أرشيف المدونة الإلكترونية

الخميس، 7 يونيو 2018

تريد أن تصلي التراويح في المسجد وأطفالك يمنعون؟ إليك الوصفة الماليزية

https://goo.gl/hLFgD9

“الأبوان وأولياء الأمور الأعزاء الكرام، تدريب الأطفال والأبناء على الحضور إلى المسجد أمر مستحب في الإسلام، إلا أن الإسلام يعلمنا ويحثنا كذلك على احترام الآخرين والالتزام بالآداب الإسلامية في جميع الأوقات والأحوال، لذا يرجى منكم مراقبة تصرفات أطفالكم عند إحضارهم إلى المسجد. شاكرين لكم حسن تعاونكم”.
عندما تدخلين من الباب الرئيسي لمسجد سلطان حاج أحمد شاه، بمنطقة جومبأ في العاصمة الماليزية كوالالمبور، تطالعين لوحة معدنية كبيرة قد كتبت عليها العبارات السابقة بالعربية والإنكليزية والمالوية، وما يلبث نظرك أن يسبقك إلى ساحة مصلى النساء بالدور الأول، حتى يؤكد لك ما جاء في هذه اللوحة. إذ تزين المصلى بوجوه الصغار المرافقين لأمهاتهم، وقد ارتدين الحجاب الماليزي التقليدي بألوانه المبهجة وتصميمه المميز.
الجميل في هذا المشهد، أن ذلك الإعلان لم يذهب أدراج الرياح، فلا روائح أطعمة أو مخلفات أطفال داخل المسجد. الابتسامة والبهجة تعتلي الوجوه البريئة الصغيرة دون أن تسفر عن ضجة أو صخب، يقلدون الكبار أحياناً في الصلاة، ويلهون أحياناً أخرى مع بعضهم البعض أو مع عائلة القطط الوادعة في سلام على عتبات المسجد، ولكن لا ضيق هناك ولا ضجر من وجودهم.
وقتها يقفز إلى ذهنك سؤال: كيف استطاعت الأمهات الماليزيات تحقيق هذه المعادلة الصعبة، والتي تحول بين كثير من الأمهات العربيات وصلاة التراويح، بسبب ما يسببه أطفالهن من ضجة في المسجد، أو رفض إدارة المسجد والمصلين اصطحاب الأطفال؟
وللإجابة عن هذا السؤال إليك الوصفة الماليزية على لسان الأمهات أنفسهن..
كانت أول من لفت انتباهي لفكرة هذا التقرير، بأطفالها الستة الذين يمرحون حولها، بينما السابع يثبت وجوده من خلال ذلك البروز الواضح في بطنها، معلناً قرب خروج المولود الجديد للحياة، ورغم ذلك انتصبت واقفة في سكينة خلال صلاة التراويح.
نور الهدى بنت إسماعيل، التي لم تتجاوز السادسة والثلاثين من عمرها، راحت تروي تجربتها المميزة لهاف بوست عربي قائلة:
“تزوجت في عمر الـ23 عاماً، لدي 6 أطفال، أعمارهم بين 12 إلى 4 أعوام، ولم أتوقف عن صلاة التراويح في أي عام بسبب أطفالي، إلا في مرة واحدة فقط، حيث وضعت خلال شهر رمضان ولم يكن عليّ صلاة”.
تضيف: “لم أفكر مطلقاً هل عليَّ أن أصطحب أطفالي للمسجد أم لا، فهي مسألة بديهية ومحسومة بالنسبة لي، وبالتالي كل ما كنت أفعله هو أن أقوم بواجبي فقط لإعدادهم لذلك، كما أعدهم لأي شيء آخر في الحياة، فنغتسل ونتوضأ قبل الذهاب للصلاة، وآخذ معي ما يلزمهم من احتياجات تناسب أعمارهم، وإذا كانوا قد بدأوا الحركة والكلام، أتحدث معهم عن آداب المسجد وأهميتها”.
وعن زوجها تقول: “يصطحب زوجي الصبية معه (إذا صاروا أكبر من 5 سنوات) وأصطحب الفتيات. من أراد من الأطفال أن يصلي يقف بجوارنا، ومن أراد أن يلعب يذهب لمؤخرة المسجد ليشارك الأطفال الآخرين المرح”، وتردف: “طبيعي أن يكون لكل طفل ملابس صلاة، يحرص بنفسه على تنظيفها كل يوم والاعتناء بها وارتدائها عند الذهاب للمسجد، فأنا أريدهم أن يعرفوا كيف يصلون، ويتعايشون مع هذه البيئة الروحية في المسجد خلال رمضان”.
تجدر الإشارة إلى حرص الماليزيين بشكل عام على الاغتسال يومياً قبل الذهاب للعمل وبعد العودة منه، وقبل الذهاب للمسجد، وتوضح نور الهدى ذلك بقولها: “يكون المسجد مزدحماً بالمصلين، فمن المهم أن حافظ على الاغتسال قبل الذهاب حتى لا نضايق الآخرين برائحة العرق الغزير الذي تسببه طبيعة الجو في بلادنا”، مشيرة: “هذه أيضاً من الأسباب التي تجعلني أفضل مسجد حاج سلطان أحمد، حيث يضم أماكن للاغتسال خاصة بالقسم النسائي، فتستطيع المعتكفات وغيرهن الاغتسال خلال وجودهن في المسجد، وكذلك أطفالهن”.

ألعاب وقصص وألوان.. هذا هو المسجد
“هذا هو المسجد.. أريد أن يعرفه أبنائي وتتعلق قلوبهم به، ويتعرفوا على آدابه وعلى الحياة الاجتماعية والروحية فيه”، تفتتح فرحانة بنت إسلام (30 عاماً) حديثها لهاف بوست بهذه الكلمات، مضيفة: “لدي ثلاثة أبناء، تتراوح أعمارهم بين 8 و5 سنوات، اعتدت أن أصطحب البنتين معي، بينما يرافق الصبي والده في مصلى الرجال”.
تتابع: “لم أجد صعوبة مطلقاً في اصطحاب أطفالي معي للمسجد، فأنا أحب أن أعودهم على قيمة صلاة الجماعة، والارتباط مع المجتمع المسلم منذ الصغر، وهذا الأمر لا يأتي إلا بالمعايشة، خاصة في أجواء رمضان، وقد تعوَّد أطفالي على المسجد، حتى صاروا ينتظرون هذه الفرصة ويستمتعون بالحضور، وإذا قررت معاقبة أحدهم، فيكون بعدم اصطحابه معي للمسجد”.
وعن كيفية تهيئتها أطفالها لتلك الخطوة تقول: “أحضر لهم بعض الكتب والقصص المصورة، وكذلك الألعاب البسيطة، ليتمتعوا باللعب والقراءة في المسجد كما يستمتعون بالصلاة، ودئماً أذكرهم خلال الطريق بآداب المسجد، وخاصة التحدث بصوت خفيض، والحقيقة أن هذه الصفة تحديداً يجب أن ينشأ الأطفال عليها في البيت قبل أن نطالبهم بتطبيقها، فهي نمط حياة اعتاده الماليزيون كباراً وصغاراً في حياتهم اليومية. فالقرآن يعلمنا (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).. فكيف أطالب طفلي بتطبيق سلوك وأنا لا أطبقه في حياتي؟!”.
تركت طفلها المريض ذا الثماني سنوات في رعاية أمها، حتى تصطحب طفلتها ذات الخمس سنوات إلى صلاة التراويح في المسجد، حيث ترى دليلة (31 عاماً) أنه لا بأس من تقسيم الأدوار لبعض الوقت، نظراً لأهمية صلاة التراويح في المسجد خلال رمضان، لها بشكل شخصي، وفي تنشئة أطفالها بشكل عام.
تقول دليلة: “أحب أن أعلمهم ما هو رمضان من خلال التواجد في صلاة التراويح، ليس فقط التراويح، بل والاعتكاف أيضاً، فقد اعتدت أن أصطحبهم معي خلال الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، نقضي اليوم كله في المسجد منذ العصر حتى شروق الشمس، وبفضل الله لا أجد صعوبة في ذلك، حيث تعود أطفالي كيف يتصرفون في المسجد”.
وترفض دليلة ما يجري في بعض المساجد من اعتراض المصلين على تواجد الأمهات الشابات بأطفالهن الصغار، قائلة “لو الأطفال لم يختبروا هذه التجارب وخاصة في رمضان، فأين ومتى وكيف سيتعلمون كيف يحترمون الآخرين، ويضبطون تصرفاتهم عندما يحتاج الأمر لذلك، لا يمكن أن نمنع حضورهم، لأنهم لن يتعلموا إلا من المعايشة الواقعية”.
وترى أنه “نعم على الدولة تهيئة المساجد الملحقة بالمرافق المناسبة، ولكن أيضاً هذا ليس شرطاً، فهذه مسألة تتعلق بثقافة المجتمع لا بمساحة المسجد وشكل البناء”، مردفة “الأبوان عليهما أن يعلما أبناءهما السلوك المناسب، والصبر عليهم، لأنهم أطفال، وطبيعي أن يلعبوا ويتشاجروا، ولكن الأهم هو ثقافة المجتمع التي تتفهم أهمية إدماج الأطفال في مثل هذه المواقف، فالمسجد ليس للصلاة وفقط، هو مركز لحياتنا كمسلمين، هذا مكان لإثراء حياتهم الروحية، وتعليمهم الكثير من الأمور، وتنمية سلوكهم الاجتماعي”.
“لو منعنا الأطفال من المجيء للمسجد، فهل الأفضل لهم أن يذهبوا لأماكن أخرى تتقبلهم؟!!”، تختتم دليلة حديثها بتساؤل للجميع!.

