بقلم: رجاء العيادي
كثيرا ما تتساءل الأمهات إن كن أمهات جيدات لأبنائهن.. كثيرا ما تصاب الأم بالاحباط وهي تقارن نفسها بصديقتها أو ابنها بابن قريبتها.. أمهات يسعين للمثالية في تربيتهن لأطفالهن حتى لو لم يسعين إليها في أنفسهن..
ففي ظل انتشار صفحات الأمهات اللواتي يشاركن أنشطتهن مع أطفالهن؛ هذه تقوم بنشاط حسي حركي، وأخرى ترافق ابنها إلى نادي السباحة، وتلك تدرس ابنها بأحدث الانظمة النعليمية، وهذه تحفظ أبناءها القرآن منذ السنتين، وتلك أنشأت لابنها مسجدا في البيت، ناهيك عن التي تبدع في الأطباق المتنوعة والمزخرفة.. تجد الأم تتحسر بين هذه الصورة وتلك وتلوم نفسها لعدم قدرتها على توفير ما توفره الأمهات لأبنائهن، ولو أن تلك المشاركات قد يكون الهدف منها التشجيع وتبادل التجارب..
فاجأتني ابنتي في أحد أيام عطلة نهاية الأسبوع، التي لم يتيسر لنا فيها الخروج إلى أحد الملاهي أو الحدائق كما اعتدنا، فاكتفينا بمشاهدة أحد الأفلام في البيت منكمشين تحت غطاء واحد، فقالت: أمي، هذه أجمل عطلة نهاية أسبوع أمضيتها في حياتي.. وكذلك ابني الذي يفضل ألف مرة أن ألعب معه الكرة بكل عفوية على أن أسجله في أحد نوادي كرة القدم..
أنتِ، أسرتك، أبناؤك.. لستم نسخة من أحد، وليست هناك وصفة موحدة للتربية الناجحة والأسرة السعيدة.. كل له ظروفه وكل له شخصيته، وكل أسرة لها تركيبة خاصة بها تجعل منها حالة مختلفة تسعد بطريقتها وتربي بوسائلها وتعيش بنمطها..
يحز في نفسي عندما أجد أمّاً تشتغل وقلبها يتحرق على ابنها الرضيع الذي تركته مع المساعدة أو الجارة أو الحضانة.. وتجلد نفسها كل يوم على هذا الوضع، لأنها لم تعط طفلها حقه كما تفعل الأمهات المثاليات..
إنْ كنت قد اخترت العمل أو الدراسة، بعد أن فكرت مليا في الأمر وراعيت في ذلك جميع الظروف المتعلقة بهذا القرار من ظروف مادية واجتماعية وثقافية وشخصية، وراعيت فيها وضعية أبناءك، والاختيارات المتاحة.. وسددت وقاربت وتبين لك أنه القرار الأنسب في ظل كل تلك الظروف، فانطلقي إلى عملك وعيشي في سلام مع نفسك واعلمي أنك لم تظلمي أحدا وأنك أم مثالية.. وإن كنتِ قد اخترت عدم العمل ورعاية أبنائك بنفسك، لأن هذا أنسب بالنظر لظروفك، فأنت أم مثالية..
الأم المثالية قد تغضب وقد تصرخ، وهذا لا ينقص من قيمة أمومتها شيئا.. الأم المثالية قد تكتفي بوضع فطيرة خبز بالجبن وتفاحة في محفظة ابنها ليتناولها في الغذاء.. الأم المثالية قد لا تستيقظ باكرا لتعد الفطور لأبنائها في الصباح وتعطيهم تمرات وحليب.. الأم المثالية قد لا تراجع مع أبنائها دروسهم ولا تساعدهم في حل واجباتهم.. الأم المثالية لا تقوم بالضرورة بأنشطة المونتسوري مع أبنائها في البيت.. الأم المثالية قد تذهب لممارسة الرياضة وتترك أطفالها مع المساعدة… الأم المثالية قد لا ترضع طفلها حولين كاملين..
الأم المثالية تعطي أفضل ما عندها في ظل ظروفها.. فهذه تصبر وتعطي أفضل ما عندها في ظل قهر زوجها لها.. وتلك مطلقة تشتغل وتعطي أفضل ما لديها في ظل ظروفها.. والأخرى مريضة تكابر وتعطي أفضل ما لديها في ظل تعبها.. وأم عصبية تحاول أن تعالج الأمر وتعطي أفضل ما عندها في ظل عصبيتها.. والمتفرغة تلاعب أبناءها وتعطي أفضل ما لديها في ظل تفرغها.. والغنية تدرس ابنها في أحسن المدارس وتعطي أفضل ما لديها في ظل غناها.. والطالبة تدرس وتعطي أفضل ما لديها في ظل انشغالها..
فيكفي أن تحبي أبناءك وتغدقي عليهم من حنانك، تمضي معهم وقتا نوعيا ولو كان قليلا، تسعديهم بما يحبون، تقتربي منهم في ساعة فرحك، وتعتزليهم ساعة غضبك.. حاولي أن تبحثي في عالم التربية وتستفيدي من التجارب، ونزليها بتصرف وفق امكانياتك وتطلعاتهم.. أعطيهم أفضل ما عندك في ظل ظروفك..
وأبشري فأنت أم مثالية..