أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2018

حماية الأطفال المفرطة بداعي الحب تخرج جيلا لا يقوى على مواجهة المجتمع

بقلم: ديمة محبوبة
جريدة الغد

عمان- يؤمن الكثير من الآباء بأن حماية أطفالهم تتركز في عزلهم عن محيطهم الخارجي، ويشكل الحب والبحث عن الأمان دافعا في تعزيز هذا الإيمان. بيد أن هؤلاء يرتكبون خطأ جسيما؛ إذ إنهم يصنعون جيلا لن يقوى على مواجهة المستقبل ولم يهيأ له جيدا، خصوصا مع التدخل في سلوكه، وقراراته، وتفكيره، وطموحاته، فعاش في عالم الأسرة بصورة مثالية وهمية، وغير واقعية.
 غير أن خبراء ينبهون من خطورة هذه الحماية المفرطة وما تحمله من نتائج سلبية عديدة، عبر خوف الطفل من المواجهة، وغياب الثقة والاعتماد على الآخرين بكل شيء، وافتقاد مهارات التواصل مع المحيط وخاصة مع الغرباء، وأيضا غياب القدرة على حماية نفسه والدفاع عن حقوقه عندما تنتهك من الآخرين.
وينصح الخبراء الآباء بتجنب فرط العاطفة في تربية الأبناء حتى لا يدفعوا الثمن بالمستقبل، ولكي لا يتواجهوا مع من حولهم فيصعب تصديق الواقع والتعايش معه، ما يجعل الاضطرابات الاجتماعية والنفسية كبيرة وذات تأثير في حياتهم.

حماية تزرع الخوف من المجتمع
ويعتقد الأهل أن الحماية الزائدة تعبير عن الحب، وفق اختصاصية علم النفس والمختصة بشؤون الأطفال أسماء طوقان؛ إذ ينشأ عن ذلك طفل ضعيف الشخصية، خجول اجتماعيا، دائم القلق والتوتر، يخاف الانخراط بالمجتمع، ولا يستطيع اتخاذ قرار، ولا يمكنه تحمل المسؤولية، وتصبح شخصيته اعتمادية، لأنه لم يتعود على المواجهة في الواقع وتولي أمره بنفسه، وحل مشاكله، فلا يقدر على التعامل مع الحياة وصعوباتها لأنه لم ير منها إلا الجانب الآمن والملاذ الذي يتمناه أي طفل.
وهنا ينصدم بالواقع عندما يكبر وتظهر المشاكل السلوكية لديه، وفق طوقان، وقد يلجأ الأهل لإحضار طفلهم عند الطبيب أو الاختصاصي النفسي لاعتقادهم أن الخلل به ويتجاهلون أنهم السبب الرئيسي في تكوين شخصيته وسلوكه بهذا الشكل، لذا يجب على الأهل عدم الخجل من التعلم والقراءة عن أساليب التربية للأطفال وتعليمهم أسلوب الحوار والاحترام معهم وتجنب فرط العاطفة في تربية أبنائهم حتى لا يدفعوا ثمنها بالمستقبل.
كذلك، عدم توفير كل ما يطلبه الطفل بسهولة حتى وإن كان الأهل مقتدرين ماديا، وذلك ليس من أجل الحرمان بل لتعليمه أنه لا شيء يمكن تحصيله بسهولة بل يحتاج الى جهد وعليه فعل أمر جيد للحصول على شيء يريده وأن يكون الشيء الذي يريده معقولا ومناسبا لعمره.

استشاري الطب الشرعي والخبير في حقوق الطفل، الدكتور هاني جهشان، يبين أهمية التربية بطريقة متزنة حكيمة توفر الحماية الملائمة للأطفال، وتبني فيهم قدرة الاعتماد على النفس، وتصقل مهارات التواصل مع الآخرين وحماية أنفسهم في كل البيئات التي قد يتواجدون بها خارج المنزل، من مثل المدرسة ومنازل أصدقائهم أو الأندية الرياضية أو المخيمات الشبابية أو خلال الأنشطة اللامنهجية والرحلات المدرسية.