الأربعاء، 30 مايو 2018

ابنة الدكتورة بنت الشاطئ في حوار بلا شواطئ

http://www.eapress.eu/eap/?p=1929 
يورو آراب بر
الدكتورة بنت الشاطئ في ايام الشباب حقوق النشر: يورو عرب برس
الدكتورة بنت الشاطئ في ايام الشباب
حقوق النشر: يورو عرب برس


قام بإجراء الحوار : وجيه فلبرماير

تاريخ النشر الأصلى في جريدة القاهرة المصرية
 في 29 مايو 2001





تعريف بالسيدة أديبة الخولى كريمة الدكتورة بنت الشاطئ
من مواليد 1946 دخلت المدرسة وسنها أربعة سنوات وتعلمت في مدارس حكومية حيث كان الأب الأستاذ أمين الخولي يرفض دخول الأبناء للمدارس الأجنبية رفضاً باتاً

لكن من ناحية أخرى أحضر لهم مربية نمساوية لأنه كان حريصاُ أن يعلمهم اللغة الألمانية، لأنه كان يفضل الثقافة الألمانية، ونشأت الأستاذة أديبة الخولي مع أخوتها أمنية وأكمل يتكلمون الألمانية في المنزل مثل العربية، وحصلت على الثانوية بتفوق ودخلت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، ثم عملت بالإذاعة في البرنامج الأوربي لمدة سنة ثم بعدها غادرت مصر لتعيش في أوربا ”

تعريف بالدكتورة بنت الشاطئ (عائشة عبد الرحمن)
اسمها الحقيقي الدكتورة عائشة محمد على عبد الرحمن واختتمت حياتها الزاهرة بالعمل كأستاذة متفرغة بالجامعة، وأما اسم بنت الشاطئ يرجع إلى الاسم الذي أطلقته هي على نفسها كلقب للكتابة في الصحف حيث كتبت أول مقالاتها عام 1935 في مجلة النهضة النسائية ، وحيث كتبت أول مقال في الأهرام عام 1936. ولماذا بنت الشاطئ بالذات ؟ قالت د. عائشة عبد الرحمن “كانت ذكري لجدتها لأمها التي أحبتها جداً وماتت غريقة ” ولدت بنت الشاطئ في 6 نوفمبر عام 1913 بمحافظة دمياط ورحلت عن عالمنا في 1 ديسمبر عام 1998.

حصلت على شهادة كفاءة للمعلمات عام 1929 وليسانس في اللغة العربية عام 1939 ثم حصلت على الماجستير عام 1941 والدكتوراه في عام 1950، وعينت أستاذ كرسي ورئيس قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية كلية الاداب جامعة عين شمس وكانت أستاذا زائراً لجامعتي أم درمان والخرطوم والدراسات العليا في جامعة القرويين بتونس وأستاذ للتفسير بكلية الشريعة في فاس بالمغرب .وإذا أردنا الحديث عن مؤلفاتها ودراساتها وأعمالها الأدبية وبحوثها المنشورة فسوف نحتاج إلى كتب كثيرة ، وأما عن الجوائز فإنها حصلت على عشرات الأوسمة والجوائز أهمها جائزة الدولة التقديرية في الأداب عام 1978 ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب عام 1967 وجائزة الأدب من الكويت عام 1988 وجائزة الملك فيصل للآداب والدراسات الإسلامية في أبريل عام 1994 .

مقدمة الحوار
إن حياة المفكرة الإسلامية والعالمة الجليلة الدكتورة بنت الشاطئ كانت نموذجاً للشمعة التي انصهرت لتضئ الطريق للكثيرين ، وكانت في حياتها ومماتها عبرة ودرس لكل إنسان يبحث عن الحقيقة ، أطلق عليها الكثير من الصفات والألقاب مثل رائدة الفكر الإسلامي وصاحبة الدعوة المستنيرة ومعلمة الأجيال وشاهدة على العصر وزاهدة العصر، وبلاد أدنى شك احتلت بنت الشاطئ مكانة رفيعة المستوى بين كبار المفكرين العرب، وكانت مدرسة فكرية أنجبت تلامذة صاروا علماء ، وبعد رحيلها كتبت في سجل الخالدين ، وفي جنازتها إكتظ مسجد رابعة العدوية بالذين وفدوا لأداء صلاة الجنازة وكانت جنازة تليق بمقام عالمة إسلامية كبيرة لا يمكن أن يجهل أحد فضلها في علوم الدين، إنها بنت الشاطئ أدخلت المسلمين إلى بيوت النبي بقلمها

نص الحوار

عندما سألت الإبنة أديبة الخولي المقيمة في فيينا عن عملها كمدرسة للأدب الإسلامي في جامعة فيينا كما نشرت بعض الصحف المصرية أجابت :
حكاية إن أنا مدرسة للأدب الإسلامي في جامعة فيينا معلومة خاطئة ، أنا حقيقة خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ، وأدرس اللغة العربية منذ 26 عاماً كلغة غير أساسية في جامعة الاقتصاد بفيينا وهذا ليس له أي علاقة بالأدب الإسلامي الذي لم ادرسه ولا أدرسه، كما أنني عملت بالسفارة المصرية بفيينا 8 سنوات أترجم مقالات الصحف النمساوية باللغة العربية أو التعليقات والردود السياسية، في عهد السفير طاهر شاش

الابنة اديبة مع الام بنت الشاطئ في مكتبة المنزل


لو رغبت الصحافة أن تسلط الأضواء على السيدة أديبة الخولي فما هي الأسباب الأخرى غير أنها ابنة المفكرة الإسلامية ذائعة الصيت والشهرة في العالم العربي الدكتورة بنت الشاطئ؟
ليس هناك أي سبب سوى أني واحدة من العدد الكبير للمغتربين وكل واحد فينا له قصة خاصة وتجارب يمكن أن تفيد الآخرين خاصة الذين يعيشون في مصر ليعرفوا الظروف التي نمر بها

هل هذا نوع من التواضع؟
لأ لا تواضع ولا حاجة

لماذا تركتي شارع أمين الخولي بمصر الجديدة للإستقرار نهائياً في عاصمة الموسيقى فيينا؟
أولاً من وأنا طفلة وأنا أحب فيينا جداً ، ووالدي كان بيأخدنا النمسا كل سنة ، فكنا بنزور النمسا في سن مبكرة جداً ، وطول عمري بأحب فيينا وأحس إنها بلدي، وحتى اللغة واللهجة النمساوية مش غريبة ومتعودة عليها ، وكانت بداية إستقراري هنا هي سفري مع أمينة أختي في بعثة الدكتوراة للنمسا، ولأن أحوالها الصحية كانت غير مستقرة إقترحت علي والدتي مرافقتها في البعثة، وبعد حصولها على الدكتوراة هي رجعت وأنا ما رجعتش ، لكن مازلت أحتفظ بشقتي في شارع أمين الخولي


لكنك عكس والدتك رحمها الله كانت تخشى الإغتراب؟
هي كانت لا تحب الاغتراب في أوروبا ، لكن كانت بتحب البلاد العربية و لا تعتبر سفرها وإقامتها فيها اغتراب، وكانت تقضي معظم وقتها في المغرب، ومنذ منتصف السبعينات حتي قبل الوفاة بثلاثة أسابيع كانت بشكل متكرر تزور المغرب، الذي كان بالنسبة لها كالوطن الثاني، وقبل ذلك أقيمت في السودان فترة طويلة وقامت بالتدريس في السعودية

