أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 12 ديسمبر 2010

خطبة 6: أنا والنباتات

الخطبة (6)
الهدف: التعامل مع الكلمات


عنوان الخطبة: أنا والنباتات



قال الشاعر يا سادة يا كرام:


ثلاثةٌ يذهبْنَ عن المرء الحزَنْ: 
                    الماءُ والخضرةُ والوجـهُ الحسَنْ


ولنتركْ في مجلسنا هذا: الماءَ فهو وفيرٌ في هذه البلاد، والوجهَ الحسن ... إلى حديث آخر .

السيد رئيس النادي، السيد عريف الاجتماع، السادة الحضور من الأعضاء والضيوف.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إذن عرفتم عمَّ سأتحدث! فلقد تربيتُ في بيت أو بالأحرى شقة صغيرة الحجم لم تخلُ من شرفة، لكن لم يكن بيتنا يضم من النباتات إلا أصيصاً واحداً لنبتةٍ لا أعرف اسمها ..لكني أحفظ شكلها جيداً في ذاكرتي، بقيت تلك النبتة يتيمةً وحيدة، إلى أن تبرعت بها أمي –حفظها الله- إلى جارتنا السورية أم مازن –رحمها الله- التي كانت تعتني بنا في غياب أمي ؛ إذ كانت أمي تعمل في التدريس ، ولم يكن في ذلك الزمان من ملجأ للأمهات العاملات إلا الاستعانة بأحدٍ للعناية بالأطفال.

...المهم ، كان بيت تلك الجارة مكوناً من غرفة واحدة ، و "حوش" صغير مليء بالنباتات والأصص على عادة البيوت الدمشقية..وقد انطبعت في ذاكرتي صورة هذا الفرق بين بيتنا وبيت جارتنا، لتقفز إلى ذهني صورة النباتات كلما دخلتُ بيتاً أو مكتباً أو غيره؛ إذ أبحث بين جدرانه عن تلك الأوراق الخضراء التي ما أن توجد في مكان.. حتى تعمره بخفقات الحياة.

إن فكرة جلب النباتات إلى البيوت في أصص صغيرة لهي فكرة عبقرية من بديع الإنسان، فالخضرة في الغابات والمروج –رهيبة ؛ وإلى حدٍّ ما مخيفة، لكنها في البيوت والأماكن المغلقة رقيقة تبعث على الرضا والجمال.

..وعندما كبرتُ وصار لي بيتي الخاص صرتُ أتطلع إلى اتخاذ النباتات لما رأيته من الجمال والروعة اللذيْن تضفيهما على أي مكان مهما كانت النبتة صغيرة.

وهكذا أصبح في بيتي قطعةٌ من الجنة بفضل مجموعة نباتاتي الحبيبة زرعتها بيدي، واعتنيتُ بها عناية الأم بأطفالها..فأضفت هذه النباتات بأنواعها وأشكالها جواً رائعاً على شقتنا البسيطة، وصارت محط إعجاب الزائرين والزائرات.
وكنت أرى دوما أن النباتات عنصر أساسي من عناصر "ديكور" المكان، انظروا إلى هذه القاعة بمقاعدها المعدنية والقماشية، وطاولاتها الخشبية، وستائرها المعدنية، وجدرانها الزجاجية.... إنه لا يليّن قساوة هذه المعادن التي تحيط بنا إلا رقة النباتات ونداها.
صارت النباتاتُ كذلك جزءا من نظرتي إلى الحياة ؛ إذ كنتُ أتأملها كلَّ صباح في الشرفة وأجلس أحياناً لحظاتٍ طويلة أتأملها وأسبِّح بعظمة الله الخالق ، فالِق الـحــَـبِّ والنَّوى، مُخرِج الحيّ من الميت ومخرج الميت من الحيّ!!!

لقد كان ظهورُ ورقةٍ جديدة تشق التراب أو الساق مثارَ دهشةٍ وموضع تأملٍ في نفسي لا ينقضي منها بسهولة، فالتأمل في أطوار النبات يعطي الإنسان تمريناً عقلياً من نوعٍ خاص تجعل منه أقرب إلى ممارسة الفلسفة، وفي اليابان مثلا ترتبط زراعة الأشجار المصغرة وتنسيق الزهور بنوع من الفلسفات الروحانية الخاصة بمعتقداتهم. ولهذا أذكر أنني صرتُ ألاحظ النباتات في كل مكانٍ أزوره أو أحطُّ به رِحالي، وأقصف بعض خصلاته من الأماكن التي أجده فيها لكي أزرعها وأضيفها إلى مجموعتي.


وحين غادرتُ الأردن للمرة الأولى للإقامة في دولة الإمارات سنة 1998، اصطحبتُ معي أغصاناً متنوعة من النباتات التي في بيتي لأزرعها هناك في مكاني الجديد؛ فلم أكن أتخيل أن أعيش في بيت لا نبات فيه من أول لحظة.. وأول شيء أنقله معي إلى بيت جديد سأنتقل إليه هو نبتة صغيرة تؤنس وحشته وتبعث الحياة بين جوانبه. ..لذا كانت دهشةُ موظف المطار كبيرة حين نظر في الكيس الذي أحمله معي فراعه أنها ورقات خضراء ، فتساءل باستنكار: طبيعية ؟!؟ فأجبته: نعم..نعم جداً!

وعند العرب كان للطبيعة القاسية في بلاد العرب أثر في أن يكون للنبات تقدير خاص، فاحتلت النخلة منزلة مميزة لدى العربيّ فهي الواحة والملاذ، تقاسمها في تلك المنزلة الخيول والإبل. ونتيجة لفقر بلاد العرب – خاصة في الجزيرة العربية- بالغطاء الأخضر الذي يوفره انتشار النباتات والأشجار، فإنهم حين وصلوا في فتوحاتهم إلى الأندلس مثلاً أبدعوا في مجالٍ شعريٍّ اشتهر وازدهر هناك، ألا وهو شعر الطبيعة ، وقد أجادوا في هذا الفن بوصف مظاهر الطبيعة الخلابة التي سحرَتْهم في ديارهم الجديدة، فما زالوا يبدعون فيه حتى اختص بعض الشعراء بنوع معين من النبات، فظهر شعر الزهريات والنَّوْريات والصنوبريات والثلجيات...وهكذا ، وهناك مقطَّعات شعرية كثيرة في هذه الفنون، ومنها نوع المعارضات الأدبية أنشأ فيها الشعراء قطعاً فنيةً على ألسنة الورود والرياحين والأزهار وغيرها...ينتصر فيها كل نوعٍ لنفسه ولمزاياه على غيره من أنواع الزهور والرياحين.

..أما في عصرنا الحالي وفي مجلسنا هذه فإن المثال الأقرب إلينا هو ما نراه على أرض الإمارات من انتشار الغطاء الأخضر على رمال الصحراء على نحوٍ مُـعْجِزٍ يذكِّرنا  في كلّ حين بالرجل الذي وقف وراء ذلك كله بإصراره واستشرافه المستقبل الشيخ زايد رحمه الله، حيث كانت عنايته بالنخيل ابنة هذه الأرض رفيقة أبناء الجزيرة العربية.
ما أُحَيْلى رفقةَ وريقاتٍ خضراء تتنفس معك في المكان وتضفي عليه من السحر والجمال ما يجعل روحك تمتزج بروحه!

 


الأربعاء، 1 ديسمبر 2010

المخطوطات الأندلسية في المكتبات البريطانية: من أوجه عناية الاستشراق البريطاني بالأدب الأندلسي

         ورقة قدمت في المؤتمر الثالث لبحوث الرسائل الجامعية

الجامعة الأردنية، عمّان
29-30 /11/2010

تبدو الدراسات الأندلسية وثيقةَ الصلة بما قدمته المدارسُ الإسبانية والهولندية والفرنسية. لكن التأمل يكشف أن هذه النظرة قد لا تكون دقيقة: إذ تعددت أعمال المستشرقين البريطانيين في دراسة الأدب الأندلسي. فإذا تتَّـبَعنا أحدها - وهو العناية بالمخطوطات الأندلسية – بانت بعضُ جهودهم في دراسة الأدب الأندلسي عامة، وهو ميدان لمّا يزلْ يسعى كي يجد مكاناً له في عالم "الدراسات الشرق-أوسطية" في أوروبا.
تناول هذا البحثُ تاريخ الحصول على بعض المخطوطات الأندلسية ومظاهر دراستها كالتعريف بها ونشرها وتحقيقها وترجمتها…، مما أسهم في إرساء ميدان الدراسات الأندلسية في بريطانيا.
وإذ يكشف البحث أن إسهام المستشرقين البريطانيين في العناية بالمخطوطات الأندلسية لم يكن كبيراً، إلا أن ذلك لا ينفي أن عملهم في هذا المجال حين يُضَم إلى أعمالهم الأخرى في دراسة الأدب الأندلسي، يجعل الباحثة مطمئنة إلى أن المنجزات العملية والمنهجية التي قدمها المستشرقون والباحثون في بريطانيا، المهتمون بالأدب الأندلسي- أسهمت في إغناء ميدان الدراسات الأندلسية عامة، وفي زيادة الاهتمام بدراسة الأدب الأندلسي خاصة.

