أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 23 أبريل 2017

الديوان العربي -الأيبيري -اللاتيني للفكر والتبادل الثقافي

https://goo.gl/qXSVZZ

 نظم المعهد الملكي للدراسات الدينية ومنتدى الفكر العربي،برعاية صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، مائدة مستديرة بعنوان "درب الأفكار" بمشاركة عدد من الأكاديميين والخبراء والدبلوماسيين من دول مختلفة وذلك بتاريخ 23 أبريل/نيسان 2017. وتم خلال الندوة إطلاق "الديوان العربي الأيبيري اللاتيني للفكر والتبادل الثقافي" كمنبر لتعزيز الحوار بين العالم العربي والعالم الأيبيري–اللاتيني، والتعاون على المستوى الأكاديمي والاجتماعي والثقافي. ويركز هذا المنبر على إحياء درب الأفكار والعودة إلى الإنتاج المعرفي وتبادل الآداب والعلوم عن طريق التراجم، ما يؤسس لحوارثقافي وديني فاعل بين هذيْن العالميْن.


    ويستلهم "الديوان" أفكاره من تجارب سابقة شهدتها الثقافة العربية في عواصم مختلفة مثل بغداد  وقرطبة، وعبّرت عن فترة مزدهرة من الإبداع الفكري والثقافي ضمّت مساهمات العرب والعجم من ديانات وأصول مختلفة في إطار من التعددية والتنوع. فتحققت الوحدة في ثقافة عربية واحدة حملت هدفا مشتركًا تمثّل في البحث عن حقيقة الذات الإنسانية. 

    كما يتطلع"الديوان" للاستفادة من تجارب مؤسّسات عملت على تعزيز الحوار الثقافي والإنساني ومهّدتْللتعاون من أجل آفاق جديدة للعمل الثقافي، باعتباره أداة مميزة لتعزيزالعلاقات بين الناس في شرق البحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة الأيبيرية والعالم الجديد. في هذا الإطار،أشير إلى مؤسسة الثقافات الثلاث في إشبيلية و"الأكاديمية للثقافة اللاتينية"، التي تأسّست بهدف تعزيز التضامن والتكامل بين الدول والشعوب اللاتينية، ودعم التبادل الثقافي والعلمي بين ثقافات العالم.

    وتأتي هذه المبادرة تثمينًا لأهمية إنشاء نظام إنساني عالمي جديد يعيد التفاهم بين البشر،ويحقّقُ الفهم المشترك المنشود، الذي ينبثق من قناعتنا بأن الإنسان هو رأس المال الحقيقي الذي يجب استثماره والعمل على رعاية اللقاء الفكري والعاطفي بين البشر، وتعزيز العمل الثقافي لتسهيل الفهم التحليلي المقارن لنظرتنا لبعضنا البعض من أجل تحقيق فهم متبادل أفضل.

الأهداف:

تعزيز العمل الثقافي والأكاديمي في هذيْن العالميْن، علاوة على تعليم اللغات العربية، والإسبانية، والبرتغالية.
رعاية تبادل الباحثين، والأكاديميين، والطلبة بين الجامعات في هذيْن العالميْن، عن طريق "الديوان"، إضافة إلى تنظيم برامج بحثية بهدف (بناء وتطوير) تميّز رأس المال الإنساني.
تعزيز مفهوم "توأمة المدن" في هذيْن العالميْنلتحسين التعاون الثقافي، والتقني، والتجاري بينها.
تحسين مفهوم "التراث الإنساني المشترك" عبر الاعتراف بتنوع الثقافات، وتعدّد الديانات، والحضارات.
الإشادة بالجوانب المشتركة لمواجهة القوالب النمطية السلبية المتعلقة بالدين والثقافة، وتعزيز حرية العبادة وحقوق الإنسان.
دعم المبادرات التي تعزز الحوار بين الحضارات، والثقافات، والأديان، والناسبشِكل عام.
تشجيع الدول غير الأعضاء في مجموعة "آسباASPA" (دول أميركا الجنوبية والعالم العربي) على المشاركة في الحوار وتبادل الخبرات في إطار "الديوان".
إشراك الصحفيين في هذا المشروع، لغرض الترويج لصورة صحيحة شاملة لقيَم الحضارات المعنية.
الأنشطة:

