"إنّا لله وإنّا إليه راجعون"
... كان لقائي الأول مع أستاذنا العلّامة ناصر الدين الأسد في المحاضرة الأولى لي في دراستي الدكتوراه خريف عام 2005، تلك المحاضرة التي وصلتُها متأخرة، فلم تكن أولياتُ اللقاء لطيفة؛ لتقصيري في الانضباط على الوقت.
لكن اللقاءات الدراسية ما لبثت أن تتالت، حتى صارت في قلبي هي سويعاتُ المتعة المعرفية الخالصة، أفدْنا فيها من أستاذنا الكبير فائدة لا يقدر على نكرانها إلا جاحد.
ومن تلك المتع التي ما زالت في خيالي عن محاضرات أستاذي الفاضل -رحمه الله- تلك الأناقةُ الواضحة لهذا الأستاذ الذي لا تكاد تفارق وجهَه روحُ الشباب وشبابُ القلب، وتلك الذاكرة المتّقدة التي طالما أخجلَتْنا أمام أنفسنا، ونحن في يفاعةٍ، ولمَّا نبلغ من العمر نصفَ ما بلغ أستاذنا، فكُنّا نعجز أحياناً عن استدراك ما يتبقى من أشطار أشعار تُلقى في أثناء الدرس، أو استحضار أسماءٍ غابت في سطور تراثنا الذي آمن به ودافع عن أصالته ووجوده.
كثيرةٌ ما هي المواقفُ التي اختزنَتْها الذاكرةُ من لقاءات أستاذنا الكبير، وكثيرةٌ ما هي المواقف التي يحفظها الطلابُ عادةً عن أساتذتهم، تفوق ما قد يتعلمونه منهم من علومٍ قيَّدتْها القراطيس وحوتْها السطور.. لأنَّ العالِمَ قدوةٌ بين طلبته، ومشعل على ضوئه يهتدون.
ورُبَّ إشارةٍ عابرة أو لفتةٍ عفوية أو حتى مجرد مظهرٍ أنيق أو كلمةٍ رفيقة- يكون لها وقعُ السحر في نفس تلميذٍ ما زال يأخذ عن أستاذه ما لم يقله في مجلس وكتاب، أو دوَّنه في سطور وصفحات.
تعلمتُ منك الكثير أستاذي في تلك الشهور الأربعة..بما لا أنسى فضله عليَّ حتى آخر عمري.
الصورة تجمعني بأستاذي الوفيّ -رحمه الله- ورفيقة عمره ودربه، على هامش تكريمه في رحاب الجامعة الأردنية صيف 2011