أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 23 يونيو 2015

كنتُ هناك ... مجموعة قصصية بقلم مجدولاين دحيّات


..... وسنكون هناك عزيزتي!


شاءت أقداري الحلوة أن تضع في طريقي هذه المجموعةَ القصصيةَ للمؤلفة الواعدة مجدولاين، وأن أكون واحدةً من أولئك الشاهدين ميلادَ الواعدين من أبنائنا وبناتنا، بهذه الإطلالة التي لا أودُّ تسميتها إطلالة نقدية، بقدر ما أقول إنها إطلالةٌ عاطفية على عملٍ أدبي وفني، يعِدُ بكثيرٍ في مستقبل الإبداع، فما زلتُ أؤمن أنَّ في النقد جانباً ذوقياً انطباعياً لا انفكاك منه، ويحق له أن يبقى أمام النظريات النقدية الصارمة، وقوالب النقد المنهجي.
لهذا حين وقع هذا الكتابُ اللطيفُ في يدي للمرة الأولى، وقع في قلبي بلا استئذان؛ إذ يحمل في عتباته اسم كاتبته-التي لا أعرفها شخصيا- مجدولاين، وهو اسمٌ له في نفسي أشياء وأشياء..اسمٌ قرأتُه بقلبي لا بعيني (مجدولين)، في تناصٍّ صريح والقصةَ الأولى الطويلة التي عاشت معي وأنا شابة في مقتبل العمر، وسحرتْني بعضَ سحرٍ كلماتُها وحوادثُها... وأبقى في عتبة الاسم (مجدولين) الذي تحمله المؤلفة، وهو بعضٌ من قلبي، بعضٌ مني، إن بعضَه (مجد)، وهو اسم ابنتي!
***
من عاداتي التي لا أتخلى عنها حين أمسكُ كتاباً لأول مرة، أنْ أقلِّبَ في افتتاحاته الخطابية سريعا؛ من صفحة العنوان في العتبة الأولى للكتاب، إلى الإهداء... حتى كلمة الناشر –في عتبة الجلادة- آخر ما يلاقينا من الكتاب, وحين وقعتُ في الصفحة الأخيرة على سطور حياة الكاتبة الشابة، وقعتْ هي في قلبي، فهي بعمر ابنتي كذلك، لتتنزَّل في نفسي صورة أم وابنتها، معلمة وطالبتها .. لا ناقدةٍ تحمل مشرط النقد وعصا القواعد، قدر ما تحمل دعاءً وتوجيهاً وثناءً لأبنائنا المتميزين؛ الذين ما فتئوا كلَّ يوم يجددون فينا أنَّ الأملَ فيهم لا يخيب.
***
هذه التوطئة الواقعة في قلبي، التي بُحتُ لكم بأسرارها، ما كانت لتمنع مني المسؤوليةَ في قول كلمة حق بحق هذا العمل، الذي يستحق أن يقال فيه ويقال له.
حين استوقفتْني إضاءةُ مجدولين على عتبة قصصها الواقعية، ظننتُ، وبعضُ الظن إثم، أنني أمام طالبةٍ ستعيد على مسامعنا حكاياتٍ ربما مرَّت بنا، وفرَّت منا في زحمة الحياة، أو ستملأ صفحاتِ كتابها بقصص تنتهي بخاتمةٍ تذكرنا بالسؤال الذي كنا نُسأَل دوماً حين ننتهي من قراءة قصة: ما الدرسُ المستفاد، وما الذي تعلَّمته منها؟
هكذا كان ظني .. وقد خاب! لأجدُني وأنا أنتقل في قصص مجدولين من بابٍ إلى باب أنسى من كانت وقعت في قلبي قبل أن أقرأ لها، وأنسى خاطراً خطر في نفسي أنَّ هذا العمل ربما يكون أشبه بتجاربَ ، لا تتمايز بكثيرٍ عن خطرات تبوح بها أقلامُ المراهقين والمراهقات، في فسحةٍ من العمر ستمضي وستنقضي! لكني وجدت في الأمر اختلافا كبيراً، وقفتُ فيه أمام قلم كاتبة تتقن صنعتها.
وهكذا ولجتُ البواباتِ السحرية لمجدولين: عنوانَ قصة، ولوحة فنيةً –بالتأكيد كنتُ أفضِّلها مطبوعة بالألوان – ثم ها أنت في فتنة الكلمات وجاذبية السرد تنسى ما قد في نفسك من قلبُ، وتغرق في وهمٍ لذيذ، لا يقدر عليه إلا المبدعون: إنْ هذا إلا قلمٌ تمرَّس الإبداع، وعينٌ أتقنت الملاحظة، وكلماتٌ أجادت الوصف!
