أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 20 ديسمبر 2018

لم الأغنياء أجمل من الفقراء؟ خواطر في متجر التجميل!

بقلم: ديمة مصطفى سكران
مدونات الجزيرة 

شئنا أم أبينا، تميل أنفسنا للإنسان الجميل بشكل أكبر، على الأقل كانطباع أولي قبل أن نتمكن من التحقق من مدى قبحه أو جماله الداخلي. نحن نظهر اهتماما أكبر بالجميلين والجميلات في حياتنا دون وعي منا، ربما يأتي هذا الاهتمام أحيانا على شكل حب أكبر أو احترام أكبر، أو تقدير أكبر لما يقولون ويفعلون، أو حتى تبرير أكبر لأخطائهم، بل إننا حتى نشارك ونتبادل صور الأطفال الجميلين من ضحايا حروبنا وثوراتنا شهداءً أو مشردين أو قاطني مخيمات أكثر من غيرهم، وكأن جمالهم كان سببا في مضاعفة الحزن عليهم أكثر من غيرهم.


حسنا ليس الأمر كذلك وحسب، دعني أسألك سؤالا: هل أنت ممن يملكون ذلك الانطباع بأن الأغنياء أجمل من الفقراء؟ بأن مواطني الدول المتقدمة أجمل من مواطني دول العالم الثالث؟ وهل يعني ذلك أن الجمال أيضا ينحاز للأقوى والأغنى؟ تبدو الحقيقة مخيبة للآمال، لكن نعم، إن الجمال ليس محايدا أبداً، إنه ينحاز للأقوى والأغنى والأكثر ثقافة وتقدما بين الدول، بل إنه ينحاز في الدولة نفسها إلى الأسر الأكثر ثقافة وغنى. فما تفسير ذلك يا ترى؟