تنظيم مشاريع بحثية، وندوات، ومؤتمرات، وورش عمل.
تنظيم أسابيع ثقافية تتضمن عروضًا للكتب، وندوات ثقافية وفكرية، وعروضًا للفنون الجميلة، وكتب الأطفال، والأزياء التقليدية، وعروضًا مسرحية وموسيقية.
عقد محاضرة "ايميليو غارثيا غوميز" السنوية.
التعاون على تنظيم مناسبة مشتركة في الأسبوع الأول من شهر شباط/ فبراير من كل عام للاحتفال بأسبوع الوئام العالمي بين الأديان، ويشمل جميع الأديان، والمذاهب، والمعتقدات.
توصيات الندوة:

خلُص المشاركون في الندوة إلى مجموعة من التوصيات:

تبنّي مبادرة جديدة بعنوان "دستور الشرق Codex Levanticus" لتأمين مستقبل هذه العلاقات، وتجاوز النزعة العرقية الأحادية وضمان مشاركة دول شرق البحر المتوسط من دون استبعاد أو تهميش لأي شخص تحت أي ظرف من الظروف؛ مؤكدين على القواسم المشتركة وتبادل الخبرات.
دعوة مملكة إسبانيا لقبول وتشجيع هذه المبادرة، جنبًا إلى جنب مع المملكة الأردنية الهاشمية، بحيث يدعم كل طرفٍ، بالاتفاق/بالتعاون مع دول أمريكا اللاتينية، المشاريع والمبادرات التي تسهم في تحقيق هذه الأهداف.
دعوة الأكاديميين المشاركين في المائدة المستديرة إلى عمل بحثي أكاديمي يجمع بيننا في هذيْن العالميْنويركز على القواسم الإنسانية في المجالات المختلفة وعلى حاجات شعوب العالميْن.
البحث عن العالميّة بمنأى عن المركزية الأوروبية.
إدماج الأدب والشعر اللاتيني في الجامعات والمدارس الأردنية.
الابتعاد عن إدانة التاريخ ودراسة أخبار دول أمريكا اللاتينية ونشرهاباللغة العربية، ومنها ما نُشر في صحف الجاليات العربية في تلك الدول على مدار سنوات مضت.
وسيَتولى المعهد الملكي للدراسات الدينية نشر الأوراق التي قدمها المشاركون في المائدة المستديرة في كتاب باللغتين العربية والإسبانية ليكون الإصدار الأول ضمن سلسلة إصدارات "الديوان".

شارك في هذه المبادرة:

سعادة سفير البرازيل Francisco Carlos Soares Luz
سعادة السفير التشيلي Eduardo Escobar
سعادة السفير إبراهيم عواوده – مدير إدارة شؤون أمريكا اللاتينية والوسطى في وزارة الخارجية الأردنية (السفير الأردني في تشيلي خلال فترة زيارة سموه - حفظه الله - إلى تشيلي في 2010)
سعادة السفير عاطف هلسة
سعادة السيد سمير الناعوري – سفير سابق في إسبانيا
الدكتورة رناد المومني – قسم اللغات الإسبانية في الجامعة الأردنية
الدكتورة هند أبو الشعر – أستاذة التاريخ في جامعة آل البيت
معالي الدكتور صلاح جرار– وزير الثقافة الأسبق/الأردن
الدكتورة رشا الخطيب – الباحثة في المستشرقين والدراسات الأندلسية – الجامعة الأردنية
الدكتورة سحر المجالي – أستاذ مشارك في تخصص التاريخ - جامعة البلقاء التطبيقية
الدكتور جمال الشلبي – أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية- الجامعة الهاشمية
سعادة السفير الإسباني
سعادة القائم بأعمال السفارة الاسبانية
ميكيل فوركادا – جامعة برشلونة/ إسبانيا
سعادة سفير المكسيك
الدكتور خلبيرتو كوندي زمبادا أستاذ التاريخ في مركز دراسات آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط في جامعة المكسيكEl Colegio de Mexico
سعادة سفير فنزويلا
سعادة القنصل حسام العصامي – سفارة فنزويلا
السيدة عميرة زبيب زبيب – الوزيرة المفوضة في سفارة فنزويلا في لبنان
ستتم دعوة مفكرين وباحثين وأكاديميين من الدول العربية والأيبيرية واللاتينية للمشاركة في نشاطات "الديوان" القادمة.

