أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 8 يونيو 2018

«وجع المبدعات».. اعترافات 16 كاتبة عن الزواج والحمل والرضاعة (ملف خاص)



دعك من هذه المثقفة التى تنفث دخاناً رديئاً فى هواء ردىء وهى تقول بكل ثقة الحمقى : وأنا أتجوز وأجيب طفل برىء لمجتمع منحط وغوغائى وسسنتمالى متعفن ليه ؟"، ولا تسأل عن معنى سنتمالى ، دعكّ من المنبثقات من كراسى المقاهى وخصلة الشعر الساقطة من الإيشارب ، دعك منهن وتعالى إلى تجارب كاتبات تزوجن وأنجن أولاداً وبنات لمجتمعات متعفنة واجتهدت كل واحدة منهن كى تنجو بطفلها من الغوغائية والأفكار المنحطة .
هذه شهادات 16 كاتبة عربية يمثلن أجيالاً متباينة فى العالم العربى ،شهادت عن الوجع والألم وشهور الحمل والولادة والعلاقة المرتبكة بين الأم " المبدعة " وطفلها .
قصص درامية لآمهات صغيرات حملن الرسالة فى بطونهن وتأخرتْ عقولهن فى فهم محتواها ومعناها ،ودائماً أقول لزوجتى:" إنت أقرب إلى الله" ، ليس لأننى سىء ، ولكن "نفخنا فيه من روحنا "تشير إلى أن أنفاس الله هى التى تبارك البذرة وترعاها،فالإناث بنات الرحمن يخصهن بهمساته تقديراً لما يحملن من عبء ورسالة إلى البشرية .
لا فرق بين أجنة فى أرحام آمهات مسلمات أو مسيحيات أو بوذيات حتى! ،لا فرق ، ونفحات الرحمن لا فرق بينها ،لكن الفوارق والكوارث من صنعنا نحن البشر حين نزرع الحقد والكراهية والعنصرية والتعصب فى عقول الصغار ، حين تتعالى المرأة على " النعمة " وتهملها وتتركها لمصائر مأساوية .
التجربة اسمها " ديوان الأمومة ـ شهادات ونصوص " عن دار ميريت ، جمعتها وأشرفت على تحريرها الشاعرة "رنا التونسى" التى يحسب لها التفكير فى هذا الجانب كمشروع شعرى مشترك ومختلف وجديد فى العالم العربى ،كما يحسب لها أن بذرة هذا المشروع بدأت من ديوانها " ألعاب الهواء " ،لكن من الواضح أن عامل الوقت دفع " رنا " إلى التسرع بعض الشىء فى جمع الشهادات واختيار الكاتبات وعدم توجيه الدعوة لكثيرات ، وتجاهل تجارب كبرى فى كتابة " الأمومة " سواء لروائيات أو شاعرات ،ولكن يغفر لها تنوع التجارب واختلافها وحرصها على شهادات شاعرات مغتربات عن أوطانهن ، وأظن الفرصة قائمة لتجنب أخطاء التجربة الوليدة وإعادة إنتاجها بصورة أفضل من حيث الاخيتارات والترتيب والتصنيف ، فهو مشروع ثقافى كبير يستحق الاهتمام من مؤسسسات وهيئات ربما نقدم صورة جديدة للأم " المبدعة " بعد أن انتهكها المجتمع وسخر منها واعتبر إبداعها عيباً إن لم يكن جنوناً خالصاً!
لقد قرأتُ الشهادات والنصوص بعناية فائقة وكثير منها يستحق النشر منفرداً ، ولكن حرصاً من الدستور على تشجيع التجربة وتكرارها ،حاولتُ جاهداُ جمع العدد الأكبر من الشهادات والنصوص واجتزاء مقاطع تعبر عن تجربة صاحبتها .. وتلك مهمة صعبة أتمنى أن أنجح فيها .

