قبل أكثر من سنتين عثرتُ مصادفة بقناةٍ تلفزيونية جزائرية، هي قناة (سميرة) وهي قناة مخصصة للطبخ... وقد أعجبتني كثيرا فوضعتُها على قائمة المفضَّلات في التلفزيون.
وما زلتُ من ذلك الوقت وأنا أشاهدها يومياً ولو لنصف ساعة.
ربما لم أعمل شيئاً من الوصفات المقدمة، ولكن مجرد متابعة برامج القناة بمذيعيها ومطابخها والصور واللقطات التلفزيونية فيها، وحتى متابعة الإعلانات التجارية -أو الإشهار على رأي إخوتنا المغاربة - هي متعة بحد ذاتها.
ومثل كثير من القنوات المخصصة للطبخ تستضيف بعضُ البرامج سيدات كبيرات في العمر والقدْر والخبرة، لتقديم المأكولات التقليدية، ولكني كنتُ دوماً أشعر أن إقحام سيداتنا الكبيرات وأمهاتنا الجميلات في تلك البرامج، هو إقحام فجّ.. وتجاري أو متسرع غير مدروس.
أما الأمرُعلى قناة سميرة فإنه لمختلفٌ جدا!!
فمنذ مدة وأنا مشدودة لملاحظة أن تلفزيون (سميرة) يستضيف سيدات كبيرات لتقديم الأطباق الجزائرية التقليدية بطريقتهن العفوية البسيطة وأمومتهن الرقيقة وملابسهن التقليدية الزاهية.. ولكن استضافتهن ليست كمثلها على القنوات الأخرى، بل إنهن مثل نسمة الربيع: طبيعية رقيقة تضفي على الحلقات والمأكولات روحاً من المحبة والفكاهة والألفة التي تجعلهن قريبات من قلوبنا ومطابخنا..
واليوم أسعدتنا (الخالة دوجة) بحلقتها الجميلة وضحكتها القريبة من القلب، ووجهها البشوش الذي يشع أملا وحيوية، قد تفتقدها كثير من الصبايا والسيدات في مقتبل أعمارهن.
الخالة دوجة.. صاحبة الوجه الكلثوم والضحكة اللؤلؤية |
ابحثوا عنها واستمتعوا بمشاهدتها تعد الأطباق من قلبها .. وتأملوا في وجهها الجميل القسَمات؛ كي تمنحكم فسحةً من الراحة والجمال والأمل بأنه ما زال في الحياة شيء جميل!
****
وفيما يلي ما كنتُ كتبته عن القناة سابقاً في 2015.
منذ أسابيع وقعتُ على قناةٍ تلفزيونيةٍ جزائرية للطبخ هي قناة سميرة، ربما لا أكون من هواة الطبخ، على الرغم من أني أستمتع به في كثيرٍ من الأحيان.
ولأننا في عصر الصورة وعصر الشاشات استهوتْني أولَّ الأمر في القناة - المطابخُ الأنيقة جداً التي لا تخطئها ذائقة، والأدواتُ المطبخية الزاهية الألوان، البالغة الفخامة، كانت تلك الأناقةُ عاملَ الجّذب الأول لمتابعة برامج سميرة طيلة الساعات التي أخلو فيها إلى كتاب، وأحتاج برفقته إلى صوتٍ يملأ صمتَ الأثير.
ثم وقعت اللحظةُ التي تركتُ فيها الكتابَ وشُغِفتُ بمتابعة البرامج صورةً وصوتاً، فما سرُّ الجاذبية في برامج سميرة بين هذا الكمِّ الهائلِ الذي يفيضُ به الفضاءُ من برامج إعداد الأطعمة والأطباق اليومية والموسمية؟!
والحقُّ يُقال: إنها أسرارٌ وليست سرّاً واحداً!! وإذا ما كان لي أن أبوح بها فالسرُّ الأول الذي يقذفُ في القلبِ راحةً تبعثُ على متابعةِ سميرة- هو أنكَ قريبٌ من برامجها؛ ذلك أنَّ السيدات، والرجال، الذين يقدمون البرامج قريبون منا، إنهم أمي وأمُّك، أختي وأختك، أبي وأبوك، نعم، هم مِنّا! فأنت لستَ أمام (شيف) يمتهنُ إعدادَ الأطباقِ الفخمةِ في أرقى المطاعم فحسب، إنهم هذا وأكثر؛ هُنَّ وهم في معظم الحلقات لا يرتدون (جاكيت) الطباخ، ولا يعتمرون قبّعته البيضاءَ العالية المميزة، ولا يرتدون القفازات المطاطية التي تَحولُ بين عواطفِ الطباخِ وأحاسيسه، وبين مكوِّناتِ الأطعمة التي يعدُّها بيديه فيكون للوجبة مذاقٌ لا يشبهُه مذاق! وغالبية السيدات الطبّاخات في برامج القناة يرتدينَ حجاباً للرأس كحجابي وحجابِكِ، لتقول إنها مني ومنكِ قريبةٌ أيتها المشاهِدة، وليست كائناً فضائياً يهبط علينا من كوكب بعيد في أقصى المجرة!