الأحد، 16 أبريل 2017

نذل ..

عندما يمر نذلٌ في حياتك، فإن أسوأ ما يعلّمك إياه أنك تتوقع الشر من الآخرين إلى أن يَــثبُتَ منهم الخير!! 
ما أسوأ الحياة دون الإيمان بالناس!! وما أسوأ الاتهام إلى أن تظهر البراءة!!
فأين"..الموفون بعهدهم إذا عاهدوا"؟؟
الوفاء صفةٌ لا تتحقق ولا تُعرف في الأشخاص، إلا عند الاختبار، ولا تظهر إلا عند المحكّات. 
والعهد لا يؤخذ إلا في المواقف الجليلة والممحِّصة، عندما تبلغ القلوب الحناجر، كأنما أُدخلتَ الى النار، وتسوّل لك نفسُكَ الخيانة والنكث وتجد لنفسك كل التبريرات و الحجج ثم تتماسك وتفي بعهدك...عندها فقط تستحق صفة الوفي.

منقول

براعم

بقلم د.لانا مامكغ/ جريدة الرأي

أطالَ النّظرَ في وجهه، قضى وقتاً وهو يتأمّلُ آثارَ السّنين على ملامحه حتى شعرَ بوسامةٍ مفاجئة... فحلقَ ذقنه بتأنٍ، وتعطّر، ثمّ انتقى ثيابه بعناية ليلقي نظرةً أخيرة على هيئته، ثمّ ليمضي فرِحاً منتشياً إلى عمله.
كان يشعرُ أنّ نسماتِ ذلك الصّباح محمّلةٌ بعبيرٍآسر، في حين بدت له الأشجارُ أكثرَ اخضراراً، والسّماءُ أشدّ زرقةً، والأفقُ أكثرَ اتّساعاً... واللحن العذب ذاته عاد ليجولَ في وجدانه ككلّ صباح وهو متجّهٌ إلى مكتبه... إلى حيث يجدُها باستقباله مثلَ فراشةٍ خرجت للتوّ من شرنقتها؛ رقيقةٍ عذبةً ملوّنة تضجّ بالحياة... مثلَ برعمٍ ربيعي غضّ شاء أن يعيدَ الخِصبَ لروحِه الخريفية !

باتَ على يقين مؤخرّاً أنّها منجذبةٌ إليه وتبادله الشّعور ذاته، كان يقرأ هذا في التماعة عينيها... في حركتها المرتبكة وهي حوله، في صوتِها الذي يذوب رقّة... في ضحكتها السّاحرة حين تسمعُ تعليقاتِه العابرة على بعضهم، في عطرها الشّفيف الذي يملأ صباحاتِه بعبق الرّبيع...
أدرك أنّه يعيش معها سحرَ الحبِّ وسرّه... الحبِّ الذي لا يعترفُ بفرق العمر ولا بأيّ من تلك الترّهات، فبينه وبينها لغةٌ كونية تتمرّدُ على الكلمات ومفردات البشرِ كلّهم... إنّها هدّية القدَر بعد سنوات القحط مع شريكة تحوّلت إلى رفيقة سكن... تلك التي لم يعد يذكرُ متى تبادلَ معها جملةً واحدة مفيدة، تلك التي لمحته يخرجُ بكاملِ بهائه دون أن تكترث، هو على يقين الآن أنّ الزّمن أنصفه أخيراً، ومن حقّه أن يستمتعَ ويستعيدَ إنسانيته فيما تبقّى له من عمر !
انتهت تداعياتُه بوصوله إلى مكتبه، ليعيشَ يوماً آخر محلّقاً بين الغيوم... هائماً في حقلٍ من الزّنابق البرّية... مستسلماً مأخوذاً بسمفونيةٍ يومية باتت تصدحُ في أعماقِ روحه وخلايا جسده !

