أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 نوفمبر 2017

عندما تصبحين في الخامسة والأربعين

بقلم: سما حسن
العربي الجديد
https://goo.gl/9rtUSp



غدا أتمّ عامي الخامس والأربعين. يبدو الخبر عادياً للجميع، لكنه ليس كذلك بالنسبة لي؛ فلا زلت أشعر بسعادة الأنثى، لأن شاعرنا محمود درويش خصّ المرأة الأربعينية بالوصف بأنها امرأة بكامل مشمشها، على الرغم من أن هموم اليومي ومشاغله من الحياة الحالية لم تبق على الخوخ أو المشمش في بستان أعمارنا، ولكن بعض المتعة يراودني، خصوصاً حين تطلب مني امرأة تجاوزت الأربعين أن أستمتع بكل يوم من الأربعينية هذه. 

ليس سهلاً أن تستيقظي من نومك، وتجدي نفسك قد أصبحت في منتصف الأربعينات، ففي البيت يتعامل معك الجميع على أنك كتاب معارف وخبرات متحرّك، ولا يوجد شيء تجهله في هذه الحياة، حتى أسرار الكون الغامضة، وما يدور في بعض البلاد من أحداثٍ، فأنت عليم بالحكمة منها، وستنشر تحليلاً لها على مائدة الطعام الجاري تحضيرها، فتجد نفسك ملزماً بأن تستزيد من المعرفة باستمرار. 
يناديك الجميع في الشارع بلقب جديد، ليس "يا آنسة أو يا مدام" مثلا؛ فشوارعنا العربية تحبّ الحميمية حتى في الشارع، وكأنها الشعرة الأخيرة التي لا تكلفهم شيئاً، فالسائق يناديك باسم يا خالة، وهو يسألك عن وجهتك، والبائع يدعو لك بطول العمر بقوله "يا حاجة"، وعليك ألا تبتئسي. 
عند الطبيب تفرحين بأنك لا زلت بخير، فمعلومٌ أن الحواسّ تبدأ بفقدان فعاليتها بعد الأربعين محض كذب؛ فكل شيء على ما يرام، والحديث عن هرموناتٍ تعويضيةٍ لا زال مبكراً، ما دمت تمارسين الرياضة بانتظام، وتختارين الطعام الصحي. 


وحين ترفع ابنتك الصغرى حاجبها مؤنبةً، لأنك تختارين قلم أحمر شفاه زاه، وتخبرك بلوم رقيق أنه مخصّص للصبايا مثلها، ولكنك تتذكّرين أنك قرأت في مجلة مختصة بالجمال أن ألوان الحمرة الزاهية تخفّف من وطأة الخطوط الرفيعة التي تشقّ طريقها حول زوايا الفم فتصرّين عليها. 
في الخامسة والأربعين، لديّ الشجاعة على مصادقة من هن أكبر سناً من السيدات، لأستمع لخبراتهن مع الأعوام المقبلة، وأرى ما يفعله الزمن على وجوههن لأتحسّب، وأتخذ احتياطاتي، ولكني لم أعد واثقةً بأنهن طبيعيات ممتثلات لسنن الطبيعة، بعد انتشار عمليات الحقن والحشو والشدّ وغيرها. ولكن تكفيني متعة المقارنة بين ما أملكه وما قمن هنّ بإصلاحه. 
وسأتبع نصيحة صديقتي التي قالت لي، وهي المهووسة بجمالها وأناقتها منذ صغرها: لم تعد الأربعين هي النهاية، أنظري حولك، فالجميلات في العالم تجاوزن هذه السن بكثير، إنه سن النضج والحكمة والجمال، وكلما أوغلت في التقدم في العمر أصبحت أكثر قدرةً على ابتكار الطرق لإبراز ما بداخلك. وفي كل مرةٍ، تكتشفين كنزاً ثميناً يشدّ الأبصار، ويخطف القلوب، وكأنه سر دفين خرج من باطن الأرض إلى متحفٍ شهير. 
والأهم أنني لا زلت أمتلك شغف الكتابة، فأجد أنها ستنقذني حتى النهاية من هاجس العمر. كثر الكتاب والكاتبات ممن أبدعوا وأبدعن في سنٍّ متأخرة، وقدموا أجمل ما لديهم، وبهذا الشغف أمضي نحو عوالم، سأكتشفها مع انقلاب معايير العمر والشباب في هذا الزمن. 
وعن الحب والمرأة الأربعينية، أتكلم بفخر وزهو، وليس من فراغ. ولكن، نتيجة لأبحاث استقصائية عديدة، وهي أن الرجال يفضلون المرأة الأربعينية، فمرحى مرحى لصديقاتي الأربعينيات اللواتي لا زلن يحتفظن برجالٍ في حياتهن، أو يبحثن عن رجلٍ مناسب؛ فالفرصة لا زالت مؤاتية والاحتفاط به أصبح ميسوراً، لأن الرجل بطبعه، حسب الأبحاث والدراسات، يفضل المرأة الأربعينية في الحب، لأنها واقعية، وشبعت من الدلال، ولا تطلبه باستمرار، كما أنها لا تطلب المديح المستمر، ولديها القدرة على النقاش الهادئ، وإخفاء مشاعرها، لكي تسير مركب الحياة، فلا رجل بلا هفوات، ولا حياة بلا عثرات، كما أن الأربعينية لا تدمن الشكوى والتذمر مثل الفتاة العشرينية، والتي يبتعد عنها من هم في سنها أو أكبر، ويبحثون عن الوهج الخاص لدى التي تمتلك مفتاحاً سحرياً. 

