أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 29 مارس 2019

“نكران الجميل”.. تشويه للعلاقات الإنسانية

بقلم: تغريد السعايدة
جريدة الغد
يشعر المرء بالدھشة والتساؤل بكلمة ”لماذا؟“ عندما یواجه نكران الجمیل من الآخرین، وقد یكون ھذا الشخص أحد المقربین له، كما تقول أم عمر، التي تتحفظ على الكثیر من المواقف التي مرت بھا، واستنتجت للحظات ”أن فعل الخیر یجب أن لا یقدم إلا لمن یستحقه!“. لم تكن أم عمر تنتظر من معاملتھا ورعایتھا لوالد زوجھا سوى كلمات التقدیر والاحترام فقط، خصوصا أنه رجل كبیر السن یحتاج للمساعدة في تفاصیل یومیاته كافة، فلم یكن منھا سوى معاملته معاملة الوالد، على حد تعبیرھا، إلا أنھا لم تجد منه في أول موقف سوى نكران الجمیل. وتصف أم عمر شعورھا في تلك اللحظة بأنه محرج ومحزن ومؤلم في ُ الوقت ذاته، فھي لم ترج منه إلا أن یعاملھا بلطف ویُشعرھا بقیمتھا بالنسبة إلیھ كزوجة ابنه، إلا أن ھذا لم یحدث، بل عاملھا بطریقة غیر لائقة، ولكن مع ذلك تؤكد أن الإنسان یجب أن یتعامل بطیب أصله مع الأشخاص حوله، وخاصة كبار السن الذین ھم دائماً بحاجة إلینا.
 نكران الجمیل لا یقتصر على المواقف العائلیة التي تحدث ما بین الحین والآخر، فھي تبدأ من مواقف بسیطة قد تمر مرور الكرام، أو أنھا تبقى عالقة في الذھن تجرح الإنسان وتُشعره بقوة وخذلان الشخص المقابل، لذا تعتقد سھاد أحمد أن الشخص ناكر الجمیل ھو ”شخص أناني یأخذ ولا یعطي.. ولا یكون لدیه احترام للآخرین“، مبینة ”إذ إن الشخص الذي یقدم لك خدمة من الواجب أن تحترمه وتقدر له عمله مھما كان بسیطاً“. 
وتضیف سھاد، أنھا من خلال تعاملھا مع أشخاص وصفتھم بـ“ناكري الجمیل“، تبین لھا أنھم ”غیر متصالحین مع أنفسھم، ولیس لدیھم القدرة على شكر الآخرین“، لذا فھي تختصر التعامل معھم على قدر استطاعتھا حتى وإن كانوا مقربین لھا، ورغم أنھا لا تنتظر مقابلاً لأي عمل تقدمه، لكنھا تعلق ”ناكر المعروف سیخسر جمیع من حوله، فمن لا یشكر الناس لا یشكر الله“. 



نكران الجمیل أو المعروف لیس أمرا ”جدیدا“، وقد وصفه العرب في السابق ”بأنه دلیل على خسّة النفس، فصاحب ھذه النفس المعروف لدیه ضائع، والشكر عنده مهجور، وأقصى ما يرنو إليه هو تحقير المعروف الذي أسدي إليه، وعدم الوفاء لمن أحسن إليه...
 أما سمیرة خلیل، فتقول ”إن ناكري المعروف ھم من الأشخاص الذین ذكرھم الله في القرآن، وقال فیھم ”یعرفون نعمة الله ولكن ینكرونھا“، فمن ینكر جمیل الإنسان سینكر نعم الله علیه“، وترى أن ھذا التصرف ھو من أسوأ أخلاق الإنسان.
 وبحسب سمیرة، فإن الإنسان یحب أن یحظى بالتقدیر على أبسط المواقف، وھي التي عانت ”نكران الجمیل“ من بعض المحیطین بھا، بل والجحود أحیانا، وتعتقد أن الإنسان بمقدوره أن یكسب قلوب الآخرین بكلمة شكر بسیطة لھا تأثیر كبیر في النفوس، قد یكون حافزاً لتقدیم الخیر على المدى الطویل، ولیس موقفا آنیا فقط. 
ومن جھتھا، ترى الاستشاریة النفسیة والأسریة الدكتورة خولة السعایدة، أن ھذه الطباع تعود لشخصیة الإنسان والبعض لدیه اعتقاد بضرورة الشكر بالفعل لا بالقول عندما تتاح الفرصة، وآخرون یرون أن ھذا حقا مكتسبا وفرضا وواجبا على الأول وبالتالي لا یستحق الشكر، وھناك صنف یعتبر أن الشكر والاعتراف یقللان من قیمة المرء لذاته، ویجعلانه بموقف ضعف. وتضیف السعایدة ”أن ھذا یعود للتنشئة الاجتماعیة، فناكر الجمیل لم یتعلم أساسیات التواصل الاجتماعي في منزله، وكیف یشكر الآخر، أو لم یشاھد نماذج حیة في أسرتھ تمتلك ھذه المھارة لیقلدھا، أو یكون قد سمع عبارات من أسرته تحث على عدم الشكر، لأنه یقلل من قیمته، خصوصا الذكور في مجتمعنا یكونون أقل استعدادا للشكر والامتنان؛ حیث إن التنشئة الاجتماعیة تحث المرء على أن یكون قویا وصلبا من خلال عدم قول كلمة ”شكرا“ أو أي عبارة تقدیر للآخرین“.

