أرشيف المدونة الإلكترونية

الاثنين، 9 ديسمبر 2019

كتاب " وليد سيف أديباً ومفكراً" للأستاذ زياد أحمد سلامة


لقاء إشهار كتاب:
 " وليد سيف أديباً ومفكراً" للأستاذ زياد أحمد سلامة
                                                               
في المكتبة الوطنية بعمّان- مساء الأحد 8/12/2019
بقلم: رشـــــــــــــــأ الخطيب 

إشهار كتاب (وليد سيف: أديباً ومفكراً) في المكتبة الوطنية بعمّان

كان غرضُ الكتابة الأول تقييدَ العلوم كي لا تُنسى، ثم صار للتأليف مقاصدُ وأغراضٌ أُخَر، فلا يؤلِّفُ عاقلٌ كتاباً إلا وفي نفسه شيءٌ منها، ومن تلك المقاصد أن يعمد إلى متفرق فيجمعَه ومختلط فيرتبَه، وهذا الذي كان من مؤلفنا الأستاذ زياد أحمد سلامة في كتابه عن الدكتور وليد سيف أديباً ومفكراً؛ فقد نهض أ.زياد لجمع أعمال د.وليد سيف على مدى سنيّ عمره وترتيبها وعرضها في تأريخ سردي بين دفّتيْ كتابه هذا، الذي أراده سيرةً في أدب الدكتور وليد وفكره وأعماله.
 فكان أنْ انتظمت الكتابَ فصولٌ أربعة تحدث فيها المؤلفُ عن :

