجامح والفتور , بين التفاهم التام الذي كان يضفي عليهما شفافيه روحيه تغمرهما بالسعاده ,وبين سوء التفاهم الذي كان يؤلمهما ويؤدي الى القطيعه احياناً ولكن شدة ولع كل منهما الآخر كانت تدفعهما للتصالح مجدداً..
وبرغم كل هذا الحب كان كل منهما يخشى التصريح بعواطفه فيلجأ جبران للتلميح , ويرمز إليها ويضع عبارات وصور مبتكره وجميله .. فلم ينادي مي قط بقوله 
حبيبتي" ولم يخاطبها باللغه المألوفه للعشاق , غير أنه عبّر عن حبه بما هو أبلغ عندما قال أنت تحيين فيّ , وانا أحيا فيكِ " ووصف علاقته بها " بأنها أصلب وأبقى بما لايقاس من الروابط الدمويه والأخلاقيه "وبعد أن باح لها , رجاها ان تطعم النار رسالته اذا لم تجد لبوحه الصدى المرجوا في نفسها كانت مي في حياة جبران الصديقه, والحبيبه الملهمه , وصلة الوصل بينه وبين وطنه , وأكثر ماحبه فيها عقلها النيّرالذى تجلى في مقالاتها وكتبها , وأحب فيها حبها له .., واعجابها بشخصيته وانتاجه الأدبي والفني الذي كانت تتناوله بالتقريظ والنقد في مقالاتها في مصر وعلى الرغم من كل ماكُتب عن علاقات جبران الغراميه من النساء امثال " ماري هاسكل " وميشلين " فأن حبه لمي كان الحب الوحيد الذي ملك قلبه وخياله ورافقه حتى نهاية حياته فقد كان حبه لها معادلاً حبه العارم لوطنه لبنان ..ولروحانية الشرق , وبالدم العربي الذي يجري في عروقه ,, وهذا مما تؤكده رسائل الشعله الزرقاء , التي هي جوهر النفس الأنسانيه في أسمى صفائها , ويميل المحللون للأعتقاد بأنه لم يكن يفكر في الزواج لاعتلال في صحته منذ شبابه ,, ولا ريب ان مي احبت جبران حباً جعل المقارنه بينه وبين الذين خطبوا ودّها أمراً مستحيلاً , برغم تردد مي في الأعراب عن مشاعرها وخشيتها في الأنطلاق على سجيتها في مراسلته , وذلك بسبب ان جبران كان يعيش في عالم متطور تحررت نساؤه من التقاليد , وحيث أن مي كانت مغلولة القلب والقلم بتأثير البيئه التي عاشت فيها .. وبرغم انها جعلت من بيتها صالوناً أدبياً يلتقي فيه كل ثلاثاء رجال الأدب والفكر امثال احمد لطفي السيد وخليل مطران وطه حسين وعباس محمود العقاد وغيرهم من الأدباء والمفكرين ...

