أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 11 يناير 2019

الأمهات والعاملات

بقلم أسماء الجراد

كنت أعجب دائما من العاملات المنزليات التي تنتهي من أعمال المنزل في وقت قياسي لايمكنني مهما بلغت قوتي فعل ماتفعله بهذه البراعة حتى قررت التحقق من الأمر ومعرفة مالذي يجعلها تنهي أعمالها بهذا الشكل بينما لا أقدر عليه مع عزل (البنية الجسدية والقدرة على الاحتمال).
تعتبر وظيفة التخطيط والتنظيم وظيفة مستقلة بحد ذاتها والتي يدفع لها راتب كامل لكي يرتب صاحبها المهام بشكل جيد ومنسق.. 
تقوم المرأة بهذا الدور في الأسرة دون انتظار الأوامر غالباً من الرجل ويضاف لهذه المهمة الجليلة فهي تقوم غالباً بتنفيذ
75% إلى 90% من هذه المخططات.. 
التخطيط للاستيقاظ صباحاً وتجهيز الأطفال للمدارس ثم معاناة فكرة (ماذا سأطبخ اليوم) 
وماهي الطلبات الناقصة للمنزل؟ 
المشاكل الاجتماعية في أسرتها أو أهل زوجها أو مع صديقتها مشاكل الأطفال اليومية وصراعاتهم وبحثها عن الحلول هذا في حال كان الأطفال كلهم بصحة نفسية وعقلية وجسدية جيدة وإلا سيضاف لها أعباء القيام بشؤون مضاعفة لهم.. عقلها لايتوقف عن التفكير في الاتجاهات الأربعة (حل مشكلة / تجهيز الزوج / حمل هم لفكرة أو معضلة اجتماعية أو دينية/ المنزل يحتاج للتنظيف / رمي القمامة / التواصل مع الآخرين / التخطيط لإجازة الأسبوع / اختبارات الأولاد/ وقت الصلاة / ماما شطّفيني!). 
هذا في حال لم نتحدث عن كونها عاملة أو لديها مشاريع منزلية أو طقوس عائلية أو حلم تسعى لتحقيقه ..
بعد كل هذا الجهد الذهني والجسدي المبذول يظهر كائنٌ ينتظر منها آخر النهار أن تكون بصحة جسدية وقوام ممشوق وطعام لذيذ وبيت نظيف وكلام لطيف وابتسامة جميلة وملابس جاهزة وقائمة بالطلبات التي تريدها منه.. 
ولو وجد منها تقصيراً أو إهمالاً أو حتى رآها تلتقط أنفاسها عند تلفاز أو جهاز فجعها بجملته التي تواطئ عليها كثيرٌ من الرجال:"ماذا كنت تفعلين طوال النهار؟".

أخيراً ...
هل عرفتم الفرق بيننا وبين العاملات؟ 
إنها تأخذ الأمر على شكل وظيفة وأوامر مباشرة دون أن يشغل بالها أمر آخر فهدفها هو العمل الحالي وليس وراءها أية متطلبات أخرى..
بينما ينتظرنا بعد الانتهاء من أعمال المنزل مهام أخرى وتخطيط وجهد ذهني كامل و ليس من ضمن الخيارات الاستلقاء والراحة. 

*******************

كنتُ دائما أراهن على نجاحي وكان النجاح دوما حليفي..
إلى أن أصبحت أماً !!
واكتشفت أنها أصعب وظيفة يمكن أن يتحملها كائن حي..
وظيفة بدوام كامل 24 ساعة لا انقطاع ولا امتناع..
لا إجازات ولا اعتذارات!
لا يمكنني أن أمرض
لا يمكن أن أؤجل أمومتي كما أجلت امتحاني..
و لا يمكنني أن أكون الأولى في الأمومة فليس لها شهادات نجاح!
ولا شهادات تقدير ولا خبرة ولا تُعتمد من أي جامعة!!
شروطها جدا صعبة.. 
ففيها أحاول أن أتعلم كيف أكون حازمة مرنة حاسمة حانية قريبة..!
فيها اضطررت أن أبدل أولوياتي وخصوصياتي وانشغالاتي !!
فيها عزيزتي الأم تتعلمين كيف أنه لابد من تغيير حياتك وأيامك.. 
و كيف تتخلين عن ملابسك المفضلة وكعبك العالي.. !
وشعور ربما اخترت له قصة قصيرة مؤقتا ريثما تضبطين أوضاعك.!!
فيها ستجربين شعور كيف أن زوجك ينام قبلك الف مرة ..
وانت بجانبه ورضيعك على يدك تبكين مرة وتضحكين مرة في منتصف الليل! 
يا رباه .. 
لم أعد أستطيع التفوق كما كنت !!
ولم أعد أستطيع الاعتماد على علمي وثقافتي !!
لم يكن سهلاً علي أبدا استبدال كريم الصباح بقيء طفل صغير..
ولا استبدال عطري المفضل برائحة البودرة على نعومتها.. !
ليس سهلا أبدا ان أرى شعري يتساقط خصلات خصلات !!
أو أن أتخلي قليلا عن هواياتي ..
قراءاتي وتطلعاتي ! 
ليس بالأمر الهيّن أن تكوني معلّمة ومدرّسة وممرّضة ومرضعة وقارئة قصص ومدرّبة في نفس الوقت !!
صدقاً! لا أدري أي فطرة وضعها الله داخل الأم لكي تحب لهذا الحد؟!
وتصنع ما تصنعه كل يوم بنفس الحماس!
لا أدري أي فطرة دفعها الله داخل الأم لتحب هذا الكائن الملائكي .. المشاكس تارة والطيف تارة اخرى بل وتتمنى إرضاءه وسعادته ورؤية الابتسامة على وجهه .. ورؤيته بصحة وعافية!
لا أدري ما السر في دفء الشعور الذي يُخلّفه قُبلة من هذا المخلوق الذى يتغذى عليها ومنها وبها..
صدقا .. 
إن يوماً مضنياً طويلاً من العمل أو الدراسة هو أسهل من محاولة تهدئة طفل صغير! 
أو إقناعه بكتابة حرف في دفتره وهو مصمم على اللعب!
ورغم كل ذلك .... ما من شيء أغلى وأجمل من كوني أم!