وما هي الإختلافات الواضحة بينك وبين الدكتورة بنت الشاطئ؟
إختلافات كبيرة قوي في الشخصية ، يمكن أنا ورثت من والدتي المثابرة والاهتمام الشديد بالكتب والقراءة والثقافة ، أما إهتمام والدتي الشديد بالحياة العامة لم يسعدنا ، وكنت أنا وأخوتي نفضل العزلة والبعد عن الحياة العامة لنيعش حياتنا الخاصة سعداء

ألم يكن زواجك من نمساوي سبب خلاف أيضاً؟
أكيد بالطبع ، ومنذ زواجي لم تأتي للنمسا أبداً

ماهو السبب وماذا كانت وجهة نظرها؟
هي كانت معترضة على زواجي من أوربي مع أن مربيتنا وأمنا البديلة كانت نمساوية ، وكان تأثيرها علينا قوي من الطفولة وهذا كان أمر طبيعي بالنسبة لي أن أتزوج نمساوي


الطفلة اديبة مع مربيتها النمساوية في كيرنتن
حقوق النشر يورو عرب برس

هل زوجك النمساوي مسلماً؟
طبعاً دخل الدين الإسلامي ، وإلا لم نستطيع الزواج ، وكان أخي أسامة الأستاذ في جامعة الخليج شاهداً على زواجناً، أما والدتي كانت غير سعيدة بهذا الزواج ،وأنا أرى أن ذلك متناقض لأنه وبالرغم من أن أمي من جهة لم تسمح لأحد أن يتدخل في حياتها الخاصة ، ولا في حياتها عموماً ، وشقت طريقها بنفسها رغم كل المصاعب والعقبات بدليل أنها دخلت الجامعة في وقت كان صعب على البنات ، إلا أنها من جهة أخرى كانت تريد من بناتها أن تكون في صورة معينة من بنات المجتمع المصري والإسلامي التي تريدها، ولا نسير في طريق غريب عنها أو نقوم بعمل أي شئ غير معتادة عليه

هل تعنين بهذا التناقض هو ربط حياتكم الخاصة كأبناء بحياة الأم العامة؟
طبعاً ، وكانت تعتبر زواجي من أجنبي وصمة بالنسبة لها

هل كان ذلك يمثل قيود بالنسبة لكم كأبناء؟
لأ أنا كنت متزوجة وأعيش هنا في النمسا بعيد، لكن أخوتي لم يتزوجوا

لقد تربت الدكتورة بنت الشاطئ وفقاً لتقاليد صارمة من أبيها ، فهل إستطاعت أن تستقل من تسلط الرجل حينئذ ؟
ماما إستقلت جداً بدليل أنها خرجت عن جميع القيود الموجودة فعلاً ودرست الثانوية العامة من منازلهم، وإستطاعت أن تدخل الجامعة في وقت لا تدخل فيه البنات الجامعة أصلاً، فهي حطمت حواجز البنات لجيلها والجيل التالي ، لم تخضع أبداً لقيود الرجل ، وهي تزوجت أبي وكانت الأسرة ضد هذا الزواج لأنه كان متزوجاً ، ولكنها صممت على الزواج

ولو كنت أقصد في سؤالي الإستقلال عن الرجل من الناحية الفكرية؟
طبعاً استقلت إلى حد كبير فكرياً ، لكن فيكانت خاضعة لأبي طبعاً ومطيعة له ، وهو كان الآمر الناهي ، وذلك راجع إلى إعجابها الشديد بشخصيته

في حوارها الأخير مع جريدة الأهرام قالت د. بنت الشاطئ لا أستطيع أن أربي إبنتي كما ربتني أمي فهل كانت الوالدة صارمة أم متساهلة معكم؟
ولا كانت صارمة ولا محافظة ، ولم يكن لديها الوقت الكافي لتربيتنا، وكانت تقوم بهذه المهمة المربية، وبصراحة تأثيرها علينا كأم كان ضعيف

كل منا يتأثر بإيجابيات وسلبيات والديه، فكيف كان ذلك مع السيدة أدبية الخولي؟
حقيقة أنا تأثرت بالجو العلمي والثقافي الذي نشأت فيه ، وحتى عندما تزوجت نمساوي تزوجته يعرف العربي الفصيح أفضل من العرب أنفسهم ، بل ومن النوع الذي يهتم بالثقافة والعلم جداً، وحبي الشديد للكتب أصله البيت، وجو البيت الهادئ كان يشجع الواحدة على تنمية الهوايات والمواهب

وماهو سر حب الزوج للغة العربية والثقافة العربية؟
هو مهندس إلكترونيات ودارس للرياضيات وعندما تعمق في تاريخ الرياضيات بدأ اهتمامه بالعرب وعلماء العرب في الرياضيات في زمن العصور الوسطى

سألتها مازحا : معني ذلك أن العلماء العرب لهم الفضل في زواجك؟
قالت لي وهي مبتسمة ” لهم الفضل في إهتمامات زوجي الشخصية

نعود لموضوعنا الأساسي وهو تأثير الوالدين على الأبناء ، وحضرتك تحدثت عن الجانب الإيجابي فقط فما هي السلبيات
السلبيات هي إحساسنا الدائم بأننا غرباء سواء في المجتمع الشرقي أو المجتمع الغربي، فوالدي ربانا على المواعيد الصارمة والدقة الشديدة، فكنا بالنسبة للمصريين حاجة شاذة، فمواعيدنا كانت بالدقيقة ونأكل بالثانية، ومن ناحية أخرى أشعر في النمسا أكثر بأنني مصرية ، في الحقيقة أن أبي كان مهتم جداً بتربيتنا جداّ وكان شبه متفرغ لذلك

هل كانت الوالدة منشغلة ومكرسة وقتها للدراسات والسفريات؟
نعم الدراسات والقراءة لكن السفر جاء بعد وفاة والدي ، هي والدتي كانت موجودة في البيت لكن غير موجودة معنا بل مع الكتب في المكتبة

كانت الدكتورة بنت الشاطئ تقول أن المكتبة والكتاب هي الوطن الذي لا تشعر فيه بالغربة فهل عزلتها الكتب عن الأسرة؟
نعم هذا صحيح ، وليس فقط الأسرة بل الأصدقاء أيضاً

لقد مرت الأسرة بظروف وأحداث صعبة فهل تسمحين لي بالسؤال عنها؟
بالطبع

كانت والدتك مصباحاً مضيئاً لكثيرين ، ورغم ذلك كانت تجلد الذات في أحاديثها عن فقدان شقيقك أكمل وشقيقتك الدكتورة أمينة ، هل هذا شعور بالذنب؟
والدتي كانت متفرغة لعملها والكتب ، ولم تركز اهتمامها على المشاكل التي يمر بها أشقائي ، كانت في شبه تفرغ كامل للكتابة ، لم تشعر بأزمات أكمل وأمينة النفسية، التي تدهورت شيئاً فشياً


مع الامير سلطان والشيخ يوسف القرضاوي في السعودية
حقوق النشر : يورو عرب برس


هذا يعنى أنه كان فعلاً إحساس بالذنب؟
أيوه طبعاً ، وكنت أحياناً أواجهها بهذا الأمر

وهل كان ذلك يسبب مشادات بينكما؟
بالعكس كانت تتأثر جداً ، وكانت تحزن ، وعند لومي لها ، كانت تقول لي أنتم ضحايا العلم

هل قالت ذلك قبل فقدان أشقائك أم بعد ذلك؟
بعد ذلك بكثير وقبل وفاتها أي في السنين الأخيرة

هل تعتقدين أن النجاح في الحياة العامة من السهل أن يكون متوازي مع النجاح الحياة الأسرية أم أنه قد يكون السبب في فشل الحياة الأسرية؟
النجاح في الحياة العامة عندماً يزيد عن حده كما حدث مع والدتي يستحوذ على حياة الإنسان ويجعله غير سعيد في الحياة الأسرية ، لأن الحياة الأسرية تحتاج وقت لتجلس مع من تحبه لتحس مشاكله وتفهمه ، فمن أين تأتي بالوقت وأنت منشغل في أمور أخرى ، أمي كانت تجلس أغلب الوقت في المكتب

بعد رحيل الدكتورة بنت الشاطئ إتصلت صحفية شابة بجريدة الأهرام لأنها تريد الحديث إليها حول الموضة والأزياء الحديثة، وهل هي مناسبة للمتحجبات؟ ما هو تعليقك؟
نعم قرأت في بريد الأهرام عن هذا الحدث ، إستغربت على هذا الجهل العجيب