1-  مشوار حياة د.وليد سيف : النشأة والتعليم والعمل.
2-  وليد سيف شاعراً
3-  وليد سيف والدراما (وهو أكبر فصول الكتاب حجماً وهو المجال الذي اشتهر به سيف لدى الجمهور)
4-  وليد سيف مفكراً.
وقد قدمت للكتاب د.رزان إبراهيم الأستاذة الجامعية والناقدة المعروفة وهي ذات صلة قربى بالدكتور سيف. ثم ألحَقَ المؤلفُ بالكتاب مقالةَ (ستون عاماً على النكبة/2009) بقلم وليد سيف نفسه.
***** ********
ومما أحبُّ أن أبدأ به كلامي على هذا الكتاب القولُ إن هذا النوع من التأليف الذي قام به أ.زياد سلامة هو خطوة من خطوات كثيرة تتزاحم يوماً بعد يوم في طريق "التاريخ الجديد" الذي ينحّـي وراء ظهره الرواية الرسمية التي يكتبها المنتصرون ، ويغوص في أحوال عموم الناس؛ لأن هؤلاء يمثلون محركاً أساسياً وحقيقياً للتاريخ أكثر ربما من الشخصيات الرسمية التي تملأ سيَرها صفحات كتب التاريخ! فتاريخ الفرد العادي له دلالته ودراميته -إن شئت- تماماً مثل تاريخ الأبطال والعظماء.
ومثلما كان سعيُ المؤلف لإرساء هذه اللبنة في صرح التاريخ الجديد، كذلك كان سعيُ صاحب السيرة د.وليد سيف، فقد كان من خلال أعماله الدرامية- يبسُطُ المعرفة التاريخية ويشيعها بين الناس، ويعيد الحياة والحيوية إلى الماضي، فيبلّغه لهم عبر وسائل تلائم العصر وتلائم المعاصرين، حيث تنفتح تقنيات الاتصال الحديثة على التاريخ الجديد أكثر من غيرها من وسائل وتقنيات حفظت لنا الموروث الذي نعرفه من قبل.
إن التاريخ في وجهٍ من وجوهه هو مجموع سيَر الناس وحكاياتهم، لذا فإن هذا الكتاب هو إسهام في كتابة التاريخ الحقيقي والتاريخ الذي يبقى. وإذا كان الكتاب في خطِّه العام يُعَدُّ كتاباً في السيرة الغيرية، فمن الصعب -في عرض مثل هذا الكتاب – الحديثُ عن موضوعه ونوعه ومؤلفه دون أن يسيطر صاحبُ السيرة على معظم حديثنا، وبذلك قد نقع في ظلم المؤلِّف والمؤلَّف!  لذا سأحاول قدر الممكن -وإن تعسَّر- الخروجَ من عباءة وليد سيف لنقف على جهد أ.زياد سلامة صاحب فكرة الكتاب التي شغفتْهُ بحثاً وتنقيباً حتى خرج إلينا بهذا العمل، الذي يكشف منقِّباً وباحثاً مستقصياً لما قد يخطر بالبال ونحن نطالع صفحاته الـ500 عن "وليد سيف أديباً ومفكراً"، حتى لكأنه استوفى كلَّ ما يمكن للمرء أن يتساءله عن شخصيةٍ مثل شخصية صاحب السيرة المحتفى به في هذا الكتاب.
***********    
معظمنا لم يقرأ لوليد سيف، لكننا جميعاً بلا شك أصغَيْنا إلى كلماته وسكناته ينطق بها ويصمت أبطالُ أعماله الدرامية المحببة إلى قلوبنا، والمؤلف أ.زياد سلامة لم يكتفِ بالإصغاء إلى تلك الحوارات بل إنه تتبَّع أعمال د. سيف الإبداعية والجادة في مظانها المختلفة مكتوبة ومسموعة ليخرج إلينا بهذا الكتاب.
مؤلف الكتاب أ.زياد سلامة 
وهذا يقودنا إلى واحد من الأسرار التي تقف وراء الكتاب ألا وهو شغف المؤلف بموضوعه، وهو شغفٌ ظاهر وإعجابٌ لا يخفى تنطق به الحروف، وما خفي منه تفضحه السطور.
فالمؤلف يحب ما يكتب عنه؛ لا يبتغي من ورائه ترقية أكاديمية ولا شهرة دنيوية، ومثل هذا العمل الذي يقف وراءه سرُّ الشغف -برأيي الشخصي- هو من الأعمال التي تبقى؛ فالعمل الصادق الذي يصدر عن قلب صاحبه وروحه حقيقٌ بأن يكون له وقعُه المختلفُ جداً في وجدان القرّاء وأرواحهم. فهو كتاب للمتعة المعرفية أولاً وربما آخراً.
كما يمكن للكتاب باستعراضه أعمال وليد سيف وإبداعه الفني والفكري، يمكن له أن ينزل منزلاً حسناً في المكتبة التاريخية التي قد تفتقد أحياناً إلى التجرد والموضوعية، فإنْ كان التاريخُ يكتبه المنتصر وقد لا يكون صادقاً دائما، فإن الحقيقة يكتبها المخلصون وهي الباقية أبداً، لذا لا بد للأصوات الأخرى أن تعلو في فترة زمنية كانت تموج بأهلها موجاً؛ وهذا ما تتيحه لنا أعمال د.وليد سيف المتنوعة والتاريخية منها خاصة.
