أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 21 فبراير 2016

أدبي ..علمي

أدبي... عِلمي.

هي في سنة 2016
ابنتي في سنتها الثانوية الأولى الفرع الأدبي، دخلت الفرع الأدبي عن رغبة ووعي بقدراتها وميولها.
أنا في سنة 1985
كنتُ في سنتي الثانوية الثانية الفرع الأدبي، أيضاً دخلتُ الفرع الأدبي عن رغبةٍ ووعي بميولي وتطلعاتي.
ما بين الأدبي 1985 والأدبي 2016 نحو ثلاثين عاماً ... ولا شيءَ تغير!!
عادتْ من المدرسة غاضبة، تشتعل عيناها بعد مناقشة قديمة-جديدة مع معلمتها، في مسألة سفسطائية تستهلك ولا تنفع: أفضلية (دجاجة) العلمي على (بيضة) الأدبي؟ ذكاء طلبة العلمي أم غباء طلبةالأدبي؟ سعة العقل العلمي أم ضيق العقل الأدبي؟؟
دائرة لا تنتهي من المقابلات غير المنطقية وغير المفهومة ما زالت تحكم منظومتنا التعليمية!! وما يزيد في الوجع أنني وجدتُ ابنتي تعيد على مسامعي ما سمعتُه أنا منذ عقود في الموقف ذاته!! ووجدتُني أقف ذاهلة أمام ذاكرتي والصور التي تراءت لي : تغيرت الدنيا كثيراً، ملامح المدينة نفسها تكاد لا تعرفها، ملامح الناس.. هيئاتهم.. ملابسهم.. حتى طريقة كلامهم تغيرت ...لكنّ ذلك كلَّه ما غيَّرَ شيئاً في عقولهم!
فما زلنا -إلى اليوم- نفاضل بين العلمي والأدبي، ما زالت -إلى اليوم- تلك النظرةُ القاصرة تحكمنا. غاب عن بصيرتنا أن الأمم لا تقوم بتخصص وحيد، ولا تنهض بفئةٍ معينة من العلماء، غاب عنهم أن الأرض لا يعمرها الأطباءُ والمهندسون والصيادلة وأساتذة الرياضيات وعلماء الفيزياء والكيمياء فقط، بل إن الأرض ليست الأرض إذا لم يعمرها كذلك الأدباءُ والفلاسفة، السياسيون والمعلمون، الفقهاء والشعراء، الفنانون والموسيقيون... وليس أصحابُ الشهادات وروّاد دروب المعرفة النظرية هم أصحاب الحق في عمارة الأرض، بل إنَّ الأرض حلالٌ للمزارع والراعي، وللعامل وللبنّاء، وللصانع والحِرْفيّ، ولكلِّ من اقترب من الأرض يهمس لها بيديه، بعرق جبينه، بقدميْه تغوص في الأرض، كأنما يمدُّ جذور الهوى في الأعماق. 
هؤلاء جميعا هم أصحاب الحق في عمارة الأرض، ولهم جميعاً -على التساوي- التقديرُ والاحترام ذاته.
ربما كان الذي زاد الطينَ بلّةً أن هذه النظرةَ القاصرة تصدر من المعلمة أمام طالباتها، فإلى متى ستبقى هذه النظرة الاستعلائية لدى معلمي التخصصات العلمية قائمة؟ وللأسف ينقلون بذلك عدوى الجهل من جيل إلى جيل. لا تغرَّنَّك الشهاداتِ الكبيرة ولا الألقاب الفخمة ولا غيرها من مظاهر يستتر خلَفها أمثالُ هؤلاء، وفي حقيقة الأمر الواحدُ منهم لا يتجاوز فهمُه أرنبةَ أنفه!!
كنتُ مثل ابنتي واجهتُ استهجان معلماتي -لأنني كنتُ الثانية على صفي-، خاصة استهجان مربية الصف حين اخترتُ بملء رغبتي الالتحاق بالفرع الأدبي! وقد راجعتْني المعلمةُ عدةَ مرات لتقول لي تمهلي وأعيدي النظر في الاختيار، قبل أن نرفع الأسماء والاختيارات إلى وزارة التربية والتعليم، فيتعذر حينها تغيير رغبتكِ. كان من المستهجن - ويبدو أنه ما زال مستهجناً- أن يتجه طالبٌ متفوقٌ للفرع الأدبي؛ محكوماً بتلك النظرة القاصرة التي تُعلي من شأن الأطباء والمهندسين في المجتمع -في ذلك الحين-، ويظهر أن الأمر لم يتغير كثيراً وإنْ تراجعت أسهم الأطباء والمهندسين اليوم لصالح قطاعاتٍ مهنية أخرى. إلا أن النظرةَ نفسها التي ما زالت تحكم نظرتنا للعلمي والأدبي...لم تتغير!
كنتُ واضحةً في ميولي وطموحي ورغبتي العلمية، وهذا ما انعكس بحمد الله وتوفيقه على مسيرتي العلمية كاملة. ولكن لقد كانت مكافأةُ الجيران والمعارف لي وقت نجاحي وتفوقي في الثانوية العامة، وكنتُ الأولى في مدرستي: (أن التسعين في الفرع الأدبي تعادل السبعين في الفرع العلمي)!!!! "ألا ساء ما كانوا يحكمون"! وكانت مكافأةُ المجتمع أن زملائي في كلية الآداب قد سبقوني إليها في الدفعات الأولى للمقبولين في الجامعة؛ بفعل الوساطات والمحسوبيات والاستثناءات غير العادلة!
ابنتي.. أنا فخورة بكِ وباختياركِ وبإنجازكِ وبقدراتك، فلا تدعي مثل هذه المجادلات العقيمة تقف في طريقكِ وأنتِ بهذا الوعي الذي يدرك أن دروبَ المعرفةِ كلَّها تقود إلى جوهر واحد هو عمارة الأرض وتقدم البشرية. يكفيكِ فخراً أنكِ تدركين هذا وأنتِ في مقتبل العمر، في حين عجزت معلمتكِ كما عجز كثيرون عن هذا الفهم! وكم من تلميذٍ فاق أستاذه!

