أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 14 أكتوبر 2017

حذار من تصديقهم دائما!

غادة السمان
http://www.alquds.co.uk/?p=808272

قرأت في الصحف عن إشكالية مدرسية أثارها الأستاذ محمد خمريش ـ من جامعة «الحسن الأول» في المغرب ـ بسبب سؤال طرحه على التلامذة في الامتحان، وأثار سؤاله استغراب العديد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بل والاستنكار «للجهل الفظيع لدى بعض أساتذة الجامعات». كما قال بعضهم. ولا ادري ما إذا كانوا على حق ام لا، لأنني لم أطلع على السؤال إياه. ولكن ذكرني ذلك كله بحكاية شخصية حدثت لي وعلمتني عدم الثقة كثيرا في البيت الشعري الذي يقول:

قــم للمـعــلم وفــــه التبجــــيلا
كـاد المعــلم أن يكـــون رســـولا..

ولكنه ليس كذلك في بعض الأوقات.. ولي تجربة شخصية (تحذيرية) لسواي في هذا الحقل.

ابنك لا يصلح للعلم!
لا زلت أذكر اليوم الأول لإبني في المدرسة حين وقفنا على الرصيف والده وأنا ومشى للمرة الأولى إلى داخل المدرسة، بعدما التفت نحونا نصف خائف وفرحنا بدخوله إلى «حقل العلم»..
وبعد عام من ذلك اليوم وصلتنا ورقة من معلمته في المدرسة (ل.م) تحدد لنا موعدا لمقابلتها لأن ابننا غير صالح للعلم وفهمنا من نبرة سطورها أنها لا تحبه!..
واتصلت بصديقة (حميمة) لي تعمل أستاذة في المدرسة ذاتها هي (ن.ش) وطلبت منها أن تحصل على بعض المعلومات من معلمته عن سبب حكمها الخطير عليه. وبعدها بأيام ذهبت إلى المدرسة انطلاقا من موعد مع الأستاذة صديقتي ناديا. ش. وما كادت تراني حتى قالت لي بالحرف الواحد كلمتين بالعامية اللبنانية لن أنساهما يوما هما: «ابنك طش» أي أنه «لا يصلح للعلم»
لم أعلق. غادرتها بحزن عميق ولكنني قلت لنفسي وأنا أغادرها: ماذا لو كانت أستاذته هي (طش) لا هو؟ ماذا لو كانت همومها الشخصية تتغلب على حيادها العلمي والقضية مزاجية؟

انقلوه إلى مدرسة أخرى!
وهكذا قررت تبديل المدرسة بدلا من تبديل ابني! واستطعت تسجيله في مدرسة أخرى راقية أيضا وهناك نجح بتفوق، وتذكرت كل ما تقدم يوم حفل تخرج ابني من جامعة أمريكية شهيرة حاملا شهادة الدكتوراه ثم عمله كأستاذ جامعي في واحدة من أهم الجامعات في أمريكا..
وكان يــــرن في اذني صـوت صديقــــتي (الوفية): «ابــــنك طش» وأسخر منه. وأيضــا تذكرتها يوم قرأت اسمه في موسوعة who is who في أمريكا! وردد الصدى عبارة «ابنك طش»!!
وقد كتبت كل ما تقدم لأقول للأهل الذين يعانون من حكم أستاذة/أستاذ ما بأن أولادهم لا يصلحون للعلم بأنه قد يكون الأستاذ نفسه لا يصلح للتعليم!

مقدسات تقليدية لإعادة النظر
نعم. «كاد المعلم أن يكون رسولا» لكنه بشر يخطئ ويصيب.. ويقف أحيانا ضد الطالب دونما مبرر (علمي) لذلك بل بمبرر مزاجي. و(تقديس) المعلم في حاجة إلى إعادة نظر لأنه بشر وكثيرة هي (مقدساتنا) التقليدية التي ينبغي إعادة النظر فيها وتقضي الأمانة العلمية القول: ما أكثر الأساتذة الذين يغرسون ضوء المعرفة في النفوس مقابل مادي زهيد هو راتبهم!.. ولكن، قد يكون من المفيد للأهل تبديل مدرسة الطالب المتهم بأنه (طش) للاطلاع على وجهة نظر أخرى حوله، كما نعيد النظر في رأي طبي لا يقنعنا ونذهب إلى طبيب آخر لرأي إضافي ونكتشف أننا كنا على حق. وقد أحببت كتابة هذه السطور والمدارس في مطلع (اقتراف) سنة دراسية جديدة والوقت متاح لتبديل المدرسة لطالب متهم بأنه (طش)!..
أعرف أن التدريس يتطلب أصعب الشروط: الحياد العلمي وهو ما لا يحظى به الكثير من الطلاب الأطفال الصغار من أهل (الشغب!). ولأن الحياد المطلق ليس صناعة بشرية، لا مفر من إعادة النظر في المقدسات التقليدية كلها وبينها التعامل مع الأستاذ على انه بشر آخر له أمزجة وأخطاء.

إبداع «الرؤوس» أم «الأقدام»؟
قرأنا في الصحف أن لاعب الكرة البرازيلي «نيمار» سيحصل على 45 مليون يورو كراتب سنوي لخمسة أعوام لأنه انضم إلى PSG أي نادي «باريس سان جرمان» لكرة القدم. وأن النادي دفع 222 مليون يورو مقابل صفقة انتقاله من برشلونة الإسباني إلى PSG الباريسي.
فرنسا استقبلت «نيمار» استقبال الفاتحين في المطار والملعب وتسابق الشبان إلى تقليد تمشيطة شعره وارتداء قميص يحمل اسمه بل وبيع من تلك القمصان في يوم واحد مئات الآلاف.. وهو ما لم يحظَ به يوما أصحاب الأدمغة مثل أديسون واينشتاين ونيوتن ومدام كوري وسواهم من كبار العلماء الذين بدلوا حياتنا وأخص بالذكر مخترع الكهرباء..
صديقتي اللبنانية المقيمة في باريس مثلي التي قالت عن حفيدها معلمته الفرنسية ما معناه إنه (طش) في العلم، قالت لي إن ذلك (من حظه) فهو يعشق كرة القدم وبساقين موهوبتين في حقل مداعبة الكرة وركلها.. ترى هل صار علينا تطوير أفكارنا مع روح العصر والكف عن اعتبار (الرأس) أهم من (القدم) وعلينا الفرح لأن الأحفاد (طش) في العلم لكنهم يتقنون فن إدخال الكرة في الهدف؟..
أسئلة كثيرة يطرحها عصرنا على الذين ما زالوا مثلي يتوهمون أن إبداع الرأس أهم من مهارة القدم.. وأعترف أنني حائرة ولا أعرف: ترى هل كسب المال هو وحده مقياس النجاح في عصرنا؟ أم ماذا؟ وما رأي القراء في ذلك؟