مضى ذلك اليوم كغيره دون أن يشعرَ بالوقت، إلى أن حلّ المساء، ليجدَ نفسَه في بيته يجلسُ مسترخياً وهو يقلّبُ هاتفه بيدِه باحثاً عن سببٍ ما للاتّصالِ بها وسماعِ صوتها... حتى قطعت زوجتُه عزلته لتبلغَه أنّ ابنتهما قد وجدت أخيراً فرصة عملٍ في إحدى الشّركات... وقبل أن يعلّق، دخلت الشّابة لتقولَ بصوتٍ يفيضُ بهجة: « نعم، عُيّنتُ سكرتيرة لدى المدير العام، رجلٌ دمثٌ محترم في مثل عمرك تقريباً... يا إلهي كم هو لطيف يا بابا... أشعرُ أنّه يعاملني معاملةً خاصّة ! « ووقع الهاتف من يده فجأة... ولم يعلم كم مضى من الوقتٌ وهو صامتٌ ساهمٌ سارح... إلى أن قامَ أخيراً متوجّهاً إلى سريره، تّقلب طويلاً دون أن يتمكّن من النوم... ظلّ يتقلّبُ حتى قرّر أخيراً بأن أوّل ما سيفعله في الصّباح؛ إصدارُ قرارٍ بنقلِ سكرتيرته إلى فرعٍ آخر... ثم ليقومَ بزيارةٍ عاجلةٍ سريعةٍ مباغتة لمديرِ ابنته !

الخميس، 13 أبريل 2017

دعاء

        قانون كوني (بعد أن يختفي الأصل، تمتلىء الطريق بالأشباه الزائفة)!
.... أولئكَ الذين يُناقِضُ فعلُهم قولَهم، القادرون على الحديث عن الثورة والمبادئ والثوابت. ثم إذا صادفتهم مرشدةٌ أسرية رخيصة باعوا أرواحَهم لشيطانها... ثمَّ إذا وعدوا أخلفوا وإذا حدّثوا كذبوا وإذا خاصموا فجروا. 
أولئك الخونة.. هم أكثر ما يُلجئنا لصدق الطلب والدعاء ألّا تجعلَـنا يا ربِّ مثلهم، وعلّمنا كيف نبقى وجهاً واحداً لا يعرف التلوين، وأهلَ مبدأ لا يقبلُ التزييف. 
علِّمنا يا رب أن نخافكَ ونخشاك في قلوب مَن نحب وفِي قلوب مَن نفارِق.

