تتشابه قصص الخيانة في حقارتها ونذالة أبطالها.. ولكنها تختلف في التفاصيل فقط!!
بقلم الكاتبة: لبنى ياسين
(صديقتي.. أعلم أنكِ الآن تلعنينني ألف لعنة وتصبّين على شبحي ألف تميمة غدر تصمينني بها... والحق معكِ.
أكره نفسي كلما فكرت بما فعلته بك.. لكن هل أطمع في بقية من سعة صدرك التي أعرفها فتكملي قراءة رسالتي.
كنت أعتقد مثلك أن الدنيا لونان فقط أبيض أو أسود, صواب وخاطئ, حلال وحرام, عيب ومسموح, كنت أجالسك و زوجك وأنا لا أرى في زوجك الرجل بل أرى زوجا لصديقتي لا غير, شـيئاً يشبه غمامة مشاعر أخوية تظلّـل صحراء الحياة.. فينهمر دفء المشاعر مطرا لطيفا ربيعيا على قحط حياتي وتنتابني لحظات ود ليس كمثلها شئ في الدنيا.
ومع الوقت العصيب الذي مررت به خلال مرضك, وجلسات العلاج الكيميائي وأوجاعك المدمرة, كنا نذوي معك شيئا فشيئا, كان أكثر حزنا مما تتصورين, دموعه كانت تنهمر بصمت فتذيب قلبي, و بحكم غرفة الانتظار وساعات الوقوف بجانب سريرك المتألم نشأت بيننا حوارات صامتة, حوارات أخبرتني بأن روحا متألمة تقبع في جانب بعيد قصيّ لرجل يطلب الرحمة, ما فكرت يوما بأن أحبه.. أقسم لك بأني ما فكرت لحظة واحدة بأن احبه, لكن لقاء الأرواح أثمر عن جنين الحب الذي كبر ونما وأنت في غفلة المرض, أمسكت أحاسيسي.. ربطتها عنّفتها.. قتلت نفسي ألف مرة.. تهربت منه.. أبعدت عيني عن عينيه ورحت أخفف من زياراتي لك فتلومينني بكلماتك المبطنة قائلة: هل مللت من الجلوس في غرفة الموت وفي حضرته؟
لم يكن بمقدوري أن أعتبرك كما كنت دوما صديقتي المقربة فأبوح لك بمكنونات قلبي... بأحاسيس ذبحت إخلاصي لك قربانا لعينيه, كيف أقول لك إن مشاعري خانتك وهي تمطره وابل حب جعلني لا أستطيع أن أرفع عيني في وجهه لئلا تصافحه مشاعري, ألم أكن أدرك أن مشاعر كهذه ليست من حقي؟؟ بالطبع كنت أدرك خصوصا وأنت حبيبة العمر وربيبته على سرير الموت تصارعينه ويصارعك.
سامحيني لو اعترفت لك بأنني للحظات كنت أتخيل أنك ... لا سمح الله, فيباغتني شعور بالارتياح لأستفيق منه مثقلة بالشعور بالذنب, كيف أشرح لك أنني ما تمنيت لك الموت يوما لكنني تخيلته غصبا عني. قفز إلى مخيلتي عنوة فكنت كأم تتخيل موت طفلها؟؟ هل تتخيلين أن أما تتمنى موت صغيرها؟, صدقيني يا غاليتي أني ما تمنيت الموت لك بقدر ما تمنيته لنفسي المعجونة بالخطيئة والخيانة.
هل يكفي أن نحترق بنيران الألم وأن نذبح مشاعرنا في محرقته حتى نتطهر من خطايانا؟؟ هل صحيح أن الدموع تغسل الخطايا وتكون قربانا للغفران أم أن ذلك مجرد أسطورة اختلقها الإنسان لكي يتصالح مع نفسه الخاطئة؟؟؟
بعدها بدأت اشعر أنك تقلبين نظرك بيني وبينه, أدمتني نظراتك التي اخترقت خيانتي حتى العظم, ماذا أستطيع أن افعل ؟ كيف أصارحك بالانشطار الذي أعانيه لتعفيني من زيارتك اليومية ؟ للحظات كان يخيل إلى أنك تعرفين كل شيء .. وأذهب بعيدا في رجائي الخائب لأسرح في فكرة سخيفة مفادها أنك تباركين مشاعري فأستيقظ من خيالي هازئة من نفسي التي بعتها للشيطان.