«وجع المبدعات»..
1
كل يوم .. أحبك أكثر
عندما ولدتك 
لم تكن لحظة الميلاد معجزة 
كنتُ ذليلة 
مكسورة 
غارقة فى الألم 
كان الغرباء يسكونون عظامى 
وكنت أحبك 
محبة الناجية من الموت 
المستيقظة لتعشق 
كل يوم كأنه أول أول

"رنا التونسى"


«وجع المبدعات»..
2
إلى مارسيل
أمك متهمة بالجنون والهلوسة والعبث والنشار والشعر .. لا تصدق شيئاً من هذا 
قد لا أعيش طويلاً لأخبرك أنى محض دم مغرور يحب هذه البلاد ولم يفلح أحد بعد بجعلى أخرج من البيت من دون كجلى ولا بمضاجعته بعينين نظيفتين 
أحب هذه البلاد .. ولست مجنونة ولست مهلوسة ولست نشازا ولست شاعرة .. أحبها كما أحبك هكذا ،بكل غريزة الوحوش 
"سمر دياب" 

3
سارقات الوقت
ولكن ما هى الأمومة يا سارة ؟
لكزة فى الروح لتفيق من نوبة تأمل طويلة 
أم صفعة على الوجه بعد سنوات من اللامبالاة والطمأنينة الزائفة 
مهارات غير ضرورية نتعملها على مضض 
كأن نغير الحفاضات للصمت 
ونضطر إلى كراهية الليل بسبب نوبات الصراخ 
نصير قراصمة الوقت بجدارة 
نسرق دقائق للنوم أو للبكاء .
"مروة أبو ضيف"

4
عقبال ما تخاوية
وُلد "يحيى" وكنت في غيبة البنج ولم أستقبله، بل فعلوا نيابة عني، وعندما أفقت وحملته للمرة الأولى شعرت بالشفقة على ضعفه وجوعه، وتحاملت على نفسي لأطعمه، وبداخلي رغبة كبيرة أن تأتي أمه بعد قليل لتحمله وتبتعد وتتركني لألمي الضاري، لكنها لم تأت أبدا، كنت أكتشف تورطي الكبير لحظة بلحظة منذ فتحت عيني يومها، وأصابني هذا بغضب كبير وربما بفعل آثار البنج والدواء صببت كامل غضبي على كل من هنأني بولادة يحيى وأضاف من تلقاء نفسه"عقبال ما تخاويه" يا الله، لو كنت أستطيع لقتلتهم عقابا على هذه الأمنية الغبية، وسوء تقدير الموقف الرهيب، ولم أجد - وقتها - أي متعة في كوني أصبحت أما، حتى أن البعض يتوقعون مني تكرار التجربة!
تصدق في حالتنا هذه مقولة أن الأمومة وجبة تصنع على مهل، شعرت بمسؤولية عن طفلي الصغير، اهتممت به وألـّفت الحكايات عن حبي له حينما كان بداخلي، لكنني لم أشعر بأنني أم (بالمعنى الإيجابي للكلمة؛ هذه الفرحة التي نقصدها حينما نقول أما) سوى بعد ذلك بوقت طويل، وقت صنعنا فيه علاقتنا الحقيقية، وتأسست فيها كطرف مسؤول عن كل شيء، بدون إجازات، وبخبل كامل أحيانا، وضع معقد لكنه كان - للغرابة - يعطيني بهجة وسعادة، خصوصا مع خالص الحب والانتماء اللذين حباني بهما يحيى من أبسط ردود أفعاله، وحتى قدرته على التشبث بي، بل وكتابة الكلمات في محبتي ورسم اللوحات تقديرا لي وتعبيرا عن مشاعره.

"اميمة عبد الشافى"