الحماية المفرطة تولد الشك بالآخرين
أما الحماية المفرطة فهي السيطرة على كل جانب من جوانب حياة الطفل بالتفكير والتصرف، وردود الفعل، من خلال رصد الطفل وتحديد أهدافه وقيمه وطموحاته، والتحكم بمحيطه الاجتماعي، ومنعه من تحمل المسؤولية، والإفراط بالطعام والكساء، والتبعية للوالدين، وفق جهشان.
الحماية تلك، لها عواقب وخيمة، فهي تمنع الطفل من التفاعل مع نظرائه، وتولد لديه الخوف من أبسط التحديات التي قد تقابله، ويكون في حالة قلق من مواجهة المجتمع ويستمر ذلك حتى سن البلوغ ويترك هذا النوع من التربية أيضا الخجل غير المبرر والشك بالآخرين.
وذلك كان ما حصل مع عدنان، فهو طفل مدلل، وفرت له والدته كل ما يحلم به داخل المنزل، حتى لا يضطر إلى الخروج والتعرف على أبناء جيله، حتى تحميه منهم "حسب وجهة نظرها"، إضافة إلى تربيته على الأخلاق الحميدة، حتى ظن أن العالم يخلو من أي شر، بل إن الأشرار موجودون في برامج الأطفال حتى يغلبهم الأخيار في الحلقة الأخيرة.
عدنان دخل إلى الجامعة، كان انطوائيا، لم يحب أن يتعامل مع أحد في البداية، بسبب شعوره باختلافهم، لم يكن مرتاحا في نهاية المطاف.
بدأ التعارف على الشباب، وكانوا يتعاملون معه وكأنه هبط من كوكب آخر، نظرا لالتزامه وصدقه، ورؤيته لهم يكذبون وينافقون، لم يحتمل ذلك، حتى عاد إلى البيت يوما مرهقا، ودخل في نوبة غضب من الواقع الذي لم يستطع حتى الآن فهمه أو تقبله.
يقول جهشان "إن انخفاض الثقة بالنفس واعتماد الطفل أو اليافع الكلي على الوالدين في كل مناحي الحياة والإخفاق باتخاذ القرارات المهمة وحتى البسيطة إلا بعد الرجوع إليهما وأخذ موافقتهما على هذه القرارات، يرافقها صعوبات في مكان الدراسة الجامعية وفي أماكن العمل والحياة الأسرية والاجتماعية، وهنا يجب التفريق بين استشارة الوالدين بإيجابية ومنطقية وبين كون الطفل أو اليافع معتمدا كليا بشكل عاطفي مرضي عليهما وبسلبية تامة من قبله".

أطفال معرضون للعنف والتنمر
ويشير جهشان إلى أن تربية الأطفال بحماية مفرطة قد تؤدي الى زيادة احتمال تعرضهم لأشكال العنف كافة وللتنمر من زملائهم في المدرسة ومن أصدقائهم وزيادة احتمال تعرضهم للعنف والاستغلال في أماكن العمل لاحقا؛ حيث إن الأطفال الذين تم تربيتهم بحماية مفرطة يفقدون مهارات التواصل مع الآخرين، وخاصة مع الغرباء وأيضا هم غير قادرين على حماية أنفسهم والدفاع عن حقوقهم عندما تنتهك من الآخرين.
وتؤدي هذه الحماية الى انخفاض احترام الذات، فعلى الرغم من شعورهم أنهم محبوبون كثيرا من قبل الوالدين، إلا أن الدراسات أثبتت أنه على المدى البعيد يفقد هؤلاء الأطفال احترامهم وتقديرهم لأنفسهم بسبب عجزهم على التعامل والتواصل مع الآخرين، بحسب جهشان.