وسرُّ الشغف بموضوع الكتاب كان هو الذي دفع المؤلف إلى التتبع والاستقصاء الذي غلب على منهج العمل فيه، فإن إعجاب أ.زياد سلامة بإبداع د.وليد سيف حملَهُ على تتبُّع أعماله المختلفة في بواكير نشأته ومتابعتها، بل حتى تلك الأعمال التي يفكر في تقديمها ولما تتم!! واستقصى كذلك أفكاره المختلفة في شؤون عديدة في التربية والسياسة والثقافة والنهوض والتخلف ....وما ترك المؤلفُ صغيرةً ولا كبيرةً عن أعمال سيف وأفكاره إلا وأتى عليها في إشارةٍ أو عبارة. ودعا في ختام جهده إلى جمع أدب د.وليد سيف ونشره من جديد في أعمالٍ كاملة تتاح للمعجبين.
ويبدو الشغفُ أيضاً في قرب صاحب السيرة من نفس المؤلف، فهو قريبٌ من صاحب السيرة قرباً أكبر من مجرد إعجاب بأعماله، بل إنني توهمتُ أنني رأيتُ بينهما بعض التوافق -رغم أنني لا أعرف المؤلف شخصياً- بما يجعل انجذاب المؤلف تجاه صاحب السيرة مفهوماً.
ويغدو "حارسُ الذاكرة" مسلسلُ "التغريبة الفلسطينية" ومن ورائه القضية الفلسطينية بمحمولاتها ورموزها- علامةً بارزة وسرّاً من أسرار الكتاب؛ فهو كلمة مفتاحية في استعراض أفكار عديدة حول د.وليد سيف وأعماله. إذ تستقبلك عتبةُ الكتاب الأولى بصورة تعلو الغلاف لمشهدٍ من مسلسل "التغريبة الفلسطينية" يحيلك إلى رأيٍ تستبطُنه الصورة: بأن المقاومة هي طريق التحرير، كما كانت التغريبة أيضاً أول ما افتتح به المؤلفُ كلامه في تقديم الكتاب، فكانت سرّاً حاضراً وراء إخراج هذا العمل التوثيقي لمسيرة د.سيف الإبداعية والفكرية.
وقد حضرت "التغريبةُ الفلسطينية" في مواضع عديدة من الكتاب أحياناً عفو خاطر المؤلف، كأنه لا يملك منها فكاكاً فكانت مضربَ المثل وموضعَ الاستشهاد والتمثيلِ في صفحات عديدة، حتى عند الحديث عن الحياة العائلية للدكتور سيف تحضر شخصياتٌ من "التغريبة الفلسطينية" تطابق شخصيات مرَّت في حياته.  فكانت التغريبة حقاً القمرَ الذي كاد يسقط في البئر. .. وانتشله د.وليد سيف من الهلاك.
***************  
أما مصادر الكتاب فغنية ومثيرة، وقد استقصى فيها المؤلفُ موضوعَ كتابه، وقاربت مئة وخمسين ما بين مصادرَ ومراجعَ ومقالاتٍ ومقابلاتٍ ولقاءات...  هذا مع الإشارة إلى حوار المؤلف مع صاحب السيرة د.وليد سيف ومراجعته الشخصية للمسوّدة قبل نشر الكتاب.
ومن المفيد هنا التذكير بأن الكتابة الجديدة للتاريخ التي أشرتُ إليها آنفاً تستدعي أيضاً المصادر الجديدة؛ فقد وسَّع التاريخ الجديد أفق التوثيق لأبعد من النصوص المكتوبة فقط، فغدت المقابلات الصحفية مع الشخصية موضع الدرس، واللقاءات التلفزيونية وحوارات المنتديات بل وحتى المنشورات على منصات وسائل التواصل الاجتماعي –بدتْ كلُّها جديرةً بالاهتمام والمرجعية في بناء هذا العمل.
بل  إن الكتاب في تنوُّع مصادره قد اقترب من "الرواية الرقمية" لكنه بقي على الورق؛ فالرواية الرقمية تفتح لك آفاقاً قد لا تنتهي من الروابط الإلكترونية التي تأخذك من نافذة عبر أخرى إلى نوافذَ جديدة، لكنها جميعا في كتاب "وليد سيف أديباً ومفكراً" تنفتح على فضاءٍ متّسق، وتدفعك هذه المصادر الغنية إلى التوسع في البحث عن وليد سيف وأعماله، فكل إحالةٍ في حواشيه تزيدك فضولاً لمزيد من المعرفة، بقراءة مقالةٍ عن د.وليد سيف، أو متابعة برنامجٍ وثائقي عن أعماله، أو الإنصات إليه في لقاء تلفزيونيّ، أو ربما العودة -بفضل اليوتيوب- لمشاهدة أعماله الدرامية التاريخية المتميزة مرةً تلو مرة.. وهو ما حصل معي شخصياً قبل أربع سنوات..إذ تفرّغت في بضعة أيام خلال إجازة الصيف فقط لمعاودة متابعة حلقات الثلاثية الأندلسية الرائعة، التي يعُدُّها بعض النقاد أبرز عملٍ فني تاريخي في العالم العربي اليوم- ولا أنسى أن وقعها في قلبي كان لذيذاً وطيباً كمثل وقعها أول مرة .. وكمثل وقعها كلَّ مرة.
