أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 25 فبراير 2019

اكتشاف قصر المعتمد بن عباد بإشبيلية

https://bit.ly/2tze74y
بقلم: سميرة فخر الدين

" أعلنت وزارة الثقافة الإسبانية نهاية يونيو (حزيران) الماضي عن اكتشاف قصر المعتمد بن عباد الذي ظلَّ آفلًا مُتواريًا عن الأنظار، ومطمورًا لأكثر من ألف عام، وقد أكد اختبار الكربون 14، المستخدم عادةً لتعيين عمر العينات القديمة والآثار الأركيولوجية، أن البقايا المكتشفة حديثًا تعود للقرن الحادي عشر، وترجع للمنطقة التي لطالما اعتُبِرَت مفقودة في قصر إشبيلية، ألا وهي قصر المعتمد بن عباد.
يشكل قصر المعتمد المُكتَشَف البناية الأصلية والنواة التي شُيِدَ على إثرها قصر إشبيلية الأثري الراهن. الآن نستطيع أن نعرف كيف عاش الملك الشاعر. فكل شيء تم اكتشافه داخل أسوار القصر الحالي بساحة لاس بانديراس، وهي ساحة عامة واقعة بحي سانتا كروث بإشبيلية.

وقد أكدت دراسات مسبقة أُجرِيَت سنة 2014 أن هذه المنطقة قد تضم القصر الأصلي؛ الأمر الذي دفع عالم آثار المبنى مغيل آنخيل طباليس لطلب إذن للقيام بأعمال تنقيب بعين المكان. وفجأة ظهرت بضعة أقواس، ثم تم التوسع في البحث والتنقيب، فتجلَّت أهم ملامح الاكتشاف ليتم التأكد لاحقًا بأن الآثار المكتشفة تعود للقرن الحادي عشر، للمكان الذي اعتاد فيه المعتمد بن عباد ابن الملك المعتضد كتابة قصائد لحبيبته اعتماد، كما تقول الأسطورة.
كل شيء كان سليمًا، ألف سنة من التاريخ غابرة محجوبة مبتورة السند، أقواس وأعمدة وجدران لآل أندلس حَلُّوا لزمن وجيز وارتحلوا، وعنهم غُلِقَت الأبواب والسبل، وسُدَ التاريخ والأجل، وما بقي سوى الحجارة والطلل، لذكرى لا تُريح، لا تُعيد ولا تصل.

قصر شبيه بجامع تلمسان الكبير بالجزائر
يُحيل القصر المُكتَشَف على الهندسة المعمارية السائدة في تلك الفترة وهو بذلك شبيه بجامع تلمسان الكبير بالجزائر الذي شُيِدَ سنة 1136 من طرف يوسف بن تاشفين أول خليفة لدولة المرابطين؛ وشبيه أيضًا بإحدى الرموز المعمارية الأندلسية الباقية في إسبانيا، ألا وهي قصر الجعفرية الذي بُنِيَ في النصف الثاني من القرن الحادي عشر للميلاد في عهد المقتدر بن هود أمير حاكم طائفة سرقسطة في زمن ملوك الطوائف.
بالإضافة إلى الغرف، كشفت الحفريات عن فناء واسع بالقصر، مقسم إلى أربعة أجزاء: منصة عبور، ونافورة مركزية. بُنِيَ القصر من الحجارة والطوب والجص. تلوح الزخارف المعمارية على الأسقف والحيطان كبقايا الحناء في ظاهرة اليد، لتُعَرِّي نقوشًا لم تُرجَم تحت الحجارة لألف عامٍ إلا لقيمةٍ تزداد.
قصر مهجور مع بداية الحكم المرابطي للأندلس
أمر الخليفة عبد الرحمن الثالث، ثامن حكام الدولة الأموية في الأندلس، بتشييد دار الإمارة في القرن العاشر. كانت الدار عبارة عن بناية رباعية الزوايا شبيهة بقصبة ماردة الأثرية، وعلى أنقاضها، وفي عصر ملوك الطوائف (القرن الحادي عشر)، تم تشييد القصر المُكتشَف، قصر بني عباد المسمى «المبارك» أو «المورق».