جمع المخطوطات الشرقية
كان جمعُ المخطوطات الشرقية - في القرون الماضية- من قِبَـل الأوروبيين يؤدي إلى أن تتوافر نصوصٌ باللغة العربية في أوروبا بين أيدي المهتمين بدراستها، وقد ساعدتْ وفرةُ هذه النصوص على ازدهار الدراسات العربية في إنجلترا من جوانب عدة، إذ إنها وفّرت مادةً جيدة لمنهاج تدريس اللغة العربية للطلاب في المعاهد العلمية، وقدمت مصادر غنية للعلماء المهتمين بها في إنجلترا فأصبح بإمكانهم أن يعتمدوا على مصادر أولية (المصادر العربية) عندما يعالجون الكتابة عن تاريخ العرب وحضارتهم.
وقد تنبّه المستشرقون الإنجليز في القرن السابع عشر- وهو القرن الذي شهد ازدهار الدراسات العربية في إنجلترا- إلى أهمية اقتـناء المخطوطات الشرقية بعد أن أتاحت العلاقاتُ بين إنجلترا والدولة العثمانية تيسُّرَ الرحلة الآمنة إلى المشرق، وبعد تأسيس شركة المشرق اللندنية The Levant Company سنة 1581؛ التي أنشأتْ العديدَ من المصانع في الشرق، واحتاجت إلى موظفين على دراية بلغة أهل البلاد وتقاليدهم. ولكن في الحقيقة لم يعوَّل على هؤلاء الموظفين في ازدهار الدراسات العربية؛ لأنهم لم ينصرفوا للعناية كثيراً بدراسة اللغة العربية لانشغالهم بتحصيل الرزق في بلاد المشرق.
ومن ناحية أخرى، كانت الشركة قد اعتادت إيفاد وعّاظ يرافقون موظفيها في أماكن عملهم الجديدة، وكان لهؤلاء أثر كبير في جمع المخطوطات الشرقية لصلتهم بالدراسات العربية ووعيهم بأهمية اللغة العربية في دراسة الكتاب المقدس - وقد كان جلّ المتعلمين آنذاك من الرهبان ورجال الهيئات الدينية- فكان سعيهم لاقتـناء المخطوطات الشرقية نابعاً بالدرجة الأولى من البحث عن مخطوطاتٍ للكتاب المقدس باللغات الشرقية، من أجل دعم تلك الدراسات ومقابلة النصوص بعضها ببعض.
إن محتوى المخطوطات التي جُمِعت من الشرق هو الذي حدّد اتجاه الدراسات الاستشراقية بمجملها في بريطانيا في مراحلها المبكرة؛ إذ كان الاهتمام أولاً متجهاً إلى مخطوطات القرآن الكريم والعقيدة الإسلامية ثم إلى المخطوطات التي تتناول في التاريخ العربي الإسلامي، وحين بدأ المستشرقون يهتمون بدراسة التاريخ العربي الإسلامي، أخذوا يسعون إلى الحصول على المخطوطات التاريخية واهتموا خاصةً بتلك التي كتبها مسيحيون شرقيون على وجه التعيين([1]). ثم حين توافرت بين أيديهم مجموعة من المخطوطات التي تتحدث عن التاريخ الأدبي والشعر والنثر العربي، بدأت الأعمال الاستشراقية تعتني بالفنون الأدبية العربية نشراً وتحقيقاً ودراسة.
وكانت المخطوطات الشرقية التي جُمِعَت في بريطانيا (سواء من المشرق أو من أماكن أخرى في أوروبا) نواةً للمجموعة الشرقية التي بدأت تـنمو في المكتبات الجامعية في كمبردج وأكسفورد فيما بعد. وبقيت جامعتا كامبردج وأكسفورد تسيطران على التعليم العالي في إنجلترا حتى مطلع القرن التاسع عشر([2])، ويعود جزء من سمعتهما العلمية المتميزة إلى مقتـنيات المكتبة في كلٍّ منهما.
لقد كان جمع المخطوطات الشرقية عامة، والعربية الإسلامية منها خاصة، من أهم الأعمال التي قام بها المستشرقون في سبيل دراسة الشرق وحضاراته، وقد سعوا إلى الحصول على تلك المخطوطات بوسائل عدة، ليس هنا محل البحث في نزاهتها، وفي أثناء جمع هذه المخطوطات كانت قد وصلت لأيديهم بعض المخطوطات الأندلسية، وانتهى بها المقام في مكتبات بريطانيا، لكن دون أن يكون المستشرقون الإنجليز قد سعوا إلى البحث عن التراث الأندلسي على وجه التعيين.
فقد اجتهد المستشرقون الإنجليز - كغيرهم - في الحصول على المخطوطات الشرقية؛ "وكان الحصول عليها يجري على أيدي المستشرقين أنفسهم المرتحلين إلى المشرق، لحسابهم أو لحساب غيرهم من العلماء، ويجمعها أيضاً السفراء والتجار ورجال الدين والمستعربون الهواة… أو يجمعونها بمعاونة السكان من أهل البلاد الشرقية التي يزورونها، مثل بوكوك (الأب) Edward Pococke (ت1691)؛ الذي "كان يستعين بشخص يدعى الدرويش أحمد ليعاونه في شراء المخطوطات أو نسخها إن تعذر شراؤها"([3])؛ وذلك حين "أقام في الشرق سنوات عدة (1630-1635) واعظاً تابعاً لشركة المشرقLevant Company The في حلب، ثم عاد إلى بلاده ليغادرها ثانية في غضون سنة بتشجيع من الأسقف وليم لود Laud W. (ت 1645) رئيس جامعة أكسفورد آنذاك، وقد سافر بوكوك في المرة الثانية متوجهاً إلى القسطنطينية سنة 1637 وأمضى هناك ثلاث سنوات"([4]). 
وبهذه الطريقة جمع بوكوك مجموعة من المخطوطات العربية في مواضيع عديدة كالتاريخ والتراجم وفقه اللغة والشعر والرسائل الأدبية والفلسفة والفلك والطب… وغيرها. وكانت مجموعته متميزة نتيجة اختياراته ومعرفته العميقة باللغة العربية وباللغات الشرقية، وما له من خبرة ومهارة في التعامل مع تجار المخطوطات([5]).
ولم يكن بوكوك متفرداً في مسلكه هذا بل إن العناية بالمخطوطات الشرقية جمعاً ودراسة وفهرسة - بغضّ النظر عن الأهداف المخبوءة - كانت ديدن المستشرقين الذين يرتحلون إلى الشرق: يلتقط بعضُهم اللغةَ من أفواه أصحابها إنْ كانوا ينوون التمكّن من العربية المنطوقة، ويجمعون ما يقدرون عليه من مخطوطات يعودون بها إلى ديارهم ويتوفرون على دراستها وفهرستها.
وقد يسّرت هذه السبيل لبوكوك الحصول على مجموعة متميزة من المخطوطات الشرقية، كانت إضافةً نوعيةً لجامعة أكسفورد حين اشترتها مكتبة بودليانا The Bodleian Library- المكتبة الرئيسية لجامعة أكسفورد - بعد وفاته عام 1691: فقد اشترت المكتبة مجموعته الكبرى من المخطوطات الشرقية التي كانت تتألف من 400 مجلد، منها 270 مجلداً باللغة العربية([6]).
وكانت المخطوطات التي جمعها بوكوك من الشرق متنوعة المواضيع: في التاريخ والتراجم وفقه اللغة والشعر والفلسفة، ومجموعة صغيرة في الرياضيات والفلك والطب([7])، كان من بينها مخطوط واحد من التراث الأندلسي وهو رسالة حي بن يقظان، التي كانت من بين ما اشتراه بوكوك من مخطوطات في رحلته الأولى إلى حلب.
ويمكن القول إن رسالة حي بن يقظان للفيلسوف الأندلسي ابن طفيل (ت581هـ) التي اشتراها بوكوك (الأب) من حلب، كانت أول النصوص العربية الأندلسية المنشورة في أوروبا، وكان لإنجلترا الفضل في ذلك حين نشرها في أكسفورد المستشرقُ الإنجليزي إدوارد بوكوك الابن (ت1726) بنصِّها العربي موازياً للترجمة اللاتينية سنة 1671([8]).
ثم ترجمها جورج كيث G. Keith(ت1716) إلى الإنجليزية عن الترجمة اللاتينية([9]) في عام 1674، ثم ترجمها جورج أشويل G. Ashwell (ت1694) مرة أخرى من اللاتينية أيضاً إلى الإنجليزية، وكانت بعنوان تاريخ حي بن يقظان الأمير الهندي سنة 1686([10]). ثم ترجم سايمون أوكلي Simon Ockley (ت 1720) رسالة حي بن يقظان كاملة عن النص العربي إلى اللغة الإنجليزية، ونشرها في لندن سنة 1708([11]). ولا يعود الاهتمام برسالة حي بن يقظان إلى كونها من التراث الأندلسي، وإنما يعود إلى محتواها الذي يتناول العلاقة بين العقل والدين، وهو الموضوع الذي كان محل جدل فكري واسع في أوروبا القرون الوسطى إبان الإصلاح الديني.
*******
وعلى الرغم من أن المخطوطات الأندلسية لم تكن هدفاً واضحاً لدى المستشرقين الإنجليز عندما قاموا بجمع المخطوطات العربية من الشرق، إلا أن ذلك لم يقف دون وصول مجموعة من المخطوطات والكتب الأندلسية إلى إنجلترا، كانت من بين المجموعات التي حصل عليها المستشرقون وتمت إضافتها إلى المجموعات الشرقية في المكتبات البريطانية.
فمن المخطوطات الأندلسية التي وصلت مبكراً إلى مكتبة بودليانا في أكسفورد، مخطوط كتاب المقتبس في تاريخ الأندلس "وهو أحد الكتب في مجموعة المخطوطات التي كانت تعود للمستشرق الهولندي يعقوب خوليوس J. Golius (ت1667)، ثم اقتنتها مكتبة بودليانا عام 1700، حين أُهديت إلى المكتبة مع خمسة مخطوطات أخرى: الأول منها كان بالتركية، والثاني نسختان من مخطوط المجلد الخامس لابن خلدون، والثالث مخطوط لابن حيان، أما المخطوط الخامس فكان في الكيمياء"([12]).
وعلى الرغم من هذه البداية المبكرة في اقتناء المخطوطات الأندلسية في بريطانيا، فإنه لم تكن هناك عناية خاصة توجَّه إليها؛ نظراً لأن الدراسات الأندلسية نفسها لم تكن قد أصبحت ميداناً للبحث العلمي في أوروبا إلا منتصف القرن التاسع عشر. كما لم يكن المستشرقون الإنجليز يتمكنون من الحصول على مخطوطات أندلسية ومغربية كثيرة؛ لأنهم كانوا يجمعون المخطوطات الشرقية غالباً من رحلاتهم إلى الشرق الإسلامي، وهي غير متوافرة هناك بأعداد كبيرة كما كانت في بلاد المغرب مثلاً. ولا يغيب عن البال أن المخطوطات المغربية والأندلسية كانت متاحة أكثر بأيدي الإسبان والفرنسيين؛ بحكم ظروف التاريخ والجغرافيا، ثم نتيجة التوسع الاستعماري الأوروبي الذي بلغ ذروته في القرن التاسع عشر، وما نتج عنه من اختصاص كل قطر أوروبي بمناطق معينة في الشرق كانت مجالاً لنفوذه وسيطرته.
ولم يمنع ذلك الوضع من وصول بعض المخطوطات الأندلسية إلى المكتبات البريطانية في بعض الأوقات: "فمن المخطوطات الأندلسية الموريسكية التي وصلت إنجلترا في بداية القرن الثامن عشر، مخطوطٌ محفوظ في مكتبة جامعة كمبردج بعنوان مختصر في الشريعة والسُّنّة الشريفةBreve Conpendio de Nuestra Santa Ley y Sunna ، أحضره [أحد أساتذة] اللغات السامية والعبرية في الجامعة… وقد نُشرت أجزاءٌ من هذا المخطوط بالإسبانية المكتوبة بحروف عربية [ الخميادية ] في كتاب De Religione Mohametism المطبوع في أترخت سنة 1705، ليكون ذلك أول نص مطبوع من النصوص الخميادية. ولم تظهر ترجمة إنجليزية للكتاب إلا سنة 1723 أنجزها جوزيف مورغان J. Morgan في كتابه: Mahometism fully explained([13]) معتمداً على الترجمة الفرنسية التي نُشرت سنة 1721 وليس على المخطوطة الأصلية الموجودة في كمبردج.. وكان مورغان هذا موظفاً قنصلياً بريطانياً وقد اقتنى أيضاً في أثناء رحلة له إلى تونس مخطوطاً آخر للموريسكي محمد رَبَضان[14] Mohamad Rabadan بعنوان Discurso de la luz y descendecia y lingage claro de nuestro…Propheta Mohamed وهذا المخطوط موجود الآن في المكتبة البريطانية"([15]).
"واقتنت كلية وادامWadham في أكسفورد مخطوطاً موريسكياً آخر ضمن مجموعة جودولفين Godolphin، والمخطوط رسالة حول العقيدة الإسلامية مكتوبة في الجزائر سنة 1620 باللغة الإسبانية - إسبانيّة القرن السادس عشر- كتبها أحد الموريسكيين هناك. وهي كغيرها من الأعمال التي وصلت إلينا مما كتبه مهاجرون موريسكيون في شمال إفريقية، بعضها بالخميادية وبعضها بالإسبانية… وهذه المخطوطة موصوفة في فهرس H. Coxeالمنشور في أكسفورد سنة 1852 Catalougus Codicum mss. Qui in collegiis aulisque oxonien bodie adservaranur تحت رقم XLVI من مخطوطات كلية وادام Wadham"([16]).
وهذا يعني أن بعض المخطوطات الموريسكية كانت موجودة في أكسفورد قبل منتصف القرن التاسع عشر، ولكنْ لم تكن تلك المخطوطات بعدُ لتثير اهتمام الباحثين الإنجليز هناك أو اهتمام غيرهم من الأوروبيين بدراسة التراث الفريد الذي خلّفه الموريسكيون، والذي يعبّر عن معاناتهم أو تكيفهم في حياتهم الجديدة في ظل ظروف التنصير والتهجير التي مرَّ بها أهلُ الأندلس بعد سقوطها في قبضة الإسبان.
وفي الثلث الأول من القرن العشرين وصف المستشرق - الإنجليزي من أصل روسي- كرينكوفF. Krenkow(ت1953) مخطوطيْن أندلسيَيْن في المتحف البريطاني في مقالة نشرت سنة 1930([17])، وهما مخطوط: الذيل والتكملة لكتابَيْ الموصول والصلة للمراكشي([18])، وكتاب الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب([19]). وهما ليسا مذكوريْن في: القائمة الوصفية لمخطوطات المتحف البريطاني المنشورة سنة 1912([20])، مما يعني أن مكتبة المتحف قد اقتنتهما بين 1912-1930، وقد كانا موجوديْن على رفوف مكتبة المتحف البريطاني منذ الربع الأول من القرن العشرين، ولكن لم يلتفت إليهما المستشرقون البريطانيون للبحث أو التحقيق في التراث الأندلسي.