***
فإذا وقفتُ الآن على بعض ما يمكن أن يُقال في هذه المجموعة القصصية، فإنها مجموعةٌ تستحق أن تُقرأ، ولتسمحوا لي بتشجعيكم وأولادكم على قراءتها، هي مجموعة لطيفة من أربع عشرة قصة قصيرة، تقابلكم عناوينُها في فاتحة الكتاب، ثم اتركوا لأنفسكم بعد ذلك أن تأخذكم حيثت تشاء، وسوف تجدون أنكم في ذلك الذي يفتن ويسحر: في السرد والقَصِّ والحكي ...وقعتم!
***
لا أضيف جديداً على ما قالت المؤلفة حين وصفت قصصها بأنها واقعية، وهي كذلك بامتياز، إذ أتقنت منذ الخطوة الأولى اختيار محتوى القصص، فمَن منا يظن أن اللوحاتِ والمشاهدَ الرتيبة التي نألفها، وتتكرر يومياً لدى آلاف الناس، قد تكون لُحمةَ عملٍ مبدعٍ حين تــنسجه الكلمات؟
أزمة المياه؟ كباكيب الصوف الملوّنة؟ الحرب على جهاز التحكم بالتلفاز؟ الفطور الصباحي: فول حمص فلافل وخبز وخيار وبندورة ؟؟ لقد خلقتْ مجدولين من هذه التفاصيل وغيرها ..قصصاً تُحكى!
ولأجل هذه الواقعية أتقنت المؤلفةُ ملاحقة التفاصيل الصغيرة للمكان والزمان والشخصيات، وقبضت على المشهد بصورها وعباراتها، حتى تأتَّى لها السردُ الجذاب المقتضب، يشدُّ القارئ دونما ضجر، وفي هذا كان لها من التوفيق نصيب، في عدد من الصور الفنية التي صاغتْها بعبارات قريبة من الروح .
***
وسعياً لهذه الواقعية كان المحتوى سرّاً من أسرار حكاياتها، ففي (أرواح مشوهة) وفي (ذكريات الطفولة) التمييز في مجتمعنا بين الذكر والأنثى، انتصاراً للذكر، وهي تجربة مرَّت على بناتنا، وما زالت التجربة مستمرة! تتشابه القصص على اختلاف التفاصيل.
أنتِ بنت وهو ولد!
"لقد كبرتِ ..وأنتِ الآن من يحتاج إلى حارس!".
وفي (كراكيب) الطرافةُ والفكاهةُ ..والمفارقة! " يا للمصادفة..لقد أنهينا العملَ معاً، أنا واللصوص، .. وانتهى الأمرُ بأن أصبح منزلي فارغاً من الداخل والخارج!".
حتى عرائس البحر في (إلى القمة) لا تجعل القصص تفلت من سمت الواقعية، حلم غريب لشاب يجعل من عقود اللؤلؤ.." حباتِ العرق التي تسيل على جبينه وهو يسعى لتحقيق أهدافه في الحياة".
وكم نحتاج إلى اللؤلؤ في حياتنا ... ونحتاج إلى عقود تزيّننا!!
*****
أما الدهشة التي أجدها من أسرار إبداع مؤلفتنا الواعدة، فهي دهشة الخواتيم! لقد أدهشتني حقاً في نهايات بعض القصص بذكائها في خواتيمَ تأتي على غير انتظار، تفسر ... تضيء ما قد سلف، وتنمّ على ذكاء مبدعتها.
في (مساواة) خاتمة يتساوى فيها مصيرُ امرأة بمصير نملة! نملة
 تماهت وإياها .. حدَّ النهاية الفظيعة!
وفي (شمعة حب) انتهى الصراع على [ريموت التلفزيون] بمجرد ضغطة على قاطع الكهرباء، جعلت الأُسرةَ تغرق في ظلام، ظلام أعاد إلى قلوبها نور المحبة، ودفئاً كان مفقودا.
وفي (غرفة 24) تدهشنا بأننا حين يحضر الموت ويشخص البصر، سنبقى جميعا في تلك الحالة أيضا، سنبقى في الانتظار!
أما في (متّ..بكرامة) فالنهاية كانت موجعة.. قاسية قد لا تُحتمَل؛ حين يختار الابنُ الامتثالَ لأمر أبيه، وكم منّا يقدر عليه؟! فيضع حدّاً لحياته التي لوَّثها الإيدز إذ ".. ربما عاش لنفسه، لكنه يموت من أجل أسرته".
***
ومع الدهشة أختم كلماتي لأقول: مدهشةٌ أنتِ يا مجدولين! وأنتِ تسيرين على درب الإبداع، حيث سنكون كلُّنا هناك بانتظار قلمكِ... بانتظار كلماتك... بانتظارِ كلِّ جميلٍ منكِ مأمولُ!


