أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 14 نوفمبر 2015

موت العائلة

موت العائلة 
بقلم إبراهيم جابر إبراهيم 
http://alghad.com/articles/903378-%D9%85%D9%88%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D9%84%D8%A9


لم يعد أحد يتبادل الحديث مع أحد، أو يودعه عند الباب فيكمل نصف ساعة أخرى من الحديث، لأن كليهما يريد أن يركض كالملدوغ إلى هاتفه المحمول !
فهو لا يستطيع أن يتأخر؛ ثمة أشخاص كثيرون داخل هذا “الكمبيوتر الصغير” ينتظرونه، أو ينتظرهم !
منذ سنوات كان التلفزيون في المجتمع العربي هو “ربّ البيت”، وهو الذي يربي الأولاد، ويسلّي الزوجة ويسهر معها في غياب “رب العائلة “ !
الآن، صار “الكمبيوتر” هو “رب البيت” الجديد. ويسلي الزوجة، والأولاد، وهو “رب عائلة” متعاون أكثر؛ يحملونه معهم أينما ذهبوا.
في العالم الجديد، المكتظ بوسائل الاتصال الحديثة، صارت للشخص عائلة أخرى مجازية، أو متخيلة، (يحوّلها أحياناً الى حقيقية ويتواصل معها) .. لكنها غير عائلته البيولوجية التي تجلسُ في البيت!
استبدل الناس اشقاءهم بقطع الكترونية صغيرة، أو بهاتف ملوَّن، .. وهنا تصير بعض العبارات حمقاء حين تحدث في هذا السياق؛ أقصد سياق العلاقات الإلكترونية، فيقول أحدهم لآخر (أنا أخبرك بكل هذا لأنك مثل أخي..) مع أنه في الحقيقة مقطوع العلاقة مع أخيه، ولم يخبره شيئاً من (كل هذا)!أو أن يقول أحدهم لامرأة (أنا محتاج لك لتسمعيني مثل أختي)، مع أن له خمس شقيقات في البيت لا يسمعن منه سوى (هاتي الشاي) .. أو (سخّني الشاي ) !
العائلة الحقيقية القديمة بدأت تنقرضُ من بيوتنا على نحوٍ خطيرٍ ومريبٍ وصامت، حتى إن “اللاب توب” صار بمثابة الأخ الأكبر في البيت، لكنه أخٌ بلا قلب وبلا مودّة ولا ترفّ عينه إن تعثرت خطى الشقيق الصغير.وهكذا تراجعت العلاقة الإنسانية في البيت، وبين أفراده، إلى أسوأ حالاتها، وحتى في الحالات النادرة التي تلتقي فيها العائلة في جلسةٍ واحدة، يظلّ ذلك الذي لم يستطع التملص من الجلسة ممسكاً بهاتفه المحمول يعبث به حتى وهو يأكل أو يهزّ رأسه مستمعاً، يهرب من خلاله من “البيت” الذي صار فكرة منفرة، الى العائلة الجديدة المقترحة!
لماذا نفعل ذلك؟! الإجابة سهلة جداً ويسيرة.
وهي أن العائلة الجديدة تقدم كل قيمها النظرية بشكل غير ملزم، ولا تتعامل مع “الفرد” بمنطق الوصاية والأبوّة، وتترك له مساحة من المرونة دون أن تتلصص عليه، او تشهر في وجهه سيف العيب وسيف الحرام وسيف اللازم وغير اللازم.
ربما يلزمنا ان نعيد النظر بأدوات “العائلة”، وأنسنتها، أو على الأقل إعادتها الى عصرها الذهبي؛ حين كانت “الأخت” صديقة حميمة وقريبة تعين شقيقها بحمل سرّه، وكان كتف الأم ملتقى الشقيقين، وكان ثمة فرصة حقيقية لتبادل الكلام، والمناكفات، والضحك، والساندويشات، والهموم، والمكائد، والنميمة، والنقود .. كان ثمة ما يمهد لصناعة تشابه، لاحقاً ، بين الأخوة!
الآن ثمة تشابه أكبر بين الفرد وشقيقه الإلكتروني. وليس هذا سيئاً بالمطلق، ولكنه سيئ بقدر ما يبتعد الفرد عن عائلته ليغوص في بطن الكمبيوتر.
وسيئ حين يصحو الفتى ليتفقد شقيقه بجواره فيفتقده، أو يروح الطفل مذعوراً الى أمّه:”ماما .. الكمبيوتر أكل إخوتي!!”