«وجع المبدعات»..
5
أبنى .. أصبح عائلتى
حين تزوجت وأنجبت طفلي الأول بعد عدة سنوات من الانتظار المتعمد، صار عندي سلام. وكانت تلك اللحظة الخالدة الباقية إلى الأبد في ذهني، صورة وليدي بين يدي، أتأمل وجهه الأبيض الملائكي صباح الأول من أيار 1987 في مشفى حمص الوطني في الصباح الباكر. جاء الولد/الحلم، ونامت في حضني القصيدة التي لم أكتبها، القصيدة التي أعجز عن كتابتها، القصيدة التي صارت تمشي على الأرض وتبكي وتحبو وتأكل وتغضب وتغيب عن البيت، لأسباب وجيهة. لم أكتب الأمومة حتى الآن رغم وعيي بأن المرأة الكاتبة لم تلتفت بعد وبشكل إبداعي لصوت الأمومة وملابساتها. 
لم أنجب الطفلة التي كنا نحلم بها. كانت الظروف تفرض علينا بعض الأثقال. كنا ما نزال نبحث عن استقرار مادي، وظرف إنساني جميل نستطيع من خلاله العناية بالأطفال كما يليق بالحلم الشعري العالي. تعثرنا، ولم تكن الظروف مواتية. هجرنا سوريا إلى كندا، بدأنا رحلة الصراع مع كندا، المكان الجديد، قررت ألا أنجب من جديد. صار لي خمس ولادات هي المجموعات الشعرية التي أشعر أنها كتبت بخليط من الروح والدم والنفس خلال الطواف بالعالم داخلاً وخارجا، شرقا وغربا. 
بدأت النشر على نطاق واسع في كندا وباسم جاكلين سلام. سلام اسم ابني الوحيد وليس اسم عائلتي، اسم عائلتي حنا. صار انتمائي لاسم الابن الذي أنجبته، هو القصيدة والأمومة في تجليات لها أكثر من تفسير ومعنى، وهذا ما أغضب والديّ قليلاً ثم تناسيا الموضوع أو انشغلا بالحياة وتفاصيلها اليومية. 
في الأيام القادمة وحين أصبح امرأة حرة كما أريد سأكتب قصيدة عن حلمة الثدي، عن ألم الرضاعة الأولى، عن آلام فطام الطفل عن الإرضاع، سأكتب عن آلام العادة الشهرية ومشاكلها، سأكتب عن الجسد الذي عشق وحمل وأنجب وعاش مخاضات الأزمنة كلها.
"جاكلين سلام"

«وجع المبدعات»..
6
الكائن الذى يتمدد فى بطنى
ساعات الولادة الطويلة لم تكن وحدها وسيلة لمراقبة هذا الجسد، كيف يخرج من وظائفه، وشكله المعتاد اليومي، كانت فترة الحمل كلها درسا مُبهمًا، قاسيا، وحنونا في فهم كيف يتمدد جسدي الأنثوي، ويكبر، وينتفخ وكيف يتحول إلى كتلة ضخمة تمتلئ بالماء، بالسوائل، وبكائن صغير لا يتردد أحيانًا في رفس هذا الجدار المعتم الذي يغلّفه.
كانت لديّ بالطبع أفكار رومانسية حول الأمومة والأطفال، والوجوه الزهرية اللون، التي تلتفّ بالأبيض الثلجيّ. لا تعطينا ثقافتنا العربية أية علامات أخرى للأمومة وعلاقة الأم بطفلها سوى هذه الرومانسية والتقديس، وأدوار التضحية والقدرة على الاحتمال ونكران الذات. ولا يذكر أحد أمامكِ أنكِ قد ترغبين في بعض الأوقات برمي هذا الطفل الجديد من البلكون مثلا، أو أنك قد تفضلين أنت تنفيذ قفزة حرة عن ذات البلكون. كان دور الأم معقدًا للغاية بالنسبة لي؛ لأنني عنيدة، وأريد أن أخوض تجربتي المميزة عن كل تجارب البشر. لا أريد أن أقلّد أو أسمع أحدًا، وفي النهاية استمعت للجميع، وجربت كل وصفات الينسون والشومر التي تطرد الغازات من بطن "ناي"، تلك الغازات التي كانت تجعلها تتلوى أمامي، وتتألم، وأنا ووالدها نسهر الليل بطوله، لا نعرف ما الحل معها؟
بعد سنوات طويلة وأمومة لابنتين، أستطيع أن أقول أن ثمن الأمومة في مجتمعنا العربي باهظ للغاية، خاصة لمن أصبن بشغف الكتابة ولوثتها. ثمن الأمومة قاسٍ وهائل، كثمن الحب والجنس والزواج والانفصال والعلاقات العابرة وغير العابرة والزمالة وكل شيء، كامرأة عليك دفع ثمن غالٍ في كل مرة تتوقعين فيها العيش بسعادة ورضا، أو أن تقرري أن تعيشي الحياة وفق رؤيتك للحياة.