كانت الطامة الكبرى عندما رن الهاتف وأنت نائمة بعد موجة ألم اكتسحتك فأغرقتك في بحر من التأوه فنمت بعدها بصعوبة بالغة وأنفاسك صدى مد وجزر شرسين.. تسابقت يدانا إلى الإمساك بسماعة الهاتف لإيقاف صراخه المحموم فأمسك يدي التي سبقته إلى السماعة دون قصد, صدقيني كان بإمكاني أن ارى الشرر يتطاير من بين كفينا ومن عيوننا ومن سائر جسدينا فأفلتنا السماعة معا في لحظة واحدة لترتطم بالأرض وتوقظك, عندها سللتِ من عينيك ألف خنجر وطعنتني بها كلها في لحظة واحدة من خلال نظراتك المغرقة في استفهام مغلف بارتياب واضح.. بقيتُ يومها عندك لدقائق أخرى في محاولة لإخماد الحرائق التي اشتعلت في كل مكان في الغرفة ثم استأذنتُ في الذهاب.. لم يمنعني أحد منكما وكأن العبء الذي كان قد جثم فوق قلبي من وجودي بينكما في تلك اللحظة كان يجثم فوق قلبيكما أيضا.. خرجت من الغرفة وأنا لا أدري أهذا صباح أم مساء؟؟ ومن أين وإلى أين أسير؟؟ و ماذا أفعل؟؟, نيران الحب تستعر بي وزوابع الغدر تمزقني فاتشظى ألما, وعيناه ... آه من عينيه, وحدها فعلت بي ما يفوق كل ذلك.. مضيت وأنا اشعر بأن كفه ما فارق كفي منذ أمسكنا السماعة , كنت أتفقد موضع كفه كل لحظة وأنا ابتلع ظمئي في حلق تقرح من كثرة الجفاف, أي أرض تستطيع رفض المطر؟؟ أي كائن يقف في وجه الشمس ولا يحترق ؟؟ ماذا أقول صديقتي ؟؟ كيف لي أن أشرح لك ما عانيته لئلا تندلق مشاعري مني أمامه فأوصم بخيانة أعز صديقة لي؟؟ كيف لي أن أفسر وجع الروح وأنا لا أستطيع حتى أن أشكو أوجاعي لصديقتي المقربة وأخبرها بما أكتوي به ؟؟
سامحيني صديقتي فلن أقوى على زيارتك بعد اليوم إلا في غيابه.. ولا تلوميني فذلك صار فوق احتمالي.
طويتُ الورقة ومضيت باتجاه المشفى, وألف فكرة تغتصب تفكيري, أمن الحكمة أن أعطيك رسالة كهذه وأنت على سرير الموت تحتضرين؟ و إن لم أعطها لك كيف سأحتمل نظراتكِ الحبلى بارتياب واضح؟؟ كيف سأغيب دون أن تلوميني؟؟ أنا أعلم أنك تقرئين أفكاري بمجرد أن تنظري في عيني... لم اعد أقوى على النظر إليك وأخشى أنكِ تعتقدين أن بيننا علاقة ما ...