ولكن الدكتورة بنت الشاطئ لم تحقق شعبية كبيرة مثل الشيخ الشعرواي في تفسير القرأن الكريم والدراسات الإسلامية ؟
قد لا يكون لها شعبية في الجيل بتاعكم لكن على أيامي كانت مشهورة قوي، لما كنت أنأ وأخوتي في المدرسة وأمشي في الشارع، كانت الناس تشاور علينا وتقول أبناء بنت الشاطئ. وشعبية الشيخ الشعرواي لأنه بيطلع في التليفزيون، وأما والدتي كانت لا تهتم بمسألة التليفزيون

ومارأيك في القول أن الكاتبات التي تنادي بتحرير المرأة مثل نوال السعداوي وتوجان الفيصل حققت شعبية أكبر ؟
طبعاً هؤلاء جيل آخر ، ووالدتي حررت نفسها لكن لم تنادي بتحرير المرأة ولم يكن هذا الموضوع محور اهتمامها، كان اهتمامها في المقام الأول بالعلم وليس بالتغيرات الاجتماعية

ما هي طموحات وهوايات السيدة أديبة الخولي؟
ما فيش طموحات فوق العادة ، حياة عادية والتمتع بالحياة الأسرية كما أنني أحب المشي والموسيقى والقراءة والتدريس للغة العربية

هل لك صديقات نمساويات ؟
لي صديقات كثيرات من النمسا والأصدقاء العرب قليلين

من أين جاء إختلاف شخصيتك عن الأم الدكتورة بنت الشاطئ؟
تأثير الأب علينا كان أكبر ، والدليل على ذلك أن كثير مما في شخصيتي قاسم مشترك بيني وبين أخوتي غير الأشقاء، فأنا أقرب لهم في تفكيري وأسلوبي ، وكأن أبناء أمين الخولي هناك شئ ما يجمعهم

ألم يكن قرار الهجرة للنمسا صعب؟
لم يكن صعباً كثيراً فكما قلت مربيتي نمساوية ، وكانت زياراتي المتكررة لها وأنا طفلة سبباً في عدم الشعور بالغربة

قد يكون تعودك على استقلالية قراراتك هو أيضاً عامل مشجع على الهجرة؟
هذا أيضاً عامل هام

شكرا لك على هذا اللقاء الذى كشف لنا جوانب جديدة من حياة الدكتورة بنت الشاطئ ومن حياتك الشخصية
وانا اشكرك ايضا

الجمعة، 4 مايو 2018

“بايعناك”.. و”فوّضناك”

الحب والإخلاص والتضحية والفداء هي معاني الزمن الجميل..
 وهي قطعا تتناقض مع معاني الزمن الرديء.. زمن “فوضناك” و”بايعناك”..

بقلم: د. حسن خريشه
نائب رئيس المجلس التشريعي


وأخيرا اجتمع المجلس الوطني بمن حضر وعمت الفوضى واللغط عندما ارادوا التحقق من النصاب، البعض قال 605 واخرين قالوا 560 وفريق ثالث قال 650.. ليس مهما ما قيل سواء تحقق النصاب بهذا العدد او ذاك، لكن ماذا عن النصاب السياسي والأخلاقي والجمعي الوطني.. اين هي الجبهة الشعبيه.. أين هو المجلس التشريعي.. أين هي الفصائل العشر في سوريا وتحديدا الصاعقه والقياده العامة.. أين هي “حماس”.. أين هو الجهاد الإسلامي.. أين هم بعض الفريق المؤسس من الأولين مثل أنيس القاسم، سليمان أبو سته، فاروق القدومي، وعبد الجواد صالح وغيرهم القليل.
كلنا نعلم أن “حماس” حصلت على اكثر من 62% من اصوات الضفه وغزه والقدس في انتخابات التشريعي، وكل الآخرين حصلوا على 38% من الأصوات.. والغريب، ولا أدري إن كان مقبولا عند البعض أن هذا 38% يتحدث بإسم الشعب الفلسطين، ويقود منظمه التحرير الفلسطينيه، ومجلسها الوطن، وأن الـ 62% ممنوع عليهم التحدث إلا بإسمهم فقط.. فهم كغيرهم يقدمون الشهداء والمقاتلين ويبتكروا ويبدعوا في استنباط اساليب ووسائل جديدة في مواجهه المحتل ليس اولها الأنفاق، ولن يكون آخرها مسيرة العوده الكبرى، وما تخللها من جمعة الكاوتشو.. وجمعة العلم، والطيارات الورقيه الحارقة.
مطلوب من أهلنا في غزه الذين يحتضنون المقاومة والمقاومين ويدفعون اثمانا باهظة لكل الإعتداءات الصهيونية المتكررة.. مطلوب لهمى أن يجوعوا، وأن يمرضوا، ولا يجدوا الدواء.. مطلوب من ابنائهم المبدعين أن يتعلموا على الشموع.. أو بعض منهم يعيش تحت الواح الصفيح.. والكثير من اطفالهم يأكلون الخبز مع الشاي.

بالمقابل هؤلاء الذين يتحدثون بإسم شعبنا وقضيتة.. ويحضروا الإجتماعات، ويصنعوا الإصطفافات.. ويتحدثوا بالسياسة والتحـ… ويجيدوا استخدام كلمات (شعبنا، قضيتنا، شارعنا، شهدائنا، واسرانا) يقولوا ذلك وفي فمهم سيجار أجنبي.. ويدخنون سجاير المالبورو الأميركيه.. ويطلبوا من الآخرين مقاطعة البضائع الإسرائيليه والأميركية.. ولا يشربوا الا حليب تنوفا والكوكاكولا.. وبعض منهم يتسوق عند “رامي ليفي”.. وقليل منهم يعمل وكيلا لشركات صهيونية.. بين هذا وذاك.. وبين الأولى والثانية.. البعض يجمع تواقيع ويعلق اليافطات الكبيرة.. ويضعوا صورا كبيرة.. ويكتبوا تحتها كلمة “بايعناك” أو كلمة أخرى “فوضناك”.. وهذا يذكرنا باستفتاءات مصر في زمن السادات ومبارك، وكل الشعب الفلسطيني ينتظر مرسوما ممن فوضناه بموعد اجراء انتخابات عامة، وليس موعدا للإستفتاء.
طفح الكيل وبات الصمت مشاركة في التضليل وحتى التطبيع… عودوا كما كنتم.. احذفوا ابتساماتكم المصطنعة ونفاقكم المفضوح.. فالحب والإخلاص والتضحية والفداء هي معاني الزمن الجميل.. وهي قطعا تتناقض مع معاني الزمن الرديء.. زمن “فوضناك” و”بايعناك”..