فهرسة المخطوطات
كان المستشرقون بعد عودتهم من رحلاتهم في جمع المخطوطات الشرقية يعكفون على فهرستها وتصنيفها لتسهل الإفادة منها أمام الباحثين في الدراسات الاستشراقية. وترمي الفهرسة إلى تقديم صورة دقيقة عن المخطوط بوصفه المادي من حيث عدد الأوراق، وسلامتها أو تلفها، وجودة الخط ووضوحه، وأوهام النَّسْخ، وفاتحة المخطوط وخاتمته، وتحقيق عنوانه واسم مؤلفه وموضوعه…مما يفيد الباحث المهتم.
وقد بدأت فهرسة المخطوطات العربية في أوروبا مبكراً - منذ القرن الثامن عشر - على أيدي العرب لا الأوروبيين([21])، وصارت المكتباتُ الأوروبية تُصْدِر تباعاً فهارس خاصة بالمخطوطات العربية التي كانت تجلبها من الشرق ومن الغرب بالشراء والإهداء أو الاستيلاء. وقد نُشرت بعض تلك الفهارس باللاتينية وبعضها باللغات الأوروبية.
وكان فهرس المخطوطات العربية والكرشونية([22]) في المكتبة البودلية (بودليانا) بأكسفورد الذي نُشر سنة 1787 أول فهرس في بريطانيا، ثم فهرس الجمعية الآسيوية لندن سنة 1838، وفهرس المتحف البريطاني 1846، وفهرس كمبردج " ترنتي كولج" 1870([23]).
وقد أمضى معظم المستشرقين الإنجليز جزءاً من حياتهم العلمية والعملية في فهرسة المخطوطات الشرقية، ومنها العربية والإسلامية، الموجودة في المكتبات الجامعية البريطانية المختلفة، ولكننا لا نجد حديثاً أو عملاً خاصاً عن فهرسة للمخطوطات الأندلسية في تلك المكتبات: فليس هناك فهارس مستقلة خاصة بالمخطوطات الأندلسية الموجودة بين المخطوطات العربية التي جمعوها من الشرق.
ويلاحظ في فهارس المكتبات البريطانية للمخطوطات العربية الإسلامية أو الشرقية- أن المخطوطات الأندلسية لا تُميَّز فيها عن غيرها ليكون سبيل الرجوع إليها أيسر أمام الباحثين؛ ويرجع هذا لقلة عدد تلك المخطوطات بين أيديهم من جهة، ولعدم وجود عناية خاصة في بريطانيا بالبحث في التراث الأندلسي من جهة أخرى، وذلك قبل حلول منتصف القرن التاسع عشر: حين أظهر الإسباني جاينجوس Pascual de Gayangos (ت1897)اهتمامه بالبحث عن التراث الإسباني في مخطوطات المتحف البريطاني، وحين جاء الهولندي دوزي R. Dozy(ت1883) منقّباً في المكتبات البريطانية؛ سعياً وراء مخطوطات التراث الأندلسي للإفادة منها في مؤلفاته عن تاريخ المسلمين في الأندلس، لكن ذلك لا يظهر جلياً في فهارس المخطوطات العربية في المكتبات البريطانية.
فالناظر المدقق في بعض فهارس المكتبات البريطانية مثل فهرس الكتب العربية (المطبوعة) في المكتبة البريطانية - الذي نُشرت طبعته الأولى سنة 1894([24])- يلاحظ أن المكتبة قد اقتنت كثيراً من كتب التراث الأندلسي من المصادر التي لا يستغني عنها الباحث في الدراسات الأندلسية، ومنها على سبيل المثال: المعجبللمراكشي طبعة دوزي، 1847 ، نفح الطيب للمقري، ط. جاينجوس، 1840-1843، نفح الطيب، ط. بإشراف دوزي، 1855-61، الذخيرة لابن بسام، ط. دوزي 1846، قلائد العقيان للفتح بن خاقان، ط. باريس، 1861، وط. بولاق، 1866، مطمح الأنفس، ط. القسطنطينية، 1844، سرح العيون شرح رسالة ابن زيدون، ط. الإسكندرية 1873، و ط. القسطنطينية 1841… وغيرها من الكتب، مما يعني أن مصادر التراث الأندلسي الأولية كانت متوافرة في مكتبة المتحف البريطاني في القرن التاسع عشر أمام الباحثين في بريطانيا لو كانوا يرغبون في دراسة هذا الجانب من تراث المسلمين. لكن وجود هذه المصادر لم يؤدِ إلى العناية بالدراسات الأندلسية عند المستشرقين البريطانيين؛ الذين تابعوا مصالح بلادهم واتجهوا في دراساتهم إلى مزيد من البحث في أحوال الشرق (بمفهومه الجغرافي) وأحوال سكانه؛ بما يتلاءم والمصالح السياسية التي طغت على غيرها من سمات في مدرسة الاستشراق البريطانية.
أما تلك المخطوطات الأندلسية التي لم تكن تغيب عن رفوف المكتبات الرئيسية في بريطانيا منذ القرن التاسع عشر، والتي لم تجد من أهل البلاد من ينفض الغبار عنها؛ فقد وجدت من غير البريطانيين من يمد إليها يد العناية، فأقبل على دراستها المستشرقون الأوروبيون المهتمون بالشأن الأندلسي، وكان في مقدمتهم الإسباني جاينجوس والهولندي دوزي.
فقد عمل جاينجوس - في أثناء إقامته في لندن في ثلاثينات القرن التاسع عشر- في المتحف البريطاني، وكانت الفائدة من هذا العمل جمّة؛ إذ درس جيداً نسخة المتحف البريطاني من مخطوط نفح الطيب من أجل استكمال ترجمته إلى اللغة الإنجليزية التي كان يعمل عليها، وصدرت في لندن عام 1843. وكان جاينجوس ينسخ المخطوطات الأندلسية بيده من المكتبات الأوروبية التي يزورها ليفيد منها في بحوثه ويحتفظ منها بنسخة لنفسه. وفي مكتبة المتحف البريطاني عكف أيضاً أواخر حياته على فهرسة المخطوطات الإسبانية الموجودة هناك، وله في هذا كتاب: فهرس المخطوطات الإسبانية في المتحف البريطاني Catalogue of The Manuscripts in the Spanish Language in the British Museum ، وكان من بينها رسائل ومعاهدات باللغتين العربية والإسبانية المتبادلة بين الإسبان وبعض الولاة في مدينتيْ سبتة وتطوان([25]).
أما رينهارت دوزي فكان له فضل الريادة في تعقب المخطوطات الأندلسية أنّى وجدها في مكتبات أوروبا، التي قدمت له مادة وفيرة عن تاريخ المسلمين في الأندلس مكّنتْه من تأليف مصنّفاته عن هذا الموضوع الطريف في حينه، وكان في سعيه وراء المخطوطات العربية قد حطّ الرحال في إنجلترا سنة 1845 حيث "نسَخَ الجزء الثاني من الذخيرة، وبعض المخطوطات العربية النفيسة من مكتبة أكسفورد"([26])، وقد اعتمد دوزي في إعداده كتاب تكملة المعاجم العربية Supplment aux Dictionaires Arabes على مجموعة من المصادر الأندلسية المخطوطة الموجودة في المكتبات البريطانية، كان منها: المطرب لابن دحية (نسخة المتحف البريطاني)، والمقتبس لابن حيان (مخطوط أكسفورد، بودليانا)، وتاريخ الموحدين لابن صاحب الصلاة (مخطوط أكسفورد)، وتاريخ قضاة قرطبة (أكسفورد)، ومطمح الأنفس (مخطوط لندن)([27]).
وكان كتابه هذا قد صدر بالفرنسية في جزأيْن وطُبِع في لَيْدَن بين 1877-1881، مما يعني أن هذه المخطوطات الأندلسية المهمة كانت موجودة في المكتبات البريطانية قبل حلول الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وقد عرف دوزي قيمتها، فكانت عوناً له في أن يُعَـدَّ أول مَنْ كتب عن تاريخ المسلمين في إسبانيا مستقصياً أمّات كتب التراث الأندلسي، التي عمل على نشر مجموعة مهمة منها وترجمتها إلى اللغات الأوروبية([28]).
ومن ناحية ثانية فإن المتصفح لكتاب تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان C. Brockelmann (ت1956) الذي ظهرت الطبعة الأولى منه في جزأين: الأول سنة 1898 في فايمار، والثاني في برلين سنة 1902([29]) - بحثاً عن المخطوطات الأندلسية في المكتبات البريطانية، يجد أن تلك المكتبات كانت تضم مجموعة من مخطوطات المصادر الأندلسية المهمة، وبعضها له نُسَخ عدة. لذا فقد اعتمد المحققون العرب على هذه النسخ عند إقبالهم على تحقيق التراث الأندلسي[30]، حين شهدت هذه الدراسات اهتماماً خاصاً في العالم العربي في القرن العشرين بعد الاهتمام الذي لقيتْه من لدن المستشرقين من قبل.
وتشير المصادر الأندلسية المحقَّقة في العالم العربي في القرن العشرين إلى أن نُسَخاً منها كانت موجودة في المكتبات البريطانية رجع إليها هؤلاء المحققون، ولكن تلك النسَخ المخطوطة لم تحظ من المستشرقين هناك بعناية خاصة، كما لم يولِها القائمون على إعداد فهارس المكتبات اهتماماً خاصاً للحديث عنها في أقسام مستقلة تميزها عن غيرها من المخطوطات الإسلامية، التي عنوا بفهرسة الموجود منها في مختلف المكتبات البريطانية.