الأحد، 26 نوفمبر 2017

السيناريو «المورسكي» .. هل يُمكن أن يُطرد من بقي من الفلسطينيين في بلاده؟

بقلم: عمر عاصي



فلسطينيو الداخل : «المورسكيون»؟

في قرية «الثغرة» في ريف «غرناطة»، تسكن عائلة «روميرو»، وهي من العائلات المورسكيّة التي بقيّت في الأندلس، بعد طرد أغلب المورسكيين عام 1609 فيما عُرف بـ«الطرد الكبير».
والمورسكي هو المُسلم الأندلسي الذي قرر البقاء في الأندلس، بعد أن سقطت آخر الممالك الأندلسية، وهي مملكة غرناطة، وذلك عام 1492، ثم اضطر أن يُخفي هويّته الإسلامية، ويُظهر أنه مسيحي؛ كي يبقى في بلاده، وفي حديث لـ«ساسة بوست» مع «عبد الصمد روميرو»، الذي اكتشف أصوله الإسلامية صدفةً، وهو يُصلي أمام جّدته «المورسكية»، التي أخبرته أنها كانت ترى جدّتها تفعل ما يفعله في جوف الليل، ولكنها لم تكن تفهم شيئًا مما تفعله جدّتها «المسلمة»، التي كانت تفعل ذلك سرًا؛ خوفًا من أن يُكشف أمرها، ولتبسيط حكاية المورسكيين، قال لنا مازحًا: «نحن مورسكيو إسبانيا وأنتم (الفلسطينيين) مورسكيو إسرائيل»، مشيرًا إلى أن فلسطينيي الداخل هم كالمورسكيين في بقائهم في بلادهم، وتحمّلهم كُل أشكال العنصريّة.
في الداخل الفلسطيني، لم تكن هناك مُشكلة بالنسبة لإسرائيل في بقاء الفلسطيني على دينه الإسلام أو ديانته المسيحية، ولكنها أرادته، بدون هويّته «الفلسطينية العربية»، ومع أنه لم تكن هناك «محاكم تفتيش»، إلا أن الجيل الذي وُلد في الداخل الفلسطيني، بعد النكبة كان يقف في «عيد استقلال إسرائيل»؛ ليغني «في عيد استقلال بلادي.. غرّد الطير الشادي» وهو ما صوّره فيلم «الزمن الباقي» بشكل معبّر.
الكثير من الفلسطينيين كانوا يضطرون لتغيير أسمائهم؛ إذا ما أرادوا الالتحاق بجامعات عبرية، والحصول على سكن طلابي، أو الحصول على عمل: فإبراهيم ـ مثلًا ـ يتحول إلى «أفي»؛ حتى يعود إلى قريته، فيعود إلى طبيعته، كما يذكر الباحث «مهند مصطفى» في كتابه «الحركة الطالبية العربية في الجامعات الإسرائيلية»، تمامًا كما كان لقائد ثورة البشارات «محمد بن أمية» المورسكي اسم آخر إسباني، وهو «فراندو دي بالور Fernando de Valor».
هذا غير أن البعض كان يصل به الحال للتخلي عن هويّته الفلسطينية تمامًا؛ كحكاية «إياد» في فيلم «عرب راقصون» للمخرج الإسرائيلي «عيران ريكليس»، إذ ينتهي المطاف بإياد الذي أرسله أهله إلى مدرسة للمتفوقين في القدس، أن «يستعير» هويّة صديقه اليهودي الذي توفي؛ بسبب إعاقته، كوسيلة للبقاء في مجتمع لا يتقبل العرب الفلسطينيين، ويرفع في مظاهراته شعار «الموت للعرب».

عدم الولاء للدولة! 
في كتابه «انبعاث الإسلام في الأندلس» يكشف المهندس والباحث في تاريخ المورسكيين «علي المنتصر الكتاني» الكثير التفاصيل الدقيقة لقضايا «عدم الولاء» التي وصلت محاكم التفتيش الإسبانية، مثل قضيّة «دييكو دياس»، الذي تعتبر تهتمه من أشهر وأعجب التهم؛ فقد حُوكم؛ لأنه كان:
«يطبخ غداءه بالزيت عوضًا عن شحم الخنزير؛ ويأكل اللحم أيام الجمعة، بدون سبب وجيه؛ ولا يذهب للكنيسة، لا هو ولا زوجه؛ ولا يعلمان الديانة النصرانية لأولادهما؛ ويغسلان أيام الجمعة ويلبسان ملابس فاخرة؛ ويأوي إلى بيتهما مورسكيو مرسية، من بغالين وغيرهم، فيتكلمان معهم باللغة العربية، ويقفلان عليهم الغرفة الساعات الطوال».
واستمرّت المحاكمة عامًا كاملًا؛ كون القاضي شكّ بسبب التهم الموجهة بأن «دييكو» ينتمي إلى «طبقة المسلمين الذين يحتفظون في قلوبهم سرًّا بدين محمد».
بالنسبة لفلسطينيي الداخل ممن بقوا في أراضيهم التي أعلنت عليها دولة إسرائيل عام 1948، فإن فترة الحكم العسكري، والتي امتدّت قرابة عشرين عاما، من عام 1948 حتى 1966، كان يُنظر لفلسطيني الداخل، الذين فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية على أنهم «طابور خامسًا»، و«خطرًا أمنيًا»، وبالتالي بدأ تحديد حريّاتهم، ولعل مجزرة «كفر قاسم» عام 1956 هي من أبرز النماذج، التي تعكس الإجراءات العنصرية، التي تتبعها إسرائيل في هذه المرحلة، ولكن هذا ليس كُل شيء بالطبع.
في السلسلة الوثائقية «أصحاب البلاد» وهي خمس ساعات وثائقية يحضر فيها أكثر من 50 ضيفًا من «أصحاب البلاد» (فلسطينيي الداخل)، تكشف المخرجة «روان الضامن» الكثير من تفاصيل مرحلة خضوع الفلسطينيين في الداخل للحكم العسكري الإسرائيلي؛ إذ يذكر «جمال زحالقة» أنَّ الحاكم العسكري استدعى والده يوم ميلاده، وكان السبب أنه سمَّى ابنه «جمال»؛ بحجة أن «هذا اسم متطرف»؛ لأنه يواطئ اسم «جمال عبد الناصر». ويذكر الشاعر «حنا أبو حنا»، أن مُعلمًا في مدينة «الناصرة» علّم طلابه قصيدة «عليك من السلام يا أرض أجدادي»، ففصل من عمله.


في حديث لـ«ساسة بوست» مع أحد كبّار السن الفلسطينيين، أكّد أنه ذهب أثناء الحكم العسكري ذات يوم لشراء دجاجة من مستوطنة يهودية، فأُلقي القبض عليه وهو عائد، وتم ضربه ضربًا مُبرحًا؛ بحجة أنه ينوي القيام بأعمال تجارية غير شرعية، وأنه يعمل في التهريب.
وذكر لنا آخرون، أنه، حتى من كانوا يعملون في المدن الإسرائيلية بتصاريح، كانوا يلقون أشكالًا من العذاب؛ إذا تم العثور مع أحدهم على كميّة طعام أكثر من حاجته، كأن يأخذ معه ثلاث بيضات ليتناولها في العمل، وكانت هذه حجة كافية لإهانته وضربه، وربما سجنه أحيانًا؛ باعتباره يعمل في التهريب.


الخيانة العظمى!

في روايتها «ثلاثيّة غرناطة» تعرض الروائية الراحلة «رضوى عاشور» تفاصيل الحياة المورسكيّة، بعد سقوط الأندلس حتى الطرد الكبير، وبين السقوط والطرد، ولا تنسى الكاتبة أن تأخذنا إلى تفاصيل «انتفاضة البيازين»، و«البيازين» هو الحي الإسلامي «المورسكي» المتبقي في «غرناطة»، وللتشبيه تؤكد الكاتبة، في مقابلة لها ضمن برنامج «أرشيفهم وتاريخنا» حول ملف سقوط الأندلس، إن انتفاضة البيازين مُشابهة إلى حد كبير بالانتفاضة الفلسطينية الأولى (عام 1987)، والتي عُرفت بانتفاضة الحجارة، وهو ما حصل ـ كذلك ـ في غرناطة؛ إذ راح شباب المورسكيين يرشقون جنود «قشتالة» بالحجارة، وأغلقوا أبواب البيازين، واختاروا مجموعة من أربعين شخصًا تمثّلهم كثوّار.
في الانتفاضة الفلسطينية الثانية، شارك عدد من فلسطيني الداخل في المدن والقرى العربية داخل إسرائيل، وكانت النتيجة استشهاد 13 شابًا منهم، وفي مُحاولة لتهدئة الأوضاع، تم الإعلان عن لجنة تحقيق إسرائيلية في ما جرى، وكانت الخلاصة بعد 3 سنوات من الاستماع إلى مئات الإفادات، وفحصت آلاف المستندات، وفحصت عشرات آلاف الصفحات من مادّة الأدلّة، مع أنه، لم يكن هناك مبرر لقنص المتظاهرين، في عام 2005 رفضت توصيات اللجنة؛ بتقديم لوائح اتهام ضد من قاموا بقتل المتظاهرين، وفي عام 2008، أغلقت كُل الملفات. وبقي الجنود القتلة، ومن يقف وراءهم بعيدًا عن المساءلة والعقاب؛ لأن «قتل» الفلسطيني العربي، ليس جريمة في المشروع الصهيوني، الذي يدير دولة إسرائيل. وينطبق اليوم هذا على كل «قتل بدم بارد» في الضفة الغربية المحتلة.
وبالعودة إلى الأندلس، فقد اشتعلت ثورة غرناطة الكبرى بين 1568-1570، بعد حوالي 80 عامًا من سقوط الأندلس، وكانت تمثّل حالة اليأس الشديد من المفاوضات مع الإسبان، وإمكانية التعايش السلمي، وقد بدأ الحشد للثورة، وكان يتوقع أن يصل عدد الثوّار إلى 45 ألف ثائر مورسكي، كما يشير الباحث «علي الكتاني»، هذا غير أن الأندلسيين كانوا يأملون بتدخل الدولة العثمانية والمغاربة لمُساعدتهم، إلا أنه، وفي الواقع، فشلت الثورة؛ بسبب خيانة بعض المورسكيين، وعدم وصول المساعدات.