منقول


الاثنين، 16 أبريل 2018

حُمّى الحنين إلى فلسطين…

بقلم سهيل كيوان
جريدة القدس العربي
في الوقت الذي تُعد فيه حكومة إسرائيل للاحتفالات بالذكرى السبعين لتأسيسها، وتدعو رئيس هندوراس للمشاركة، وهذا يوافق، ثم يعتذر لأسباب وصفها باللوجستية، في هذا الوقت من السنة بالذات، تزدهر أمراض الربيع، وأحد أعراضها، حنين المهجّرين الفلسطينيين في الشتات إلى قراهم ومدنهم.
تستيقظ آلام الحنين في هذا الموسم بالضبط، مع بزوغ زهر اللوز في آذار/مارس، وتشتعل مع برقوق نيسان/أبريل، ليصبح إشعاعا حارقا يدمي الصدور والعيون في أيار/مايو. 
من بين هؤلاء المرضى بالحنين صديقي أبو أنس، المقيم حاليا في مخيم إربد في الأردن عند شقيق زوجته، أتى قادما إليه، منذ سنوات قليلة مع أم أنس، من مخيم حمص، بسبب الحرب الأهلية في سوريا. 
تعرفت على أبي أنس، من خلال «الفيسبوك» منذ سنوات، كثيرا ما يكتب تعقيبات على منشوراتي، خصوصا تلك المتعلقة بلقاءات مع طلاب المدارس، فهو أستاذ في اللغة العربية، عمل مدرِّسا فترة طويلة في السعودية، وعمل في مخيم حمص، عاد مؤخرا ليجدّد نشاطه في التعليم، في مخيم إربد، عن طريق إحدى الجمعيات.
ثورة الاتصالات محت سبعين عاما من غباش في الرؤية، ألغت الحدود، وأعادت للجريمة حدّتها ووحشيتها. 
يرن الهاتف على المسنجر، «محادثة كاميرا تنتظرك»، إنه أبو أنس، أفتح الكاميرا، أرفع يدي محييا، ويرد أبو أنس بالمثل.
- صباح الخير أخي أبو سمير، اليوم اتصلت لأطوف معك في سوق مخيم إربد، هنا بعض الشبان يريدون أن يسلّموا عليك. 
- أهلا أخي أبو أنس بك وبالشباب. 
- خذ هذا الشاب يبيع الخضار. يطل وجه شاب على الشاشة. 
- مرحبا مرحبا، أنا من حيفا، من بيت الحسن، هل تعرف بيت الحسن؟
- طبعا أعرف، من لا يعرف بيت الحسن؟!
- بيت جدي في وادي الصليب، هل تعرف وادي الصليب؟
- أهم معالم حيفا التاريخية، أقام فيه قبل النكبة آلاف العمال العرب من مختلف الجنسيات لقربه من الميناء، فيه تأسست جمعية العمال الفلسطينية عام 1926، وانضم إليها أكثر من عشرة آلاف عضو، وفيه مسجد الاستقلال، وعشرات المعالم التاريخية، تحاول البلدية أن تخفيها وتشوّهها، وتبني المباني الجديدة على أنقاضها. 
- طيّب خذ هذا الطيراوي يريد أن يسلم عليك.
- أهلا وسهلا.
- أنا من طيرة حيفا، في مخيم إربد حوالي خمسة آلاف مواطن أصلهم من الطيرة.
- أهلا وسهلا بالطيراوية. 
- كيفكم أنتم بفلسطين؟ 
- الحمد لله نحن بخير.
- الله يعينكم.
- الله يعين الجميع. 
- تعرف طيرة حيفا؟
- طبعا أعرفها، فيها الكثير من المعالم العربية، غرف المدرسة، وبيت المختار، والمقبرة الكبيرة، وغيرها، ولكن لا توجد سوى أسرة واحدة أو اثنتين من العرب. هذه الأسرة في صراع مع البلدية حول الأرض التي تملكها العائلة، فهي في موقع مهم في وسط المدينة، البلدية حوّلت معظم الأرض إلى حديقة عامة، كي تحرم هذه العائلة من البناء عليها، هناك محاكم بينهم منذ سنوات. 
- خذ هذا الزلمة من إجزم.
- أهلا أخي الجزماوي. 
- هل تعرف إجزم؟ 
- طبعا أكبر قرى الكرمل، مساحتها أكثر من ستة وأربعين ألف دونم، كان عدد سكانها أكثر من ثلاثة آلاف عام النكبة، أقيمت على أرضها كيبوتسات، يعني تعاونيات اشتراكية.
- خذ هذا جاري من أم الزينات..
- أهلا بالزيناتي أهلا.
- أم الزينات حلوة، صحيح؟
- من أجمل قرى فلسطين، قرى الكرمل كلها جميلة، ومنها أم الزينات، وعين حوض، وجبع، وعين غزال وكفرلام، وأبو شوشة، وغيرها، كان عدد سكان أم الزينات عام النكبة حوالي ألف وسبعمئة نسمة، على أكثر من إثنين وعشرين ألف دونم، من أجمل قرى فلسطين، طرد منها جميع سكانها. بقي منهم قلائل يعيشون في القرى القريبة مثل عسفيا.
- طيّب خذ هذا من عراق المنشية. 
- أهلا حبيبنا.
- تعرف عراق المنشية؟ 
-طبعا، هذه تابعة منطقة مجدل عسقلان، أقرب لغزة.
- صحيح، تحياتنا لكم يا أهلنا وأخوتنا.
يعود الهاتف إلى يد أبي أنس: 
- أنا بحب إتصل فيك، إنت بتغيّر لي مزاجي، شو ناوي تكتب هذا الأسبوع لـ «لقدس العربي»؟ 
- الحقيقة عندي موضوع عن كلب ألماني محكوم بالإعدام، يا سيّدي هذا الكلب المحترم قتل صاحبته وإبنها فحكموا عليه بالإعدام، فأقيمت حملة لجمع مليون توقيع ضد إعدام الكلب، وأنا أضم صوتي ضد إعدامه، سأقترح إقامة لجنة تحقيق لمعرفة سبب ارتكابه الجريمة، يجب التروي قبل الحكم على الكلب، يعني يا أخي ليس عدلا أن يقتل البشرُ الكلابَ بلا حساب، وحتى أن بعضهم يأكل لحمها، وعندما يَقتلُ كلبٌ إنسانا تقوم الدنيا ولا تقعد، هذا نوع من العنصرية والاستعلاء على الكلاب. 
- والله مقالاتك مشوّقة، ولكن أخي أبو سمير، الشباب هنا يطلبون أن تكتب عنهم، عن سوق إربد، عن حنينهم لفلسطين، أنتم عرب 48 تعطونا نفَسا، أنتم شهادتنا بأنها بلاد كانت عامرة، ولم تكن فارغة، كما تزعم الحركة الصهيونية.
- أخي نحن وأنتم واحد، الصدفة فقط، هي التي أبقتنا هنا، وأنتم هناك، كان ممكنا جدا أن أكون أنا في مخيم حمص، وأنت هنا في مجد الكروم.
- هل يوجد لاجئون خارج فلسطين من مجد الكروم؟ 
- طبعا، أكثرهم في مخيمات شاتيلا، وعين الحلوة، وبرج البراجنة، وبرج الشمالي، والرشيدية، ومنهم في مخيم حمص، والرمل قرب اللاذقية، واليرموك.
- خذ هذا واحد من الحَدَثة؟
-هلا هلا..
- مرحبا أهلنا في فلسطين، «والله مشتاقين»، هل تعرف الحدثة؟ 
- الحدثة؟ طبعا من قرى الهياجنة – أبو الهيجا – أكثر أهل الحدثة يقيمون في مدينة طمرة، وفي الذكرى السابعة والستين للنكبة، أقيمت مسيرة العودة السنوية على أرض الحدثة وهي سهلية خصبة، مساحتها أكثر من عشرة آلاف دونم، مزروعة بكروم اللوز والزيتون، فيها مَجْمعٌ كبير لمياه الأمطار، تقع جنوب غرب طبريا، يستغل أرضها مستوطنون من الجوار (سارونة وكفار كيش)، قدّم المستوطنون شكوى ضد جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين، وادعوا بأن المشاركين في المسيرة، سرقوا ثلاثة أطنان من اللوز اليابس عن الشجر، أقسم بالله، يا دوب قطف بعض الشبان بضع حبات من اللوز، مسيرة العودة أزعجتهم فعاقبوا المنظمين.
- بدنا مقالك عن الجولة، في سوق مخيم إربد.
- طيّب خيّا أبو أنس، ولا يهمك، بحاول لأنه اليوم الإربعاء، والوقت محشور.
- طيّب، لكان أتركك بأمان الله.
- الله معكم، منحكي.
- إن شاء الله، منحكي.

الأربعاء، 4 أبريل 2018

مذكرات نسائية: حبل الغسيل

21/9/2016
الغسيل ... من الأعمال المنزلية التي تقوم بها ربّات البيوت في مختلف بقاع الأرض، وقد تغيرت طقوس هذه العملية وما يرافقها على مرّ الزمان مع انتقال الغسيل من عملية يدوية إلى عملية آلية، ومن كمياتِ ملابس قليلة إلى إنتاجٍ وفيرٍ جعل الفرد العادي في يومنا يملك من الثياب في خزانته ما لم يكن يملكه كبار القوم في غابر الأيام.
ولعل من أشهر القصص وأجملها المرتبطة بالغسيل وطقوسه -أيام كان الغسيل يتم قرب مياه الأنهار الجارية- قصة تعارف الأمير الأندلسي محمد  بن عباد باعتماد الرُّمَيكية، التي كانت تقوم بعملها المعتاد في غسيل الملابس على ضفة نهر الوادي الكبير، وانتهى اللقاء بينهما بحكايةٍ ما زالت تُروى تفاصيلُها في الكتب وتحكي جمال الحب واستمراره من القصور إلى المنافي ثم القبور.
ومهما اختلفت طرائقُ غسيل الملابس بين الماضي والحاضر وبين منطقة وأخرى إلا أن (نشر الملابس) بعد الانتهاء من غسيلها هو مرحلة لا بدّ منها، ولم يكن ممكناً تجاوزها إلا عندما تمَّ اختراعُ مجففات الملابس الكهربائية، وهي ترفٌ قد لا تملكه إلا نسبةٌ معينة من العائلات في مجتمعاتنا الفقيرة التي تملك شمساً ساطعةً على مدار العام، وتملكها نسبة محدودة كذلك في المجتمعات الغنية التي تؤمن بترشيد استهلاك الموارد في بيئةٍ ملبدة بالغيوم تحتفي بالشمس أيّما احتفال لو انكشفت عنها الحُجُبُ سويعاتٍ في النهار.