"رجاء غانم"

7
أحلامى تنام فى جيوب أطفالى 
الحبَل بجنين يبدو بالنسبة لي أسهل من الحبَل بقصيدة، إنجاب طفل أسهل من خلق كلمات مصابة بمتلازمة داون.. تحتاج خيوطا هائلة لترميم الصدع بين النجمة ونعل الحذاء، الولادة ستبقى الصدمة الحقيقيّة التي تترتّب عليها جميع الحماقات الأخرى على حدّ رأي سيوران في كتابه "مثالب الولادة". الشعر يصيبنا بالوحام فنكره المطابخ، ورفوف الخزائن المرتّبة، والألوان المتناسقة... حتّى الحياة نتخيّلها فاكهة بغير موسمها. 
كتبت ابنتي "حنين" في سنّ مبكرة: 
" الثلج قطع طحين على رفوف النجوم " 
شعرت في تلك اللحظات أنّني أمّها حقًّا، وأنّه لا يمكنني التغاضي عن ذلك... أن ألد شاعرة حادّة الأفكار.. تحيط بها شياطين الشعر من جميع الجهات ليس صدفة... مزاجها ساديّ حقًّا، ونظراتها تنحت الأشياء.. ليس بإمكان حنين أن تبني عالمها دون أن تقطن بيت العنكبوت لتمزّقه في الوقت المناسب..
"لمى" تشبه ألعابها.. ترسم الوقت بأغنيات بسيطة.. فراشة تهتمّ بالموضة والرقص بحذائين برّاقين على دفترها المدرسيّ..
علاقتي بابنتيّ ليست تقليديّة، فيها من البوح والصداقة ما يكفي... أخبّئ غالبًا هفواتي في جيوبهم الصغيرة، أرتعش من طراوة أحلامهما القريبة من الدمى، من خيالاتهم المجرّدة كالجنة... حنين تقرأ قصائدي من حين لآخر، وهذا جزء من الصداقة التي أصبحت غرفة جاهزة للعبث، بيتي تسنده القصائد من جهاته الأربع… أحيانًا أخشى انهيار السقف...أو أن تثمر شجرة الميلاد، أخشى أن تحصل أمورًا غريبة دون معجزات تُذكر 

"رنيم طاهر"

8
الأمومة .. مش لعب عيال
فكرت أن الأمومة ستكون مخلصا ومنقذا لي، لم أفكر أبدا في تبعات الأمومة أو مشاكلها، في الحقيقة لم أكن اتخيل مدى صعوبة التجربة كنت صغيرة (ثلاثة وعشرون عاما) ولا أرغب في شيء قدر رغبتي في أن أصبح أما.
عندما أصبحت أما بالفعل اكتشفت مدى صعوبة التجربة، الأمومة ليست كما تبدو في البوسترات الملونة أو الصور الفوتوغرافية.
أشعر بقرب أكبر من بناتي كلما كتبت بشكل جيد، وأجد الحياة من حولي تستحق وبها أشياء جميلة وأفكار مبهجة، أشعر بهن يقبلنني ويحتضنني بحب أكبر، أما عندما تسير الكتابة بشكل سيء، أو لا أجد ما أكتبه أتحول لشخص متهور غاضب، أصبح مجنونة تماما حتى تتم الكتابة بالشكل الذي يرضيني.
أكتب في المطبخ، في غرفة البنات، أفكر في الكتابة وأنا أعلق الملابس على حبال الغسيل، أو أثناء تغيير الحفاضات للصغيرة، أو أثناء غسيل الأطباق، في كل لحظة لا أكتب فيها أفكر في الكتابة، أشعر أني أوثق حياتي بالكتابة. 
في كل كتاب أضع لهن الإهداء ربما يجدن وقتا لقراءة بعض ماكتبت، أنا مريضة بهن وبالكتابة، ولا أرغب سوى في أن نكون معا طوال الوقت :" فريدة، كرمة، فيروز". 

