أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 4 نوفمبر 2017

ألا يحدث ذلك أيضاً عندنا...؟

بقلم غادة السمان 
الصحافة الحرة ملكة الجرأة وفضح الحقائق المسكوت عنها. يتهامس عنها العارفون بالفضيحة هم كثيرون، ويسكتون كتقليد اجتماعي تدعمه المصالح المادية.. والنجومية!
وهكذا قامت جريدة «نيويورك تايمز» في أكتوبر/تشرين الأول بالكتابة علنا عن تحرشات جنسية معروفة ومسكوت عنها مهينة للكثير من نجمات السينما الهوليودية والعالمية بطلها هارفي واينستين المنتج والقطب الكبير من أقطاب صناعة السينما والنجوم الذي كان وراء فوز عدد كبير منهم بجائزة الأوسكار الشهيرة وسواه في أفلام أحسن اختيارها وموّلها. والأمثلة لا تحصى على النجاح الذي يستطيع ذلك القطب الهوليوودي الشهير هارفي واينستين توفيره لمن يدعمهم، كالفرنسية ماريون كوتيار التي نشرت صورتها مجلة (بوبليك) الفرنسية على غلافها و(الرفيق) واينستين يضمها إليه (20 تشرين الأول/أكتوبر 2017)

هل أكلن الطعم وبصقن على الصنارة؟

سكتت نجمات الغرب طويلا على ممارساته: 30 عاما!.. 
هذا ريثما اشتهرن!! … ويقمن اليوم (بتصفية الحسابات) كما يقال.
النجوم (الذكور) الكبار ومنهم راسل كراو ومَث دامون، و«بن أفليك»، وحتى جورج كلوني كانوا يعلمون بما يدور ويتسترون عليه لمصالحهم.
النجمة روز ماكغوين مثلا اتهمت أفليك الذي استنكر أفعال المنتج الكبير بأنه كان على اطلاع على اغتصابه للعديد من النجمات كي يحافظن على دعمه لهن وسكتن على ذلك وأنها شخصيا شكت إلى افليك ما حدث لها وأن أفليك نصحها بالصمت.! وثمة صحافية كتبت حول ذلك منذ عام 2004 مستنكرة ممارسات واينستين في مجلة «هوليوود اليوم» وطالبت فيه بمحاكمة المتسترين على أفعاله من كبار النجوم الذكور أمثال دامون وافليك وراسل كراو بتهمة المشاركة في الجرم، ولكن تم إسكاتها وإحراق المقال… في المقابل يقال إن الكثيرات رضين بأكل الطعم الجنسي للمنتج المنهوم جنسيا مقابل الشهرة والنجاح وهن اليوم يبصقن على الصنارة الجنسية التي «شهرتهن»!؟

كرة الثلج الملتهبة بين هوليوود وباريس

وما كاد المقال حول التحرش الفضائحي لواينستين المسكوت عنه يصدر في جريدة «نيويورك تايمز» كرة صغيرة من الثلج حتى تدحرجت الكرة وكبرت وصارت تغطي هوليوود وفرنسا وسواها باستثناء أنها ليست كرة من ثلج بل من نار الفضائح والعلاقة المتواطئة بين (الضحية) و(الجلاد). وها هي شهادات الفضح تتوالى وتدين المتحرش سيد أهم ستوديوهات هوليوود والمدير لشركتي انتاج هما بمثابة مصنع لتعليب النجوم شرط مرور النجمات على سريره لإثبات مهارتهن (الإبداعية)! وأصداء تلك الفضيحة دوت في الصحافة الغربية، ولم أشتر في الأسبوعين الماضيين مجلة بالفرنسية أو بالإنكليزية إلا وفيها بعضا من الحكايا والشهادات ضد شراهته الجنسية وتغوله، ولا أعني مجلات الفضائح فحسب بل الجادة كمجلة (باري ماتش) الباريسية مثلا التي أفردت للحكاية عدة صفحات مع ألبوم لصوره على السجادة الحمراء في «مهرجان كان» وهو يخاصر النجمات المنتشيات بالشهرة اللواتي قلن فيما بعد إنهن كن (ضحايا) له!


نموذج للإزدواجية صالح لفيلم ولرواية!

الطريف أن واينستين كان زوجا «مثاليا» لممثلة جميلة هي جورجينا شايمان التي قررت طلب الطلاق!؟ وبالذات بعدما قرأت شهادات نجمات كبيرات أمثال انجلينا جولي، غوينث بالترو، آشلي جود. إيما دي كون، روز ماكغوين. والقائمة تطول والاتهامات لا تطاله وحده بل الذين نصحوهن بالصمت خوفا من نفوذه… وهو صمت دام ثلاثة عقود، وحبل الكذب طويل جدا فيما يبدو!
إحدى النجمات تروي أنه طلب منها الصعود إلى جناحه في الفندق الفخم مدعيا أنه يعقد فيه اللقاء الفني، وحين صعدت وجدته وحده وعاريا في (برنس) الحمام ولا أستطيع أن أذكر للقارئ بقية الحكاية ناهيك عن سواها مما لا يليق نشره.
وهكذا بعدما حوصر واينستين بالفضائح اعترف بها وأعلن ندمه وأنه مريض جنسيا وسيذهب للعلاج (!) تراه في حقيقة الأمر «د. جيكل ومستر هايد» باختياره وبكامل صحو شهواته.

في بلاد «شريعة الصمت»: العقاب للصدق
قد يتساءل القارئ، ما صلتنا كعرب بتلك الحكاية؟ صلتنا وثيقة، فذلك يحدث عندنا أيضا، أي الصمت على الفضائح باستثناء أن الصمت عندنا لا يطال فقط حقل النجومية والمطربات الكبيرات والصغيرات الطامحات والممثلات الراضيات بصنارة بعض المسؤولين الكبار عن صناعة النجوم بل يطال حياتنا السياسية والإنسانية والاجتماعية والمالية والجنسية أيضا. 
والشعار عندنا لخصه قول الشاعر:
يا ناس لا تتكلمــــوا إن الكلام محرم
ناموا ولا تستيقظوا مـا فاز إلا النُوّم

ما يدور عندنا ليس في حقل النجمات الصاعدات فحسب بل وأولا في مناحي حياتنا كافة، والذين يصمتون ولديهم من المعلومات والأسرار ما يمكن له أن يزلزل حكاما في حقل الديكتاتورية والقلائل يقومون بالفضح خوفا من الأذى الذي يمكن أن يطالهم أو يطال أُسرهم..
وفي بلادنا، بلاد (الهص الهص) نعرف أن المرأة لا تجرؤ على فضح مغتصبها خوفا من تزويجها به وشقيقها لا يجرؤ على فضح الحاكم خوفا من صمت الإعلام رغم أصداء الصراخ في زنازين السجون..
فمن يجرؤ عندنا على شهر لائحة الاتهام ضد قطب سياسي وإعلان الرفض لممارساته المشابهة لا مع النساء وحدهن بل مع وطن بأسره؟!
فنحن بلاد «الهص الهص» بامتياز ويا ناس لا تتكلموا لأن الكلام محرم!!