التعريف بالمخطوطات
ومن الأعمال الملحقة بجمع المخطوطات الأندلسية وفهرستها - العملُ على التعريف بهذه المخطوطات في مقالاتٍ تلقي الضوء على غير المشتهر منها مما يغني ميدان الدراسات الأندلسية، لكن الباحثين في بريطانيا لم يكن لهم إسهام كبير في التعريف بمثل هذه المخطوطات، إذ لا يتجاوز عملهم في هذا المجال بضع مقالات محدودة، إلا أنها على محدوديتها قدمتْ جديداً بإلقاء الضوء على بعض المخطوطات الأندلسية الخاصة: ففي سلسلة مقالات نشَرَ اللورد ستانليH. E. Stanley (ت1903) في مجلة الجمعية الآسيوية قصائدَ للموريسكيّ محمد ربضانمكتوبة باللغة الإسبانية نقلاً عن مخطوطةٍ محفوظة في باريس، وكان جزء من تلك الأشعار منقولاً عن مخطوطة أخرى موجودة في مكتبة المتحف البريطاني([31]). والقصيدة المنشورة كانت بعنوان([32]): تاريخ نبيّنا محمد عليه السلام يشتمل على مدائح عن مولده: Istoria de nuestro Annabi Muhamad Salam Contiene Cantos: Tara de su Naciementos.
ولم يقدم ستانلي في مقالاته تلك وصفاً للمخطوط كالمعتاد في مثل هذا المقام؛ إلا حين تحدث عن بعض الأجزاء المفقودة من القصيدة في نسخة المتحف البريطاني والموجودة في نسخة باريس مقابلةً منه بين النسختين، ويثبت في المقالة القطعةَ المفقودةَ نقلاً عن نسخة باريس، وكان عمله أقرب ما يكون إلى تحقيق النص منه إلى التعريف بالمخطوطة؛ إذ نشر شعر محمد ربضان في سلسلة مقالات خلال الأعوام من 1868-1872 باللغة الإسبانية التي كان يتخللها بعض العبارات العربية "المكتوبة بالحروف اللاتينية"، وقام المحقق بكتابتها في الحواشي بالحروف العربية. وفي خاتمة المقالة التي كان فيها تمام القصيدة([33]) قدم ستانلي نظرة نقدية في الجزء الأخير المنشور من القصائد حول مستوى هذا الجزء من النص الذي يراه أقل جودة من غيره مما سبق نشره، وفيه بعض الصعوبة التي تعكس التغير الذي مسَّ نطق اللغة العربية بين الموريسكيين.
كان ستانلي معجباً بالجزء الأخير من قصيدة ربضان الذي يتضمن قطعة طويلة عن زواج محمد صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة رضي الله عنها، ويعده أكثر أجزاء القصيدة إمتاعاً؛ لأنه دليل على أن الموريسكيين قد قاموا بدورهم على أحسن وجه في حفظ مكانة الذاكرة الشفوية ودورها في نقل التراث والتقاليد العربية؛ فالشاعر مثلاً يقول إنه ليس لديه كتب عربية أو صحائف يرجع إليها وإنما يعتمد على موروث شفوي تتناقله الأجيال([34]).
ولا نقف من تعليقات ستانلي على موقف معين تجاه موضوع الموريسكيين وأصولهم الأندلسية وظروف هجرتهم واضطرارهم إلى الرحيل عن بلادهم، أو غيره مما قد يشير إلى انشغاله بهمّ الأندلس أو دراسة التراث الأندلسي، وإنما يبدو اهتمام ستانلي بالقصيدة لأنها قصيدة إسلامية المحتوى بلسان أوروبي!

