أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 8 ديسمبر 2018

شقق فيسبوك الزرقاء!

بقلم: إبراهيم جابر إبراهيم
جريدة الغد
لا أحد يستطيع الجزم بأن حياتنا قبل ذلك كانت أفضل أو أنها بعد ذلك صارت أفضل، لكن الأكيد أن حياتنا بعد "مواقع التواصل الاجتماعي" تغيرت بشكل كبير وواضح، في أساسياتها وتفاصيلها.

بفضل هذه المواقع، صار لأغلبية الناس حياة أخرى موازية، تكاد لا تشبه الحياة الحقيقية، وتكاد أحياناً تجرفها في طريقها كعاصفة هوجاء.
المربك في الأمر أن هؤلاء الذين "يتمتعون" بحياتين انساقوا وراء اللعبة بشكل جاد، ولم يعد بمقدورهم الفصل بين تفاصيل وأشياء ومواعيد "الحياتين"، فاختلطت الأمور حدّ الفصام، وصار على أحد ما منهما أن يدفع ثمن ما يفعل الآخر في حياته، أو.. في حياتيهما!
فالمرأة التي تنام وبحوزتها "400 لايك" على صورتها لا تستطيع في الصباح أن تبتلع فكرة أن مسؤولها في الشغل سيعطيها تعليمات وعليها أن تنفذها، وتصير تفكر أين ذهب جمهوري الكبير وماذا سيفعل المعجبون لو رأونني على هذه الحال؟ وهذا المسؤول لو وضع صورته كم "لايك" سيأخذ؟ 3، 5، 8 بأحسن الأحوال؟ فكيف يعطيني التعليمات! أما الشاعر الذي يخرج للسوق وبحوزته "500 لايك" على قصيدته فلا يستطيع أن يستوعب أن يقف بطابور الخبز مع الدهماء الذين لو عاشوا حياتهم كلها فلن يستطيعوا جمع "20 لايك"!
والزوجة التي جعلتها برامج تعديل الصور أجمل من نجمات السينما، وانهالت عليها قصائد الشعر الركيك من كل سكان فيسبوك وانستغرام، صدَّقت ما يقال لها ولم تعد تطيق زوجها الذي لا يكتب الشعر ولا يُقدّر أن التي تعيش معه "نجمة" لها آلاف المعجبين الذين يشتهون وصالها!
وهكذا يصير حساب الحياة بـ"اللايك"، فبعد أن كانت الفتاة في محل الملابس تفكر كم ثمن هذا الفستان، صارت تفكر: هل سيعجب أصدقائي على "فيسبوك" وكم "لايك" سيحصد؟! وصار الناشط السياسي الشاب يفكر في المظاهرة: أين أقف لتبدو الصورة أكثر هيبة وانفعالاً!
وبالمناسبة أدى ذلك لتغيير كبير في أثاث وشكل البيوت، كتغيير الستائر وتنجيد الكنبة وإضافة ورد هنا ولوحة هناك، وربما تربية كلب صغير أو على الأقل قطة تجعل صاحبة الصورة تبدو أرستقراطية وحنونة ووو.. وأدى كذلك لأن تكون البيوت نظيفةً دائماً وجاهزة للتصوير أو لكاميرا "الشات"! وجعل الكثيرين ينامون ببيجامات وقمصان نوم جميلة وأحيانا بشعرٍ مصفَّف!
هذه الحياة الموازية خلقت فجوة بين شخصيتَي الشخص الواحد، وجعلته يخلطُ بين ما يحدث له حقيقة على الأرض، وبين ما يحدث له في أعالي الإنترنت، وتحديداً أولئك الذين كانوا يشعرون بتهميشهم وتجاهلهم في الحياة فيما استقبلوا بالترحاب على شاشة الكمبيوتر، وأصبحوا نجوماً معروفين!
ومع غض النظر إن كانوا موهوبين حقاً وجميلات حقاً ويستحقون هذه النجومية أو لا يستحقونها؛ لكنهم يعيشون أزمة حقيقية حين يعاملون كنجوم منذ الثالثة عصراً وحتى فجر اليوم التالي حيث عليهم أن يعودوا مجرد موظفين قليلي الشأن أو ربات بيوت ينتظرهن جلي وغسيل وشطف الدرج!
ويصير لسان حال الواحد منهم أمام بائع الخبز: آه أيها اللعين لو أن لك صفحة هناك لأريك من أنا!