الأربعاء، 12 أبريل 2017

عبق الرسائل

بقلم: بروين حبيب

جريدة القدس العربي

"ترى إلى أي مدى كسر عصر الأنترنت رومانسية حياتنا؟ تلك الرّسائل التي تصلنا وعليها خط يد المحبوب وطابع بريد البلاد التي يقيم فيها. وساعي البريد وهو يقطع الشارع بدراجته، ويتوقف عند كل بيت… طقوس انقرضت، أو على عتبة الانقراض، لأن أجهزتنا الإلكترونية أخذت أمكنة الورق والطوابع وساعي البريد… في الغربة دوما غائب ما من كل بيت…
والرسائل الورقية تحمل رائحة المغترب وأنفاسه ولمسات يديه وروحه. نشمُّ الرسائل حين تصلنا من الأحبة، ونعانقها أحيانا… نعانقها كما لو أن «الغالي الذي كتبها» بين أحضاننا…
ننتظرها أشهرا، ونعتقد دوما أن ما تحمله الرّسالة أقوى من الكلام في الهاتف، وأقوى من اللقاء المباشر. ففي الرسالة جزء خفي من ذواتنا، نترك له العنان ليخرج نقيا كما هو من دون خوف من ضعفنا. هناك شجاعة جبّارة نتحلّى بها حين نمسك قلما ونجلس أمام بياض ورقة، ونكتب رسالة… ثم جاء عصر الإنترنت، وكأنه عصر جليدي جديد، جعل كل شيء باردا.
نعم يبقى للرسالة طعم آخر، خاصة حين تكون من حبيب، لكن أين وقع الرسالة الورقية من وقع الرسالة الإلكترونية التي يحملها الهاتف مثلا؟ نقبّل هاتفنا أحيانا حين تصلنا رسالة حب جميلة، أو رسالة تطمئننا على أحد الأحبة، لكنها ليست تلك الحرارة التي تشبه حرارة موسم بأكمله، ونحن نحضن الرسالة الورقية ونمرر أصابعنا على حروفها، ونخترع أكثر من طريقة لتفجر مزيدا من الفرح فينا. نقرأها وندسها تحت الوسادة وننام على أريج حروفها… نقرأها ونخفيها باتقان بين ملابسنا… نخصص صندوقا جميلا فقط لرسائل من نحب ولبطاقات الأعياد التي تصلنا من طرفهم.
 للرسائل مكان مقدس دائما في خزانتنا. حتى حين نتهيأ لكتابة رسالة لحبيب، نختار أجمل الورق، قد يكون ورديا، أو عليه أزهار وقلوب، نرسم أحيانا قلوبنا بأنفسنا، وأشياء أخرى كتلك الحروف التي تتعانق في دلال، هي أول حرفي إسمينا.
عبق رسائل الماضي يحضرني اليوم حين فتحت صندوق رسائلي… ما أجمله، وكأنّه صندوق مجوهرات، كنز لا يقدّر بثمن، لا يقدر بلغة.
أجيال اليوم، لم تعرف هذه المتعة أبدا، وكل خوفي أن يأتي يوم يحدث فيه خلل ما فتتوقف هواتفهم وأجهزتهم ويصبحون بلا ذاكرة.
قيمة الرسالة الورقية لا تتوقف عند الملمس فقط، بل عند قيمة خط اليد، وحين نتذكر رسائل مهمة لمشاهير بيعت في مزادات علنية بمبالغ طائلة سندرك أن الرسالة فعلا كنز. رسائل نجمة هوليوود الراحلة إليزابيث تايلور بيعت بـ 47 ألف دولار، لـ66 رسالة غرامية كتبتها في سن السابعة عشرة لأول حب في حياتها (وليام باولي جونيور) رسائل كانت ستكون سببا في موت فتاة عربية لو أن إحداها فقط كشف أمرها. في السابعة عشرة، ألا يبدو في الأمر تقديسا لتلك العواطف الأولى نحو الجنس الآخر؟ واحتراما لتلك التجربة وتقديرا لها. ولعلّ من يعرف حياة تايلور سيدرك أن احتفاظها بتلك الرسائل، رغم عدد زيجاتها، يكشف مدى صدق ذلك الحب وما كان يعنيه لها، وإلا كان مصيرها سلة المهملات. 
في عالمنا العربي من النادر أن نجد أثرا ملموسا لقصة حب بين اثنين، ولعل ما يناسب عواطفنا فعلا هو العصر الإلكتروني العجيب. لهذا أتوقع أن رسائل الحب اليوم بين بناتنا وشبابنا، أقل شغفا، فالوصول لأي شخص نريده نجده بكبسة زر على فيسبوك، إن لم نجده على مواقع التواصل الاجتماعية الأخرى. وغير ذلك في سرعة التواصل قتلك ذلك الشغف… أما الأمان فقليل في ما يخص صناديقنا الإلكترونية، لهذا نادرا ما تحفظ رسائلنا المتبادلة في علبة الرسائل الإلكترونية بل «تُعدم» مباشرة بكبسة «دليت» بعد قراءتها، خوفا من عملية سطو من أي هاكر يفضح الأمر. 
