في دراسة نشرتها جامعة أكسفورد قبل يومين، توقع الباحثون أن عدد الأموات المتواجدين على منصة الفيسبوك سيكون أكبر من عدد الأحياء خلال خمسين عاماً فقط. باستخدام إحصائيات فيسبوك عن العام المنصرم، فإنه من المتوقع أن يبلغ عدد الأموات على الموقع قبل نهاية هذا القرن ما يقارب مليار وأربعمائة ألف عضواً.
بعد الاستعانة بأرقام الأمم المتحدة لمعدلات الولادة والوفاة في دول العالم، افترضت الدراسة فرضيتين، وهما كما يلي:
١. عدم انضمام أعضاء جدد بعد العام ٢٠١٨، وفي هذه الحالة سيكون تزايد عدد الأموات على الفيسبوك كبيراً، حيث سيبلغ عددهم في قارة آسيا لوحدها حوالي ٤٥٪ من مجمل عدد الأعضاء.
٢. تزايد عدد الأعضاء للأعوام القادمة بالنسبة ذاتها البالغة ١٣٪ سنوياً حتى تصل الأسواق لحد الإشباع. وفي هذه الحالة سيكون لقارة أفريقيا النصيب الأكبر من عدد الأموات على الفيسبوك.
هدف الدراسة لم يكن فقط تنجيماً عن مصير الفيسبوك فيما هو قادم من الزمان، بل عن الطريقة المثلى للتعامل مع البيانات الضخمة التي جمعها الفيسبوك عبر كل السنين. ما خلصت إليه الدراسة أن الفيسبوك سيصبح أرشيفاً رقمياً للبشرية جمعاء، وستكون عندها فرصة حقيقية لعلماء الآثار والتاريخ وعلماء الاجتماع في الحصول على مصدر سهل متوفر للمعلومات الأثرية والتاريخية عبر العقود. فالفيسبوك عليه أن يفتح المجال لمعشر العلماء كونه يمتلك معلومات جمة عن مشاعر وتصرفات وأفكار الناس في مختلف البلدان، وكلها بطريقة أو بأخرى ستخبر الباحثين عن الحقب الزمنية الفائتة، أي أن أهمية الفيسبوك ليست محصورة فقط في هذا الزمن الذي نعيش، وإنما لعصور قادمة. وربما سيتغير معها مفهوم الاحافير والآثار نوعاً ما، لتكون رقمية كمنشور أو تغريدة أو جملة كُتِبت ربما دون أن يلقي لها صاحبها بالاً. فما تكتبه الآن من الوارد أن يكون رسالة للبشرية بعد عقود أو قرون، وقد تكون مادة دسمة للدراسات والأبحاث، وهي بالضرورة باقية.
والحديث لا يتوقف هنا، فالخلود الرقمي بات حلماً قريب المنال. موقع (eter9.com) شبكة تواصل اجتماعي قيد التجربة، تعتمد مبدأ الذكاء الاصطناعي لدراسة سلوك المشتركين وتقليده بعد وفاتهم. هذا الموقع يدرس تصرفات الشخص، ماذا أحب، وماذا ترك تعليقا، وأي صورة تفاعل معها، وماذا نشر، ووقت أفعاله على الشبكة، ومن هم أصدقاؤه المقربون وأفراد عائلته، وماذا قال، وكيف عبر عن مشاعره إبان حدث ما، وحيثما ذهب وأبدى إعجاباً. أي أنه يبني ملفاً كاملاً للشخص، على أن يتم تفعيله جدياً بعد مواتاة الأجل، ويستطيع الشخص اختيار درجة تفاعله اللاحقة، والأبدية الإلكترونية خيار مطروح متروك لرغبة الشخص.
قد يكون من الوارد جداً أن يرافقك العزيز المتوفى في كل مراحل حياتك، وتلاقي من نظيره كل ما كنت تتخيل وجوده. ملائكة وأشباح الكترونية ستحيط بنا من كل حدب وصوب، والخلود النظري ما زال حلماً يداعب أفكار ابن آدم. الفكرة جميلة ومرعبة في آن معا، وقد تسلب بعضا من جمالية جوهر الحياة، أن لكل شيء أمد. الديمومة بعيدة المنال حتماً مهما خيل للناظر أنها اقتربت. في الفراق غصة ولذة، نقمة ونعمة، عسر ويسر، ولو بعد حين.