"سارة عابدين"

9
قصائدى وأصابع أطفالى الملطخة بالشيكولا
الأمومة أعطت تلك اللذعة الواقعية للنص لتجعله أكثر حرارة واقترابا من القارئ، أطفالي تجدين أصابعهم الملطخة بالشوكلا على وجه القصيدة، وألعابهم منثورة في فضاء النص، تجدين فرحتي بهم وقلقي وخوفي من الحرب عليهم، تجدين غضبي منهم وقلة حيلتي إزاء شقاوتهم، كلماتهم، أفعالهم، كتبهم، يعني احتلال كامل ههههههه. في الحقيقة اختلف نصي من قبل مجيئهم، من الحمل وفترة الوحم والتخلق داخلي، ثمة شيء لابد أن يؤثر و لا يمر عبثا. 
الأمومة سراج بزيت لاينفذ، عالم الطفولة قادر بشكل دائم على بعث الدهشة، وتلك ما يحبها الشعر؛ فالشعر الذي لايدهش يتوقف عن كونه شعرا، وتجربة الأمومة بالنسبة لي كانت عتبة مختلفة تختلف عن غيرها من التجارب، تعمق الشعر وتمنحه أجنحة من طفولة؛ ليطير قريبا وعاليا، أيضا أطفالي يحبون الشعر، ويلقونه بالسليقة؛ فالأب شاعر أيضا، ولهذا كان من المحتم ربما أن تتسرب هذه الجينات إليهم. يدهشونني دائما بتعابير حلوة لا يقولها الأطفال في سنهم عادة. الجميل في الأمر كله معرفتهم لعناوين كتبنا؛ فيتسابقون في حفظها أيضا، و يفتحون هذه الكتب في محاولة منهم لقراءة قصائدنا.

"سميرة البوزيدى"

10
أعترف بأننى لم أكُنْ أُمًّا صالحة
تعلَّم طفلي أبجديته بفضل الآخرين، ونطق كلماته الأولى في غيابي، وفاتتني مواقفه الطريفة وبدايات تفتحه على الحياة. زاد الضغط بسبب حَمْلِي غير المرتَّب في شقيقته، الذي جعلني أكثر عصبيةً وضاعف من تكرار نوبات ثورتي وشدَّتِها. نعم، كنتُ أضرب طفلي البالغ من العمر ثلاث سنوات بقسوة؛ أذكر أنني ضربته ذات مرة بقبضتي على ظهره الصغير لأنه سكب مسحوق الغسيل على الأرض
إن مرضا يسهر والدهما بجوارهما، يتابع الكمَّادات ومواعيد الدواء، بينما أغُطًّ في النوم كجثة بفعل الإرهاق والشد العصبي طوال النهار. باختصار لم أكن أمًّا، كنتُ آلةً تعمل ببرنامجٍ مكتوب..
تمر ثلاث سنواتٍ عجاف، حتى يسألني عمي أن أكون رضوان جنته؛ أن أعمل لديه، مساعدته الخاصة، أتولى أمر مراسلاته الإلكترونية، أعد مدونته وأسجل فيها ترجماته وقصائده، وذلك في شقته المكسوة بالكتب المكتوبة بأبجدياتٍ سحرتْني منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما، وهنا بدأتُ أخطو خطواتي الأولى التي تأخرتْ طويلاً وتاهت عن طريقها الصحيح. علَّمني مبادئ الترجمة، علَّق على محاولاتي الأولى، أشار لي إلى بداية الطريق وأبوابه المغلقة. عدتُ إلى مقاعد الدراسة في شغف، نهلتُ من الشعر والنثر، شربتُ كثيرًا وما ارتويتُ، كأنني أعوِّض جفاف الأعوام الطويلة. 
بدأ الحجر الساكن في داخلي يتفتَّت، ويتشكَّل كلماتٍ ونصوصًا، وتسلَّل شيء من الدفء إلى القلب البارد. 
اكتشفتُ طبيعة علاقتي بأبنائي -أيًّا كان وصفها- بعد أن لان قلبي وتفتحت روحي بأسرار الأبجدية، 
تخطو ابنتي نحو عامها السادس عشر وقت كتابة هذه السطور، صبيةً جميلةً متفتحةً على الحياة، لم تأخذ عني شيئًا يُذكر، وتعمل على صياغة تجربتها الوليدة بنفسها. ويبدأ ابني حياته الجامعية وقد اختلف كثيرًا عن ذلك الصبي الذي كان، ليصبح شابًّا ساعيًا بقوة نحو استقلال تفكيره وأسلوب حياته. العمر".
أن تأتي متأخرًا خيرٌ من ألاَّ تأتي أبدًا.