تُعدم أيضا لأسباب أخرى، وهي أن الحبيب رقم واحد قد يكون خائنا، والثاني أيضا، وأن الرجل الحقيقي في حياتنا هو من يتقدم للزواج من المرأة، وليس الرجل الذي «يفت» كلام الحب للنساء. 
في صباي كان التصرف الصح تجاه رسالة حب من شاب أن تمزق فورا وترمى، أو تحرق، وتختفي تماما. وهو تصرف قد يستحليه الشاب أيضا، ظنا منه أن حبيبته «نقية» وليس لها باع في الحب والكلام الفارغ. هي مثل الحزورة، حكايات الحب عندنا، وكذلك كل ما كتب عن الحب بأنامل أشخاص اكتوت قلوبهم من العشق. صحيح أن «الحب وحده يبقينا على قيد الحياة» كما قال أوسكار وايلد، لكن للعرب مقولة أخرى تقول «من الحب ما قتل»، ويبدو أن الحب عندنا كله يؤدي إلى القتل، إن لم يكن جسديا كان معنويا، «كبس أنفاس يعني» إلى أن نستسلم.
بين أوراق التاريخ رسائل نيلسون أنغرن الكاتب الأمريكي ذي الجذور اليهودية، الذي تعرف بسيمون دي بوفوار سنة 47 وقلبت حياته رأسا على عقب، أغرم بها وكتب لها رسائل بالأكوام، كما أثمرت علاقتهما على مدى خمسة عشر عاما أكثر من كتاب. ورغم ما كتب عن علاقات دي بوفوار، إلا أنها حين توفيت دفنت بخاتم أنغرن في أصبعها كما وصت، وكشفت رسائلها له عن علاقة حب نادرة، رقصة فالس فيها كثير من الانسجام العاطفي والجسدي والفكري. وكأنّها فعلا علاقة الحب المثالية التي يجب أن تكون بين امرأة ورجل. وهو الدرس الذي نستشفه من قراءتنا لرسائلها ورسائله، رغم أن رسائله لم تأخذ وهج رسائلها، لكن كلاهما لم يدخل عالم اللغة العربية وهذا غريب جدا، إذا ما عرفنا أن سارتر أخذ مكانة مهمة في الثقافة العربية، بما في ذلك علاقته بسيمون دي بوفوار، التي كانت أكثر تأثيرا في قرائهما وأتباعهما بعد وفاتهما. ولعل عدم الاهتمام بهذه الرسائل يعود لسيرة دي بوفوار المعقدة والغريبة كشخص، فالعثرة الوحيدة التي تجعلنا كمجتمع عربي نخاف من أفكار الآخر هو فضولنا لمعرفة حياته، خاصة الجانب السري منها. 
لا علينا فقد بدأنا الحديث عن «عبق الرسائل الورقية» وجمالها وبلغ بنا المطاف إلى عالم المشاهير ورسائلهم، وهو عالم جميل، ومثير، ولكننا لم نمنحه الأهمية التي يجب. 
كتب كثيرة تملأ المكتبات الغربية عن رسائل بين كتاب وفنانين ومشاهير سياسة، وهي أقرب إلى تفسير شخصياتهم التي يشوهها الإعلام في الغالب، حسب أهواء من يكتب عنهم ويصفهم، بل إن البعض من هؤلاء المشاهير يواجهون جمهورهم بأقنعة جميلة، ظنا منهم بأنهم يتقنون تسويق أنفسهم بتلك الطريقة ويحافظون على شهرتهم. والحقيقة أن رسائلهم التي تنشر في الغالب بعد وفاتهم هي البصمة الوحيدة الحقيقية في مساراتهم المشوهة قصدا أو من دون قصد.
وإن كان فرناندو بيسوا يقول إن «رسائل الحب سخيفة، وإنها لا يمكن أن تكون رسائل حب إن لم تكن سخيفة»، فهذا ليس استسخافا للحب، بل لأن الحب يكشف بساطة الشخص حين يحب. ولأن ما يؤسف حقا أحيانا في رسائل الحب التي نكتبها ليس مشاعرنا الجميلة والنقية، وإنما تفاهة الشخص الذي نعتقد أنه يستحق منا ذلك النقاء وهو يستقبله بسخرية وتحقير".