لم الأغنياء أجمل من الفقراء؟
إن تجاهلنا موضوع مقاييس الجمال التي تختلف من مجتمع لآخر، بل من فرد لآخر، يبقى الأساس الثابت للجسد الجميل هو الصحة الجيدة. إن الجسد الصحيح هو جسد جميل ذو وجه جميل، ويزداد جمال المرء كلما ازداد صحة، بينما ينطفئ بانطفائها. إن لمعان الشعر وغزارته وقوته تدل على أن صاحبه أتيح له في حياته فرصة التمتع بغذاء صحي متكامل الفيتامينات والمعادن، كما أن تورد الخدين والشفتين الطبيعي ينبئ عن شخص معاف من فقر الدم، متمتع بدورة دموية سليمة، كذلك تعني الأسنان القوية الصحية التي تعطي جمالا لابتسامة المرء عظاما قويا لا تعاني من فقر الكالسيوم، والعظام القوية أيضا تعني قواما متماسكا منتصبا وصل حده الأعلى من الطول الجيني المقدر له، يزيده جمالا امتلاؤه المتناسق الذي يشي بنظام صحي جيد وتزود كافي بالبروتينات وربما ممارسة منتظمة للرياضة، كما أن البشرة النقية تعني حياة مرفهة خاليا مما يعرض الإنسان للتسمكات والخدوش المتكررة.
الهموم التي يعيشها الإنسان الفقير في ظل الظروف الصعبة تترك قهرا واضحا في وجهه، يتمثل بتجاعيد التقطيب التي تجعله يبدو كشخص متألم على الدوام
ناهيك عن كل ما يتوفر للأغنياء ومواطني الدول المتقدمة من تأمين صحي وإجراءات وقائية كزيارات الأطباء الدورية ومعالجة المشاكل الصحية منذ بدايتها قبل التفاقم، وتوفر تقويم الأسنان، والحصول على نصائح أطباء الجلدية، وشراء المستحضرات المناسبة للعناية بالبشرة، والدعة المادية التي تتيح شراء ملابس مناسبة ومستحضرات تجميل وإكسسوارات تلعب دورا مهما أيضا في إبراز الجمال تصديقا لما تقول جدتي في المثل السوري: "لَبِّس العُود بيجُود"!.
ومن الجدير بالذكر على سبيل المثال أن متوسط طول الشعوب يتعلق بدرجة رفاهيتها ووضعها الاقتصادي إلى حد كبير، وكلما ازدادت الشعوب طولا دل ذلك على قدرة نظامها الصحي والاقتصادي إلى إيصال أفرادها إلى أعلى مستوى يقدمه لها حوضها الجيني، حتى أن المنازل الألمانية التقليدية القديمة التي تعود للعصور الوسطى، والتي لا تزال قائمة الآن في المدن الألمانية، تلفت النظر لشدة صغر أبوابها وانخفاض أسقفها بما لا يتناسب مع متوسط طول الفرد الألماني الآن. أما الراحة النفسية والثقة بالنفس الناتجة بحبوحة الحال فهي تضفي على الوجه تعابير الراحة والاسترخاء، فالوجه مسترخي العضلات كوجوه الأطفال دوما أجمل من الوجه المتشنج الذي يعتصره الهم والتفكير الدائمين، وكثيرا ما نقابل في حياتنا أشخاصا في سن الشباب تنبؤنا الخطوط المحفورة في جباههم أو بين حواجبهم عن مقدار ما يقضونه من وقت وهم عابسون حتى لو لقونا لحظتها بوجوههم الباشة.
إن مواطني الأسر والشعوب الفقيرة محرومون من كل أسباب الجمال، وعرضة أيضا لكل أنواع الأمراض الجسدية التي تترك أثارها الواضحة على الوجه والقوام. كما أن الهموم التي يعيشها الإنسان الفقير في ظل الظروف الصعبة تترك قهرا واضحا في وجهه، يتمثل بتجاعيد التقطيب التي تجعله يبدو كشخص متألم على الدوام. حتى أن فقر الحال وصعوبة ظروف الحياة يمكن أن يسبب انكسارا للنفس الإنسانية يخلف أثرا على حركات الإنسان وسكناته ويسلبه الكثير من جمال حضوره ورشاقة مشيته أو طلاقة لسانه وجاذبية حديثه.
هذا ولم أتطرق للعوامل الاجتماعية كزيادة الثقافة الطبية والوعي بنمط الحياة السليم أو حتى وجود الفرصة لعيش هذا النمط لدى الأغنياء. وفي بعض المدن العربية يشيع أن يتزوج الرجل الغني غالبا بالمرأة الأجمل لأنه قادر على دفع مهرها، مما يساهم في تحسين مورثات هذه الطبقات الشكلية فقط بشكل ملحوظ. خلاصة القول أن الجمال الإنساني يولد في مورثات البشر جميعا، وتملك بعد ذلك ظروف حياة الإنسان في أن تخرج هذا الجمال على أكمل وجه، بل وتزيد عليه وتحسنه، أو أن تدفنه تحت القهر والفقر والحرمان.