"سها السباعى"

11
أنا صفر بجانب طفلتى
هى أنفاسى الحقيقية التى أحيا بها، قطعة من جسدى تشبهنى إلى حد التطابق، وأتمنى ألا تشبهنى فى الواقع، فأنا أم بلهاء لم أكن يوما بدهاء الحياة ومكرها، ربما اكتشفت بداخلى قوة إرادة وأنا أواجه الحياة وحدى، وأنا أحفر أساسات مستقبل أتمناه سعيدا بالطبع، فعندما رحلت أمى أعتقدت اننى سأفقد الطريق تماما، وعندما رحل زوجى، تيقنت إننى وجدت الطريق، فقد بانت لى أمارات القوة الحقيقية داخلى، وأخرجت البنت الشقية كل عفاريت التحدى والصمود، ساندنى الأصدقاء والأهل لأقف أمام عثرات الوحدة والحاجة، ربما لن تسع هذه الشهادة بعدد صفحاتها الذى لا ينتهى، شكر كل الناس الذين ساندونى بما فيهم من أذونى وتخلوا عنى، فقد ساعدونى أيضا فى أن أعرف اننى لا أهزم أبدا.
أنا صفر بجانبك، أنا أخلو من أنا إذا لم تكونى هنا أصلا، أنا أنت يا قطعة لحمى الصغيرة، تحميكى ملائكة الخير من شر البشر والكائنات اللى مستخبية فى خيالك يا قلبى، أنا دونك يا عينى لا أرى الكون لا جميلا ولا قبيحا، اعمى بصر وبصيرة، دونك حتى الموت لا معنى له، احمد الله أنها هنا، يارب دوام نعمتك فى دوام حضنها، احمد ك يارب، ما كل هذا الحنان يارب، أدم على نعمة بنوتها وبارك لى فى أمومتى

"سها زكى"

«وجع المبدعات»..
12
أنا الفتاة اليتيمة التى أصبح لديها ولد
عندما جاء طفلي اﻷول، كنت ميتة لم أزل؛ واندهشت أن تقدر مثلي على منح الحياة. تجربة عكرتها خبرة الفقد، وقصائد الرثاء. كان ”علي" متعبا جدا، وكنت مرهقة كجثة. منذ اللحظة اﻷولى عرفت أنه حياة في الاتجاه الضد لحياتي، وانتقام جسدي الذي لم أحبه ؛ حوصرت بالانتكاسات البيولوجية، ومتلازماتها النفسية ورأس حربتها متلازمة الذنب التي حفزت لفترات متواصلة رغبتي في الانتحار، ﻷنني لم أكن أما طيبة كالوسادة!.
بأمومتي التي استشعرتها متأخرة، أظنه انتهى يتمي، صرت أما وابنة، أنا التي رملتني المراثي، ولضمت روحي بسرب عجائز كعدودة شائخة. والموت الذي ناديته من أعلى جبل في روحي صار خيانة حرام على أم جديدة، حرام حتى أنني استبدلته بحياة جديدة قررت إهدائها لطفل ثان، كهدية لطفلي اﻷول، الذي أردت له النجاة من أمراض الطفل اوحيد، التي عددها ”موراكامي” في روايته ”جنوب الحدود غرب الشمس”.
لكن الطفل الذي انتصر وجوده للتو وانسحقت لأجله أنانيتي، لن يظل طفلا، سيصير ربما القارئ الأصعب، القارئ الوحيد الذي أخشاه، هذا القريب كظل، سيصير عبئا على الكاتب وعلى الكتابة.