ولأني من اللواتي تصيبهن لعنةُ الغسيل مراتٍ عديدة خلال الأسبوع كي تكفي متطلبات أربعة أطفال، فإنّ لي مع الغسيل قصةً لا تختلف عن كثيرٍ من قصص الفتيات، اللواتي قد لا يعرفن طريقاً للغسّالة إلا حين تصير الواحدةُ في بيتها، فتجد أنه لا مفرّ من قدرها الجديد في مواجهة أعمالٍ منزليةٍ تكون في انتظارها خلف الباب الذي تدخله بثوبها الأبيض ليلة الزفاف.
ولئن كان غسيلُ الملابس قد أضحى أمراً لا يسرق الوقت والجهد مع انتشار الغسالات الأوتوماتيكية، التي تعفي ربات البيوت من مراحل الغسيل العديدة التي ترهق البدن وتجفف البشرة وتذهب بساعات النهار ... فإن نشرَ الغسيل مسألةٌ أخرى، لم تتخلص منها الكثيرات مع اضطرارها لاستعمال الحِبال لتجفيف الملابس.
تتعدّد أشكالُ مجففات الملابس وتختلف من مجتمعٍ لآخر ومن دولةٍ لأخرى. وتكمن وراءها فلسفةٌ من نوعٍ خاص تجاه الحياة لا يدركه كثيرٌ من الناس. فإن كان أجدادُنا اتخذوا من أغصان الأشجار وحجارة الأسوار مكاناً  ترتمي عليه الملابس الرطبة حتى تجف، فقد فرضَ أسلوبُ الحياة  ونمط العمارة المعاصرة علينا أشكالاً متنوعةً لتجفيف الملابس  تلتقي في معظمها على فكرة الحبل الرفيع الذي  تُعلَّق عليه الثياب.
لكن السفر والتجوال في بلاد الله الواسعة الذي يمنحك فرصةً رائعةً لتدرك أن الناس من نفسٍ واحدة مخلوقون، لا يمنع أنّ لكلٍّ منهم طريقتَه في أسلوب الحياة التي يرتضيها وتختلف تفاصيلُها بين بلد وآخر، بما ينمُّ عن اختلافاتٍ ثقافية وراء تلك المظاهر التي قد نمرّ عليها مرورَ الكرام في جولاتنا السياحية.
أذكر أنني أول عهدي ببيتي وحياتي العائلية قد اتخذتُ شيئاً جديداً لتجفيف الملابس، وهو منشر الغسيل، فقد اعتادت أمي وجدتي وقريباتهنّ وجاراتهنّ أن ينشرنَ الغسيل على حبالٍ طويلة تمتد على أسطح المنازل والبنايات وساحات البيوت، تستعرض فيها كلُّ واحدةٍ نظافةَ القطع القماشية ونصاعة ألوانها وهي معروضةٌ فوق الحبال بطريقةٍ تسرُّ الناظرين قائلة: هذه شهادتي على أنني ست بيت!!

وعندما أخذتُ في تجهيز بيتي- أقدمتُ على شراء منشرِ الغسيل المعدني في تجربةٍ جديدة لم نعهدها في العائلة، وقد سررتُ بمتعة نشرِ الملابس على حبلٍ لا يتجاوز ارتفاعُه خصري، يمنح اليدين راحةً وهي تقوم بترتيب القطع فوق الحبال القصيرة التي لا تتجاوز مترا بنظامٍ لا استعراض فيه؛ لأن صاحبَ البيت وحده هو من يدرك جمال ذلك النظام، لا الجيران أو المتطفلين كما في نشرِ الملابس على حبالٍ طويلةٍ فوق أسطح البنايات أو الأماكن المكشوفة. وقد حباني اللهُ وقتَها في منزلي بشرفةٍ مشمسةٍ تتسع لمنشرِ الغسيل، فكانت تلك التجربةُ أولَّ شيءٍ أجده يسيراً من مراحلِ عمليةِ الغسيل المرهقة التي تستنزف الجهدَ والوقت... والتي لا بُدّ منها فوق هذا كله!!
وكما تُستَقبَل الأشياءُ الجديدةُ عادةً ما بين رفضٍ وقبول- انتشر الهمزُ واللّمزُ من عائلتي الجديدة بأنّ الغسيل يجب أن تضربه الشمس والهواء خارج الجدران، فما هذه الطريقة في نشر الغسيل أيتها العروس؟! كان هذا التعليق قد استقرّ في باطن عقلي خلايا نائمة تصحو على كل حبل غسيل يصادفني في الشوارع والبنايات وبيوت الأصدقاء وعلى الأرض أمام صالونات الحلاقين، ثم توارى ذلك التعليق حتى غاب. وصرتُ أرى أن الأصل في تجفيف الملابس في الشقق الحديثة هو تلك الحبال المعدنية القصيرة اليسير تناولها وتخزينها، بدل إضاعة الوقت في صعود الأدراج واعتلاء أسطح البنايات ورفع الأيدي لتعليق الأقمشة على الحبال العالية في استعراض مكشوف.
وقد واظبتُ على شراء منشر غسيل مناسب في كل بلد انتقلت للإقامة فيه، وكانت محطتي الأولى في أبوظبي المدينة الخليجية الحارة شديدة الرطوبة، التي يعيش عامة المقيمين فيها في أبنية شاهقة أو متوسطة الارتفاع تخلو معظم الأحيان من الشرفات التي قد تنفع لتجفيف الملابس، لكن الأجواء الحارة الرطبة تجعل تجفيف الملابس في الشرفات  أمراً عبثيا لا طائل منه إذ تعود الأقمشة أكثر رطوبة من ذي قبل وتصبح ذات رائحة غير طيبة، لكن الصورة النمطية لسيدات البيوت في بلادنا الشرقية تجعل الحبال خارج النوافذ وفي الشرفات وفي الأزقة الضيقة بين البنايات مشهداً مألوفاً في الأحياء . حتى اضطرت البلدية إلى منع تلك الممارسات تحت طائلة المخالفات بذريعة تشويه المنظر الحضاري للمدينة!
وكنتُ شخصياً أجد في تلك المشاهد تلوثاً بصرياً يؤذي الذائقة الحضارية للسكان ويجعلهم يعتادون هذه التشوهات (العمرانية) كما اعتادوا مناظر أكياس القمامة قرب الحاويات المخصصة لها!!
إزاء كل هذا رجعت إلى ما اعتدتُ عليه في بداية حياتي البيتية من نشر الغسيل على منشرٍ صغير، ولكن هذه المرة صار تجفيف الملابس داخل الشقة المكيفة وقرب النوافذ الواسعة صديقة الشمس. وقد نجح الأمر وتغلبت بذلك على ما كنت أعتقد أنه معضلة. وتكرر الاعتقاد بوجود المعضلة عندما انتقلت للإقامة في أقصى الشمال البريطاني في مدينة إدنبرة الاسكتلندية، حيث الأمطار الغزيرة طوال العام، وحيث الغيوم لا تكاد تغادرنا، وحيث الشقق الضيقة الخالية من الشرفات ..
وعندما سارعتُ للبحث عن (منشر غسيل) مناسب أعجبني أنني وجدتُ ضالتي  في تصميم جديد لم يفت الإنجليز أن يلائم نمط الحياة التي يعيشون، وكان أجمل ما في فكرة التصميم أنّ ما اعتدْنا عليه من تجفيف الملابس على شكل أفقي قد غدا عمودياً، في تصميم خاص لمنشر غسيل مناسب للمساحات الصغيرة تنتظم فيه الحبالُ المعدنية القصيرة فوق بعضها لا بجانب بعضها بعضاً؛ على نحو يتيسَّر فيه أن تقف الملابسُ الرطبة قرب لوحة التدفئة المركزية فتجفّ على نحوٍ أسرع من كونها على حبالٍ أفقية متراصة جنباً إلى جنب!
لم تنته قصتي مع نشر الغسيل حتى هنا، بل إنني في زيارتي للأندلس الحبيبة إلى قلبي ذات صيفٍ حار، وفي أثناء إقامتي في أحد البيوت القديمة في غرناطة، اضطررتُ لغسل الملابس، وحين فكرتُ في تجفيفها  لم أجد أمامي في الشقة الصغيرة شيئاً مناسباً لا أفقياً ولا عمودياً!! ثم التفتُّ من النافذة إلى الفناء الداخلي المجاور وهو ركن أساسي في البيوت الغرناطية العربية المستمدة فكرتها من (أرض الديار) في البيوت الشامية العتيقة، لأجد أن صاحبة الشقة المسـتأجرة قد أعدَّت مجموعةً من الحبال في المكان، وكأني أستعيد رائحةَ التاريخ المشترك بيننا، أستعيده في تاريخ أمي وجدتي وجارتي وقريبتي وغيرهن في بلادي، اللواتي أنفقن من أعمارهن ما تيسَّر منها في مهمة تجفيف الملابس على الحبال المعلقة على أسطح البنايات.
بعدستي.. من شوارع تل أبيب
 وهو التاريخ (المشترك) ذاته الذي التقطَتْهُ عيوني في مدينة تل أبيب على واجهات البنايات (الحديثة) في الشوارع المتواضعة التي تخترق وسط المدينة، حيث تنتشر الحبال التي تحمل الأقمشة من مختلف الأحجام والألوان، في مشهدٍ يحمل في داخله تناقضات المشهد السياسي المحيط بالمكان. لكنّ بعض اللمسات الفنية لا يضير؛ إذ تنتشر حول معظم حبال الغسيل   سواترُ بلاستيكيةٌ مفتوحة من الأسفل ومن الأعلى، وهي فقط تحيط بمكان تجفيف الملابس، وتستر قبح الأقمشة الرطبة عن العيون، بحيث لا يظهر لأعين المارّة منها شيء، وفي الوقت نفسه تبقى معرَّضةً للهواء الطلق حتى تجف تماماً. في محاولةٍ معقولةٍ للحفاظ على المناظر الحضارية اللائقة للمدينة، وفي الوقت نفسه لا يُظلم سكانُ الشقق المحرومون من الشرفات- من تجفيف ملابسهم بطريقة صحّية وطبيعية.
أما آخر وقفاتي مع حبل الغسيل فكانت قبل بضعة أشهر في الصين، التي شاهدتُ فيها شيئاً لم أره من قبل، ألا وهو نشر الملابس على شرفات الشقق والبيوت، بحيث تعلَّق كل قطعة على علّاقةِ الملابس العادية، ومن ثمَّ تُرفع تلك العلّاقة على سلسلةٍ حديدية عريضة قريبة من سقف الشرفة وتُترك الملابس لتجفَّ في الهواء، فترى الشرفات وقد تحوّلت إلى ما يشبه أن تكون خزانة ملابس لأحدهم مفتوحة أمامك تنظر إلى محتوياتها، ولكنْ ليس في غرفة جارك ... بل في الشارع!.
بعدستي.. مبنى سكن الطلاب
 في جامعة صن يات سين في مدينة  جوهاي/ الصين