القلق والعزلة لدى المراهقين
وتشير الدراسات المسندة في علم النفس السريري إلى أن الإفراط في الحماية أثناء تربية الأطفال هو سبب رئيسي لاضطرابات القلق لدى المراهقين واليافعين، وخاصة رعاية الأطفال بعيدا عن التخالط الاجتماعي بنظرائهم ومع باقي مكونات مجتمعهم، ويرتبط هذه القلق بالخجل وعدم القدرة على مواجهة أي شكل من المخاوف التي قد تواجه الطفل أو اليافع، والتالي التقوقع والانسحاب.
ويؤكد اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، أن الحياة التي يسعى الأهالي لتوفيرها لأبنائهم من رفاهية ومصداقية وعيش منعم، هي كأن الفرد يريد أن يعيش في المدينة الفاضلة.
وعلى سبيل المثال، الأب والأم يضعان أولادهما في أفضل المدارس ويعلمانهم أهمية الصدق والأخلاق الحميدة فيمشون عليها ولا يعرفون النقيض منها حتى يتفاجؤوا بمن حولهم فيصعب تصديق الواقع والتعايش معه، ما يجعل الاضطرابات الاجتماعية والنفسية كبيرة وذات تأثير في حياتهم.
وتتفق طوقان مع ما سبق، لأن حب الأهل لأطفالهم لا يقصد به الدلال المفرط وتلبية كل رغباته، فبذلك يكون هذا الحب مدمرا للطفل وليس أمرا جيدا وله عواقب كثيرة ومخاطر تؤثر في تكوين شخصية الطفل ونفسيته.

الدلال الزائد يولد العدوانية والتمرد
الأهل حينما يلبون جميع رغبات طفلهم يعتقدون أن هذا يعد تعبيرا للحب له وإشعاره بعدم النقص وتمييزه عن بقية الأطفال، وذلك من خلال تقديم الكثير من الهدايا والألعاب والأجهزة الالكترونية الحديثة، وحل واجباته المدرسية بدلا منه والاندفاعية في حل جميع المشاكل التي يواجهها في حياته من دون بذل أي جهد منه، وفق طوقان.
وتشير إلى أن ذلك يؤثر على سلوك الطفل سلبيا فيصبح طفلهم عنيدا ومتمردا وعدوانيا في حال عدم قدرتهم على تلبية طلباته ويعتقد أنه هو القائد في المنزل وأن كلامه فقط هو الصحيح ولا يسمح لأحد التدخل به ويرفض تلقي الأوامر من أحد حتى وإن كانوا والديه، وذلك بسبب غياب القوانين والأنظمة في البيت التي يجب عليه احترامها فلا يعرف حدا معينا للتوقف عنده، بل يستمر بطلب المزيد والمزيد من الحاجات المادية والمعنوية من دون بذل أي جهد منه، وقد يلجأ الى أفعال سلبية لخوض تجربة جديدة لأنه حصل على كل شيء يرغب به بشكل مفرط من الأهل ومخالفة القوانين والأنظمة وقد يصطدم مع القانون لعدم تعوده على وجوده أصلا.
ويقول جريبيع "الأصل أن يربي الأهالي أبناءهم على الأخلاق الطيبة وبالمقابل تعريفهم بما يدور حولهم من شر وخير وكيفية التعامل معه حين وقوع الشر حولهم أو عليهم".

مبدأ المشاركة والعطاء 
يعلم الطفل المسؤولية
ويشير جهشان إلى أن أهمية التربية المتوازنة تشتمل على حث الأطفال على الاندماج في خبرات الحياة بشكل متجدد كالمشاركة بالنشاطات الرياضية واللامنهجية والمشاركة في احتفالات الأطفال المختلفة، وتدريبهم خلال ذلك على حماية أنفسهم والاعتماد على الذات والدفاع عن النفس وطلب المساعدة بالوقت المناسب.
وكذلك، تدريب الأطفال على مبدأ المشاركة والعطاء للآخرين حتى وإن كان بأمور بسيطة جدا وهذا يعلم الطفل تحمل المسؤولية والثقة بالآخرين والعمل بروح الفريق، بالإضافة إلى حث الطفل على حل المشاكل بطريقة المنطق والتحليل من دون أي مساعدة من الآخرين.
وبناء الثقة بالنفس بتعليم الطفل مهارات جديدة بشكل مستمر، وتشمل، مهارات التواصل مع الآخرين، والصحة والنظافة الذاتية، وحماية أنفسهم، وإفساح المجال للطفل للاختيار في ظروف تسمح بذلك من دون أن تختار للطفل كل أمور حياته مثل الطعام والكساء والألعاب...الخ.