تعمدتُ كعادتي أن أذهب إليك أثناء دوامه في العمل علّي أخفف احتكاكي به واحتقان المشاعر في داخلي لمجرد وجوده في نفس الأفق الذي أشغله, وإذ وصلت كانت غرفتك فارغة والسرير مرتب بانتظار قصة ألم لإنسان آخر يرقد فوق جثمانه الأبيض, انتزع قلبي من مكانه عندما لمحتُه في زاوية الممر يتقدم باتجاهي وعلى وجهه آثار أخبار سيئة, وددتُ لو أضع أصابعي في أذني وأهرول خارج المبنى قبل أن ينطق بكلمة مما يريد أن يفصح عنه, آثار الدمار كانت واضحة على محياه ولم أدرِ بنفسي إلا وأنا بين ذراعيه أبكي, و لم أدرِ أكنتُ أبكيكِ أم أبكي خيبتي في نفسي وأنا عاشقة لزوجك أم أبكي حبا يستعر في فؤادي.. لم يتكلم , كانت دقات قلبه تتغلغل في أذني بينما كانت دقات قلبي قرع طبول لحرب ضروس ضد قلب لم يستطع أن يحتمل وجودكما معا في طيات انتمائه, معادلة صعبة: إما أنت أو هو ؟؟
حتى بعد أن انتقلتِ إلى رحمة الله لا يزال المكانُ لا يتسع لكليكما إذ إنني أتخيلكِ تقفين بيني وبينه تنظرين إليّ تلك النظرات الحبلى بلومٍ مرير ... وكيف لا تفعلين وأنا صديقة عمركِ التي أحبت زوجك؟؟
دون أن يتكلم وضع في يدي ظرفا لم يكن عليه إلا كلمة واحدة ... اسمي ... توجستُ خيفةً مما فيه, إنه خطكِ.. شئ مفروغ منه.. ما الذي وضعته داخل الظرف؟ -أتراها وعلى غرار ما فعلتُه اليوم أنا- رسالة تلومينني فيها وتخبريني بأنكِ كنت تقرئينني كما فعلتِ دوما بمجرد أن تنظري في عينيّ؟ أتراكِ تقولين لي كيف تجرأتُ وفكرت به وأنا أمامكِ أتلوى على سرير الموت يعتصرني الألم وينتهك حرمة جسدي.. وأنتِ تـنتهكين حرمة مشاعري و تنافسينني على مشاعر زوجي؟ أتراك تخبرينني بمدى خيبتكِ بعد أن خانتك صحتك وتخلت عنك فاستلقيتِ على أعتاب الموت شهورا طوالا تعانين ما تعانينه والقدر قد استكثر عليك صحتك وأنا استكثرتُ عليكِ مشاعر زوجك في أيامك الأخيرة؟ ماذا عساكِ كتبتِ في رسالتك؟؟ ... أأتجرأ وأفكر في أنكِ كتبتِ لي أنك تسامحينني على ضعفٍ قاومتُهُ حتى ماتت روحي؟ تراكِ فكرتِ أو شعرتِ بذلك ؟
كنت أرتجف ودموعي تهطل من عيني شلال ألم وخوف وندم حينما نظر إليّ والألم يرسم خرائطه البشعة على ملامحه قائلا: افتحيه ماذا تنتظرين ؟؟ أم أنك ترغبين ببعض الخصوصية ؟؟
لم أجبه, فكرتُ في نفسي: صعب أن تعريني الحقيقة أمامه فبعض الخصوصية إذن... وجريتُ باتجاه الحمام النسائي, وعندما فتحتُ الظرف وجدتُ في داخله... خاتم زواجك منه).
أيتها الخائنة ...أيها الخائن
كم هي الخيانة حقيرة!! من صديقةٍ تخون مريضة في لحظات احتضارها.. إلى صديقة تخون أسرة في لحظات اكتمالها.. لتسرق الفرحة من قلوب الأولاد .. تهدم قدوةَ الأب في عيونهم.. لينهار صنم كان جسداً له خوار!
كم هي الخيانة حقيرة !! من نظراتٍ حقيرةٍ بين خائنَيْن اثنين إلى ما هو أكثر حقارة؟؟؟
في العتمة في عفن الظلمة تختلف التفاصيل... من غرفةِ مستشفى إلى ساحات الأقصى الطاهرة تدنسها قلوبُ الخونة وخطواتهم... إلى مقهىً بعيد في يافا يضم خائنةَ الأعين والقلوب.. إلى يختٍ يعبر البوسفور لا تغسل مياهُه أدرانَ الخائنين.. إلى فلسطين الطاهرة التي لاكتها ألسنتُهم ولوّثوها بأقلامهم ... إلى الياسمين الأزرق إذ يموت على اليد السمراء والأصابع الطويلة المغموسة بدماء الطاهرين!