السيناريو الأسوأ

صحيحٌ أن ثورة الأندلسيين لم تنجح، ولكنها أحدثت خوفًا كبيرًا وهلعًا في إسبانيا؛ وكانت النتيجة أن تم تهجير المورسكيين من بيوتهم إلى جميع أنحاء الممالك الإسبانية، ولكن الخوف لم يتوقف، وعوامل عديدة تطوّرت لاحقًا، كانت سببًا في طرد المورسكيين من بلاد الأندلس عام 1609، أي بعد 110 تقريبًا من سقوط الأندلس فعليًا!
إذا تأملنا الحالة الفلسطينية، سنجد أن «جولدا مائير» يوم سئلت عن أسوأ، وأجمل الأيام، التي عاشتها، فقالت «إنه يوم حرق المسجد الأقصى»، فسألوها كيف ذلك؟ فأجابت «لقد تخيّلت أن الشعوب العربية ستحرك الجيوش نحو إسرائيل فشعرت بخوف شديد، ولمّا توّجه العرب إلى مجلس الأمن، شعرت بفرح شديد».
في الأندلس، وكجزء من خطّة الثوار في ثورة غرناطة الكُبرى، بدا أنهم ينوون استخدام ملابس الجيش العثماني؛ لإثارة الرعب في قلوب الإسبان، ومن يقرأ عن تاريخ الإسبان مع المورسكيين يكتشف مدى الخوف الذي كان يثيره ذكر العثمانيين أمام الإسبان، ولكن للأسف، فقد كانت الدولة العثمانية مشغولة عن الأندلسيين يوم طردهم.
وإذا تأملنا قرارات الحكومة الإسرائيلية، نجد أنها قامت مؤخرًا بالإعلان عن الحركة الإسلامية كحركة خارجة عن الحقوق، وتم حظر كُل نشاطاتها، سواء كان سياسية أم إنسانية، كحركة “اقرأ” الطلابية التي كان تخدم الآلاف من طلبة الجامعات، أو «مؤسسة النقب للأرض والإنسان» التي كان تزوّد أهل النقب بلوحات الطاقة الشمسية؛ كي يحصلوا على الكهرباء، وهي من أبسط الحقوق التي يُحرم منها أهل النقب في الداخل الفلسطيني.
والتحريض، ليس ضد الحركة الإسلامية فقط؛ فقد طال أحزابًا، وحركات أخرى، مثل «أبناء البلد» و«التجمع»، وكلها تعمل من أجل تعزيز الهوية الفلسطينية العربية.
فوق كُل هذا فقد هددت «إسرائيل» باعتقال قيادات هذه الحركة، كالشيخ «رائد صلاح»، الذي حُكم عليه بالسجن مؤخرًا، تمامًا كما يتم اعتقال قيادات فلسطينية كثيرة في القدس والضفة الغربية، وبالعودة إلى الأندلس نجد مجلس الدولة «القشتالية» في تاريخ 20 يناير (كانون الأول) 1608 بقيادة الملك الإسباني «فيليب الثالث»، قد أقّر بأن أنجع وسيلة لتسهيل طرد المورسكيين هي اعتقال قياداته.
في تصريحات الشيخ رائد صلاح للجزيرة نت، رجح أن النضال ضد المشروع الصهيوني «سيشمل كل الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر؛ نتيجة نظام فصل عنصري آخذ بالتبلور نهائيًا»؛ وقد تندلع «مخططات صهيونية خطيرة ومجنونة» تستهدف المسجد الأقصى بشكل أكثر مباشرة، والمتابع للحالة الفلسطينية مُنذ «أوسلو» عام 1993 حتى اليوم، يجد أن الأمور آخذة في التعقيد؛ إذ اعتدت إسرائيل على الفلسطينيين بقصفهم جوًا وبرًا في قطاع غزة المحاصر وحده ثلاث مرات بين 2009 – 2014، كما أن «انتفاضة القدس» والتغطية الإعلامية لعملية «نشأت ملحم» في تل أبيب، وهو من فلسطينيي الداخل، قد سببت هلعًا غير مسبوق في «تل أبيب»، لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» أخذ يحرض ضد فلسطينيي الداخل علنًا متوعدًا إياهم باتخاذ إجراءات، وخيّرهم بين «انتمائهم الفلسطيني» و«جنسيتهم الإسرائيلية»، مستخدمًا سلاح «الولاء للدولة».
بحسب الإحصاءات فقد كان عدد الفلسطينيين في الاراضي التي أعلنت عنها إسرائيل حوالي 950 ألف شخص، وبعد تهجير قرابة 800 ألف فلسطيني؛ بقي حوالي 150 ألفًا فقط، إلَّا أن عددهم اليوم بلغ أكثر من مليون ونصف، ولكن لم يزل شبح الطرد والترحيل، لم يغب تمامًا.
ويعود تاريخه هذا الشبح إلى ثمانينات القرن الماضي؛ إذ بدأت القوى اليهودية المتطرفة بالصعود؛ إذ طالب الحاخام «مائير كهانا» بضرورة ترحيل العرب من «أرض إسرائيل». في عام 2015 أجرى مركز الأبحاث الأمريكي «بيو» استطلاعًا، شارك فيه 6000 مُشارك، تبيّن فيه أن 48 في المائة من اليهود الإسرائيليين، يؤيّدون خيار الترحيل، وبالخوض في تفاصيل البحث نجد أن 36 من «العلمانيين» مع الطرد، ولكن هذه النسبة متواضعة جدًا؛ بالأخص، إذا علمنا أن 71 في المائة من «المتديّنين»، و59 في المائة من «الحريديين»، و54 في المائة من «التقليديين» يؤيدون طرد الفلسطينيين.
هذه الأرقام، ليست سهلة على الاستيعاب، وهي تتطلب منّا الكثير من التأمل، كما يستحق منّا تاريخ المورسكيين في الأندلس أن نتأمله وندرسه بعمق؛ حتى لا يتكرر «السيناريو المورسكي»؛ لأنه لو تكرر، فهذا يعني أن نكبة جديد ستحصل عام 2065!