***
ومن المنصف القول إن وصف المخطوطات في الوقت الذي نُشرت فيه قصيدة ربضان، بُعَـيْد منتصف القرن التاسع عشر بقليل، لم يكن على النحو الذي اتضحت ملامحه بعد عقود: إذ إننا نعثر - بعد نصف قرن تقريباً من مقالة ستانلي- على وصف لاثنين من المخطوطات الأندلسية في المتحف البريطاني للمستشرق كرينكوف في مقال له بالفرنسية بعنوان: " المتحف البريطاني يحصل على مخطوطين عربيين حول إسبانيا الإسلامية"([35])، وهما الذيل والتكملة لكتابَيْ الموصول والصلة للمراكشي رقم or.7940، والإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب رقم or.8674، وقد سار كرينكوف في هذه المقالة على هدى إعداد الفهارس المفصّلة للمخطوطات العربية؛ من حيث التزامه بالحديث عن الوصف المادي للمخطوط: عدد الأوراق ومسطرة الورقة الواحدة، وأجزاء الكتاب الذي يضمه المجلد، واسم المؤلف وسلامة الصفحات وحال المخطوط العامة، كما أورد بعض ورقات من مخطوط الذيل فيه ترجمات لأشخاص يحملون اسم عبد الملك، منشورة باللغة العربية، ثم ذيّل وصفَه بخاتمة المخطوط منشورة أيضاً باللغة العربية، وكذلك فعل مع مخطوط الإحاطة في وصفه ونشر مقتطفات باللغة العربية منه. ولم يكتف كرينكوف بالوصف فقط، بل إنه أعطى تقييماً للكتابيْن في حال فكّر أحدهم بنشرهما؛ إذ قال عن الإحاطة إنها ليست في حال جيدة تماماً لتكون صالحة لإصدار طبعة محققة من الكتاب، بل إن هناك حاجة إلى مخطوطات أفضل حالاً لإعداد تلك الطبعة([36])، أما مخطوط الذيل والتكملة فقد ذكر أنه في حال جيدة جداً تسمح بأن يكون أساساً لطبعة محققة، على الرغم من وجود نسخ أخرى من الكتاب في المكتبة الوطنية بباريس وفي الإسكوريال([37]).

وهكذا فإن التعريف بالمخطوطات الأندلسية يلقي الضوء على ما كان مجهولاً منها، ويثير في الباحثين دوافع البحث والتنقيب مما ينعكس إيجابياً على الدراسات الأندلسية في بريطانيا.
ثم نشر هوبكنزJ. F. P. Hopkins في عام 1961 مقالة عن الشاعر الأندلسي ابن الحاج النميري([38])، أشار في مستهلها إلى مخطوط في المتحف البريطاني(or. 5670) من 32 ورقة بعنوان " كتاب قرائن العصر ومحاسن العصر في مديح أمير المسلمين أبي عبدالله بن نصر"([39]) منسوب إلى الشاعر الأندلسي إبراهيم بن عبدالله ابن الحاج النميري (توفي بعد 780هـ).
والمقالة في ذاتها ليست مخصصة للتعريف بمخطوط قرائن العصر الموجود في المتحف البريطاني، وإنما هي مخصصة للحديث عن حياة الشاعر ابن الحاج النميري وأعماله. لكن استهلال المقالة واختتامها بالإشارة إلى المخطوط في المتحف البريطاني، يميل بها إلى جعل هاتين الفقرتين في المقالة تعريفاً بالمخطوط وجذباً لانتباه الباحثين إليه؛ فقد عرّف الكاتبُ في مقدمة المقالة بالمخطوط: عنوانه ورقمه وعدد أوراقه، واختتمها بمقتبسات من فاتحة المخطوط وخاتمته، كما وصف نوع الخط وتاريخ النسْخ ومحتويات المخطوط.
وفي سنة 1962 نشر ليونارد باتريك هارفي - المهتم بالموريسكيين- مقالة يعرّف فيها بمخطوطة موريسكية في مجموعة جودولفين في أكسفورد([40])، والمخطوطة مدار المقالة هنا هي رسالةٌ في الدين والعقيدة الإسلامية، كتبها في الجزائر أحد الموريسكيين باللغة الإسبانية، وترجع إلى سنة 1620. وقد وصف هارفي المخطوطةَ وصفاً تفصيلياً وعرَضَ: عنوانها والسطور الأولى منها (فاتحة المخطوطة) بالحروف العربية وبالإسبانية، وتحدث عن محتوياتها التي تضم: المقدمة، وتفسير البسملة، وصفات الله تعالى، والصفات التي لا تنسب لله، ومعجزات محمد صلى الله عليه وسلم، وتفسير الشهادة، ثم الخاتمة.
ثم وقف الباحث عند مؤلف الرسالة محاولاً تحقيق اسمه ونسبة الرسالة إليه، ووصف نوع الخط الذي كتبت به الرسالة، وهو خط إسبانيّ من عصر النهضة الإسبانية، لكن بعض العبارات الإسلامية فيها كالبسملة مثلاً مكتوبة بالحروف العربية، وأشار إلى أخطاء الناسخ الإملائية التي تجعله يميل إلى الاعتقاد بأنه ليس على دراية جيدة باللغة العربية. ولم يقف هارفي في وصفه للمخطوطة عند هذا الحد بل نجده يصف أيضاً طريقة تجليد الكتاب. ثم ينتهي إلى ملحوظات عامة تُظهر أن المهاجرين الموريسكيين قد ظلوا على اتصال بإخوانهم المسلمين في تركيا([41]).
كما وصف هارفي في مقالة أخرى([42]) مخطوطة أندلسية تعود إلى القرن السابع عشر موجودة في المتحف البريطاني وُصفت في فهرس مخطوطات المتحف البريطاني بـ" كتاب الصلاة المحمدية بالعربية وبالخميادية"([43]) لكن المخطوطة نفسها غير معنونة وغير معزوّة، وتحتوي آيات قرآنية وتعاليم الوضوء والصلاة باللغة العربية، أما كيفية أداء الصلاة فمكتوبة باللغة الخميادية. وقد سار هارفي في التعريف بهذه المخطوطة على الخطوات التي وصف فيها المخطوطة السابقة، مع إضافة تاريخ اقتناء المتحف لها - سنة 1905- ثم عرض لتفاصيل المحتوى، وساق بعض الجمل من المخطوط مكتوبةً بالحروف العربية كما هي في النص الأصلي، أما النصوص الخميادية فكتبها بالحروف اللاتينية. ويحتوي الكتاب المخطوط مواضيع عن الوضوء والصلاة وأسماء الله الحسنى ودعاء التشهد ودعاء القنوت، يعرض هارفي منها عن الوضوء بضع أوراق كُتبت باللغة الخميادية " لكنه نشرها بحروف لاتينية"([44]).


*******
ونخلص مما سبق إلى أن عمل الباحثين البريطانيين في التعريف بالمخطوطات الأندلسية في المكتبات البريطانية محدود جداً، كما أنه يكاد يكون محصوراً في تراث الموريسكيين؛ وربما يرجع ذلك في حقيقة الأمر إلى اهتمام الباحثين أنفسهم بذلك المجال؛ كما هي حال ليونارد هارفي: فقد كانت أطروحته للدكتوراه عام (1959) في التاريخ الثقافي للموريسكيين، وكانت قائمةً على دراسة أحوالهم من المخطوطات الأندلسية. أما عناية ستانلي بنشر قصيدة محمد ربضان، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر فما هو إلا بقيةٌ من أثر الاتجاه الرومانسي الذي ساد الدراسات الأوروبية وطبَعَها بطابعه منذ مطلع القرن التاسع عشر، حين كان لإسبانيا الإسلامية وتراثها الأندلسي جاذبية خاصة دفعت كثيراً من الباحثين إلى السعي وراءها واقتباس أنوارها.

