أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 16 نوفمبر 2018

الإنترنت والـ «ملينيال مومز»... ونصائح الأمهات

المرشدة الأسرية والباحثة الاجتماعية في الإرشاد الزواجي
نورا جبران
جريدة الحياة

انتشرت في السنوات القليلة الماضية، طُرفة تقول: أنا لست في حاجة إلى «غوغل»، زوجتي تعرف كل شيء. وسرعان ما تحوّلت إلى جملة شهيرة، تُطبع على ملابس الرجال، وأكواب القهوة وغيرها.
 لكن الأمر في النصائح المتعلّقة برعاية الأبناء ذهب في اتجاه معاكس: لست في حاجة إلى نصائحكم في تربية أبنائي، لدي غوغل!

ساهمت الثورة المعلوماتية والمعرفية التي رافقت ظهور الإنترنت، في تغييب عدد من أشكال التواصل الإنساني المباشر، واستبدالها بطرق ومصادر أخرى للمعرفة، كما يحدث حالياً في الاستشارات أو النصائح المتعلّقة بتربية الأبناء ورعايتهم، لا سيما لدى الأمهات الجديدات، والصغيرات، أو ميلينيال مومز (Millennial moms)، اللاتي أصبح الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالأمهات، مصدر المعرفة الرئيس بالنسبة لهن.
و «ميلينيال» أو «جيل الألفية»، هو مصطلح يستخدمه علماء الديموغرافيا، والباحثون في الدراسات السكانية، للتعبير عن مواليد بداية ثمانينات القرن الـ20، وحتى بداية العقد الأول من القرن الحالي، أي بداية عام 2000.


وفقاً لإحصاءات موقع «بيبي سنتر»، وهو موقع علمي عالمي متخصص في تقديم خدمات التعليم والتثقيف الخاص برعاية الأطفال والأمهات منذ بداية الحمل وحتى سن المراهقة، ويتوافر بتسع لغات، ويستخدمه 51 مليون أب وأم حول العالم، فإن 83 في المئة من الأمهات الحاليات اللاتي يستخدمن خدمات المواقع الإلكترونية المتخصصة في الوالديّة هنّ «ميلينيال مومز» أو أمهات «جيل الألفية»، أي أنه يعبّر عن الأمهات اللاتي لم يبلغن سن الـ30 أو الـ40 بعد، واللاتي ونظراً لارتفاع سن الزواج حول العالم، تعتبر كثيرات منهن أمهات جديدات أو أمهات للمرة الأولى.
تقول الثلاثينية آلاء: «حين أنجبت طفلي الأول كنت في الثالثة والعشرين من عمري، وكانت والدتي وحماتي هما مصدر المعرفة الأساس والوحيد تقريباً، لكيفية رعاية ابني وتربيته. توقفت عن إرضاع طفلي رضاعة طبيعية في الشهر الثاني من عمره، لأنهما كانتا مقتنعتان أنه لا يشبع مني، وأنه في حاجة إلى الحليب الاصطناعي الذي سيزيد وزنه ويُسكت بكاءه، ويجعله ينام في شكل أفضل. وبدأت بإدخال الطعام إلى نظامه الغذائي في عمر ثلاثة أشهر. وحين حملت بطفلي الثاني في سن التاسعة والعشرين، كنت قد بدأت القراءة النهمة للمواقع الطبية، وقرأت عن توصيات منظمة الصحة العالمية وجمعيات طب الأطفال العالمية لأهمية الرضاعة الطبيعية، والسن الصحيح لإدخال الغذاء في نظام الطفل الرضيع، والبعيدة كل البعد عن نصائح والدتي وحماتي وممارساتهما. وحين أنجبت طفلي بدأت باتباع ما تعلّمته، ما أثار غضب أمي وحماتي وزوجي، الذين يرون أن ما أقوم به فلسفة وعناد لا حاجة لهما. أصبح عمر طفلي الثاني سنتين الآن، وأصبحوا هم أنفسهم يلاحظون أنه يتمتّع بالصحة والنشاط، وأن مشكلات صحية واجهت شقيقه الأول لم يواجهها، ولقد ندمتُ أشدّ الندم لأنني حرمته من صدري، وأدخلت الطعام باكرا جداً إلى جهازه الهضمي، وتركته يبكي لساعات حتى ينام وحده أو لا يعتاد الحمل كما نصحاني».