لقد تمنى جبران ان تتحرر مي من عقدها النفسيه وشكوكها ! مي عانت صراعاً نفسياً حاداً في حبها لجبران سبّب لها الشقاء ولجبران العذاب والأرهاق ..وحين تجاوزت الخامسه والثلاثين من العمر لملمت كل شجاعتها وكتبت أجمل رسالة حب .. ولكن ألم تكن الكلمة والخيال أحد أسباب كآبة (مي) التي ملأت الغصة حياتها؟ يعتبر جبران خليل جبران من الأدباء الذين أثروا فن المراسله عند العرب بما تركه من رسائل لفتت نظر الباحثين وأثارت فضولهم , فولجوا عبرها إلى عالم جبران المليء بالرموز والأسرار .. لقد فتح جبران فتحاً جديداً ورائعاً في دنيا الأدب العربي , عندما تحول عن التأليف بالعربيه ألى التأليف بالأنجليزيه.. حتى لمع أسمه في كثير من الدول الأجنبيه
و هنا أود أن أسلّط الضوء على الحب الذي نشأ بين جبران ومي زياده , , حب فريد لامثيل له في تاريخ الأدب , أو في سير العشاق ,مثال للحب النادر المتجرد عن كل ماهو مادي وسطحي
لقد دامت تلك العاطفه بينهما زهاء عشرين عاماً , دون أن يلتقيا الاّ في عالم الفكر والروح , والخيال الضبابي إذ كان جبران في مغارب الأرض مقيماً وكانت مي في مشارقها , كا ن في امريكا وكانت في القاهره. لم يكن حب جبران وليد نظره فابتسامه فسلام فكلام بل كان حباً نشأ ونما عبر مراسله أدبيه طريفه ومساجلات فكريه وروحيه ألفت بين قلبين وحيدين , وروحين مغتربين .ومع ذلك كانا أقرب قريبين وأشغف حبيبين ..
كان طبيعياً جداً أن يتعارف بطلا هذا الحب عن طريق الفكر والنشر في اوائل هذا القرن , بعد ان أصاب كل منهما شهره كبيره .. كانت مي معجبه بمقالات جبران وافكاره فبدأت بمراسلته عقب أطلاعها على قصته ( الأجنحه المتكسره ) التي نشرها في المهجر عام 1912م, كتبت له تعرب عن أعجابها بفكره واسلوبه , وتناقش اراءه في الزواج وقيوده , والحب وأطواره حسب رؤيته في هذه القصه التي قرأتها له وتعرض عليه رأيها في وجهة نظره في حرية المرأه التي طالب بها والتي اتفقت معه في أمر وعارضته في جانب آخر , حيث قالت " لايصح لكل أمرأه لم تجد في الزواج السعاده التي حلمت بها أن تبحث عن صديق غير زوجها فلا بد أن تتقيد المرأه بواجبات الشراكه الزوجيه تقيداً تام حتى لو هي سلاسل ثقيله , فلو توصل الفكر الى كسر قيود الأصطلاحات والتقاليد فلن يتوصل الى كسر القيود الطبيعه لأن أحكام الطبيعيه فوق كل شيء, وهذه تعتبر خيانه ولوفي مظهرها طاهر وتخون الهيأه الأجتماعيه التي هي عضو عامل فيها "
ومن هنا كانت البدايه ومن ثم تواصل بالرسائل التي كان كل منهما يبحث عن روح الآخر في يقظته وأحلامه , كان كل منهما يسعى لرؤية ذاته في روح صاحبه حتى لكأن تلك الروح هي المرآة التي ينعكس على صفحتها نور الأخر ... وكلما قرأنا هذه الرسائل النابضه بالحياة الناضحه بالصدق , كلما أزددنا يقيناً بأن الحب الذي شد جبران الى مي , وشغف مي بجبران , حب عظيم , بل عشق يكاد يكون صوفياً لأنه تخطى حدود الزمان والمكان والحواس الى عالم تتحد فيه قوة الوجود ويتضح لنا لدى التأمل في بعض الرسائل برغم ضياع بعضها أن الصله بين جبران ومي توثقت شيئاً فشيئاً لأن لهجته في مخاطبتها تدرّجت من التحفظ الى التودد , ومن الأعجاب الى صداقه حميمه , ومن ثمَ الى حب عام 1919م ما أن بلغ ذروته حتى عكرت صفوه سلسله من الخلافات بينهما التي عبّر عنها جبران مرةً " هي معاكسات التي تحوّل عسل القلب ألي مراره " وقال" ان الغريب حقاً في هذه الصله تأرجحها بين الحب الجامح والفتور , بين التفاهم التام الذي كان يضفي عليهما شفافيه روحيه تغمرهما بالسعاده ,وبين سوء التفاهم الذي كان يؤلمهما ويؤدي الى القطيعه احياناً ,,]ولكن شدة ولع كل منهما الآخر كانت تدفعهما للتصالح مجدداً..
وبرغم كل هذا الحب كان كل منهما يخشى التصريح بعواطفه فيلجأ جبران للتلميح , ويرمز إليها ويضع عبارات وصور مبتكره وجميله .. فلم ينادي مي قط بقوله 
حبيبتي" ولم يخاطبها باللغه المألوفه للعشاق , غير أنه عبّر عن حبه بما هو أبلغ عندما قال أنت تحيين فيّ , وانا أحيا فيكِ " ووصف علاقته بها " بأنها أصلب وأبقى بما لايقاس من الروابط الدمويه والأخلاقيه "وبعد أن باح لها , رجاها ان تطعم النار رسالته اذا لم تجد لبوحه الصدى المرجوا في نفسها
كانت مي في حياة جبران الصديقه, والحبيبه الملهمه , وصلة الوصل بينه وبين وطنه , وأكثر ماحبه فيها عقلها النيّرالذى تجلى في مقالاتها وكتبها , وأحب فيها حبها له .., واعجابها بشخصيته وانتاجه الأدبي والفني الذي كانت تتناوله بالتقريظ والنقد في مقالاتها في مصر ...
وعلى الرغم من كل ماكُتب عن علاقات جبران الغراميه من النساء امثال " ماري هاسكل " وميشلين " فأن حبه لمي كان الحب الوحيد الذي ملك قلبه وخياله ورافقه حتى نهاية حياته فقد كان حبه لها معادلاً حبه العارم لوطنه لبنان ..ولروحانية الشرق , وبالدم العربي الذي يجري في عروقه ,, وهذا مما تؤكده رسائل الشعله الزرقاء , التي هي جوهر النفس الأنسانيه في أسمى صفائها , ويميل المحللون للأعتقاد بأنه لم يكن يفكر في الزواج لاعتلال في صحته منذ شبابه ,, ولا ريب ان مي احبت جبران حباً جعل المقارنه بينه وبين الذين خطبوا ودّها أمراً مستحيلاً , برغم تردد مي في الأعراب عن مشاعرها وخشيتها في الأنطلاق على سجيتها في مراسلته , وذلك بسبب ان جبران كان يعيش في عالم متطور تحررت نساؤه من التقاليد , وحيث أن مي كانت مغلولة القلب والقلم بتأثير البيئه التي عاشت فيها .. وبرغم انها جعلت من بيتها صالوناً أدبياً يلتقي فيه كل ثلاثاء رجال الأدب والفكر امثال احمد لطفي السيد وخليل مطران وطه حسين وعباس محمود العقاد وغيرهم من الأدباء والمفكرين ...
لقد تمنى جبران ان تتحرر مي من عقدها النفسيه وشكوكها ! مي عانت صراعاً نفسياً حاداً في حبها لجبران سبّب لها الشقاء ولجبران العذاب والأرهاق ..وحين تجاوزت الخامسه والثلاثين من العمر لملمت كل شجاعتها وكتبت أجمل رسالة حب..