خواطر امرأة في متجر التجميل:
لا أزال أذكر كيف وقفت لأول مرة فاغرة فاهي أمام رفوف متجر من سلسلة متاجر تجميل وعناية شهيرة في ألمانيا. كل ما كنت أريده هو مرطب جيد لبشرة الوجه، فإذا بي غارقة في كومة عملاقة من الزجاجات والماسورات مختلفة الألوان والأشكال، كلها مرطبات نعم، مرطب قبل الاستحمام، ومرطب بعد الاستحمام، وآخر أثناء الاستحمام، وواحد عند الصباح، وواحد قبل النوم، ومرطبات بالعسل، وبالصويا، وبزيت الجوجوبا، وبالحليب، وبالفيتامينات، وبأوراق النعنع، وبعصير الرمان، وبالزيتون، وبالزعتر! واحد لعمر العشرين، وآخر لمن بلغن الثلاثين وواحد لمن هن فوق السبعين!
أنواع لا تعد ولا تحصى، وألف يد تتناول من الرفوف مختلف المستحضرات، حمى شراء منقطعة النظير، وهوس بالعناية بالبشرة غير مسبوق، وصفارة جهاز الكاشير لا تتوقف عن الرنين! أمسكت بيدي أحد العبوات وتساءلت: ترى كم هي قيمة الملايين التي تدخل جيوب الشركات المصنعة لهذه المستحضرات في كل يوم؟ وكيف أثق بشركات لا هم لها سوى الربح المادي؟ بل كيف أثق بأن هذه المركبات بما تحويها من زيوت معدنية ومواد حافظة وعطورات كحولية لا تفسد البشرة على المدى البعيد؟ وهل تكفي نتائج الدراسات التي تؤكد على سلامة استخدام مستحضرات التجميل لتزيل قلقي كمستهلكة؟
إن الآلة الإعلامية التي تصب أرباحها في ذات الجيوب، لا تفتأ تروج لنموذج مثالي للمرأة في كل ثانية من بثها، بطلات أفلام عالمية ونجمات مسلسلات تهز القلوب، في عملية تغيير جذري للثقافة الإنسانية في العالم، يرسخ في أعماق الناس صورة هؤلاء النساء المختارات بعناية على أنهن النموذج المنشود للمرأة. نساء فاتنات، وأحيانا متواضعات الجمال جدا، لكن طاقما كامل من أطباء وخبراء التجميل وخبراء الإخراج والتصوير يقدمونهن كنموذج غير عادي للأنوثة والجمال، لتطالب الثقافة الحديثة المرأة وليطالب الرجل المرأة ولتطالب المرأة نفسها بأن تكون مشابهة لهذا النموذج، رغم أنه الاستثناء وليس الأصل حسب المنحنى الجرسي المشهور، حيث يكون الأشخاص فائقو الجمال هم الاستثناء وليس القاعدة.
حتى النجمة الخمسينية التي يتم استغلال شهرتها حتى الدولار الأخير تقدم بصورة تجعلها تبدو أصغر من عمرها بثلاثين سنة، مسببة لنساء العالم الواقعات تحت تأثير الآلة الإعلامية، هوسا منقطع النظير بمحاربة مظاهر تقدم السن، لكي يبدون كالصورة النمطية المقلوبة التي يُروج لها للمرأة. امرأة القرن الواحد والعشرين، امرأة تعاند الزمن بكبرياء، لا تريد أن تكبر، ولا تريد لغضون جبهتها أن تشي بعمرها الحقيقي، تريد كنجمات الشاشة أن تتاح لها كل متع الحياة كصبية دائمة الشباب، تريد أن تلبس من خزانة ابنتها، وأن تعيش قصص عشق ملتهبة، وأن يصير جمالها حديث الصالونات، ومستعدة لبذل الغالي والرخيص في سبيل هذا الهدف، معتقدة اعتقادا بائسا أن الأنوثة فيها تشيخ إذا تقدمت بالسن، وغائبة تماما عن حقيقة أن الجسد هو الذي يشيخ، بينما تزداد الأنوثة ألقا وحكمة.
الجسد يشيخ، بينما تزدهر النفس ويزدان القلب بخبرة الحياة والتجارب المتراكمة، ويزداد الحب مع الشريك، وتزداد العلاقة استقرارا وعطاء وثقة، وحينها تصبح خزانة الملابس وطاولة التجميل أمرا واحدا من عشرات الأمور الأخرى المهمة في حياة المرأة الناضجة، فهاجس التقدم بالسن يهدد فقط من لا ترى في نفسها غير الجسد، فهو رأس مالها، وهو ضمانها للوصول إلى الحب والثقة والأمان، فإذا شاخ الجسد شاخت روحها وسقطت السماء فوق رأسها. ويبقى الميل للجمال فطرة أصيلة في النفس البشرية، لكنه يتحول إلى هوس مرضي حين يصبح هاجسا لدى الرجال والنساء على حد سواء، وعاملا أساسيا في اختيار الشريك وبناء الأسرة يتمدد ليأخذ مكان غيره من العوامل الأهم، وكابوسا مزعجا يؤرق حياة الشابات وغير الشابات على حد سواء!