آلاء واحدة من أمهات كثيرات من جيل الألفية حول العالم، اللاتي يجدن في مواقع الإنترنت، وصفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالأمهات، بديلاً مريحاً وآمناً لنصائح الأمهات والجدّات، وأن ما نشأن عليه من تعاليم وطقوس والديّة لا يناسب أطفالهن، ما يشكّل بالتالي في حالات كثيرة جداً، سبباً أساسياً من أسباب الصراع، حيث ترى الأمهات والجدات أن الجيل الجديد من الأمهات لا يمتلك المعرفة والمهارة اللازمة والكافية لتربية طفل والاعتناء به، وأن ما تقوم وسائل التكنولوجيا الحديثة بحشوه في عقولهن كفيل بإفساد هؤلاء الأطفال والإضرار بهم.
تُجمع المواقع الخاصة بالتدريب على الوالدية، مثل «بيبي سنتر»، و «بيبي شيك»، و «بيرنتنغ سكلز»، و «ميلينال مومز»، على أن أمهات جيل الألفية، يتصفن بمجموعة صفات مشتركة، منها الاعتماد على الإنترنت كمصدر للمــعلومات حول التربية، وليس الأمهات أو حتى أطباء الأطفال، وأنهن عضوات في عدد من صفحات أو مجموعات التواصل الاجتماعي الخاصة بالأمــهات، وهن مــهووسات بتقديم الغذاء الصحي والعضوي لأطفالهن، ويمضين وقتاً طويلاً في اللعب مع أطفالهن مـــقارنة بأمهات الجيل السابق، اللاتي كن يصرفن وقتاً أطول على مهمات المنزل والعمل، وإعطاء التعليمات بدلاً من الانخراط في اللعب مع الأطفال.
وتعتني تلك الأمهات في شكل كبير بالتقاط الصور الإلكترونية لأطفالهن ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة أو مشاركتها مع العائلة، بينما لا يحرصن على طباعة هذه الصور أو الاحتفاظ بها في ألبوم تقليدي. كما تعتبر أمهات جيل الألفية رافداً أساسياً من روافد التجارة الإلكترونية، نظراً لكثرة شرائهن للبضائع عبر المواقع الإلكترونية، بدلاً من طرق التسوّق التقليدية. ولا مانع لديهن من دعم الماركات الجديدة والمشاريع الصغيرة، والمواد المنتجة منزلياً التي تسوّق عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وهن كثيرات التساؤل: هل أنا أم شبيهة بأمي، أم أنني أقدّم لطفلي شيئاً مختلفاً؟
إنّ «الميلينيال مومز»، أو أمهات جيل الألفية لَسْن سوى نتاج طبيعي، لعصر ثورة المعلومات والمعرفة، والانفتاح اللامحدود على شبكة الإنترنت ومن خلالها على ملايين المواقع والبشر والمصادر التي يمكن للمرء الوصول إليها بالضغط على زر واحد. كما أن الفجوة بين أجيال الأمهات والجدات ممن عشن أو ولدن في سبعينات القرن الـ20 وما سبقها، هي فجوة طبيعية كان لا بدّ أن تظهر استجابة للتغيّرات السريعة والشديدة التي شهدها العالم بانتشار وسائل الاتصال وإغراق العالم بالمعلومات عبر وسائل الإعلام التقليدية، فضلاً عن التكنولوجيا الحديثة.
كما أن الطريقة التي تقوم بها كل أم في التربية، سواء كان ذلك بالاعتماد على والدتها أو على وسائل الاتصال الحديث، ليست سوى ردّ فعل طبيعي لمجموعة مكتسبات بيئية وتربوية واجتماعية وثقافية تشكّل شخصية هذه الأم الجديدة، وطريقتها في اختيار مصدر التعلّم والتثقيف الذي يناسبها، ومدى وعيها وإدراكها أهمية الوصول إلى المعلومات من مصادر علمية وطبية موثوقة، حتى لا تفرّ من نصائح أمها وجدتها، لتقع في براثن سيل جارف من المعلومات والنصائح على شبكة الإنترنت، التي لا تخضع في أحيان كثيرة لأي مراجعة أو تدقيق علمي.