الاثنين، 2 أبريل 2018

خط القرار

بقلم: بروين حبيب
جريدة القدس العربي

ولد الحب أولا، ثم ولدت الخيانة بعده، ثم ترافقا معا على خط قدري واحد، مشى الحب في المقدمة، ومشت الخيانة في أثره مستاءة من تلك المسافات التي تفصل الفائز الدائم في تلك المسيرة الحياتية الغريبة.
قدّم الحب قرابينه الجميلة، واستخدمت الخيانة طقوس الاحتيال التي خبرتها بالفطرة للاستيلاء على محاصيل الحب دون عناء…
ثم جاءت الأسطورة الدينية لتؤكد على امتداد جذور الخيانة في التركيبة الآدمية، دون أن نفهم تماما هل كان آدم أول الخلق أم أنه المعجزة التي فصلت تاريخ البشرية إلى نصفين، ما قبل الذكاء وما بعده، مع أنه في كل الحالات هبط من جنان الله بعد أن خان الثقة الربانية..!
ثم جاءت الكتب على اختلافها، لتؤكد أن الخيانة هي التي تصنع الحدث، و هي التي تغذي الحياة بالاستمرار، وهي التي تُبنى عليها جماليات الأقوال و المقولات و الحكايات. فقبل تلك الخيانة العظمى لم تعد السكينة تسود الكون إلى يومنا هذا. 
تتلوّن الخيانة بألوان قوس قزح، أي أنها ترتدي أجمل حللها، و لها قدرات عجيبة غريبة، إذ بإمكانها أن تخترق السماء والماء، وتشق دروبها في الأراضي الوعرة وتبني مبانيها الشاهقة فينا وحولنا، فتجمع الخونة بالمحبين، وتكسر قلوبنا، وتفرق بين الناس، وتنشئ بينهم عداوات لا نهاية لها، ومع هذا لا نجد سبيلا لنبذها نهائيا من حياتنا، وكأنّها الملح الذي يعطي مذاقا طيبا لأيامنا، وكأنّها بكل أقنعتها البراقة روح الحياة، وكل ملذاّتها…
لا مكاسب للخائن حتى وإن كانت لنفسه، لأنّه لا يتلذذ بالنهايات السعيدة، و لا تهدأ نفسه إلا بتلويث حياة من حوله، لا ود علني له، ولكن الجميع يكن له محبة مبطنة، أو لنقل إنه محاط بالقبول الخفي، وإن كرهه البعض فإن البعض الآخر بحاجة إليه إلى أن تتحقق مآربه، ولهذا يُصِرّ على ممارسة هوايته علنا، ليس تباهيا بل ترويجا لمواهبه، ويبدو أن فعل الخيانة مقترن بمتعة ما، وإن كانت مؤقتة ويتبعها في الأخير ندم وحسرة، و إلاّ لماذا يخون الحبيب حبيبه والصديق صديقه…والآدمي خالقه؟ 
يولد الخير، ثم يليه الشر مرادفا، يجتمع الخير بالحب، و يجتمع الشر بكليهما، ألم يقل الأقدمون « و من الحب ما قتلـ«؟ فكيف للحب أن يقتل؟ و كيف للشر رغم بشاعته أن تُمنَح له فرصة ليعيش إلى الأبد؟ و إن شئنا أن نطرح الأسئلة المستحيلة فلنبدأها بالسؤال الذي يتهدد كل أسس إيماننا، لماذا يُمنح الشيطان فرصة ليعيش؟ ويُعاقب آدم عبر رحلة أرضية طويلة الأمد يرى فيها كل أنواع الأهوال مع سلالته…فيما ينتهي دور الشيطان في بدايته، ويصبح مقتصرا على إطلالات قليلة هي تبعات الكارثة التي حدثت بسببه.
يدور الأدب في فلك الحب والخيانات والدسائس أيضا، وكلما كان قريبا من هذه النفس العامرة بالمشاعر المتناقضة، كلما كان الأدب أنجح، وأقرب للمفهوم الإنساني العميق…
ويبدو أن خط الحب وحده لا إثارة فيه، وهو نفس خط الخير، وأن الحكمة من هذه الحياة تكمن في هذا الصراع المستمر بين هذه المشاعر المتناقضة.
حتى الناس يكتفون بهذه العناصر كملح لحكاياتهم، وهم لا يطلبون أكثر منها، أما القلة الذين يريدون حياة مثالية، تنبع من العدم الذي نجهله وتسلك مسارا واضحا وجميلا ومملا فهؤلاء حتما نقاد حالمون…فالخيانة والغدر و التخلي و ما شابهها أشياء تسكننا، وليس من الضروري أن نراها عند الجيران أو في الأفلام أو نقرأ عنها في القصص الديني لننسبها لكبير الخونة أو في مسرحيات شكسبير لننسبها للساحرات الشريرات، كل تلك العناصر المقيتة موجودة في داخلنا، وهي تتناسل في خلايانا وتتوالد عبر أجيال البشرية جمعاء…
في نصوصنا لا شيء مُبتكر، نحن نصف الأشياء كما نعيشها، نصف تلك الأصوات الصاخبة في داخلنا، و التي لا يسمعها الآخرون، نصف الخيانة كما هي في أعماقنا، سواء قمنا برعايتها علنا أو بقمعها وإخماد عنفوانها، إذ يبدو أن ازدهار تلك المشاعر والسلوكيات البغيضة خاضع حكما لقرارات نتخذها خلال عملية التفكير. بالتالي لا أدري إلى أي مدى يمكننا أن نحتفظ بتلك الشرور في صناديق رؤوسنا وتفكيرنا وقلوبنا؟
هل يمكن تخيل العملية بعد تفكيك عناصرها الأساسية، والتركيز عبر منظار الرؤية لتبَيُّنِ منبع الشيء وطريقة قمعه؟
تبدو العملية بأسرها عملية معقدة وهي في الغالب لا تهم الأغلبية منا، لكن هذا ما فعله بالضبط كل الذين اخترعوا الأدوية لأمراض مستعصية، و أجهزة لتسهيل حياتنا، وغيرها من عمليات التفكيك التي كشفت البنية الحقيقية لكل مكون أمامنا…
كلنا نتاج عملية تركيب لعناصر عديدة، وكما في علم الكيمياء الذي كشف سر الماء والهواء ومكونات العالم الذي نعيش فيه، فكذلك هو جسم الإنسان، اكتشف علم التشريح بعضا من أسراره، وتطورت العلوم لتفكك كل عضو من أعضائه، والآن نقف عند هذه النّفس التي تعج بكل ما يصنع منا ما نحن عليه، من رغبات وميولات وصفات جيدة وأخرى سيئة.
و أعتقد أن ما قرأناه لسيزار لومبروزو في الثانوي، ونحن مراهقون، ما كان يجب أن ندرسه آنذاك، لأن إستيعابنا للموضوع كانت تواجهه قلّة التجربة و قلة القراءات، وفي ذلك العمر ما كنا لنناقش تلك النظريات جميعها، بل كنا نتقبل النظرية مرفقة بنفيها جملة وتفصيلا لأنها لا تتفق مع خلفياتنا الدينية و الثقافية، ولعل أكثر ما جعلنا نقذف بشخص لومبروزو إلى سلة المهملات التي في رؤوسنا هي أنه يهودي، وهذا كان سببا كافيا آنذاك لتأكيد خبله…
أما الجامعات الجادة والأكاديميات المخصصة للبحث فقد وضعت معطيات الرجل أمامها وتعاملت معها بشكل علمي، ما أفرز نتائج مبهرة لدراسات حول موضوع الإجرام وفكك ألغازا قربت الحقيقة لمحاربي الجريمة و السلوكيات العدائية، ولعلنا نهمل فضله في التأسيس لعلم الجريمة، وإطلاق اختبار الكذب عبر جهاز يقيس نبض القلب…
عودتي لنظرية لومبروزو تقوم على كون الشر والخيانة والغدر وحب إيذاء الآخر بذور مختبئة فينا ولها ما يغذيها دائما، ولكي لا نبرر وجودها و نبيحه بسبب تلك المغذيات توقفت عند الحد الفاصل بين الخير والشر وهو « خط القرار» و هو وحده يرمي المسؤولية على صاحبه، و إن كنت أدرجت بعض العناصر الشريرة تحت عنوان واحد فإن ما يكتبه الروائيون عادة لا يختلف عن هذا العنوان الشامل لما عاشوه وعايشوه، فكل تعب وليد تراكمات، و كل حادثة خيانة تصادفها ثقة زائدة، والعجيب اليوم أن تلك الثقة سواء زادت أو نقصت إنما سببها مادة يفرزها الدماغ، وأن الرغبة في الخيانة كذلك…
خط القرار ذاك في النهاية ليس أكثر من تأثير مادة في أدمغتنا. بالله عليكم ألا تدهشكم « كيمياء الرأس « هذه؟ ألا يدهشكم أننا مستقبلا قد نُعدّل جميعا لنصبح كائنات مسالمة وطيبة؟ ألا يخيفكم أن تتناولوا تلك الحبة السحرية التي تمحي كل أثر للشر فيكم؟ شخصيا يخيفني الأمر..!

