48 ساعة من دون شاحن!
بقلم فريهان الحسن
طوال 48 ساعة، كانت تحاول إخفاء ما بداخلها من مشاعر توتر وقهر وغضب..!
القصة بدأت حين وصلت البيت، فاكتشفت أنها نسيت شاحن هاتفها المحمول عند صديقتها التي تقطن في مكان بعيد، فيما كانت بطارية الهاتف تتناقص بسرعة، فلم يبق من طاقتها سوى 5 %. وقد حاولت عبثاً إيجاد شاحن قديم في زوايا المنزل.
هي في بيتها، لكن تملكتها حالة من الغربة، وسيطرت الأفكار السلبية على عقلها! تساءلت: كيف سأتمكن من إكمال هذا الليل الطويل من دون هاتفي؟! وهل باستطاعتي الانتظار حتى صباح اليوم التالي؟!
فالهاتف المغلق كان كافياً لإشعارها بالعزلة التامة؛ إذ هي غائبة عن محيطها الإلكتروني، لا أحد معها سوى ذاتها.. وهذا لا يكفي! ولتستقل مركبتها، متجهة بأقصى سرعة إلى منزل صديقة أخرى تسكن في منطقة قريبة منها، مستعيرة منها شاحنا يعيد النبض في بطاريتها وحيوية حياتها هي شخصيا، فتنام بسلام!
في الصباح، اطمأنت بدرجة ما إذ وجدت هاتفها وقد شحن بما لا يتجاوز الربع، لأن الشاحن المستعار لم يكن يعمل جيدا. وقد حاولت أن لا تستنفد البطارية حتى تصمد لبقية اليوم، علها تتمكن من شحنها بشكل أفضل حين تعود إلى البيت.
لكن الفاجعة كانت ليلا حين تعطل أيضاً الشاحن المستعار، ليعود إليها القلق، وتدخل في الدوامة الأولى! ماذا ستفعل الآن بعد أن استنفدت البطارية تماما وتوقف الهاتف؟! كيف ستغيب عن عالم التواصل الاجتماعي (فيسبوك، انستغرام، تويتر، سناب تشات)؟ كم رسالة وصلتها على تطبيق واتس اب؟! يا ترى من اتصل بها ووجده مغلقا؟ كم رسالة إلكترونية وصلتها؟!
أفكار تذهب هنا وهناك، ويزيدها صعوبة أنه لم يعد بمقدورها وقد تأخر الوقت ليلا شراء شاحن جديد! وهي ستضطر أن يمر الليل الطويل، والممل، بعيدا عن عالم افتراضي لكنه يأخذ جلّ وقتها الحقيقي.
يومها خلدت إلى النوم مبكرا على غير العادة؛ فلا شيء يستحق أن تسهر الليل من أجله، إذ لمن تبعث رسائل وممن تستلمها؟ أين ستقرأ وتتابع وتبتسم وتحزن، وتختبر كل المشاعر معا؟.. الليلة لن يرافقها هاتفها إلى سريرها كما في كل ليلة سابقة.
استسلمت للنوم سريعا، أيضا، على غير العادة، واستيقظت باكرا، رغم أن موعدها مع صديقتها في الساعة العاشرة صباحا. لقد نهضت وكلها نشاط، واستعدت سريعاً للخروج، بحيث وصلت قبل الموعد بنصف ساعة.. فهي تريد أن تستغل الوقت في منزل الصديقة كي تشحن هاتفها، وتلحق ما ضاع عليها في ليلة وضحاها!
استغربت رفيقتها من نشاط غير معتاد، ولم تصر أن يخرجا على الموعد، فهي ملتصقة بالمكان الذي يشحن به هاتفها وتريد أن تكسب مزيدا من الوقت! لكنها اكتشفت، بأنها بالغت في توترها؛ فلم يضع عليها الكثير. الأخبار كانت عادية، والرسائل قليلة وغير مهمة.. إلا أنها مع كل ذلك شعرت أنها تستعيد أمانها كلما زادت نسبة الشحن في البطارية.
خرجتا وصديقتها، وأخذت معها شاحن الأخيرة. وكانا كلما وصلا مكانا ما، شحنته هناك قليلا، إلى أن ذهبت وأحضرت شاحنها العزيز من بيت صديقتها الأولى.
كانت تلك حالتها في 48 ساعة!... هاجس شحن الهاتف، يسيطر عليها كليا. فقد أحست خلال تلك الفترة أنها تفتقد شيئا عزيز جدا عليها، بحيث لم تستطع الاندماج في محيطها من دونه.
هي، ونحن، تعلقنا بهذا الجهاز الأصم الصغير الذي يلغي عالمنا الحقيقي، ويجعلنا أسرى لعالم افتراضي ينسينا إنسانيتنا، حياتنا، أصدقاءنا وعائلتنا، ويقذف بنا إلى عالم العزلة. هي تعترف أنها أدمنت هذا الجهاز “الذكي” الصغير الذي يجذبها لحديث صامت معه فقط.. غير أنها اعترفت أيضا، أنها معه أصبحت أكثر سلبية وسذاجة!
ربما لم تتوقف عند سؤال هو الأهم.. من يملك الاخر نحن ام هواتفنا؟!