 ”نكران الجمیل سلوك بشري لا یمكن أن یخلو منه أي مجتمع ونعیشه بشكل یومي“، یقول خالد ولید، ویضیف ”من خلال السنوات الطویلة من عمري، أیقنت أن الإنسان مھما تعرض للنكران والجحود فإنه یبقى یعطي ویفعل الخیر، ھذا في الإنسان السوي“. ویضیف خالد أنه تعرض لأكثر من موقف نكران جمیل لأشخاص قدم لھم مساعدة أو دعما، كما في الانتخابات النیابیة مثلاً، وبعد فترة من الوقت، یتناسى ھذا الشخص ما قدم له، ولو بشكل بسیط، وعلى الرغم من ذلك نبقى نكرر الخطأ ذاتھ، على حد تعبیر خالد.
 ومن الناحیة التربویة، یرى الاستشاري التربوي الدكتور عایش النوایسة، أن البیئة المحیطة بالفرد لھا تأثیر على سلوكه، وكما یقال ”الإنسان ابن بیئته“، وسلوكیاته نمت وترعرت وتغذت من أصوله المتجذرة فیھا، واكتسب منھا صفات انعكست على سلوكھ في التعامل، وھو ما ینطبق على مختلف تصرفاته وأخلاقه وردود أفعاله، ومنھا تقدیر الآخرین.
 ویشیر النوایسة إلى مقولة العلامة العربي ابن خلدون التي قال فیھا "الإنسان ابن بیئته"، فكثیر من السلوكات یكتسبھا الإنسان من واقع حیاتھ وطبیعة من یخالطھم، والمعلوم أن الطبیعة (جیناتنا الوراثیة) تؤثر بشكل كبیر في الخصائص مثل الطول والوزن ومحصلة الذكاء، لكن السلوكات والممارسات الحیاتیة مثل الشخصیة الناكرة وسواھا مكتسبة من البیئة، ولا علاقة للوراثة فیھا كونھا لا تدخل في الجینات الوراثیة للإنسان“. 
كما ویلفت النوایسة لقواعد ومسلمات وضعھا العلماء فیما یتعلق بالنفس البشریة وأفعالھا، وفي ھذا الصدد، یؤكد باندورا في نظریته التعلم الاجتماعي، أن سلوكیات الإنسان متعلمة من الآخرین من خلال اختلاطه بھم، ومنھا النكران والحجود، وتفسر ھذه النظریة النكران على أنه سلوك ناتج عن المخالطة والمعایشة في الأسرة والمدرسة والمجتمع، ولا علاقة للوراثة أبداً فیھا.
 كما وتشیر الاستشاریة السعایدة إلى أن عدم شكر الشخص الآخر الذي قدم المساعدة، لھ انعكاس سلبي، فیصبح لدیه رد فعل معاكس وسلبي، فقد تتغیر أفعاله ولا یقدم على مساعدة الآخرین على اختلافھم.