نقلا عن ساسة بوست:

الجمعة، 17 نوفمبر 2017

نوستالجيا: أغنيات وطنية

عاد ابني الصغير من المدرسة اليوم ليفرحني بخبر أنه قد حصل على درجة كاملة في إلقاء القصيدة الشعرية المطلوبة.. أفرحني ذلك وأنا أثق به في هذا؛ فهو يملك أداءً شعرياً وصوتاً جهورياً ومخارج سليمة للحروف وجرأة أدبية قد لا يتوفر عليها أطفال كثيرون من عمره.. ثم أحضر الكتاب وألقى أمامي بعض أبيات القاضي الجرجاني في عزة النفس.. بعد الانتهاء من إلقائها، فتح كتابه يريد أن يسمعني لحناً (اخترعه) لقصيدة سيأتون على دراستها بعد حين -لأنني ألحّن له القصائد عندما يدرسها-.. ثم بدأت الأبيات تتوالى على لسانه محاولاً أن يتغنى بها: "أردنُّ يا حبيبي.. على ذرى أردننا الخصيب.. الأخضر العابق بالطيوبِ.. الساحر الشروق والغروب.. سمعتُها تقول يا حبيبي".
... فاستوقفَتْني العباراتُ الشعرية تقرع زاويةً منسية من ذاكرتي وتفتح صندوقاً علاهُ الغبارُ فيها.. لتعاود الألحان انسيابها في تلافيف دماغي.. وعادةً ما يكون استطلاعي لشؤونه الدراسية وواجباته المدرسية حفراً في ذاكرة الطفولة- فقلت له: توقف، ألحانها ليست هكذا. ثم تلوتُ على مسامعه لحنَـها الجميل الذي أحفظه عن ظهر قلب، لكنه غاب فيما غاب من طفولتنا التي تغتال تفاصيلَها سنواتُ العمر اللاهثة نحو النهاية.. 
استمتعتُ وأنا أردِّد معه ألحانَ المقطوعة الشعرية الوطنية الخفيفة، اللطيفة على قلوب الكبار قبل الصغار.. ثم أنفقتُ شطراً من نهاري في ربوع اليوتيوب أبحث له عن أصل القصيدة مُغَـنّـاة كي يسمعها.. لأجدها متربعةً بحياء على صفحة اليوتيوب، وكانت المفاجأة أن الذي يغنيها هو مطربي المفضل المطرب السوري محمد جمال.. وقادت متابعة الأغنية إلى أغنيات أخريات من زمن جميلٍ مضى.. زمن الطفولة .. زمن الفن الراقي.. زمن الإبداع الذي كان فيه المبدعُ حقاً هو من يترك بصمة، لا كلُّ من هبَّ ودبَّ.. أو نَقَشَ نقطةً على ورقة .. أو دقَّ ريشة على وتر!!
قادتني الصفحاتُ إلى أغنيات وطنية جميلة من ذلك الزمان لا أدري أين اختفت؟! بل لماذا اختفت؟! أغنيات وطنية طافحة بالمعاني التي تعجز اليوم عنها كلُّ (الفجاجة) و(الضجيج) التي تمتلئ بها أغنياتنا التي توصف بـ(الوطنية)! 
أبرز ما يلفت الانتباه في تلك الأغنيات أن معظم الشعر الوطني الجميل الذي تربَّينا على كلماته كانت من كلمات الشاعر حيدر محمود.. وأن أداء الكلمات كان بحناجر ذهبية تملكها: نجاة الصغيرة وفايزة أحمد وفيروز .. وأسماء لامعة أخرى في دنيا الطرب، لا أستطيع إدراجَها هنا في هذه المساحة الصغيرة في هذه الخاطرة.. وكانت المقطوعات الموسيقية في مقدمة الأغنيات، تحفةً فنية لا يقل جمال بعضها عن المقطوعات الشهيرة لأغنيات نجاة الصغيرة وعبدالحليم حافظ ووردة وفايزة أحمد... وغيرهم من عمالفة الفن والطرب الأصيل.
لا بد أن كثيراً منكم يذكرون (نحبُّه..نحبُّه... كما تحبُّ الزهرةُ الندى..) ويذكرون (معه وبه إنّا ماضون.. فلتشهد يا شجر الزيتون..) ويذكرون (تزهو بعباءات الفرح الأخضر والشالات الوردية...) ويذكرون (أهداب حبيبي كرمة حبٍّ سلطية...).. ويذكرون (عمان في القلب)... وغيرها من أغنياتنا الوطنية القديمة.
أظن أن السر فيما مضى لم يكن في الزمن الجميل .. بل كان في العمل الإبداعي المتكامل: يبدأ من الكلمة الشعرية، ثم يتجسد في صوتٍ دافئ يؤديه، يرافقه اللحن الجميل (المتعوب عليه)... وليس كالأعمال (المسلوقة) التي تُنْجَز اليوم على عجل بمعايير ليس لها في الشعر والموسيقا والذوق الفني .. إلا صوت أجوف لا يُغْني شيئاً!