"عزة حسين"

«وجع المبدعات»..
13
لحظة السحر التى غيرت حياتى
الممرضة التي لم ترضع طفلا يوما، شرحت لي كيف أمسح حلمتي وأحشرها بين الأصبعين لأجهز لشيرين وجبات متلاحقة كل ساعتين، لكنها لم تذكر شيئا عما سيحدث لهذا الثدي الذي كان يوما نافرا مكابرا مقابل لسعات البرد في الشتاء والنشوة في الصيف، لم تقل أنه بعد أن يلتهب ويتشقق بفعل المص والشفط سيعود لينفس كالعجلة المثقوبة بعد أن تفرغ شيرين منه. نعم أنا لست أما ولا أستطيع أن أكون.
ثم حصل السحر مرة واحدة، كانت الساعة الثالثة صباحا، وكنت منهكة وأكاد أقع، مشيت باتجاه صراخ شيرين اللانهائي. كانت في شهرها الخامس عشر. نظرت إليها فردّت إليّ النظرة بعنف وأخافتني. بكيت بصوت عال، وهي تنظر إليّ مستغربة فعلتي التي يجب أن تكون فعلتها هي. انحنيت بنصف جسدي فوق قضبان سريرها، وأخبرتها أنني متعبة وأريد أن أنام ورجوتها، قلت لها: "من شان الله ما تبكي"، سكتت شيرين وربما راعها منظري المنتحب والمتوسل وأشفقت عليّ. نظرت إليّ بطرف عينها وابتسمت، ثم لوّحت لي بيدها مودعة. كانت تقول لي بعينيها وبكلّ التفهم الموجود في الدنيا: "أذهبي الآن وارتاحي. لن أزعجك".
لم أصدق ردة فعلها، لكنني استجبت بكلّ وداعة لأوامرها، وانتقلت ببطء وأنا أتوقع أن يعود الصراخ ليمنحني ليلة طويلة من قلة النوم، لكن ذلك لم يحدث، نامت شيرين ونمت أنا وأصبحنا منذ تلك اللحظة أعزّ الأصدقاء. 
لقد حصل السحر فعلا ..أصبحت أقل وحدة بسبب وجود بنتين وولد. أذهب إلى طفلتي كاثرين في الليل حتى حين تكون نائمة، وأخبرها أنني وحيدة، وتتفهمني 

"مايا أبو الحيات"

«وجع المبدعات»..
14
انا الام الجريحه التي مازالت تكتب 
أهديت نفسي لطفلي الأول، بحملٍ صعب لمدة تسعة أشهر، منهم ثلاثة، كنت خلالها مستلقية على سرير بارد في مشفى فرنسي، حيث لم أكن أفهم اللغة.
رأسي للأسفل وساقاي للأعلى. ممنوع أن تلمس قدماي الأرض أو أن أذهب للتواليت. وحيدة دون أصدقاء وبدون أهل. تشققتت أكواعي لخشونة الأغطية وضمرت عضلاتي لعدم الحركة،إذ كنت مهددة بالولادة المسبقة، التي إذا حصلت، سيولد الطفل لا محالة ميتا، لأنه غير كامل.
إلا أن الأمومة لم تجعل مني فيما بعد، عاقلة ورزينة وخاضعة. بل ظل قلبي متعطشا للحب وللحرية. فتطلقت محتفظة بابني الذي كنت أرى به وطني البعيد وأهلي، ولكن مرة أخرى خُطف مني، عقابا على خروجي عن الطاعة الاجتماعية وتوقي للحب.
أصبحت الأمومة عندي حلما..حققته بطفلين آخرين دون نسيان طعم الحرمان من الطفل الأول.
في كل كتبي - عدا أنذرتك بحمامة بيضاء - أمومتي الجريحة موجودة، وتتضح أكثر وأكثر مع كل كتاب، إلى أن قررت نشر قصائدي التي كتبتها عن ابني، عقب خطفه مني وحرماني من حضانته..
الفكرة المؤلمة، التي أخذتني إلى أبعد من ذلك، ولأكتب عن هذا الخطف المستمر
ومع كل ذلك لا أدري إلى الآن إذا كان أولادي يعاملونني كأم، فلطالما لم أعرف استعمال أية سلطة عليهم.. لكني.. أحببتهم ما استطعت، مقتنعة دوما أنهم ليسوا لي.