الأربعاء، 17 فبراير 2016

نظرية جحا...في إدارة الصراع !

نظرية جحا (منقول)
يقال إن رجلاً ذهب الى جحا وقال له:
إنى اعيش مع زوجتى وامى وحماتى وستة أطفال فى حجرة واحدة فماذا أفعل لتتحسن حياتي ؟ .
قال له جحا :
اشترى حماراً واجعله يعيش معكم فى نفس الغرفة وتعال بعد يومين.
فجاءه الرجل بعد يومين وقال له : الحال يسوء يا جحا.
فقال له جحا:
اشترى خروفاً واجعله معكم فى الغرفة وتعال بعد يومين.
فجاءه الرجل بعد يومين وقال له: الحال يزداد سوءا يا جحا.
فقال جحا:
اشترى دجاجاً واجعله معكم فى الغرفة وتعال بعد يومين.
فجاءه الرجل بعد يومين وقال له:
لقد أوشكت على الانتحار.
فقال له جحا:
اذهب للسوق وبِع حمارك وتعال بعد يومين .
فجاءه الرجل بعد يومين وقال له : الحال تحسن قليلا.
فقال له جحا:
اذهب للسوق وبِع الخروف وتعال بعد يومين.
فجاءه الرجل بعد يومين وقال له : الحال أفضل كثيرا.
فقال له جحا:
اذهب للسوق وبِع الدجاج وتعال بعد يومين.
فجاءه الرجل بعد يومين وقال له :
لقد أصبحت فى أفضل حال.
وهكذا تدار كل الأزمات فى العالم خصوصاً العالم العربي
حيث يتم اختلاق مشكلة جديدة ثم يتم التفاوض عليها لتـُنسَى المشكلة الأساسية ..
....نظرية جحا لا تزال تطبق حتى هذه الساعة .....