تجدون هنا بعض الشعر والصوت والموسيقا  الجميلة ..
من أجمل أغنياتنا الوطنية  



الأحد، 12 نوفمبر 2017

أيها المغتربون.. لا تؤجلوا متعة الغربة إلى الوطن



بقلم فيصل القاسم
مهما طالت سنين الغربة بالمغتربين، فإنهم يظلون يعتقدون أن غربتهم عن أوطانهم مؤقتة، ولا بد من العودة إلى مرابع الصبا والشباب يوماً ما للاستمتاع بالحياة، وكأنما أعوام الغربة جملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب. 
لاشك أنه شعور وطني جميل، لكنه أقرب إلى الكذب على النفس وتعليلها بالآمال الزائفة منه إلى الحقيقة. فكم من المغتربين قضوا نحبهم في بلاد الغربة وهم يرنون للعودة إلى قراهم وبلداتهم القديمة! وكم منهم ظل يؤجل العودة إلى مسقط الرأس حتى غزا الشيب رأسه دون أن يعود في النهاية، ودون أن يستمتع بحياة الاغتراب! وكم منهم قاسى وعانى الأمرّين، وحرم نفسه من ملذات الحياة خارج الوطن كي يوفر الدريهمات التي جمعها كي يتمتع بها بعد العودة إلى دياره، ثم طالت به الغربة، وانقضت السنون، وهو مستمر في تقتيره ومعاناته وانتظاره، على أمل التمتع مستقبلاً في ربوع الوطن، كما لو أنه قادر على تعويض الزمان! 
وكم من المغتربين عادوا فعلاً بعد طول غياب، لكن لا ليستمتعوا بما جنوه من أرزاق في ديار الغربة، بل لينتقلوا إلى رحمة ربهم بعد عودتهم إلى بلادهم بقليل، وكأن الموت كان ذلك المستقبل الذي كانوا يرنون إليه! لقد رهنوا القسم الأكبر من حياتهم لمستقبل ربما يأتي، وربما لا يأتي أبداً، وهو الاحتمال الأرجح! 
لقد عرفت أناساً كثيرين تركوا بلدانهم، وشدوا الرحال إلى بلاد الغربة لتحسين أحوالهم المعيشية. 
وكم كنت أتعجب من أولئك الذين كانوا يعيشون عيشة البؤساء لسنوات وسنوات بعيداً عن أوطانهم، رغم يسر الحال نسبياً، وذلك بحجة أن الأموال التي جمعوها في بلدان الاغتراب يجب أن لا تمسها الأيدي لأنها مرصودة للعيش والاستمتاع في الوطن. لقد شاهدت أشخاصاً يعيشون في بيوت معدمة، ولو سألتهم لماذا لا يغيرون أثاث المنزل المهترئ، فأجابوك بأننا مغتربون، وهذا البلد ليس بلدنا، فلماذا نضيّع فيه فلوسنا، وكأنهم سيعيشون أكثر من عمر وأكثر من حياة! 
ولا يقتصر الأمر على المغتربين البسطاء، بل يطال أيضاً الأغنياء منهم. فكم أضحكني أحد الأثرياء قبل فترة عندما قال إنه لا يستمتع كثيراً بفيلته الفخمة وحديقته الغنــّاء في بلاد الغربة، رغم أنها قطعة من الجنة، والسبب هو أنه يوفر بهجته واستمتاعه للفيلا والحديقة اللتين سيبنيهما في بلده بعد العودة، على مبدأ أن المــُلك الذي ليس في بلدك لا هو لك ولا لولدك! وقد عرفت مغترباً أمضى زهرة شبابه في أمريكا اللاتينية، ولما عاد إلى الوطن بنا قصراً منيفاً، لكنه فارق الحياة قبل أن ينتهي تأثيث القصر بيوم!
كم يذكــّرني بعض المغتربين الذين يؤجلون سعادتهم إلى المستقبل، كم يذكــّرونني بسذاجتي أيام الصغر، فذات مرة كنت أستمع إلى أغنية كنا نحبها كثيرا أنا وأخوتي في ذلك الوقت، فلما سمعتها في الراديو ذات يوم، قمت على الفور بإطفاء الراديو حتى يأتي أشقائي ويستمعوا معي إليها، ظناً مني أن الأغنية ستبقى تنتظرنا داخل الراديو حتى نفتحه ثانية. ولما عاد أخي أسرعت إلى المذياع كي نسمع الأغنية سوية، فإذا بنشرة أخبار. 
إن حال كثير من المغتربين أشبه بحال ذلك المخلوق الذي وضعوا له على عرنين أنفه شيئاً من دسم الزبدة، فتصور أن رائحة الزبدة تأتي إليه من بعيد أمامه، فأخذ يسعى إلى مصدرها، وهو غير مدرك أنها تفوح من رأس أنفه، فيتوه في تجواله وتفتيشه، لأنه يتقصى عن شيء لا وجود له في العالم الخارجي، بل هو قريب منه. وهكذا حال المغتربين الذين يهرولون باتجاه المستقبل الذي ينتظرهم في أرض الوطن، فيتصورون أن السعادة هي أمامهم وليس حولهم.
لمَ لا يسأل المغتربون عن أوطانهم السؤال التالي ويجيبون عليه، لعلهم يغيرون نظرتهم إلى الحياة في الغربة: هل أقوم بتأجيل الحياة في بلاد الاغتراب من أجل الاستمتاع بمستقبل هـُلامي في بلادي 
كم كان المفكر والمؤرخ البريطاني الشهير توماس كارلايل مصيباً عندما قال: «لا يصح أبداً أن ننشغل بما يقع بعيداً عن نظرنا وعن متناول أيدينا، بل يجب أن نهتم فقط بما هو موجود بين أيدينا بالفعل».
لقد كان السير ويليام أوسلير ينصح طلابه بأن يضغطوا في رؤوسهم على زر يقوم بإغلاق باب المستقبل بإحكام، على اعتبار أن الأيام الآتية لم تولد بعد، فلماذا تشغل نفسك بها وبهمومها. إن المستقبل، حسب رأيه، هو اليوم، فليس هناك غد، وخلاص الإنسان هو الآن، الحاضر، لهذا كان ينصح طلابه بأن يدعوا الله كي يرزقهم خبز يومهم هذا. فخبز اليوم هو الخبز الوحيد الذي بوسعك تناوله. 
أما الشاعر الروماني هوراس فكان يقول قبل ثلاثين عاماً قبل الميلاد: «سعيد وحده ذلك الإنسان الذي يحيا يومه ويمكنه القول بثقة: أيها الغد فلتفعل ما يحلو لك، فقد عشت يومي». 
إن من أكثر الأشياء مدعاة للرثاء في الطبيعة الإنسانية أننا جميعاً نميل أحياناً للتوقف عن الحياة، ونحلم بامتلاك حديقة ورود سحرية في المستقبل- بدلاً من الاستمتاع بالزهور المتفتحة وراء نوافذنا اليوم. لماذا نكون حمقى هكذا، يتساءل ديل كارنيغي؟ أوليس الحياة في نسيج كل يوم وكل ساعة؟ إن حال بعض المغتربين لأشبه بحال ذلك المتقاعد الذي كان يؤجل الكثير من مشاريعه حتى التقاعد. وعندما يحين التقاعد ينظر إلى حياته، فإذا بها وقد افتقدها تماماً وولت وانتهت. 
إن معظم الناس يندمون على ما فاتهم ويقلقون على ما يخبئه لهم المستقبل، وذلك بدلاً من الاهتمام بالحاضر والعيش فيه. ويقول دانتي في هذا السياق: "فكــّر في أن هذا اليوم الذي تحياه لن يأتي مرة أخرى. إن الحياة تنقضي وتمر بسرعة مذهلة. إننا في سباق مع الزمن. إن اليوم ملكنا وهو ملكية غالية جداً. إنها الملكية الوحيدة الأكيدة بالنسبة لنا". 
لقد نظم الأديب الهندي الشهير كاليداسا قصيدة يجب على كل المغتربين وضعها على حيطان منازلهم. تقول القصيدة: «تحية للفجر، انظر لهذا اليوم! إنه الحياة، إنه روح الحياة في زمنه القصير. كل الحقائق الخاصة بوجود الإنسان: سعادة التقدم في العمر، مجد الموقف، روعة الجمال. إن الأمس هو مجرد حلم انقضى، والغد هو مجرد رؤيا، لكن إذا عشنا يومنا بصورة جيدة، فسوف نجعل من الأمس رؤيا للسعادة، وكل غد رؤيا مليئة بالأمل. فلتول اليوم اهتمامك إذن، فهكذا تؤدي تحية الفجر». 
لمَ لا يسأل المغتربون عن أوطانهم السؤال التالي ويجيبون عليه، لعلهم يغيرون نظرتهم إلى الحياة في الغربة: هل أقوم بتأجيل الحياة في بلاد الاغتراب من أجل الاستمتاع بمستقبل هـُلامي في بلادي، أو من أجل التشوق إلى حديقة زهور سحرية في الأفق البعيد؟ 
كم أجد نفسي مجبراً على أن أردد مع عمر الخيام في رائعته (رباعيات): 
لا تشغل البال بماضي الزمان 
ولا بآتي العيش قبل الأوان 
واغنم من الحاضر لذاته 
فليس في طبع الليالي الأمان