المتحدثون في إشهار الكتاب (من اليمين): د.رائد عكاشة، أ.فداء الزمر، المؤلف أ.زياد سلامة، د.رشأ الخطيب
وهكذا يصح أن نقول في الكتاب إنه يؤسس لقاعدة معرفية شاملة عن شخصية د.وليد سيف وأعماله، ويقدم للمهتمين مفاتيح لبحوثٍ لاحقة جديدة حول شخصية تزيدك جوانبُها المنكشفةُ أمامك رويداً رويداً- تقديراً وامتناناً لكل هذا الإبداع والجمال الذي سكبتْهُ على تاريخنا فعادت إليه الحياة.
 *********** 
وهو ما يدفع بي إلى تأكيد ما عرضَ له الكتابُ في صفحته الأولى، من أن الأعمال الدرامية (17عملاً) التي قدَّمها د.وليد سيف- وجمع فيها بين الأدب والتاريخ والدراما- تعد علامة فارقةً وفتحاً جديداً في الأدب التلفزيوني أو الأدب الدرامي، ونحن نعلم تحديات التأليف في الأدب الدرامي؛ فليس من اليسير الجمعُ بين الكلمة المكتوبة -والمقروءة التي يقوم عليها الأدب، وبين التمثيل-والمشاهدة التي تقوم عليها الدراما، وقد نجح د.وليد سيف وفريق العمل التمثيلي في هذا نجاحاً لا يدانيه نجاح. والشواهد على هذا النجاح ما تزال ساطعة ببيانها.
مما يجعل سؤال أ.زياد سلامة مؤلف الكتاب : هل خسرنا شاعراً وكسبنا كاتب دراما؟ تقريراً لحقيقةٍ يميل إليها كثيرٌ من جمهور الشاشة والدراما، وقد طغت الصورة المتحركة والتقنيات البصرية السينمائية على معظم الجوانب الإبداعية في الأجناس الأدبية والإبداعية الأخرى. وتأكيداً لحقيقة ازدحام المواهب الفنية لدى د.سيف الذي اختار طوعاً مغادرة الشعر، الذي لا يحتمل منافسة نشاط إبداعي آخر!
وعلى الرغم من أن سيف قد غادر الشعر إلا أن لغة الشعر لم تغادره، وهي ساكنة في عبارات الشخصيات التي قدمتْها أعمالُه الدرامية. وقد حقق من خلالها هدفاً عصياً من حيث وصول اللغة العربية الرفيعة الأدبية إلى جمهور الناس، على اختلاف مشاربهم وأذواقهم، حتى غدا الحوارُ عنده يتطلب متلقّياً -من طراز خاص- متلقّياً حريصاً على ألا تفوته كلمةٌ أو تفصيلٌ من تفصيلات المشهد... فكان أن غادر الشعرَ إلى الدراما، لكنه حمل الشعرَ إليها.. في السيناريو والحوار لكل ما أبدع.
وليس هذا فقط، بل لقد نجح وليد سيف في أن يجعل الشخصياتِ تنطق بعباراتِ عصرها وتُضْمِرُ مفاهيمَ عصورِ غيرِها: فهي تنطق بلغة عصرِها هي لكننا نفهمها بمنطق عصرنا نحن. بل إنه أنطقَ أبطالَه من مختلف العصور بأفكاره هو، ومن يتمعن في عبارات شخصياته يدرك أن كاتبها يقدّم أفكاره لا بل إنه يقدم نفسه بقوة في أعماله! فلا يعود الممثلون هم نجوم العمل فقط، بل يزاحمهم في هذا كاتبُ المسلسل أيضا.. وهكذا صرنا نرى شهرةً لكُتّاب الأعمال الدرامية بين الجمهور، تعادل نجومية الأبطال الذين يؤدون عباراته وأفكاره على الشاشة وشهرتهم.
ولم تعد الأعمال الدرامية التاريخية مجرد متحفٍ للمادة المعرفية التاريخية الميتة، بل دبَّت الحياةُ فيها، وصار العملُ الدراميُّ التاريخي على يديه يمنح المشاهدين قيماً فنية تتجاوز الزمان والمكان، إلى الأفق الإنساني الرحب دون تعسُّفٍ وبلا فجاجة!
إن نجاح وليد سيف في هذا الجنس الأدبي على نحوٍ متفرد - فعلى حد علمي ليس هناك كاتب يساويه في إبداع الحوار والسيناريو في الأعمال التاريخية العربية بهذا الإتقان- إن هذا النجاح يردُّنا إلى أن سرَّ الفن الجميل لدى سيف هو امتلاكُهُ لموهبةٍ حقيقية، إنها إبداعُ الكتابة... وهي جوهر تجليّاتها التي تُبـهرنا وتزيدُ إعجابَنا بما يُقدِّم.
************