ومن أسرار الجاذبية الأخرى في برامج قناة سميرة: التلقائية والفطرة، وقد تتساءلون كيف ذلك يكون؟! في برامج مسجَّلة ومُعَدَّة مُسبقاً؟!
فإلى جانب ما ذُكِر آنفاً من مظهرٍ أنيقٍ بسيط للطبّاخين والطبّاخات؛ بما يجعلهم قريبين إلى القلب، فإن سرَّ التلقائيةِ والفطرة هو الآخر لا يجعلهم فقط قريبين من القلب، بل يجعلهم في القلب أيضا؛ إذ قبل البدء بإعداد الأطباق والأطعمة، تــنْبَجِــسُ الشفتان في كل حين بفطرةٍ وتلقائية عن: (باسمِ الله)، عبارةٌ من كلمتين فقط تُختَصَر فيهما كلُّ آدابِ و(إيتيكيت) المائدة والمطبخ، في وقتٍ أصبح بعضُنا يخجلُ من الأكل باليد اليمنى في الحفلات و(البوفيهات) لأن ذلك يخالف (إيتيكيت) الأكل عالمياً، أو يخجلُ من التقاط الطعام المتساقط وأكْلِه بعد التسمية عليه، وأصبح يخجلُ من موروثاتٍ اجتماعية ومعتقداتٍ دينيةٍ متصلةٍ بتقاليد المائدة والطعام؛ على الرغم من أنني ما زلتُ شخصياً حين أنظِّفُ الخضراواتِ الورقيةَ - كالخسِّ والبقدونس- بالماء الجاري ومنقوع الماء المملَّح، لا أقتنع أنها أصبحت نظيفةً تماماً وجاهزة ً للأكل، إلا بعد قراءة دعاء: "بسم الله الذي لا يضرُّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء" عليها، وما زلتُ حين أبدأ بإعداد العجين بالذات، للمعجنات والبيتزا، لا أقوم بذلك إلا بعد أن أتوضأ!
كلمتان فقط (باسمِ الله).. ما أجملَ وقعهما على الآذان! حين تتدفَّقُ بتلقائيةٍ من مقدمِّة البرنامج وهي تطبخ، فتمنحُ الطبخَ على التلفزيون بهجةَ الأمومة؛ حيث الأمُّ وهي تطبخ، تُتَمتِم بدعائها كي يكونَ مذاقُ الطعامِ شهياً هنيّاً على عائلتها، فلا يأخذُ الطعامُ طريقَهُ إلى المعدة إلا عندما يغمرُ القلبَ بالذكرى والحب؛ بحيث يجعلُ الصغيرَ يقول: "طعامُ ماما أطيب طعام؛ لأن فيه الخلطة السرية: إنه الحب!".. وبحيث يكبر الصغار وما يزال لـ(طبيخ الماما) نكهةٌ لا تعوّضها أطباق الزوجات ولا الأخوات ولا الأخريات!!
وتكمن التلقائيةُ والفطرةُ والأمومةُ على برامج قناة سميرة، في تعامل الطبّاخات بأظافرهنّ القصيرة، العارية من طلاء الأظافر، والعاطلةِ من الحليِّ والمجوهرات- في معالجة العجين واللحوم والدجاج وغيرها باليد دون حواجز وبلا خجل، ومعالجة بقايا الأطعمة في الأواني حتى نهايتها، دون إلقاءِ المقدار الزائد من الكمية في المهملات؛ فكثيرٌ من برامج المطبخ على فضائياتنا أصبحت استعراضيةً إلى درجة منفِّرة، وبعيدةً عن روح مطابخنا القائمة على (العونة) و(البَرَكة) و(السُّبْحانية): فالكثير من أمهاتنا وجدّاتنا مثلاً لا يعرفْنَ المقاييس ولا المكاييل التي تدخل في إعداد أطباقنا العصرية، وإذا ما سألتَ واحدةً منهنّ عن مقاديرِ طبقٍ مُعيّنٍ نتلذَّذُ بمذاقِهِ من (تحت إيديها) تراها تقول: عالبركة يَمَّا ! ... فما أطيب تلك البَرَكة! وما ألذَّ طعمها! وإلى وقتٍ قريب كانت العائلةُ تجتمع على طبقٍ كبيرٍ تأكل منه جميعا؛ لأن في ذلك بركةً نفتقدها اليومَ حين تُوَزَّعُ البرَكةُ في أطباقٍ كثيرة، صغيرة وكبيرة، عميقة ومسطَّحة .. حتى ضاعت البرَكة!
هذه بعض أسرار سميرة ، قناة الطبخ الجزائرية الأنيقة الرفيقة القريبة من القلوب، أدعوكم لتجربةٍ جميلةٍ وممتعة مع سميرة، في مطبخٍ متميز وبنكهةٍ أكثر تميزاً!
ملاحظة: هذه الخاطرة ليست إعلاناً مدفوع الأجر، إنها من القلب إلى....المعدة!