جبران !
لقد كتبت كل هذه الصفحات لأتحايد كلمة الحب . ان الذين لايتاجرون بمظهر الحب ينمّي الحب في أعماقهم قوه ديناميكيه رهيبه قد يغبطون الذين يوزعون عواطفهم في الللاء السطحي لأنهم لايقاسون ضغط العواطف التي لم تنفجر ,, ويفضّلون تضليل قلوبهم عن ودائعها , والتلهي بما لاعلاقه له بالعاطفه , يفضلون أي غربه , وأي شقاء ( وهل من شقاء وغربه في غير وحدة القلب ؟) على الأكتفاء بالقطرات الشحيحه ..
مامعنى هذا الذي اكتبه ؟ اني لا أعرف ماذا أعني به ! ولكني أعرف انك " محبوبي " , وأني أخاف الحب , أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير .. الجفاف ةالقحط والللا شيء بالحب خير من النزر اليسير , كيف أجسر على الأفضاء اليك بهذا , وكيف أفرّط فيه ؟ لا أدري , الحمدلله اني اكتبه على ورق ولا أتلفّظ به, لأنك لو كنت حاضراً بالجسد لهربت خجلاً بعد هذا الكلام , ولاختفيت زمناً طويلاً , فما أدعك تراني الا بعد أن تنسى .. حتى الكتابة ألوم نفسي عليها احياناً لأني بها حرة كل هذه الحريه .. قلي ماأذا كنت على ضلال أو هدى .. فأني أثق بك , وأصدق بالبداهه كل ماتقول ..! وسواء كنت مخطئه فان قلبي يسير اليك , وخير مايفعل هو أن يظل حائماً حواليك , يحرسك ويحنو عليك
غابت الشمس وراء الأفق ومن خلال الأشكال والألوان حصحصت نجمه لامعه واحده هي الزهره ,, اترىيسكنها كأرضنا بشر يحبون ويتشوقون ؟ ربما وُجد فيها من هي مثلي , لها جبران واحد , تكتب أليه الأن والشفق يملأ الفضاء وتعلم ان الظلام يخلف الشفق وان النور يتبع الظلام وأن الليل سيخلف النهار والنهار سيتبع الليل مرات كثيره قبل أن ترى الذي تحبه ... فتتسرب اليها كل وحشة الشفق , وكل وحشة الليل , فتلقي القلم جانباً لتحتمي من الوحشه في إسم واحد : جبران
ماري زياده

وكانت هذه الرساله تصوّر مي العاشقه أبلغ تصوير ... مما أفرح جبران بتجاوبه معها ...
وهذا الموضوع سأتناول عدة رسائل تمثّل جبران خليل جبران ومي زياده ليس فقط للروعه الأدبيه في الرسائل .. ووصف لأجمل مشاعر الحب خالد سيبقى اسطوره , بل لأنها تحتوي على ادب في فن المراسله ... تستحق الأطلاع عليها