"مرام المصري"

«وجع المبدعات»..
15
زينب رفيقه ايام الحرمان والجوع
علاقتي بزينب، الاسم الذي استقريت عليه أخيراً تيمناً بعمتي المفضلة، مشوشة وغير واضحة المعالم. ليس بالنسبة لي فقط، بل بالنسبة لها أيضاً. فأنا لا أذكر أنني كنت أبادلها الابتسام كل صباح حين أكشف عن وجهها في مهدها. لم تكن تبكي عندما تجوع في الليل. تكتفي بمص أصبعها أو إحداث صوت أشبه بطقطقة بالضغط على لسانها في سقف حلقها وأعرف أنها جائعة. عندما كانت تمرض تكتفي بأن تكون منطفئة في عينيها وذابلة مثل قطة جائعة في الشارع تحاول استجداء تعاطف المارة. كنتُ أحاول مراراً أن أبدو أماً حقيقية بروح وجسد مشتركين معها ولكني كنتُ أعجز. كان أبي ينبهني دائماً أن أحفظ فتحات أنفها بعيداً عن ثقل ثدي خشية اختناقها. كان الجميع يشعر بذلك البون بيني وبينها عداي. لم أعترف لنفسي يوماً أن ذلك اللا شعور هو الشعور بعينهِ، وهو موقف بالتالي كنتُ أترجمهُ يوماً بعد يوم إلى آليات حب مفترض لم أختره.
صارت زينب رفيقة دربي في الأيام السود من حرمان وفقد وتنقلات بين حياة وأخرى. كنا نجوع سوية ونمرض سوية ونعتزل الحياة في غرفة نائية بعيداً عن أنظار العالم. كنتُ أخشى مواجهة العالم الخارجي مخافة أن يلمحوا نظرتي البليدة ويتهمونني بالجنون وأنني لست أهلاً لأكون أماً. حملتها بين فكيّ مثل قطة، وربما أذيتها دون وعي وأنا أضغط على فك العناية، لأحميها من تقلبات الحياة وقسوتها. حزمنا حقائبنا مرات ومرات ولم يكن لها خيار في ذلك. كانت تحمل معي حُلمي بدلَ أن يكون لها حلماً أو تكون هي أحد أحلامي.

"منال الشيخ"


«وجع المبدعات»..
16
ايها الرجال ليتكم تعرفون طعم هذه المتعه!
منذ فترات الحمل الأولى وأنا تنتابني مشاعر الأمومة بصورة غريبة وجديدة ووحشية. ليس فقط أن ترى طفلاً وتشعر بالسعادة لرؤيته وترغب في ملاعبته، وإنما ذلك التشكل الحقيقي الواقعي الملموس لكائن ما داخل أحشائك. أن تعرف أنك لست وحدك في هذا المنزل الطيني الأثير الذي تسميه وجودك الجسماني. وإنما هناك بداخلك من يتحدث إليك عبر تشكله وتكونه ونموه.
كثيراً ما أشفق على الرجال لأنهم لا يمرون بهذه التجربة المثيرة الشيقة. شديدة الطبيعية والحيوانية والواقعية واقعاً أغرب من الخيال نفسه. وكأنها تحقيق لهذا الخيال. يمكنك أن ترى عبرها كيف تتشكل فكرة وكيف تتغذى على طاقتك لتنمو وتتبلور إلى أن تخرج حية إلى النور. يمكنك أن ترى ذلك يحدث فيك. ويحدث بك. ولا يمكنك الفكاك منه ولا يمكنك العيش بدونه أيضا.
جعلتني فترة الحمل أكون لصيقة. أو لنقل هذا المصدر من مصادر التعرف على عملية الإبداع والخلق وكيف تكون خطواتها وكيف يكون هذا الأخذ منك – وإن رغما عنك – ممتعاً، لأنه في النهاية يشكل كائناً حياً يحمل من صفاتك وملامحك لكنه في النهاية يستقل عنك ويكون هو، وتتعدد الآراء نحوه وتتباين اشكال تناوله النقدي فيما بعد. ربما يكون الفارق الوحيد هنا هو أن نصك الإبداعي يُكتَب باسمك. أما الأطفال فيكتَبون باسم الأب.

"هدى حسين"