الأربعاء، 10 يونيو 2015

الأدب الأندلسي في الدراسات الاستشراقية البريطانية


https://hmsq8.wordpress.com/2015/06/08/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%AF%D9%84%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D9%82/

الأدب الأندلسي في الدراسات الاستشراقية البريطانية

  
الأدب الأندلسي في الدراسات الاستشراقية البريطانية
رشا عبدالله الخطيب

من مجالات القراءة التي شغفت بها في السنوات الماضية ولا زلت، تاريخ الأندلس عمومًا، وما يتصل به من دراسات وأعمال قديمة وحديثة، عربية أو مترجمة، وكذلك مجال الدراسات الاستشراقية، سواء ما أنتجه المستشرقون أنفسهم، أو الكتابات العربية النقدية لإنتاج المستشرقين عمومًا، وفي هذا الكتاب، وجدت المجالَين مضمومين في موضوع واحد طريف وغير مسبوق، فكان حافزًا قويًا لدي لاقتناء الكتاب وقراءته حالاً.

وعمومًا، فالكتاب يبحث موضوع المستشرقين/المستعربين البريطانيين وعلاقتهم بدراسة الأدب الأندلسي، وفي مقدمة الكتاب تضع الباحثة رشا الخطيب عدة تحديدات لعنوان كتابها في ذهن القارئ قبل أن يشرع في قراءة الكتاب، ومن أهم هذه التحديدات:
– أن عبارة “الأدب الأندلسي” تشير إلى “الأدب بمعناه الإبداعي، أي النصوص الإبداعية من شعر ونثر وما ينضوي تحتهما من فنون أدبية متنوعة عرفتها الأندلس وأبدعها أعلامُها”.
– وأن كلمة “الاستشراق” الواردة في العنوان، ورغم عدم مناسبتها جغرافيًا حيث أن كلا الدارس والمدروس يقعان جغرافيًا في الغرب، إلا أن الباحثة تؤكد على أن الشرق هنا يؤخذ “بمفهومه العام الحضاري والثقافي، أي الشرق الذي يقصد به بلاد العرب والمسلمين”، وذلك في إطار تاريخ الأندلس، ووجود المسلمين فيها.
– أما كلمة “البريطاني”، فتوضح الكاتبة أن المقصود بها هو كل من كان يعمل في الهيئات العلمية والجامعية في بريطانيا، وليس بالضرورة فقط أولئك الذين يحملون جنسيتها.
ثم بعد هذه المقدمة، والتوضيحات الجانبية، يبدأ الكتاب الذي يقع في بابين اثنين هما:
– الاستشراق البريطاني والدراسات الأندلسية: توطئة عامة ونظرة تاريخية.
– الدراسات الأندلسية في بريطانيا: المنجزات العلمية والمنهجية.
وفي نهاية الكتاب، تضع الباحثة مسردَين أولهما يتعلق بالمستشرقين البريطانيين المهتمين بالتراث الأندلسي، والآخر مجرد قائمة بالمقابل اللاتيني لأعلام المستشرقين عمومًا.