تعرضت بنايات القصر للنهب والسرقة والتخريب مع حلول المرابطين بمملكة إشبيلية والقضاء على حكم المعتمد بن عباد. ويقدم هذه الفرضية عدة مؤرخين لتفسير عدم وجود أي إصلاحات أو عمليات توسيع للقصر وإن قام الموحدون في القرن الثاني عشر بإنشاء فناء إيل ييسو بجوار المنطقة التي اكتشفت فيها بقايا القصر المطمور.
كما تم اكتشاف بقايا تاريخية قديمة من بيوت حي الفخارين، وهي بيوتات كانت متواجدة بعين المكان في القرن الحادي عشر، تم هدمها في تلك الفترة الزمنية لتشكل جزءًا من قصر المعتمد بن عباد. هذا بالإضافة إلى أسوار عتيقة متلاشية غابرة لأكثر من ألف عام تحت غطاء نباتي كثيف. تنم هذه الأخيرة عن حالة معمارية متضررة، مقارنة ببقية البناية، كما أنها أقدَم زمنيًا، وإن كانت تعود هي الأخرى لنفس القرن وشيدت على الأرجح من طرف المعتمد أو والده المعتضد.
السياق التاريخي
يعود القصر للمعتمد ابن عباد (أبو القاسم المعتمد على الله بن عبَّاد 1040 – 1095م) الذي كان ملكًا على إشبيلية في عصر ملوك الطوائف. ووسَّع ملكه فاستولى على بلنسية ومرسية وقرطبة قبل أن يقضي على إمارته المرابطون. استولى يوسف بن تاشفين على إشبيلية وأسر المعتمد، ونفاه إلى أغمات في المغرب، وأثارت قسوة يوسف بن تاشفين بتضييقه على المعتمد في أسره وإنهائه لحكم المعتمد حفيظة عدة نقاد: باحثين، ومؤرخين، ما بين مؤيد ومعارض.
ارتبط اسم المعتمد باسم زوجته اعتماد الرميكية. كانت جارية للتاجر رميك ابن الحجاج. كانت على قدر كبير من الجمال، وعلى دراية بالشعر والأدب. أعجب بها المعتمد فلم يتخدها له كجارية، بل تزوجها ورفع من شأنها ليمنحها الجميع لقب السيدة الكبرى بعد ذلك. وفيها يقول:
أَغائِبَةَ الشَخصِ عَن ناظِري… وَحاضِرَةً في صَميمِ الفُؤادِ
عَلَيكِ السَلامُ بِقَدرِ الشُجون… وَدَمع الشُؤونِ وَقَدرِ السُهادِ
وهي القصيدة التي ألف فيها المعتمد بن عباد أبياتا يبدأ كل منها بحرف من حروف اسم زوجته (اعتماد).
شكل القصر المكتشف مبعث أحزان المعتمد بن عباد في منفاه بأغمات. سافرت أشعاره إلى قصر المبارك من المنفى وأخذت في زواياه تجوبُ وعلى جناح الذكريات تذوب. ما بين جسم في طوق أغمات يتفتَّق وخيال ماضٍ اشبيلي مُعتَّق. يشكو حجارة قصر عن الأنظار رحلت وحجارة بالضلوع حلّت:
غَريبٌ بِأَرضِ المغربينِ أَسيرُ… سَيَبكي عَلَيهِ مِنبَرٌ وَسَريرٌ
وَتَندُبُهُ البيضُ الصَوارِمُ وَالقَنا… وَينهلُّ دَمعٌ بينَهُنَّ غَزيرُ

يعتبر الاكتشاف مفتاحًا جديدًا لتاريخ إشبيلية. ولا زالت هناك سلسلة من عمليات التنقيب التي يعمل الباحثون وعلماء الآثار على مواصلتها. وقد اقترح أنطونيو مونيوث، المندوب الثقافي لمجلس المدينة، خططًا مستقبلية للاستفادة من الفضاء المُكتَشَف، إذ يدعو إلى تحويله إلى مركز توثيقي تأريخي لمجموع بنايات قصر إشبيلية.
الفكرة التي رحبت بها مديرة القصر إيزابيل رودريغيز؛ إذ ترى أن المشروع سيوفر رحلة تاريخية للزائر، وسفرًا في حقبه الزمنية المختلفة من زمن المعتمد، وهو أقدم مرحلة زمنية للبناية، مرورًا بالزمن المرابطي، ثم الموحدي، ثم القشتالي. خاصة أن قصر المعتمد المكتشف، حسب إيزابيل رودريغيز، كبير بما فيه الكفاية لإدراجه بباقي أروقة قصر إشبيلية، كما أن حالته الحافظة ممتازة ومثيرة للدهشة ما بين هيكل معماري متين، ونقوش وزينة وزخرفات في غاية الجمال والدقة.
كل شيء جاهز لإنجاز هذا المشروع التأريخي المعماري الهادف إلى دمج القصر الأصلي المكتشف ببقية أرجاء قصر إشبيلية الملكي. وبهذا الدمج ستتمكن إشبيلية من إكمال الحلقة الأندلسية المفقودة ونزع الغطاء عن التاريخ الإسلامي للمدينة بشكل كامل".