مجموعة من المصادر الأندلسية
حققها الباحثون في العالم العربي عن نُسَخ موجودة في المكتبات البريطانية:

1. الإحاطة في أخبار غرناطة، للسان الدين بن الخطيب، تحقيق محمد عبدالله عنان، (ط2)، القاهرة: مكتبة الخانجي، 1973.
2. البيان المُغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب، القسم الثالث تاريخ الموحدين، لابن عذاري المراكشي، عُني بنشره أمبروسي هويدي مرانده، مع مساهمة محمد بن تاويت الطنجي ومحمد إبراهيم الكتاني ، تطوان: دار كريماس للطباعة، 1960.
3. جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس، للحميدي، مصر: الدار المصرية للتأليف والترجمة، 1966.
4. جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، للحميدي، تحقيق إبراهيم الأبياري، (ط2)، بيروت: دار الكتاب اللبناني، 1983.
5. ديوان الأعمى التطيلي، ومجموعة من موشحاته، تحقيق إحسان عباس، بيروت: دار الثقافة، 1963.
6. ديوان ابن خفاجة، تحقيق السيد مصطفى غازي، الإسكندرية: منشأة المعارف، 1960.
7. ديوان ابن سهل الإشبيلي، تحقيق محمد فرج دغيم، (ط1)، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1998.
8. ديوان ابن سهل الأندلسي، تقديم إحسان عباس، بيروت: دار صادر، 1980. (تاريخ التقديم 1967).
9. ديوان أبي الحسن الششتري، تحقيق علي سامي النشار، (ط1)، الإسكندرية: منشأة المعارف، 1960.
10. ديوان المعتمد بن عباد ملك إشبيلية، جمع وتحقيق أحمد أحمد بدوي وحامد عبد المجيد، القاهرة: المطبعة الأميرية، 1951.
11. الذيل والتكملة لكتابَيْ الموضول والصلة، للمراكشي، السفر الثامن، تحقيق محمد بن شريفة، المغرب: مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية ، 1984.
12. قضاة قرطبة، للخشني القيرواني، عني بنشره وصححه ووقف على طبعه السيد عزت العطار الحسيني، 1373هـ.
13. المطرب من أشعار أهل المغرب، لابن دحية، تحقيق إبراهيم الأبياري وحامد عبد المجيد وأحمد أحمد بدوي، (ط1)، القاهرة: المطبعة الأميرية، 1954.
14. المقتبس من أنباء أهل الأندلس، لابن حيان، تحقيق محمود علي مكي، القاهرة: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1971.
15. المقتبس في أخبار بلد الأندلس، تحقيق عبد الرحمن الحجي، بيروت: دار الثقافة، 1983.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) ولذلك كان كتاب مختصر تاريخ الدول The History of the Dynasties لابن العبري (ت1273) من أوائل الكتب المنشورة في أوروبا عن تاريخ العرب. والمؤلف معروف في المصادر الغربية باسم Bar Hebraeus هو مؤلف مسيحي من أهل القرن الثالث عشر، توفي سنة 1273م . وقد نَشَر الكتابَ الهولنديُّ إربينوس في لَيْدَنْ سنة 1625 مع ترجمة لاتينية، ثم اهتم به المستشرق الإنجليزي بوكوك في أثناء إقامته في حلب؛ لأن مؤلفه اعتمد فيه على مصادر إسلامية لم تكن معروفة حينها في أوروبا، وقد نشر بوكوك كتاب ابن العبري سنة 1663 في أكسفورد (النص العربي وترجمة لاتينية). ونشره باللغة العربية الأب أنطوان صالحاني سنة 1898 ( والطبعة الثانية 1958). ينظر: ابن العبري، أبو الفرج جمال الدين (ت1273)، تاريخ الزمان، (ط1)، نقله إلى العربية: الأب إسحق رملة، بيروت: دار المشرق، (1991). (وكان قد نُشر في حلقات متتابعة في مجلة المشرق، 1949-1956، تحت عنوان: تاريخ الدول السرياني).

([2]) ظهرت جامعة أكسفورد بين عاميْ 1208-1209م، وجامعة كمبردج بدأت فعليا في 1231-1232م، وتأسست جامعة سانت أندروز في اسكتلندا عام 1214م، وجامعة لندن عام 1828م.

([3]) Wakefield, Colin (1994), Arabic manuscripts in the Bodleian library: The Seventeenth-century Collections. In: Russell G. A. (Ed.), (1994), "Arabick" Interest of the Natural Philosophers in Seventeenth-Century England. Leiden. New York. Koln: E. J. Brill, Pp.128 and p.134.
كان الدرويش أحمد يعمل في نسخ المخطوطات العربية ويتاجر بها بين الأعوام 1626-1638، وقد نَسَخ مجموعة من المخطوطات لصالح الهولندي يعقوب خوليوس J. Golius (ت1667) ولصالح بوكوك، وربما كان بوكوك قد تعلّم اللغة العربية على يديه في حلب، كما يُفهم من بعض رسائله التي كتبها الدرويش إليه وكان يخاطبه فيها بـ " تلميذي العزيز"، ينظر:
Toomer, G. J. (1996), Eastern Wisedome and Learning, Oxford: Clarendon Press, pp. 122-123
وهناك خمس رسائل من الدرويش أحمد محفوظة ضمن مخطوطات بوكوك في مكتبة بودليانا تحت رقم 432 (الأوراق 5-9)، ينظر: Wakefield, Colin (1994), Arabic manuscripts in the Bodleian library, p.142, no. 86.
وهذه الرسائل ملخصة وبعضها مترجم من العربية إلى الإنجليزية في:
Holt, P. M, Studies in the History of the Near East, (London, 1973), pp. 42-45.

([4]) G. J. Toomer, ‘Pococke, Edward (1604–1691)’, Oxford Dictionary of National Biography, Oxford University Press, 2004 -[http://www.oxforddnb.com.ezlibrary.ju.edu.jo/view/article/22430, accessed 14 May 2008 ]

([5]) Wakefield,Colin (1994), Arabic Manuscripts in the Bodleian Library, P.134.

([6]) Wakefield, Colin (1994), Arabic manuscripts in the Bodleian library, p.134.

([7]) ينظر لعناوين تلك المخطوطات ومؤلّفيها المصدر السابق:
Wakefield, Colin (1994), Arabic manuscripts in the Bodleian library, p. 135.

([8]) كان عنوان الترجمة باللاتينية لحي بن يقظان هو:
Philosophus Autodidactus sive Epistola Abi Jaafar Ebn Tophail de Hai ebn Yokdhan…, (Oxford: A. Hall. Academiae Typographus, 1671). ، وهو يعني "الفيلسوف المعلم نفسَه بنفسه".
ينظر الحاشية رقم1، ص 254 في:
Russell, G. A. (1994), The Impact of the Philosophus Autodidactus: Pocockes, John Locke and the Society of Friends, In: Russell, G. A. (Ed.), "Arabick" Interest of The Natural Philosophers in Seventeenth-Century England. (pp. 224-265). Leiden. New York. Koln: E.J. Brill.

([9]) وكانت بعنوان:
An Account of the Oriental Pohilosophy Shewing the Wisdom of some Renaumed Mer of the East. And Particularly the Profound Wisdom of Hai Ben Yakdhan Both in Matural and Devine Things, which he attained without all converse with men.
نقلاً عن: صالح، مدني (1981)، من ابن طفيل إلى دانيال دوفو، آفاق عربية، مج 6( 5-8): ص174.

([10]) ينظر الكتاب بالإنجليزية:
George Ashwell: The Hitory of Hai Eb`n Yockdan An Indian Prince: or The Self –Taught Philosopher, (London,1686).

([11]) وكانت بعنوان " ارتقاء العقل البشري" يُنظَر الكتاب بالإنجليزية:
Ockley, Simon (Tr.) (1708), The Improvement of Human Reason Exhibited in the Life of Hai Ebn Yokdhan, Translated from the original Arabick. London: Edm. Powell.

([12]) Wakefield, Colin (1994), Arabic manuscripts in the Bodleian library, p.137.

([13]) هذا الكتاب موصوف في فهرس الكتب العربية في المتحف البريطاني على النحو التالي:
Mahometism fully explained written in Spanish and Arabick, in the year M.DC.III (1603). For the instruction of the Moriscos in Spain by Mohamed Rabadan, an Arragonian Moor, Translated …by Mr. Morgan, 2 vols., (1723-25).  ينظر:
Ellis, A. G. (1967), Catalogue of Arabic Books in The British Library, London, Published by The Trustees of The British Museum, (First published 1894), vol. 2, p. 357.

[14] محمد بن ربضان " من أجلّ شعراء الموريسكيين شأناً…وقد وضع في سنة 1603 في شعر إسباني " تاريخ نسب محمد صلى الله عليه وسلم "… ضمّنه ما ورد في كتاب للحسن البصري عن النسب النبوي، ونظم كذلك " قصة فزع يوم الحساب"… و" أنشودة شهور السنة"… و" قصيدة أسماء الله الحسنى". ينظر: بالنثيا، أنخل جنثالث (1955)، تاريخ الفكر الأندلسي، (ترجمة حسين مؤنس)، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية (طبعة 2006). ص 582.

([15]) Harvey, Leonard Partick (1992), British Arabists and Al Andalus, Al Qantara, 13 (2), Pp. 427-428.

([16]) Harvey, L. (1962), A Morisco manuscript in the Godolphin collection at Wadham College Oxford, Al-Andalus, vol.27 (2), p. 461.

([17]) F. Krenkow (1930), Deux Nouveaux Manuscrits Arabes sur par le Musee Britannique, Hesperis, vol.10 (1-2), (pp. 1-5).