الثلاثاء، 7 نوفمبر 2017

نهايات

https://goo.gl/VThCpj


طالعتُ في أخبار الصباح خبراً مزعجاً عن مخرج سوري-أمريكي يدعى محمد بايزيد وزوجته الجميلة سماح صافي مخرجة كذلك، أو (صانعة أفلام) - كما يحلو لهما وصف عملهما-، كنت أتابعها على فيسبوك ... والخبر المزعج أن حادثة اغتيال المخرج بايزيد -التي تمت قبل نحو أسبوعين في اسطنبول، وأقلقتْ أصدقاءه ومتابعيه ومعجبيه على وسائل التواصل - هي حادثة مفبركة؛ هدفها مزيد من الشهرة والأضواء وجلب التمويل اللازم لفيلمه الجديد عن سجون النظام السوري!!
إلى هنا قد يبدو الخبر عادياً... وهناك تفاصيل كثيرة كشفت عنها حصرياً العربي الجديد -صحيفة إلكترونية- وأرفقت التفاصيل بفيديوهات لبايزيد في أثناء مكالماته مع شريكه في جريمة الاغتيال الوهمية يخططان لتنفيذها، وهذا الصديق هو نفسه الذي كشف اللعبة القذرة!  
تم تنفيذ العملية في اسطنبول وفق المخطط، وأسفرت عن طعنة بالسلاح الأبيض أصابت كتف المخرج الشاب، فانشغلت مواقع التواصل وقتها، خاصة على صفحة زوجته سماح بعبارات تواسيها وتدعو له بالشفاء والخلاص من  النظام السوري المتهم بأنه وراء محاولة الاغتيال المزعومة! ولكنْ كانت هناك أصوات خافتة تقول إن العملية مفتعلة وليست حقيقية!!فيما صدّق معظم المتابعين والمعجبين أن العملية حقيقية وأنا منهم ودعوتُ له في سري أن يشفيه الله مما أصابه.
ثم يتبين أن افتعال تلك الحادثة شيء صحيح، وأن المخرج الذي ينتمي إلى قافلة (باب النجار مخلع) قد فشل في حبك عملية اغتياله على نحو ما يفعل المحترفون، لتظهر لنا قدراته الحقيقية في الإخراج، الذي كان يملأ الدنيا به ضجيجاً على الصفحات الزرقاء!!
واتضح أن الفبركة صحيحة؛ فقد قام هو وزوجته بإغلاق صفحتيهما على فيسبوك تجنباً للمواجهة. وهذا يعزز صدق الصحيفة في خبرها وكذب المخرج على جمهوره من المتابعين والمتشوقين لمهنة صانع الأفلام  - وهي للمفارقة على وزن صانع الأوهام!!!- التي كان يعرضها محمد وزوجته سماح من خلال صفحتها بطريقة مبهرة جذابة مغرية إلى درجة كبيرة حدَّ الفتنة، حتى أنها فتَنَتْني وأنا بهذا العمر وأثارت إعجابي؛ لأن أسلوب صفحة سماح وتدويناتها ومنشوراتها، وكذلك أهم شيء صورها البالغة الأناقة، العالية الاحترافية لدرجة الإبهار، وقصصها وأناقتها ومجال عملها يضاف إليها حجابها ورفيقها شريكها الشاب والحب والسفر والمغامرة التي تجمعهما...كل ذلك كان يجعلها في عيون متابعيها ومتابِعاتها الصبايا خاصة، رمزاً جميلاً يُحتذى، ونجمة مضيئة تعمي الأبصار. 



كل هذا وإلى هنا أقول قد تبدو الأشياء عادية، وقد تحصل في أماكن كثيرة ومع أناس أُخر...
لكن الشيء غير العادي في الخبر أو في التفاصيل هو أن السؤال يبقى غُصّة في النفس: لماذا يختار أبطال القصص الجميلة أن يشوهوا جمالها بنهاياتٍ بشعة، نهايات أبعد ما تكون عن الروح التي بثوها في نفوس متابعيهم؟ لماذا يختار أصحاب الحكايات الحلوة ألا تنتهي حكاياتهم بجمال ونور وصفاء؟ لماذا يختارون أن يلطّخوا بقذارتهم طهر الحكايات، وأن يعكّروا نقاء الصورة ويطفئوا وهجها البهي؟!
كان وقع حادثة الاغتيال المزعومة شديداً على نفوس المحبين والمتابعين لبايزيد، خاصة أولئك الذين أعمتهم الثقة به إلى درجة الصدمة.
ربما يكون في هذا درس لكل شخص، وقد تعلمتُ بدوري الدرس مبكراً عن المشاهير، وهو أن لا يأخذك إعجابك ومحبتك لأي كان منهم إلى درجة (تأليه) و(تقديس) لا يستحقها على أية حال!! فقد وجدتُ – في أكثر من مناسبة- أن الاقتراب من المبدعين الذين أحبهم وتعجبني أعمالهم، يكون في الغالب صدمة لي، وتصبح معرفتهم عن قرب خيبةً للآمال ولمختلف التوقعات التي قد يبنيها الشخصُ حول أحد المشاهير.
يبدو أن حمى الإعلام الجديد ووسائل التواصل والرغبة المريضة لدى الكثيرين بالشهرة والأضواء وحب الظهور تجعل المفتون فيها يُقدِم عليها بتهورٍ  ويبذل في سبيلها ما يملك، حتى لو كان الثمن سُمعته : ماضيه وحاضره ومستقبله!

فلماذا نختار نهايات بشعة للحكايات الجميلة..لماذا نختار نهايات حقيرة للحكايات التي كان يمكن أن تبقى نماذج لقصص ناجحة  في العشق والعمل والإنجاز... ترسم للجيل أملاً في واقعٍ صعب تضيق آفاقه يوماً بعد يوم، حتى لتكاد تنطفئ فيه القلوب وهي تسعى وراء قلبٍ وفيّ أو روحٍ أمينة أو نفسٍ مخلصة لا تخون ولا تبيع مبادئها لقاء أي شيء!



السبت، 4 نوفمبر 2017

ألا يحدث ذلك أيضاً عندنا...؟

بقلم غادة السمان 
الصحافة الحرة ملكة الجرأة وفضح الحقائق المسكوت عنها. يتهامس عنها العارفون بالفضيحة هم كثيرون، ويسكتون كتقليد اجتماعي تدعمه المصالح المادية.. والنجومية!
وهكذا قامت جريدة «نيويورك تايمز» في أكتوبر/تشرين الأول بالكتابة علنا عن تحرشات جنسية معروفة ومسكوت عنها مهينة للكثير من نجمات السينما الهوليودية والعالمية بطلها هارفي واينستين المنتج والقطب الكبير من أقطاب صناعة السينما والنجوم الذي كان وراء فوز عدد كبير منهم بجائزة الأوسكار الشهيرة وسواه في أفلام أحسن اختيارها وموّلها. والأمثلة لا تحصى على النجاح الذي يستطيع ذلك القطب الهوليوودي الشهير هارفي واينستين توفيره لمن يدعمهم، كالفرنسية ماريون كوتيار التي نشرت صورتها مجلة (بوبليك) الفرنسية على غلافها و(الرفيق) واينستين يضمها إليه (20 تشرين الأول/أكتوبر 2017)

هل أكلن الطعم وبصقن على الصنارة؟

سكتت نجمات الغرب طويلا على ممارساته: 30 عاما!.. 
هذا ريثما اشتهرن!! … ويقمن اليوم (بتصفية الحسابات) كما يقال.
النجوم (الذكور) الكبار ومنهم راسل كراو ومَث دامون، و«بن أفليك»، وحتى جورج كلوني كانوا يعلمون بما يدور ويتسترون عليه لمصالحهم.
النجمة روز ماكغوين مثلا اتهمت أفليك الذي استنكر أفعال المنتج الكبير بأنه كان على اطلاع على اغتصابه للعديد من النجمات كي يحافظن على دعمه لهن وسكتن على ذلك وأنها شخصيا شكت إلى افليك ما حدث لها وأن أفليك نصحها بالصمت.! وثمة صحافية كتبت حول ذلك منذ عام 2004 مستنكرة ممارسات واينستين في مجلة «هوليوود اليوم» وطالبت فيه بمحاكمة المتسترين على أفعاله من كبار النجوم الذكور أمثال دامون وافليك وراسل كراو بتهمة المشاركة في الجرم، ولكن تم إسكاتها وإحراق المقال… في المقابل يقال إن الكثيرات رضين بأكل الطعم الجنسي للمنتج المنهوم جنسيا مقابل الشهرة والنجاح وهن اليوم يبصقن على الصنارة الجنسية التي «شهرتهن»!؟