الجمعة، 8 فبراير 2019

المسارات المتقاطعة..

بقلم :ديك الجن

من الأسئلة التي حيرتني كما حيرت الجميع بلا شك.. هو السؤال الخالد.. لماذا خلقنا الله؟ وهو سؤال منطقي ومطروح بشكل دائم.. وللأمانة لم أقتنع يوما بالتفسير السلفي الذي استند على آية "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" وحصر مفهوم العبادة بالشعائر الفردية، أي أننا خلقنا لنصلي ونزكي وغيره.. لذلك ظللت أبحث وأبحث ويلح على هذا السؤال، حتى وجدت تفسيرا اطمأن له قلبي.. تفسير لم يجب فقط على سؤالي، لكنني وجدته يصلح أيضا كنموذج فسر لي الكثير من الأشياء.. ويطيب لي أن أطلق على هذا النموذج الذي أحدثكم عنه اليوم، اسم "نظرية المسارات المتقاطعة"..

النظرية تقول ببساطة أنه لكل إنسان فينا من لحظة ولادته حتى لحظة وفاته، مسار خاص يميزه عن مسارات الآخرين.. شيء أشبه بالطريق الذي تسير عليه السيارات.. لكن هذا المسارات كالطرق أيضا، متقاطعة بشكل يومي ولحظي.. قد يكون المسار قصيرا إذا متت وأنت طفل مثلا.. وقد يمتد حتى تبلغ من العمر عتيا، لكنه يبقى مسارا ببداية ونهاية.. وقد تكون لحظات تقاطعك مع مسارات الآخرين قصيرة ولحظية كابتسامة عابرة على رصيف، وقد تكون طويلة كزواج يمتد لخمسين عاما.. المهم أن هنالك تقاطعات..

وبما أن جميع هذا المسارات تنتهي في نقطة واحدة هي الموت.. تكون الحياة الدنيا هي المسار، والدار الآخرة هي الهدف والمبتغى بحسب الآية “وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا".. وهذا هو سر الخلق.. والسؤال إذن.. كيف يحدد الله أداء كل منا على مساره؟ ومن يحصد النقاط الأعلى؟ أي إذا كان الهدف هو وضعنا في مسارات متقاطعة فكيف يكون التقييم؟ النظرية تقول ببساطة أن التقييم يعتمد بشكل أساسي جدا، ليس على أدائك في مسارك، لكن على أداءك أثناء تقاطع مساراتك مع مسارات الآخرين.. وتأثيرك على مساراتهم سلبا أم إيجابا.. ولشرح هذا الكلام نأخذ عدة أمثلة..

اليتم مثلا.. اليتم بحسب هذه النظرية هو أن تفقد مسارا داعما بالفطرة لمسارك.. بحيث يصبح تقدمك في مسارك ضعيفا ومشكوكا فيه.. لذلك كان من أعظم الأعمال أجرا في الإسلام كفالة اليتيم.. وقال عنها النبي عليه السلام "انا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة" أي أنه ساوى بين النبي وكافل اليتيم للدلالة على عظم الأجر.. وبالمقابل، كان التحذير من أكل مال اليتيم في القرآن شديدا مرعبا، فقال تعالى "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا"..