الثلاثاء، 9 فبراير 2016

عوارض نضوجٍ أربعيني مبكر

بقلم آية الأتاسي
القدس العربي

حسناً… أنا امرأة تدخل الخامسة والأربعين بكامل قلقها الوجودي، وإن حق لي القول أيضاً بكامل أنوثتها، وأبعد ما تكون عن اليأس أو ما اصطلح على تسميته بـ»سن اليأس»، في توصيف جائر لمرحلة عمرية تزهر فيها الروح الأنثى وتثمر…
الجسد في اختماره
جسد المرأة مهما تداعى، ما هو إلا جذع لأنوثة غائرة الجذور، لا يزيدها العمر إلا عمقاً ورسوخاً…
غالباً ما يتكور الجسد الأربعيني وتستدير الانحناءات الأنثوية، فيما هو خداع العقل لما تراه العين من كيلوغرامات فائضة، أو ربما هو كشف لكنوز «الأنوثة المستترة» التي أنصفتها اللغة العربية بحق، عندما أطلقت على المرأة الممتلئة لقب «المرأة المكتنزة»…
وكأن الجسد الأربعيني يتمرد على مقاييس الموضة وصورة المرأة العشرينية النحيلة، معلناً أن الأنوثة الطبيعية تقاوم الريجيم والتأطير، وترسم خطوطها الأنثوية على هواها…
حسناً… هي ربما زيادة في الوزن والتخلص منها يزداد صعوبة مع العمر، ولكن لنعترف بأننا بعد الأربعين نتذوق كل تفاصيل الحياة بمتعة أكثر، وإن كان بآثار جانبية يصعب إخفاؤها. ومن متع السنين أيضاً أنها لا تراكم الأوزان فقط، بل خبرات الحياة وتجاربها التي تجعل الجسد ينضج كما الحصرم عندما يختمر ويصبح نبيذاً معتقاً…
المؤسف أن العرب وحدهم ينسبون النضج لليأس ويطلقون على مرحلة انقطاع الطمث «سن اليأس»، وفي هذا تسطيح لمرحلة شديدة الجمال والتعقيد في آن، وفيها اختصار لآمال المرأة وأحلامها بمهمة إنجاب الأطفال فقط. فواقع الحال يثبت اليوم أن المرأة في هذه المرحلة، غالباً ما تعيش فترة سلام جسدي وروحي، وتمتلك وقتاً أكثر لفهم تفاصيل روحها وللعناية بجسدها، بعد أن تكون قد تجاوزت مراحل التأسيس للحياة العاطفية والأسرية والمهنية، وبعد أن يكون الجسد قد اكتملت أنوثته وتخمرت فتنته.
والمرأة الأربعينية خصوصاً تكون في قمة الأنوثة وتوهجها، فالهرمونات الأنثوية تكون في حالة هدنة وهدوء قبل الاشتعال مجدداً في الخمسين، والجسد مازال يحتفظ بجاذبيته وسحره، والروح في سلام وتصالح بعد أن كبر الأبناء ولم يعودوا يحتاجون رعاية الأمومة المستمرة، وحتى في المجال المهني تكون المرأة قد تجاوزت المراحل التأسيسية الأولى والأصعب في العمل والوظيفة.


الأسئلة الأربعينية
المرأة في منتصف العمر، تشعر بأنها تقف على قمة جبل خلفها يمتد شبابها وأمامها المستقبل المجهول.. ولا تتوقف عن طرح الأسئلة من قبيل:
هل فلحت أرض خصبة لبذوري أم كنت أفلح الهواء من حولي؟ 
هل هي الهاوية التي تنتظرني خلف القمة أم مازال للسهل بقية؟
وما معنى الهاوية، إن هي إلا اسم نمنحه للأماكن التي طالما أرعبنا عبورها؟
وهل من جسور تحتمل ثقل أحلامنا لنعبر فوقها؟
هل آن الأوان لقطع الحبال والتحليق عالياً في منطاد الأحلام، أم علينا أن نثقله بحجج العقل والمنطق ونتركه يهبط من جديد؟
كثيرة هي الأسئلة الوجودية التي نطرحها على أنفسنا في منتصف العمر، وكثيرة هي المشاريع المؤجلة والأحلام المركونة التي تطفو فجأة فوق السطح، وكأننا في مواجهة مع الذات بلا مماطلة، وكأن الحياة تمنحنا الفرصة الأخيرة مهددة: الآن هي فرصتكنّ الأخيرة…اغتنمنها أو لتنسونها إلى الأبد!