كرة الثلج الملتهبة بين هوليوود وباريس

وما كاد المقال حول التحرش الفضائحي لواينستين المسكوت عنه يصدر في جريدة «نيويورك تايمز» كرة صغيرة من الثلج حتى تدحرجت الكرة وكبرت وصارت تغطي هوليوود وفرنسا وسواها باستثناء أنها ليست كرة من ثلج بل من نار الفضائح والعلاقة المتواطئة بين (الضحية) و(الجلاد). وها هي شهادات الفضح تتوالى وتدين المتحرش سيد أهم ستوديوهات هوليوود والمدير لشركتي انتاج هما بمثابة مصنع لتعليب النجوم شرط مرور النجمات على سريره لإثبات مهارتهن (الإبداعية)! وأصداء تلك الفضيحة دوت في الصحافة الغربية، ولم أشتر في الأسبوعين الماضيين مجلة بالفرنسية أو بالإنكليزية إلا وفيها بعضا من الحكايا والشهادات ضد شراهته الجنسية وتغوله، ولا أعني مجلات الفضائح فحسب بل الجادة كمجلة (باري ماتش) الباريسية مثلا التي أفردت للحكاية عدة صفحات مع ألبوم لصوره على السجادة الحمراء في «مهرجان كان» وهو يخاصر النجمات المنتشيات بالشهرة اللواتي قلن فيما بعد إنهن كن (ضحايا) له!


نموذج للإزدواجية صالح لفيلم ولرواية!

الطريف أن واينستين كان زوجا «مثاليا» لممثلة جميلة هي جورجينا شايمان التي قررت طلب الطلاق!؟ وبالذات بعدما قرأت شهادات نجمات كبيرات أمثال انجلينا جولي، غوينث بالترو، آشلي جود. إيما دي كون، روز ماكغوين. والقائمة تطول والاتهامات لا تطاله وحده بل الذين نصحوهن بالصمت خوفا من نفوذه… وهو صمت دام ثلاثة عقود، وحبل الكذب طويل جدا فيما يبدو!
إحدى النجمات تروي أنه طلب منها الصعود إلى جناحه في الفندق الفخم مدعيا أنه يعقد فيه اللقاء الفني، وحين صعدت وجدته وحده وعاريا في (برنس) الحمام ولا أستطيع أن أذكر للقارئ بقية الحكاية ناهيك عن سواها مما لا يليق نشره.
وهكذا بعدما حوصر واينستين بالفضائح اعترف بها وأعلن ندمه وأنه مريض جنسيا وسيذهب للعلاج (!) تراه في حقيقة الأمر «د. جيكل ومستر هايد» باختياره وبكامل صحو شهواته.

في بلاد «شريعة الصمت»: العقاب للصدق
قد يتساءل القارئ، ما صلتنا كعرب بتلك الحكاية؟ صلتنا وثيقة، فذلك يحدث عندنا أيضا، أي الصمت على الفضائح باستثناء أن الصمت عندنا لا يطال فقط حقل النجومية والمطربات الكبيرات والصغيرات الطامحات والممثلات الراضيات بصنارة بعض المسؤولين الكبار عن صناعة النجوم بل يطال حياتنا السياسية والإنسانية والاجتماعية والمالية والجنسية أيضا. 
والشعار عندنا لخصه قول الشاعر:
يا ناس لا تتكلمــــوا إن الكلام محرم
ناموا ولا تستيقظوا مـا فاز إلا النُوّم

ما يدور عندنا ليس في حقل النجمات الصاعدات فحسب بل وأولا في مناحي حياتنا كافة، والذين يصمتون ولديهم من المعلومات والأسرار ما يمكن له أن يزلزل حكاما في حقل الديكتاتورية والقلائل يقومون بالفضح خوفا من الأذى الذي يمكن أن يطالهم أو يطال أُسرهم..
وفي بلادنا، بلاد (الهص الهص) نعرف أن المرأة لا تجرؤ على فضح مغتصبها خوفا من تزويجها به وشقيقها لا يجرؤ على فضح الحاكم خوفا من صمت الإعلام رغم أصداء الصراخ في زنازين السجون..
فمن يجرؤ عندنا على شهر لائحة الاتهام ضد قطب سياسي وإعلان الرفض لممارساته المشابهة لا مع النساء وحدهن بل مع وطن بأسره؟!
فنحن بلاد «الهص الهص» بامتياز ويا ناس لا تتكلموا لأن الكلام محرم!!

الخميس، 2 نوفمبر 2017

فتافيت وأخواتها... من جديد


قبل أكثر من سنتين عثرتُ مصادفة بقناةٍ تلفزيونية جزائرية، هي قناة (سميرة) وهي قناة مخصصة للطبخ... وقد أعجبتني كثيرا فوضعتُها على قائمة المفضَّلات في التلفزيون.
وما زلتُ من ذلك الوقت وأنا أشاهدها يومياً ولو لنصف ساعة.
ربما لم أعمل شيئاً من الوصفات المقدمة، ولكن مجرد متابعة برامج القناة بمذيعيها ومطابخها والصور واللقطات التلفزيونية فيها، وحتى متابعة الإعلانات التجارية -أو الإشهار على رأي إخوتنا المغاربة - هي متعة بحد ذاتها.
ومثل كثير من القنوات المخصصة للطبخ تستضيف بعضُ البرامج سيدات كبيرات في العمر والقدْر والخبرة، لتقديم المأكولات التقليدية، ولكني كنتُ دوماً أشعر أن إقحام سيداتنا الكبيرات وأمهاتنا الجميلات في تلك البرامج، هو إقحام فجّ.. وتجاري أو متسرع غير مدروس.
أما الأمرُعلى قناة سميرة فإنه لمختلفٌ جدا!!
فمنذ مدة وأنا مشدودة لملاحظة أن تلفزيون (سميرة) يستضيف سيدات كبيرات لتقديم الأطباق الجزائرية التقليدية بطريقتهن العفوية البسيطة وأمومتهن الرقيقة وملابسهن التقليدية الزاهية.. ولكن استضافتهن ليست كمثلها على القنوات الأخرى، بل إنهن مثل نسمة الربيع: طبيعية رقيقة تضفي على الحلقات والمأكولات روحاً من المحبة والفكاهة والألفة التي تجعلهن قريبات من قلوبنا ومطابخنا..
واليوم أسعدتنا (الخالة دوجة) بحلقتها الجميلة وضحكتها القريبة من القلب، ووجهها البشوش الذي يشع أملا وحيوية، قد تفتقدها كثير من الصبايا والسيدات في مقتبل أعمارهن.
الخالة دوجة.. صاحبة الوجه الكلثوم والضحكة اللؤلؤية
ابحثوا عنها واستمتعوا بمشاهدتها تعد الأطباق من قلبها .. وتأملوا في وجهها الجميل القسَمات؛ كي تمنحكم فسحةً من الراحة والجمال والأمل بأنه ما زال في الحياة شيء جميل!