بر الوالدين هو بحسب النظرية.. مساعدة شخص أفنى حياته ليبني مسارك.. ووجب عليك بعد أن قوي مسارك أن تساعده فيما تبقى له من مساره.. بر الوالدين ربط بعبادة الله سبحانه وتعالى مباشرة.. الزكاة والصدقة وكل التعاملات المالية.. هل هي إلا دفعة منك لشخص متعثر في مساره؟ الغيبة والنميمة.. أليست تدميرا لسمعة شخص ما وتقويض لمساره؟ الزواج وكل ما يتعلق به.. أليس كل أحكامه وضعت لكيلا تكون سببا في تدمير إنسان ارتبطت مسارك بمسارها أو العكس؟ السرقة.. ما هي السرقة سوى حرمان إنسان من مجهوداته التي وفرها لتساعده في مساره؟ وقمت أنت بسرقتها لتعيده ألف خطوة للوراء؟ وهكذا يمكننا بفهم هذا النموذج من تفسير كافة أحكام الإسلام.. والتي نلاحظ جليا منها أنها تتعلق بشكل مباشر لا بمسارك أنت.. بل بالطريقة التي تتصرف بها حين يتقاطع مسارك مع مسار الآخرين..

نقطة مهمة هنا هي القتل.. والقتل ما هو إلا إنهاء إجباري لمسار شخص معين أو عدة مسارات لعدة أشخاص.. مسارات لا تملك أنت فعليا حق إنهائها.. لذلك عندما تقتل إنسانا فأنت لا تنهي مساره فقط.. لكنك تقتل فرصته لتصليح مساره.. ولنفرض أن هذا الشخص كان سيئا مثلا.. لكن مساره يسمح له بالتوبة والتعديل.. فأنت عندما تقتله تكون سلبته هذه الفرصة.. من هنا فعقاب إنهاء المسار لا يكون إلا إنهاء مسارك أنت أيضا.. بالإضافة طبعا إلى غضب الله عليك لإنهاء مسار هذا الرجل (أو المرأة).. والتأثير على المسارات التي كانت تعتمد عليه كأولاده وعائلته الخ.. لذلك كان القتل من أعظم الحرمات عند الله.. لهذا السبب تحديدا..

بنفس المنطق يمكننا وبكل بساطة فهم مبدأ الشهادة.. أي أن يكون الإنسان شهيدا.. ومرجعي الأول والأساسي في هذا الفهم هو حديث الرسول عليه السلام "سيد الشهداء حمزة.. ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله" السؤال.. ماذا بالضبط فعل هذا الرجل حتى استحق لقب سيد الشهداء؟ بكل بساطة.. ضحى بمساره الشخصي لكي تكون مسارات الآخرين أفضل.. أي أنه ضحى بفرصته لتحسين مساره من أجل أناس لا يعرفهم.. وهذه هي التضحية التي استحق عليها أن تغفر ذنوبه, ويحشر مع الأنبياء والصديقين..

الحاصل أنني هكذا أرى الدنيا وهكذا أفهم الإسلام (وإن لم أكن ملتزما) .. وهكذا أفهم تصرفاتي وتصرفات الآخرين.. وهكذا أقيم نفسي والآخرين.. وأحببت أن أشارككم هذه الرؤية.. بدون طبعا أن يتم التركيز على الجانب السلبي للمسارات.. فبنفس القدر الذي من السيء فيها أن تؤذي مسارات الآخرين ولو بتعطيلهم في معاملة حكومية.. من الرائع أيضا أن تساعدهم في مساراتهم وتسرعها وتسهلها لهم.. الموضوع ذو حدين.. وهذا ما يجعل النبي محمد أعظم المسلمين لأنه ساعدنا جميعا في مساراتنا...


في الختام, بقي أن أقول أن ما دفعني بشكل أساسي لكتابة هذه المقالة، هو سخرية قرأتها على موقع تويتر من شخص يتحدث عن أن كسر قلب أنثى يستوجب أن لا تقبل صلاتك أو صيامك.. الخ.. وكانت التعليقات أن هذا الكلام على فقه الإمام تامر حسني.. طبعا لا شك أن تغريدة الشخص فيها الكثير من الخطأ.. لكن ضمن نظرية المسارات، فلا شك أن دخولك العابث في مسار حياة إنسانة لعدة سنوات ثم تركها بعد أن دمرت مسارها، هو شيء ستدفع ثمنه غاليا.. وغاليا جدا.. ولربما يكون الثمن أكبر بكثير من مجرد قبول صلاتك أو صيامك..