سطوة الزمن
مازال إذن في العمر متسعٌ للفرص الأخيرة… ومازال للجسد قوته وللروح جنونها ليتشاركا في إنجاز المهمات المستعجلة… فبينما لا تعترف الروح بالعمر ولا تصاب بقصر النظر، يبدأ الجسد أولى اعترافاته بسطوة الزمن.. فالعين لم تعد تستطيع تمييز الأحرف الصغيرة، ولابد من التسليم أخيراً بارتداء النظارة الطبية، التي لا مانع أبداً في أن تكون فاقعة اللون بما يرضي ذائقة الروح الشابة… ولرقص الأقدام الحافية فوق الشطآن آثار غير تلك التي تتركها فوق الرمال، آثار تبدأ أحياناً بوخزة وتنتهي بالتواء مفصلي، فالمفاصل لم تعد تمتلك مرونة الجسد في العشرين وإن امتلكت مهارته وتجاوزتها أحياناً… أما التجاعيد فهي الإعلان الصريح بسطوة الزمن علينا، ولكننا في المرحلة الوسطية بين زمنين، وما زلنا نملك التباساً غريباً …التباساً يظهر أحياناً في الوجه الحائر بين تجاعيد الأم وحبوب الابنة، فعلى يمين ثنية الذقن قد تنبت حبة شباب، كإعلان مضاد أيضاً أن هرمون الشباب مازال يعمل ويقاوم، وإن بآثاره السلبية…
أما الخط الصغير على طرف العين اليسرى فهو يسلك الطريق الذي يقود حتماً لوجه الجدة المتغضن في الثمانين، خط يذكر أيضاً بأن الفرح حفر عميقاً هناك. وبين آثار الفرح وآثار الزمن يرسم الخط طريقه بخفر، من دون وعدٍ منا بأننا سنبقى نراقبه بحياد، أو سنحقنه بالسم العصري «البوتكس» المقاوم لآثار الزمن والفرح معاً.


الالتباس
العقد الرابع هو عقد الالتباسات العاطفية أيضاً، فبعد الأربعين محتم علينا النوم باكراً والاستيقاظ مستعجلاً، فندخل الواقعية مرغمين ولا تعود قلوبنا ترتجف للقصص العاطفية، ولكن يحدث أحياناً أن نبكي كالمراهقين عند الاستماع لأغنية رومانسية أو عند قراءة رسالة حب قديمة…
كما يحدث أن تتحول صالات السينما المعتمة من مكان سري للقاء أيام المراهقة، إلى مكان سري للبكاء بهدوء، فالبكاء في العتمة متعة نكتسبها بالعمر والخبرة أيضاَ…
وكثيراً ما نتلبس بأنفسنا مع أبنائنا في حوار يشبه حوارات آبائنا معنا، أو نكتشف متعة الصباحات الطويلة الصامتة أمام فنجان القهوة الصباحي كالصباحات الحزينة لأمهاتنا، في إثباتاتٍ مؤكدة على أننا نتقدم بالعمر من مبدأ: كلما كبرت شابهت أبويك وما ظلمت…
كما يحدث أن نرتدي آخر الصرعات حسب تصورنا، لنكتشف من خلال أبنائنا المراهقين أن موضة اليوم لا تعترف بتقليعاتنا التي مر عليها الزمن وغبر…
حسناً بعض الجنون الأربعيني ليس فناً ولا جهالة، بل هو ذرة الملح التي تحفظ القلوب من تعفن الشيخوخة. وفي النهاية عندما نبدأ بالاعتياد على تقدم العمر بنا، ما دمنا لم نبلغ بعد أرذله، تأتي جملة من قبيل: في عمرك هذا و… أو تمر عبارة في إعلان تلفزيوني من قبيل «جيل الشباب»، متبوعة بجملة إيضاحية مثل « ما دون الأربعين»… عندها نشعر حقاً بأننا لم نعد ننتمي لجيل الشباب هذا، ولن تخدعنا المرايا فهي لا تتبع نظام الفوتوشوب، سنبتسم وستظهر أولى التجاعيد التي سننسبها بمكر للتجاعيد الانفعالية لا للتجاعيد الزمنية، وسنلمس روحنا بثقة قائلين:
«عمر» …كم لنا من العمر يا إلهي، ونحن أرواح شابة لا تهرم!
هامش: هذه المقالة مهداة لجميع النساء الأربعينيات وما فوق، واللواتي علمنني أن الأنوثة لا تشيخ ابداً، من خلالهن وعنهن ولهن كتبت اعترافاتي الأربعينية هذه!


كاتبة سورية
آية الأتاسي