الأحد، 9 أبريل 2017

نكهة الرسائل

بقلم: أ.د. صلاح جرار
جريدة الرأي

لستُ أنسى عندما كنت طالباً في الجامعة في مرحلة البكالوريوس كيف اعتمدتُ مكان دراستي عنواناً بريدياً لرسائلي التي تصل إليّ من أصدقائي وسواهم، وكنت كما كان جميع الطلبة آنذاك، أذهب كلّ يوم إلى لوحةٍ في عمادة الكليّة تعلّق فيها لائحةٌ بأسماء الطلبة الذين تصل إليهم رسائل جديدة، فنذهب إلى ديوان الكليّة ونتناول رسائلنا بشوق وشغف شديدين! وكنا نميّز الرسالة التي مصدرها خارجيّ من الرسالة التي مصدرها داخلي عن طريق لون المغلّف، فإنْ كان أبيض مخطّطاً بالأزرق فهي في الغالب من الخارج، وإن كان أبيض خالصاً فيكون في الغالب من الداخل. كان كلّ واحدٍ يخطف رسالته وينتبذ زاوية ويقلب الرسالة من الوجه ومن الخلف لمعرفة مرسلها ومصدرها ثمّ يسارع في نزع غلافها ويأخذ في قراءتها، فبعضنا يظهر على وجهه علامات الفرح والسعادة وبعضنا يكتئب ويعود حزيناً بعد أن يدسّ الرسالة في جيبه الداخليّ.
ولا أنسى عندما كنت طالباً في جامعة لندن خلال إعدادي لدرجة الدكتوراه، كيف كان للرسائل التي تصل عبر البريد إلى منزلي مع طلوع الشمس، مذاق خاصّ جدّاً، لم أعد أجد له نظيراً بعد أن رجعت من الدراسة، وافتقدته بالكامل بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، من إنترنت وفيسبوك وواتس أب وفايبر وسكايب وسواها ممّا قضى على الحاجة إلى استخدام الورق والرسائل والطوابع والخطوط اليدوية قضاءً شبه تام.
كانت الرسائل التي تصل إليّ من عمّان إلى لندن ذات قيمة خاصّة، وكان الشوق الذي يرافق وصولها أو يسبقه شوقاً له مذاقه الخاصّ ونكهته الخاصّة، كان ساعي البريد يدسّ الرسالة أو الرسائل التي بحوزته من شقّ صغير في الباب يؤدّي إلى سلّة معلّقة في الوجه الداخلي للباب، لم نكن نسمع صوته وهو يدسّ الرسائل عبر الشقّ لكن كنّا نسمعه عندما ترتد سدّادة الشقّ المعدنية إلى مكانها، فنصحو على صوتها ونسرع نحو الباب بلهفة شديدة، كنّا نفرح كثيراً عندما نجد رسالة في مغلف أبيض ذي خطوط زرقاء فنعرف أنها من عمّان، وكانت تصيبنا الخيبة إن كانت الرسائل مجرد دعايات أو فواتير ومطالبات ماليّة!!
لم تكن الرسائل التي كنّا نتلقّاها، في أيّ مكان ومن أيّ مصدر، مجرّد ورق وحبر، بل كان لها أهميتها الخاصّة، كان للون الرسالة لغته، ولملمسها معناه، وللخطّ الذي كتبت به نكهته لأنّ الخطّ في الرسالة جزء من هويّة كاتبها، وكان للطابع الذي ألصق على وجه غلافها دلالته، وكلّ شيء في تلك الرسائل كان جميلاً، ولذلك كنّا نحتفظ بها ونحرص على عدم فقدانها، حتّى إنّني ما زلت أحتفظ برسائل منذ أكثر من أربعين عاماً، ولم يكن مضمون الرسالة وحده هو الباعث على الاحتفاظ بها، بل أن تأتيك رسالة فهذا سبب كافٍ للفرح بها والاحتفاظ بها.

وما زلت إلى اليوم ينتابني شعورٌ بالفرح لأي رسالة تأتيني مكتوبة بخطّ اليد وبمغلّفٍ عليه طابعٌ بريديّ وأختامٌ بريديّة وتحمل تاريخ الإرسال وتاريخ الوصول واسم المكتب البريدي الذي أرسلت منه والمكتب البريدي الذي وصلت إليه واسم المرسل وعنوانه بخطّ يده واسم المرسل إليه. وما زلت أثق بمثل هذه الرسائل حتّى لو خلت من أيّ خبر مهمّ أكثر من عشر رسائل تصل إليّ عبر البريد الإلكتروني والواتس أب والمسنجر وسواها حتّى لو كانت تحمل لي بشائر الغنى والسعادة وأنواعاً من الأخبار السارّة.
وبعد ثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات التي تجتاح العالم طوْعاً أو كرْهاً، أصبح بإمكان أي شخص على وجه الأرض أن يبلغ رسالته إلى أيّ مكان على وجه الأرض في ثوانٍ قليلة وبكبسة واحدة على أحد الأزرار في جهاز حاسوبه الخاص. وبين يدي هذه الثورة هل نستطيع القول إنّ عهد الرسائل الورقية المكتوبة بخطّ اليد قد ولّى إلى غير رجعة؟! وهل أصبحت الرسائل والخطوط التي تكتب بها- أو هل ستصبح قريباً- تراثاً نادر الوجود وذكرى من ذكريات الشعوب؟!
إنني أدعو كلّ من لديه رسائل بخطّ اليد قديمة أو حديثة أن يحتفظ بها، فربما تصبح هذه الرسائل ذات يوم شاهداً على زمن جميل كان ممزوجاً بالشوق والمحبة واللهفة.