([18]) وهو نسخة السفر السادس من الكتاب، وقد نشر بتحقيق إحسان عباس، ينظر: المراكشي، أبو عبدالله محمد بن محمد بن عبد الملك (ت703هـ)، الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة، (ط1)، مجلدان، (تحقيق محمد بن شريفة)، الرباط: مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، 1984. ص 97

([19]) هذا المخطوط مذكور في دليل مواضيع المخطوطات العربية في المكتبة البريطانية:
Stocks, Peter (2001), Subject-Guide to the Arabic Manuscripts in the British Library, p.229 ، بعنوان مركز الإحاطة ويحمل الرقم نفسه (or. 8674) ، وهو " قطعة كبيرة من مركز الإحاطة للأديب المصري بدر الدين البشتكي، تحتوي على نصفه الأخير، وهو يضم تراجم مختصرة للكتّاب والأدباء والشعراء الذين وردوا بكتاب الإحاطة". ينظر: ابن الخطيب، لسان الدين محمد بن عبد الله (ت776هـ)، الإحاطة في أخبار غرناطة، (ط2)، 4 مجلدات، (تحقيق محمد عبدالله عنان)، القاهرة: مكتبة الخانجي، 1973 (الطبعة الأولى 1956). مج 1: ص 6، مقدمة التحقيق.

([20]) Ellis, A. G. and Edwards Edward (1912), A Descriptive List of the Arabic Manuscripts Acquired by the Trustees of the British Museum, London: Longman & Co.
وتضم هذه القائمةُ المخطوطاتِ العربية في مكتبة المتحف البريطاني منذ سنة 1894، وهي المخطوطات من رقم or. 4822 إلى مخطوط رقم or. 7764.

([21]) قام بعض الرهبان اللبنانيين بفهرسة المخطوطات العربية في مكتبات أوروبا مثل: فهرس مخطوطات فلورنسة الذي أعده اسطفان عواد السمعاني سنة 1742، وفهرس مكتبة الفاتيكان الذي أعده يوسف شمعون السمعاني 1756، وفهرس مكتبة الإسكوريال الذي وضعه ميخائيل الغزيري سنة 1760-1770. ينظر:
المنجد، صلاح الدين (1976)، قواعد فهرسة المخطوطات العربية، (ط2)، بيروت: دار الكتاب الجديد، ص41.

([22]) اللغة السريانية مكتوبة بحروف عربية.

([23]) المنجد، صلاح الدين (1976)، قواعد فهرسة المخطوطات العربية، ص42-43

([24]) Ellis, A. G. (1967), Catalogue of Arabic Books in The British Library, London: Published by The Trustees of The British Museum, (First published 1894)

([25]) ذكر جاينجوس في كتابه هذا بعض المخطوطات المترجمة إلى العربية، ومعظمها رسائل مكتوبة باللغتين العربية والإسبانية. وهي رسائل ومعاهدات سلام متبادلة بين المغرب وإنجلترا، وتعود هذه الرسائل والمعاهدات إلى سنة 1666، للتفاصيل ينظر:
Catalogue of the Manuscripts in the Spanish Language in the British Museum by Pascual de Gayangos, London, 1875-1877. p. 223.

([26]) دوزي، رينهرت (1978)، تكملة المعاجم العربية، 5 مجلدات، نقله إلى العربية د. محمد سليم النعيمي، الجمهورية العراقية: وزارة الثقافة والفنون، سلسلة المعاجم والفهارس، ج1 مقدمة الترجمة، ص 6

([27]) دوزي، رينهرت (1978)، تكملة المعاجم العربية، ج1، ص 29-48

([28]) ينظر في أعمال دوزي ومؤلفاته: تكملة المعاجم العربية، ج1، مقدمة الترجمة، ص6- 8

([29]) ظهرت الطبعة الثانية من الكتاب سنة 1909 ثم نفدت فأعدّ بروكلمان ملحقاً ضخماً في ثلاثة مجلدات ظهرت بين 1937-1942، ونفدت تلك الطبعة أيضا، فأعيد طبع الملحق وأعيد طبع الأصل وكانت طبعته الأخيرة بين 1943-1948، ينظر: بروكلمان (1992)، تاريخ الأدب العربي، الإشراف على الترجمة العربية محمود فهمي حجازي، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، ص 17.

[30] ينظر القائمة في نهاية البحث لبعض المصادر الأندلسية التي حققها باحثون عرب عن نسخ موجودة في المكتبات البريطانية.

([31]) Harvey, Leonard Partick (1992), British Arabists and Al Andalus, Al Qantara, 13 (2), Pp. 427-428.

وهي المخطوطة التي كان جوزيف مورغان الموظف القنصلي البريطاني قد اقتناها في أثناء رحلة له إلى تونس، وكانت بعنوان: Discurso de la luz y descendecia y lingage claro de nuestro…Propheta Mohamed وهذا المخطوط موجود الآن في المكتبة البريطانية.

([32]) Stanley, H. E. (Lord Stanley of Alderley) (1872), The Poetry of Mohamed Rabadan, of Aragon, Journal of Royal Asiatic Society, vols. 3- 6, 1868, p. 81, vol. 4, 1869, pp. 138-177, and vol. 6, 1872, pp. 165-212.

([33]) Stanley, H. E. (Lord Stanley of Alderley) (1872), The Poetry of Mohamed Rabadan, of Aragon, Journal of Royal Asiatic Society, vol.6 (306), p. 211-212.

([34]) Ibid, p.212

([35]) F. Krenkow (1930), Deux Nouveaux Manuscrits Arabes sur par le Musee Britannique, Hesperis, vol.10 (1-2), (pp. 1-5).

([36]) F. Krenkow (1930), Deux Nouveaux Manuscrits Arabes, p.5.

([37]) F. Krenkow (1930), Deux Nouveaux Manuscrits Arabes, p.1.

([38]) J. F. P. Hopkins (1961), An Andalusian Poet of the Fourteenth Century: Ibn Al-Hajj, The Bulletin of SOAS, Vol. 24, pp. 57-64.

([39]) قرأ عبد الحميد عبد الله الهرامة عنوان الكتاب "مزاين القصر ومحاسن العصر" بناء على المخطوطة نفسها وأن (قرائن) مفردة ليست من زمن الشاعر، إلى جانب السياق التاريخي الذي يفيد بأن الكتاب ربما كان استجابة لمطلب سلطاني يقضي بتزيين قصر الحمراء، فكان موضعاً لتنافس الشعراء ومنهم ابن الحاج النميري. ينظر:
الهرامة، عبد الحميد عبدالله (2003)، ديوان إبراهيم بن الحاج النميري، أبوظبي: المجمع الثقافي. مقدمة التحقيق ص 24-25. وقد نشر المحقق في هذا الديوان قصائد الشاعر في " مزاين العصر".

([40]) Harvey, L. P. (1962), A Morisco manuscript in the Godolphin collection at Wadham College Oxford, Al-Andalus, vol. 27 (2), pp.461-465.

([41]) Harvey, L. P. (1962), A Morisco manuscript in the Godolphin collection, pp. 462-465.

([42]) Harvey, L. P. (1964), A Morisco Prayer-book in The British Library Museum: MS. Or.6640. Press Mark: 30, B. A., al-Andalus, (29), pp.373-376.

([43]) وهي موصوفة وصفاً مختصراً في قسم الصلوات " Prayers" في:
Ellis, A. G. and Edwards Edward (1912), A Descriptive List of the Arabic Manuscripts Acquired by the Trustees of the British Museum, London: Longman & Co. Prayers, P. 16.

([44]) Harvey, L. P. (1964), A Morisco prayer-book in The British Library Museum, pp. 374-376.

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

"هنا يسكن قلبي" ..في أمسية موسيقية أندلسية

كان محبّو الموسيقا في أبو ظبي على موعد مساء السبت 3/10/2009 مع أمسية موسيقية أندلسية (عربية-إسبانية) قدَّمتْها هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث على هامش مؤتمر "لماذا نصون تراثنا الموسيقي للمستقبل؟" الذي نُظِّم بمناسبة انطلاق (مركز العين للموسيقى في العالم الإسلامي).
وفي تلك الأمسية أطربتْ الفنانة وعد بوحسون بأناملها العذبة وصوتها الشجيّ جمهورَها، على نغمات العود بكلماتٍ منتقاة بعناية من أجمل ما جاد به كبارُ شعراء الأندلس، وقد رافقها في هذه التحفة الفنية المتألقة مغني الفلامنكو "كرو بينانا" بمصاحبة العازفيْن "كارلوس بينانا" و"ميجل آنجل أورينجو" لتملأ ألحانُهم أجواءَ المسرح، وتتردد في جنباته الأشعارُ العربية باللغة الإسبانية، في مشهد احتفالي استغرق ساعة من الزمان، كان قطعةً من حلمٍ مرَّ سريعا وما بقي منه إلا حلوُ مذاقه يحدّث عن أخباره!


…لا يستطيع المتابعُ لهذه الأمسية، التي حضرتْ فيها الأندلسُ بقوة، إلا أن يرى في الأندلس ما يرفضه بعضُنا، بدعوى جلد الذات ومحاكمة التراث وإعادة قراءة تاريخنا من جديد والنظر إليه بعينٍ لا تغضُّ الطَّرْفَ عن أيٍّ من عيوبه؛ فالأندلس تظل صفحة مضيئة في تاريخ صلة الشرق بالغرب، حتى وإن عكَّرتْ صفوها بعضُ نقاطٍ قاتمة هنا وهناك.


