أرشيف المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 3 ديسمبر 2019

يوماً ما ...

بقلم: أحمد خيري العمري

يوما ما في حياتك..
سيفاجئك وجه ما في المرآة!
ستقف عنده..
وأنت تدرك أنه وجهك..
لكنك لوهلة، ستسأل نفسك..
هل هذا أنا حقا ؟
يوما ما في حياتك..
بين الثلاثين والأربعين، عندما يكون ما قد ذهب من عمرك -على الأغلب- أكثر مما سيأتي، ستقف لتشاهد وجهك في المرآة، كما لو أنك تراه للمرة الأولى..
سيداهمك شعور غريب..
كما لو أنه ليس الوجه فقط هو الذي تراه لأول مرة، بل الشخص الذي خلف الوجه أيضا.. كما لو أنك تتعرف على هذا الشخص الذي هو أنت لأول مرة..
يوما ما في حياتك، وأنت تقف أمام المرآة، ستدرك أنك استنفذت الحد الأعلى من خياراتك، وإن كل شيء من الآن فصاعدا، سيكون أقل، وأقل.. وأقل..
يوما ما في حياتك، ستلاحظ أن الزمن بدأ يترك بصماته على ذلك الوجه في المرآة..
ربما لا يكون ذلك واضحا جليا للجميع..
لكن، ها هو الزمن، الذي كنت تعتبره حليفا قبل فترة قصيرة، ها هو يتخلى عنك، ويترك نذره كما لو كانت توقيعا على وجهك..
يوما ما في حياتك..
مهما كان نجاحك كاسحا..
أو فشلك كسيحا..
ستقف أمام المرآة، وسيداهمك ذلك السؤال الصعب..
هل هذا هو الشخص الذي كنت تريد أن تكونه قبل عقد أو أكثر من الزمان؟
عندما كنت أول الطريق..
أول شبابك..
مهما كابرت..
مهما أنكرت...
مهما كنت قد حققت وأنجزت..
مهما كنت تحب أولادك وأسرتك..
فإن ذلك كله لن يشبه ما كنت تريد أن تكون عندما كنت لا تزال في البداية..
ذلك الوجه في المرآة، سيقول لك بلا مجاملة، أنك ابتعدت كثيرا عما أردته.. وأن إنكارك لذلك محض مكابرة، وأنك لو التقيت بذلك الشاب الذي كنته لأنكرك ولرفض الاعتراف بك
يوما ما في حياتك..
سيكون كئيبا، لا لشيء، إلا لأنك التقيت بشخص ما في المرآة، وكدت أن لا تعرفه..
*****************
ويوما ما في حياتك، ستشيح بوجهك عن الوجه الذي في المرآة.. وستقول لنفسك، أن هذه كانت مجرد أحلام شباب وانتهت..
المشكلة الحقيقية ليست هنا، إذا كنت قد اكتأبت عند رؤيتك للتناقض والاختلاف، بين ما أردت أن تكونه قبل عقد أو عقدين من الزمان، وبين ما أنت عليه فعلا الآن، فالمشكلة ستكون أكبر وأكثر مدعاة للكآبة، إذا قارنت بين ما أنت عليه الآن، وبين ما كان يجب أن تكونه...
لا أقصد ما أردت أن تكون..
بل أقصد ما أُريد منك أن تكون..
أقصد المراد أصلا من كونك..
من خلقك..
من أن تكون على الإطلاق..

                                                                       من: "القرآن لفجرٍ آخر"