رد جبران على رسالة مي ..
"ماألطف قول من قال :
ياميّ عيدك يوم ** وأنتِ عيد الزمان
ما أغرب ماتفعله كلمه واحد في بعض الأحيان , أنها تحوّل الذات الخفيه فينا من الكلام إلى السكوت .. تقولين أنك تخافين الحب ! لماذا تخافينه ؟ أتخافين نور الشمس ؟ أتخافين مدّ البحر ؟ أتخافين طلوع الفجر ؟ أتخافين مجيء الربيع ؟ لماذا ياترى تخافين الحب ؟
أنا أعلم أن القليل في الحب لايرضيكِ , كما أعلم أن القليل في الحب لايرضيني , أنتِ وأنا لا ولن نرضى بالقليل , نحن نريد الكمال ..الكثير , كل شيء ! لاتخافي الحب يارفيقة قلبي , علينا أن نستسلم إليه رغم مافيه من الألم والحنين والوحشه , ورغم مافيه من الألتباس والحيره
جبران

ارتاحت مي لهذه اللهجه , وتشجعت على مداعبته في الحديث , والأفضاء إليه بخوالج نفسها وهمومها .. كان همها أن يبقى جبران حبيبها الأوحد لتدوم تلك الشعله الزرقاء منهلاً للنعيم والنور في حياتها . أضحت مي شديدة القلق على صحة جبران في سنوات عمره الأخيره كما يبدوا جلياً في رسائله إليها ,وقد وصف جبران أسلوبها ورسائلها فقال انها كالنهر الرحيق الذي يتدفق من الأعالي ويسير مترنماً في وادي احلامي , بل كقيثارة التي تقرّب البعيد وتُبعد القريب , وتحوّل بارتعاشاتها السحريه الحجاره إلى شعلات متقّده , والأغصان اليابسه إلى أجنحه مضطربه  ... بما يكو ن أهل مي وبعض المقربين منها قد أطلعوا على صلتها بجبران في حياتها ,ولكن المرجّح انها كانت حريصه على اخفائها عن الناس جميعاً , وأبقتها سراً دفيناً في نفسها حتى ذلك اليوم الذي فجعت بموته عام 1931م , فبعد انقضاء شهر على وفاته اعترفت ميّ لقرائها بوجود مراسله طويله بينها وبين جبران وذلك في مقاله (جبران خليل جبران يصف نفسه في رسائله) ضمتها فقرات قصيره من رسائله اليها , وعبرت عن حزنها العميق عليه مصّوره غربتها وغربته في الوجود بعبارات موجعه قالت فيها

"حسناً فعلت بأن رحلت ! فاذا كان لديك كلمه أخرى فخير لك أن تصهرها وتثقفّها , وتطهرها لتستوفيها في عالم ربما يفضل عالمنا هذا في أمور شتى..."
وفي ختام تلك القطعه الوجدانيه المؤثره الفائضه بالحب واللوعه واليأس , أعربت ميّ عن شوقها للرحيل , ولكن مشيئة القدر فرض عليها ان تعيش بعد جبران عشر سنوات تقريباً كانت أسؤا مرحله في حياتها , فقد أستبد بها الحزن ..وعاشت في غمرة الأحزان تمزّقها الوحده والوحشه بعد فقده , أصيبت بانهيار عصبي , تبعه انهيار في صحتها , فاعتزلت الناس , أرسلت الى قريب لها في بيروت دكتور جوزيف زياده رساله مؤثره وصفت الآمها وتردّي صحتها , تلك المحنه قادتها الى لبنان موطنها الأصلي وأدخلتها ظلماً الى مصح الأمراض العقليه مما طعنها في كرامتها ,وقضت ثلاث سنوات متنقله بين ( العصفوريه ) كما يسمونه , ومصح دكتور بيريز وبين بيت متواضع , الى أن هبّوا اقاربائها لأنقاذها , وعادت لى القاهره عاشت سنتين ونصف , الى أن ذوت شيئاً فشيئاً ,فتوفيت عام 1941م

وماهو جدير بالذكر ان مي عندما كانت في لبنان اصطحبت رسائل جبران معها , وكانت تلجاً اليها على انفراد , حين يشفّها الوجد , وصوره لجبران كتبت بخطها الى جانب الصوره ...