يشهد على ذلك هذه الأمسية الموسيقية التي كان جمهورها خليطاً من الناس، جمعتْهم -على اختلاف ألسنتهم وألوانهم- الأندلسُ والموسيقا بحضورها القوي على أرض الإمارات: الإمارات التي نرى فيها أندلساً جديدةً بوجهٍ من الوجوه في احتضانها هذا التنوع الثقافي والحضاري، البشري واللغوي على أرضها. ويشهد على ذلك أيضاً ما نراه اليوم وقبل اليوم من إنزال التجربة الأندلسية منزلتها من الحضارة الإنسانية لدى كثير من الباحثين المنصفين في الغرب قبل الشرق؛ إذ كانت الأندلس مثالاً قلَّ نظيرُه في التعايش بين الناس، سواء على مستوى تفاصيل الحياة اليومية أو على المستويات الحضارية والعلمية الأخرى.


ولم يمنع الاستمتاع بأجواء الأمسية الموسيقية الأندلسية، من الإحساس بذلك التناغم الذي خلقه الغناءُ بالعربية حيناً وبالإسبانية آخر… مرةً على نغمات العود ثم أخرى على نغمات القيثارة ومعازف أخرى كانت حاضرةً بنعومة في ألحان الفلامنكو، في مزيجٍ سحري بين الشرق والغرب.


لقد كانت تلك اللحظات، التي عشناها في مسرح الظفرة في المجمع الثقافي بأبو ظبي، بعضاً مما عرفَتْه الأندلس في عالم الموسيقا والغناء الذي أبدع الفن الجديد الذي ندعوه "الموشحات الأندلسية". ولئن اختلفت آراءُ الباحثين واتجاهاتهم في تحديد أصول الموشحات الأندلسية ما بين الشرق والغرب، فإنه لا يمكن إنكار أن هذا الفن الجميل يحمل المذاقيْن في الآن نفسه، ولا مفر أمامنا من الإحساس بمزيجٍ خاص يجعل للموشحات الأندلسية طعمها، وللأشعار الأندلسية حين تُغَنَّى بمصاحبة الموسيقا (الشرقية والغربية) مذاقاً يعرفه كل من يقدر على ملاحظة أثر المغرب في المشرق، بما ينهض دليلاً على تميّز التجربة الأندلسية في التعايش الحضاري والتنوع الثقافي.


ولا تخلو تجربة التعايش مع الآخر في الأندلس من عيوب اقتضتها طبيعةُ النفس البشرية؛ إذ كان من المستحيل - في الأندلس كما في غيرها- أن تكون تجارب المسلمين في صلتهم بالآخر على صعيد واحد، بل إن هذه التجارب متفاوتة من عصر إلى عصر وفق طبائع الأمور.


ولو نظرنا إلى أمثلةٍ بسيطة من الصلات بالآخر التي تمتلئ بها مصادر التاريخ الأندلسي، لوجدناها من الكثرة بحيث تدل على ما وصلت إليه النظرة المنفتحة لدى المسلمين في تلك الديار تجاه الآخر، وما التعامل اليومي في مناحي الحياة المختلفة بين المسلمين وغيرهم هناك: كالبيع والشراء، والعمل، والزواج، وعلاقات الجوار، والمناسبات الاجتماعية والدينية، والموسيقا والرقص والغناء، وتولّي مناصب رفيعة المقام في الحكومة الإسلامية…وغيرها مما يصعب استقصاؤه - إلا أمثلة على ما كانت عليه صلةُ المسلمين في الأندلس بغيرهم على تلك الأرض من المسيحيين واليهود. هذا إذا أخذنا في الحسبان أن منطق التعايش واحترام الآخر الذي يطغى في عالمنا المعاصر، لم يكن متداولاً في الأزمان الماضية، وما كان مفهوماً لأهل تلك الأزمان كيف يمكن قبول الآخر المختلف دينياً بالدرجة الأولى.


فشكراً لهيئة أبو ظبي للثقافة والتراث على تلك الأمسية الأندلسية الرقيقة التي أهدتْنا سكوناً في أرواحنا بقدر ما أثارت من شجون وذكرى.

الأحد، 3 أكتوبر 2010

خطبة 5: الرحلة بين الأمس واليوم



الخطبة ( 5 ) 
الهدف: نوِّع الصوت

الرحلة بين الأمس واليوم

...أشعث أغبر... مهلهل الثياب...تكاد لا تتبيَّن ملامـحه...هكذا كانت حال المسافر قديماً كما صوَّرَتْـها الكتب لنا، كان المسافر أو الرحالة يسمع بأقصى الأرض وأدناها فيعزم أمره على أن يضرب في الأرض تجوالاً وسفرا، فكيف كان يستعد لمثل ذلك الأمر؟ وكيف يستعد المسافرُ اليومَ لمثله؟ 
..كان المسافرُ يسمع بالبلاد الأخرى وآثارها وسكانها، لكنه كان يرسم لها صورة في ذهنه ليقرّبها إلى نفسه، وليس في ذهنه عنها إلا ما يجودُ به خياله ..وقراءاته..لا صورة (فوتوغرافية) ولا تقارير (تلفزيونية) ولا رحلات (افتراضية).
واليوم.. معظمكم عاد من الإجازة الصيفية وفي جعبته أخبار من رحلة قضاها هنا أو هناك برفقة الأهل أو الأصدقاء. فكيف كان استعدادكم للسفر؟
..هناك تفاصيل في حياتنا اليومية لا نتوقف عندها طويلاً بحكم الاعتياد والألفة، لكنها في الحقيقة -وفي موضوع السفر خاصة- تفاصيل مثيرة ، ولو تخيلتَ أنكَ تحدِّث بأخبارها إنساناً من القرون الخالية لظنَّ أن مساً من الجنون أصابك أو أنك على رأي المصريين (تاكل بعقله حلاوة)!
فنحن في هذا الزمان نعرف قبل أن نسافر إلى أي بلد صورةَ تلك البلاد، وهي متاحة لنا بوسائل عديدة، نشكر عليها العم (جوجل إيرث)؛ الذي جعل من الأماكن والطرق المؤدية إليها وخرائط تحديد المواقع وغيرها...بين أيدينا.
ثم إننا يمكن لنا كذلك أن نجلس إلى الحاسوب، في البيت ونقوم بعمليات الإعداد للسفر جميعها قبل أن نسافر: نشتري التذاكر.. ونختار أماكن الإقامة ابتداء من الغرف والشقق والمرافق الصحية ..ونعاينها بالصور العادية أو الزيارة الافتراضية .. وربما في المستقبل نتمكن من معاينة حتى مرتبة السرير أمريحة هي أم لا؟ 
كما يمكن لنا اليوم أن نعرف الأماكن المحيطة بالمكان الذي سننـزل فيه أثناء السفر من مطاعم وأماكن للتسلية والترفيه ومواقع تاريخية...وغيرها مما يستحق الزيارة.
ويتاح لنا اليوم أيضاً فرصة قراءة آراء الناس الذين زاروا تلك الأماكن ونزلوا فيها، فنستفيد من تجاربهم ونسترشد بآرائهم في اختيار المكان الملائم للإقامة أو لبدء الرحلة... أو اختيار وسائط النقل المناسبة... وغيرها من خيارات لا تنتهي يحتار المسافر أيها يسلك.
إننا اليوم نسافر إلى أي مكان في الدنيا ونحن نعرف عنه كل شيء تقريبا ..وقد خبِرْنا ربما أهله ومأكولاته وما يمتاز به ..وبقي علينا فقط أن نوجد في المكان نفسه على الحقيقة لا على الافتراض، وأن نشتمَّ روائحه التي لا تستطيع الصور المتوافرة حتى الآن أن تحتفظ بها وتنقلها لنا.
فهل فقدْنا في رحلاتنا اليوم متعة الاكتشاف وروعته التي كان المسافرون قبل عصر الصورة يعيشونها؟!؟ وهل فاتتْنا التفاصيلُ الصغيرة التي كانوا يعيشونها في أثناء رحلة السفر وعند الإقامة في الأماكن الجديدة؟
فهل كان خطَرَ في بال ابن بطوطة مثلا –قبل نحو 600سنة تقريبا- وهو ينوي زيارة بيت الله الحرام ..هل خطر بباله أننا اليومَ نرى الحرم كل لحظة وفي كل حين، وأننا نسمع صوت المؤذن فيه لكل صلاة من صلوات اليوم والليلة، ونستمتع بجولة افتراضية فيه يحملها إلينا الإنترنت والفضاء الرقمي الذي طوى المسافات وقدم لنا الأماكن على طبق من فضاء..
ومع ذلك كله فما زال السفر والترحال قادراً على أن يمنحنا متعة الانتقال ودهشة الحضور وروعة التواجد .. في أماكن جديدة برفقة أناسٍ آخرين؛ فالناس مختلفون باختلاف بقاع الأرض، والناس وحدهم هم الذين يضيفون تلك النكهة المميزة على المكان الذي نزوره في أي بقعة كان.

قال الشافعي :
سافِـرْ تجد عِوَضاً عمن تفارقهُ
وانْصَبْ فإنَّ لذيـذَ العيشِ في النَّـصَبِ
إني رأيتُ وقوفَ الماءِ يفسده
إنْ سالَ طابَ، وإنْ لم يَـجْـرِ لم يطبِ
والشمسُ لو وقفتْ في الفُلْكِ دائمةً
لَـمَـلَّها الناسُ من عجـمٍ ومن عربِ