أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 16 يناير 2008

ظاهرة الكتب النظيفة : هل هي مؤشر صحي؟





يناير-كانون الثاني/ 2008

انتابني الشعور ذاته أكثر من مرة في أثناء زيارتي لبعض المكتبات الجامعية والعامة ، ألا وهو الدهشة الكبيرة من نظافة الكتب على رفوف المكتبات، فأنت تتناول فيها كتاباً بيدك فتشعر كأنْ لم تمتدَّ إليه يدٌ أخرى قبل يدك، أو كأنْ لم يحمله أحدٌ .. ولم ينظر في صفحاته منذ أمد.

فهل الكتب النظيفة المصقولة اللامعة التي تبدو كأنها خرجت للتوّ من المطبعة – هل هي مؤشرٌ على سلامة الجسم الثقافي في بلد ما؟

أكاد شخصياً يتفطر قلبي أسىً على هذه الكتب التي لا تجد من يرقُّ لحالها فيحملها بين يديه، ينظر فيها ويقلب صفحاتها ويلتهم سطورها .. وهي لَعمري أقصى أمنيات الكتاب!

مللنا - صغاراً وكباراً - من ترديد عبارات المحافظة على الكتب وعلى نظافتها..فهذا مما لا يجوز في الكتاب !! ولا تفهموا كلامي على عواهنه، فالنظافة وحسن المظهر أشياء مطلوبة ومهمة وهي دليل رقي حضاري، إلا أن الكتاب لا ينبغي أن تبقى نظيفةً هوامشُه، ولا أن تخلو صفحاته من أي تعليق، بل يا حبذا لو كانت هوامش الكتب المطبوعة تتسع قليلا؛ لتسمح للقارئ بتدوين بعض الخواطر والملحوظات على ما يقرأ، وهي خواطر تمرّ كلمح البرق، فإذا لم يدونها قلم رصاصٍ بيد القارئ تلاشت وذهبت أدراجها بلا عودة.

 ذلك أنه إنْ خلا الكتابُ من تعليق لطيف أو فكرة سانحة على هوامشه فإن ذلك يخلق القطيعة بين قراء ذلك الكتاب، الذين جمعتهم كلماتُه وسطوره في وقت ما، على العكس من الألفة والمودة التي قد تنشأ بين قراء مجهولين لكتابٍ ما لمجرد أن يرى أحدهم تعليقا أو خطوطا أو إشارات لقارئ عابر للكتاب، قد تفتح آفاقا أمام قارئ جديد، فيسعد أنه التقى برفيق روحٍ من نوع خاص لا يتكرر مذاقه، إنها رفقة الكتب الروحية، ولهذا اكتسبت الشروحات والملحوظات المدونة على المخطوطات أهمية لا تقل عن متن الكتاب نفسه في أيدي محققي المخطوطات، وربما يأتي على الكتب المطبوعة حينٌ من الزمان تكون فيها تعليقات القراء وملحوظاتهم وحتى مجرد إشاراتهم الصغيرة لبعض النقاط في الصفحات _ موضوعا جديرا باهتمام الباحثين في علوم الكتب والمكتبات.

فهل نجرؤ على اقتحام الطهارة المفتعلة للكتب، ونحمل قلماً ندوّن به خواطر عقولنا وخلجات قلوبنا التي تعترينا حين نمرّ على أفكار الآخرين وثمرة عقولهم التي سطروها بين دفات الكتب؟