(وهذه مصيبتي منذ أعوام )

مي زيادة وصالونها الأدبي

وهكذا دخلت المرأة قاعات الدرس وأسفرت بعضهن إمعانا في الدفاع عن كرامتهن وتعبيرا عن مساواتهن بالرجل فالمرأة ليست كائنا جنسيا وظيفته إمتاع الرجل وإنجاب الأولاد بل إنسانا حيا فاعلا خلاقا، وليست موضوعا غزليا يتغنى بالقد المياس والعين النجلاء والخد الأسيل فقط.
وقد أثمرت هذه الدعوة المباركة ثمارا طيبة تجلت في ظهور نساء وقفن ندا للرجل في السياسة والفكر والفن والأدب وكان منهن لبيبة هاشم وملك حفني ناصف وعائشة التيمورية وهدى شعراوي ومي زيادة وصولا إلى مفيدة عبد الرحمن وعائشة عبد الرحمن ونعمات فؤاد وفدوى طوقان ونازك الملائكة وسهير القلماوي وغيرهن.

ولا ريب أن الآنسة مي زيادة كانت أكثرهن شهرة وشغلا للرأي العام وإثارة لطبقة المثقفين ورجال السياسة والأدب ، فقد جمعت بين جمال الروح والجسد في تناغم عجيب، وألمت بالثقافة العربية والغربية إلماما مدهشا.كما أتقنت اللغات الأجنبية وفضلا عن ذلك كان جمالها الروحي والجسدي مغريا للأدباء بحبها والتعلق بها وقد اشتهر بحبها مصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد وجبران خليل جبران الذي عرفها عن بعد وهو في المهجر الأمريكي واقتصرت العلاقة بينهما على تبادل الرسائل ولا شك أن صالونها الأدبي الذي كان يجتمع فيه كبار مثقفي العصر، زادها شهرة وتقديرا فالصالون الأدبي فكرة غربية محضة اشتهرت بها بعض كاتبات الغرب فضلا عن كتابه وإنشاؤه وترسيخه في المجتمع العربي الخارج لتوه من عصرالظلمات فكرة خلاقة مدهشة تؤكد أن المرأة ليست مجرد وجه جميل ورحم ولود، هذا الصالون الذي أنشأته الآنسة مي زيادة زاد في شهرتها وفي تقدير المجتمع لها , خاصة طبقة المثقفين.

وللآنسة مي عدة مؤلفات منها " باحثة البادية " و" بين المد والجزر" و"سوانح فتاة " و" كلمات وإشارات " و"ظلمات وأشعة " و"ابتسامات ودموع " ولها ديوان شعر بالفرنسية بعنوان "أزاهير حلم" . لقد كانت مي زيادة محبة للعروبة ملمة بالأدب العربي وعلومه إلماما أدهش الرواد من أدباء مصر وحبها للعربية وتعلقها بالعروبة دفعها إلى نحت اسم لها عربي خالص من اسم "ماري" هو الذي عرفت به، وإن كان "مية" اسم عربي تردد

وقد كان رحيل مي وانفضاض مجلسها وغياب نبرتها الموسيقية وملامحها الهادئة الرشيقة، وكلماتها العذبة المليئة بالأفكار الخلاقة والمعاني البكر، كان ذلك حدثا مؤلما لشاعر القطرين خليل مطران الذي أقضته الذكرى، وأبكته حسرة الرحيل ومرارة الفراق وغياب اللحظات الجميلة وما أوجع الحزن، وما أشد الغصة، غصة الرحيل التي فعلت فعلهافي نفس الشاعر كما يوحي بها البيتان الأخيران. لقد كانت الآنسة مي بأدبها وبثقافتها، وبجمالها الروحي والجسدي رمزا للمرأة العربية الطامحة إلى عصر غير عصر الحريم، وإلى شعر لايكتفي منها بوصف النهود والأرداف والخدود، بل يشيد بعبقريتها وإنسانيتها وعطائها وإنتاجها العلمي والأدبي .


مما سبق نستنتج الخصائص الأسلوبيه لمي زياده : 
تناسق الاسلوب ورقه التعابير وسهوله اللغه .
صدق الأحساسات والمشاعر وهي خصيصه واضحه في كل كلمه من كتاباتها .
الأهتمام في الجمال وحب الطبيعه بما فيها من صيف جميل وافق لامع ووهاد متوجه في الجمال والخضره وبحر وغير ذلك .
الأهتمام في الاسلوب الانشائي وتكتر عندها عبارات النداء متل يا هذا الجمال ويا هذيه البريه وعبارات التعجب متل ما اروع الصيف وما احلى المسافاة .
حب الحريه والأنطلاق فهي تكره القيود وتحب انطلاقه الصيف وهذه الروح هي التي جعلت مي تدعو الى تحرير المراه من الجهل والخرافات .