ومنعًا للإطالة، أورد أهم ما تستخلصه الباحثة الخطيب في كتابها هذا:
– أن الدراسات البريطلنية المتعلقة بالأدب الأندلسي تعتبر قليلة إذا ما قورنت بالدراسات الفرنسية والإسبانية، إلا أنها كانت إضافة نوعية، أثبتت حضور بريطانيا في هذا المجال من الدراسات.
– عمومًا، تعتبر المدرسة الاستشراقية البريطانية جزءًا من النظرة الغربية العامة تجاه الأندلس، تتفق معها في أشياء، وقد تفترق في أخرى.
– أن المستشرقين الإنجليز الذين تناولوا الأندلس عمومًا، لم يكن التخصص الدقيق لغالبيتهم هو الدراسات الأندلسية، وإنما هم في الغالب من المستشرقين والمستعربين المهتمين عامة بالدراسات العربية والإسلامية.
– أن النشاط الاستعماري لبريطانيا، أثّرَ في توجهات المستعربين البريطانيين ومساهماتهم العلمية، مما جعل إنتاجهم أقل بكثير مما أنتجه المستعربون الفرنسيون والإسبان فيما يتعلق بالأندلس، وهذه إشارة قوية للعلاقة الوثيقة بين الاتجاه السياسي للدولة، وتأثيره على جهود الباحثين المنتمين له.


والقارئ سيجد متعة في قراءة واستكشاف تاريخ الدراسات العربية عمومًا في بريطانيا بين دفتي هذا الكتاب، فالباحثة الخطيب اهتمت في كتابها بأن تقدم إضاءات كاشفة على تاريخ الاهتمامات البريطانية بدراسة اللغة العربية، ودوافع هذه الاهتمامات، وصورها ومجالاتها، كما أنها تناولت موضوعًا مهمًا وهو جمع المخطوطات العربية في بريطانيا وفهرستها.
وعند العودة لموضوع الكتاب الرئيس، تجد الباحثة أن أهم القضايا التي شاركت المدرسة البريطانية في مناقشتها في الدراسات الأندلسية تقع في ثلاثة مجالات تكاد تكون قريبة، وهي:
– التأريخ للأدب الأندلسي.
– الأثر العربي في الآداب الأوروبية.
– الموشحات والأزجال الأندلسية.
وتُفصِّل الحديث عند مناقشتها لاتجاهات الباحثين البريطانيين ومواقفهم من هذه القضايا الثلاث، وتذكر بعض المعارك العلمية التي دارت رحاها بين الفرق العلمية الأوروبية التي تباينت رؤاها حول كل قضية.

باختصار الكتاب يعد ذات قيمة حقيقية فيما يتعلق بالاستشراق البريطاني عمومًا، ورغم قلة الإنتاج البريطاني المتعلق بالأندلس، إلا أن هذا لا ينفي الدور المبكر للمستعربين البريطانيين في تناول الأدب الأندلسي، بالتحقيق والترجمة والفهرسة وغيرها من النشاطات العلمية.