الأربعاء، 5 أبريل 2017

الكتابة في منتصف العمر

بقلم غازي الذيبة
جريدة الغد/   الأحد 5 نيسان 2015

"أريد يدا ثالثة"، قال صديقي الشاعر الستيني ذات مساء، وهو ينظر من شرفة منزله المطلة على مكعبات الإسمنت في مدينة عمان "لأكتب كل شيء".
**
أن تكتب، وأنت أساسا منشغل بهذا الهم، يعني أنك تخلِّق عالمك، تصوغ مدنك، أناسك، حيواتك. حتى لو كتبت عن الكائنات الفضائية، فأنت تكتب ذاتك، تكتب المهمة التي هبطت عليك في لحظة انعتاق تبحث فيك، فيما حولك، في دقتك العالية لاكتشافها في التقاط المعنى وإرساله مرة ثانية محملا بك، بدلالاتك، بحركة روحك، بتوهجك فيه.
في منتصف العمر، يصبح الأمر ملحا جدا. تصبح الكتابة طريقة حياة كاملة، لا تستطيع الفكاك منها، حتى وأنت تفكر ببيت رخيٍّ في جزيرة نائية، لتجلس على شاطئ البحر فيما سنارتك ملقاة في الماء، تنتظر أن  يعلق بها شيء، وقد لا يعلق، لكنك تظل محدقا في اللحظة تلك، محتدما في المنحة الخارقة التي جذبتك إلى هذا الصفاء كي تتأمل وأنت تصطاد الفكرة/ السمك. 
خلال الانتظار ذاك، ستتفقد الحياة.. الأحلام، ستمر عليك الحيوات وميضا، بينما تتأمل موج البحر وفيروز الشاطئ، وستتخلص من زوان كثير في صفائك ذاك، وكما لو أنك في نطاق هيوليٍّ، إن خرجت منه، عدت إلى مرمى العادي، وصرت مسكونا به.
في منتصف العمر، الكتابة فضاء تواق لأن تشعل فيه وقدة أفكارك، تكون في لحظات نضج وصلتها بعد مرارات كثيرة من البحث والتقصي والحوارات والقراءة والتأمل، وربما الصراخ.

إذن، ستبقى يدك على أزرار الكيبورد، لترقن، وستبقى نظارتك قربك لتقرأ، وسيبقى ذهنك متوقدا لترى. كل حواسك ستكون مستعدة لأن تكثّف اللحظة التي تمر في رأسك، لتعيدها فعلا مكتوبا، حتى لو أخذت إجازة من الكتابة.
حين تصل إلى منتصف العمر، ستجد نفسك محاصرا بأسئلتك المرهقة عن الوجود والعدم. وستتساءل باستمرار عن جدوى التوقف عن الكتابة والاستمرار بها، لكن الغلبة ستكون لأن تستمر، بل إن هذا التساؤل سيكون كفة الميزان المائلة جهة الروح والقلب والعقل معا، منذ اللحظة التي يخطر لك سؤال: إلى متى أكتب؟.

نصف العمر، ليس مجرد وقت، يحدث لكل منا، لا، إنه مبتدأ لخوض نصف العمر الثاني، مستهل رفيع المستوى لاكتشاف اللهفة والتوق والحب مكتملين. طاقة مشعة على خوض الاكتمال في النصف الثاني منه، تضيء حدقات الروح، وتفسر مكامن الوجدان بعمق، وشفافية وحنكة المُدَرَب على اكتشاف الدروب في مفازات الوجود الوعرة. النصف الأول مجرد تجربة، تظل مشحونة بما سيتحقق، لا بما تحقق، والنصف الثاني ليس مجردا من شيء، إنه التجربة المشغولة بيد صانع ساعات سويسري ماهر.