****

وفيما يلي ما كنتُ كتبته عن القناة سابقاً في 2015.
منذ أسابيع وقعتُ على قناةٍ تلفزيونيةٍ جزائرية للطبخ هي قناة سميرة، ربما لا أكون من هواة الطبخ، على الرغم من أني أستمتع به في كثيرٍ من الأحيان.
ولأننا في عصر الصورة وعصر الشاشات استهوتْني أولَّ الأمر في القناة - المطابخُ الأنيقة جداً التي لا تخطئها ذائقة، والأدواتُ المطبخية الزاهية الألوان، البالغة الفخامة، كانت تلك الأناقةُ عاملَ الجّذب الأول لمتابعة برامج سميرة طيلة الساعات التي أخلو فيها إلى كتاب، وأحتاج برفقته إلى صوتٍ يملأ صمتَ الأثير.
ثم وقعت اللحظةُ التي تركتُ فيها الكتابَ وشُغِفتُ بمتابعة البرامج صورةً وصوتاً، فما سرُّ الجاذبية في برامج سميرة بين هذا الكمِّ الهائلِ الذي يفيضُ به الفضاءُ من برامج إعداد الأطعمة والأطباق اليومية والموسمية؟!
والحقُّ يُقال: إنها أسرارٌ وليست سرّاً واحداً!! وإذا ما كان لي أن أبوح بها فالسرُّ الأول الذي يقذفُ في القلبِ راحةً تبعثُ على متابعةِ سميرة- هو أنكَ قريبٌ من برامجها؛ ذلك أنَّ السيدات، والرجال، الذين يقدمون البرامج قريبون منا، إنهم أمي وأمُّك، أختي وأختك، أبي وأبوك، نعم، هم مِنّا! فأنت لستَ أمام (شيف) يمتهنُ إعدادَ الأطباقِ الفخمةِ في أرقى المطاعم فحسب، إنهم هذا وأكثر؛ هُنَّ وهم في معظم الحلقات لا يرتدون (جاكيت) الطباخ، ولا يعتمرون قبّعته البيضاءَ العالية المميزة، ولا يرتدون القفازات المطاطية التي تَحولُ بين عواطفِ الطباخِ وأحاسيسه، وبين مكوِّناتِ الأطعمة التي يعدُّها بيديه فيكون للوجبة مذاقٌ لا يشبهُه مذاق! وغالبية السيدات الطبّاخات في برامج القناة يرتدينَ حجاباً للرأس كحجابي وحجابِكِ، لتقول إنها مني ومنكِ قريبةٌ أيتها المشاهِدة، وليست كائناً فضائياً يهبط علينا من كوكب بعيد في أقصى المجرة!
ومن أسرار الجاذبية الأخرى في برامج قناة سميرة: التلقائية والفطرة، وقد تتساءلون كيف ذلك يكون؟! في برامج مسجَّلة ومُعَدَّة مُسبقاً؟!
فإلى جانب ما ذُكِر آنفاً من مظهرٍ أنيقٍ بسيط للطبّاخين والطبّاخات؛ بما يجعلهم قريبين إلى القلب، فإن سرَّ التلقائيةِ والفطرة هو الآخر لا يجعلهم فقط قريبين من القلب، بل يجعلهم في القلب أيضا؛ إذ قبل البدء بإعداد الأطباق والأطعمة، تــنْبَجِــسُ الشفتان في كل حين بفطرةٍ وتلقائية عن: (باسمِ الله)، عبارةٌ من كلمتين فقط تُختَصَر فيهما كلُّ آدابِ و(إيتيكيت) المائدة والمطبخ، في وقتٍ أصبح بعضُنا يخجلُ من الأكل باليد اليمنى في الحفلات و(البوفيهات) لأن ذلك يخالف (إيتيكيت) الأكل عالمياً، أو يخجلُ من التقاط الطعام المتساقط وأكْلِه بعد التسمية عليه، وأصبح يخجلُ من موروثاتٍ اجتماعية ومعتقداتٍ دينيةٍ متصلةٍ بتقاليد المائدة والطعام؛ على الرغم من أنني ما زلتُ شخصياً حين أنظِّفُ الخضراواتِ الورقيةَ - كالخسِّ والبقدونس- بالماء الجاري ومنقوع الماء المملَّح، لا أقتنع أنها أصبحت نظيفةً تماماً وجاهزة ً للأكل، إلا بعد قراءة دعاء: "بسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء" عليها، وما زلتُ حين أبدأ بإعداد العجين بالذات، للمعجنات والبيتزا، لا أقوم بذلك إلا بعد أن أتوضأ!
كلمتان فقط (باسمِ الله).. ما أجملَ وقعهما على الآذان! حين تتدفَّقُ بتلقائيةٍ من مقدمِّة البرنامج وهي تطبخ، فتمنحُ الطبخَ على التلفزيون بهجةَ الأمومة؛ حيث الأمُّ وهي تطبخ، تُتَمتِم بدعائها كي يكونَ مذاقُ الطعامِ شهياً هنيّاً على عائلتها، فلا يأخذُ الطعامُ طريقَهُ إلى المعدة إلا عندما يغمرُ القلبَ بالذكرى والحب؛ بحيث يجعلُ الصغيرَ يقول: "طعامُ ماما أطيب طعام؛ لأن فيه الخلطة السرية: إنه الحب!".. وبحيث يكبر الصغار وما يزال لـ(طبيخ الماما) نكهةٌ لا تعوّضها أطباق الزوجات ولا الأخوات ولا الأخريات!!
وتكمن التلقائيةُ والفطرةُ والأمومةُ على برامج قناة سميرة، في تعامل الطبّاخات بأظافرهنّ القصيرة، العارية من طلاء الأظافر، والعاطلةِ من الحليِّ والمجوهرات- في معالجة العجين واللحوم والدجاج وغيرها باليد دون حواجز وبلا خجل، ومعالجة بقايا الأطعمة في الأواني حتى نهايتها، دون إلقاءِ المقدار الزائد من الكمية في المهملات؛ فكثيرٌ من برامج المطبخ على فضائياتنا أصبحت استعراضيةً إلى درجة منفِّرة، وبعيدةً عن روح مطابخنا القائمة على (العونة) و(البَرَكة) و(السُّبْحانية): فالكثير من أمهاتنا وجدّاتنا مثلاً لا يعرفْنَ المقاييس ولا المكاييل التي تدخل في إعداد أطباقنا العصرية، وإذا ما سألتَ واحدةً منهنّ عن مقاديرِ طبقٍ مُعيّنٍ نتلذَّذُ بمذاقِهِ من (تحت إيديها) تراها تقول: عالبركة يَمَّا ! ... فما أطيب تلك البَرَكة! وما ألذَّ طعمها! وإلى وقتٍ قريب كانت العائلةُ تجتمع على طبقٍ كبيرٍ تأكل منه جميعا؛ لأن في ذلك بركةً نفتقدها اليومَ حين تُوَزَّعُ البرَكةُ في أطباقٍ كثيرة، صغيرة وكبيرة، عميقة ومسطَّحة .. حتى ضاعت البرَكة!
هذه بعض أسرار سميرة ، قناة الطبخ الجزائرية الأنيقة الرفيقة القريبة من القلوب، أدعوكم لتجربةٍ جميلةٍ وممتعة مع سميرة، في مطبخٍ متميز وبنكهةٍ أكثر تميزاً!

ملاحظة: هذه الخاطرة ليست إعلاناً مدفوع الأجر، إنها من القلب إلى....المعدة!