الخميس، 1 مارس 2018

ممنوع الاقتراب

بقلم
سما حسن
1 مارس 2017
يقولون إن الحقيقة كالشمس، من الصعب أن نحدّق بها طويلاً بعينين عاريتين، وحقيقة من نحب حين تُكشف، قد تودي بنا إلى صدمةٍ تُنهي العلاقة، أو تجعلها في حالة موت سريري، وكلنا أُغرمنا بكتّابنا وشعرائنا المفضّلين في مرحلةٍ من أعمارنا، علاوة على أننا، أي الجنس اللطيف، نُغرم في كلّ وقتٍ بممثل أو فنان، بغض النظر عن أعمارنا، فحبّ شخصية مجسّدة على الشاشة لا يعرف العمر، ولا يجيد وضع المستحيلات، ويتجاوز الخطوط الحمراء، حتى تفيق على حقيقة البطل بحادثةٍ تتناقلها وسائل الإعلام، فتُفجع فتاة وتُصدم امرأة حالمة، وتبكي سيدةً مرهفة، كانت تفتتح صباحها بموسيقاه، وتنهي نهارها بمشاهد من فيلمه الأخير. 

تقول رنا قباني، في أحد مقالاتها عن علاقتها بالشاعر الكبير محمود درويش، حين كانت زوجة له، إنها صُدمت حين رأت بيت الشاعر الذي أحبّت، والذي جعلها ترى الوجه الآخر للشاعر، بحيث لم يستطع زواجها منه أن يصمد أمام هذا الوجه، فهي تكتب عن تدنّي ذوقه في بيته المتواضع، فرنا قباني ذات جذور أرستقراطية، وفوجئت ببيتٍ لا يشبه ما نظمه الشاعر عن القهوة والأكواب والشرفات، فهي تقول، بكل جرأة، إن شقّته تخلو من الشاعرية، وأدوات المائدة لا تحمل أي رموزٍ ثقافية، وهي قد توقّعت أن يكون بيته أوسع وأرحب مما اعتادت. وهكذا انتهى الزواج، أو زالت الصورة الخيالية، فلم تستطع أن تُكمل مع الشاعر الذي ما زالت الشابات يقتبسن كلماته، كلما أردن التعبير عن مشاعر يشعرن بها، ولا يجدن غيره وسيطاً لتوصيلها. 
إذن، ضاع حب رنا الشاعر، حين رأته في الواقع، وهذا لا ينفي أنه كان مصدوماً مما رآه فيها، ولفت انتباهه، وجعله يطلب يدها للزواج، وهكذا ظلّت تجربة ذلك الزواج تضع علامات استفهام كثيرةٍ، ومنها: هل الاقتراب ممن نحب كثيراً يشوّه الخيال، ويجعلنا نبكي ونُصدم ونُخذل؟ وهل من الأفضل أن نبقى غارقين في الخيال، حتى النهاية؟ 
هناك فكرة شائعة لدى علماء النفس أن على الإنسان المُغرم بشاعر أو كاتب ألا يلتقيه في الحياة العامة، لكي لا يراه إنساناً عادياً لديه السلبيات والإيجابيات، ولكي نحافظ على الوهم، ونظل نقرأ لهم، وأمام هذه النظرية أو الفكرة، نتساءل أيضاً: هل علينا أن نُبقي كتّابنا وشعراءنا وفنانينا كالأشباح والصور الثمينة. 
في سني مراهقتي، كنت مغرمةً بكاتب مصري يؤلف روايات للجيب خاصة بالشباب، وكانت روايته تصل إلى فلسطين بصعوبة، لكني كنت أحرص على اقتنائها، لكي أعيش في عالمه السحري، عالمه الذي انتشلني من واقع مجتمعٍ مقيّدٍ بالعادات والتقاليد، ومتهالك من ظلم المرأة، ونظرته الدونية لها. صرت أحلم به، وأتخيّل نفسي ألتقيه وأتحدّث إليه، فأقف بين يديه كأني راهبةٌ في محراب، حتى مرت السنوات، وأنا لم أر منه إلا صورة شخصية لوجهه، والتي توضع على الغلاف الأخير لكل رواية ينشرها، والتقيته مصادفةً حين كنت في زيارة لمصر، وكان ذلك على شاطئ البحر. وقتها، انهارت الصورة وتكسّر الحلم، كما تتكسر الأمواج على الشاطئ، فجعني منظره، طريقة التهامه الطعام، وزجره بائعاً جائلاً مرّ بجواره، فبكيت كما لو كنت أُودع حبيباً الثرى، فلم أتخيّل لحظة أن هذا هو فارسي الذي كان يحملني فوق حصانه إلى عالم الخيال والسحر. 
درس جديد نتعلّمه من الحياة، وهو ألا نقترب كثيراً، فربما يكون سبب فشل معظم الزيجات التي تمّت بعد قصة حبٍّ هو الاقتراب، وربما يكون الإنسان نفسه هو من قرّر أن يخدع نفسه، حتى وقع في شرك الوجه الآخر. تساؤلات كثيرة تجعلنا، حين نفشل في الحب، نبحث عن قصة حب مع كاتب من كتاب العصور القديمة، لأن تواريهم منحهم سحراً ما زال يعبق عبر الزمن، أما من أحببناهم وعاصرناهم فهناك من قلّل من وطأة أسطوريتهم، كما حدث مع رنا قباني ودرويش، مثالاً من قائمة تطول.

الأحد، 18 فبراير 2018

أمومة المتن وأمومة الواقع.. كيف لا تقتل الأمهات أولادهن؟

بقلم:أروى الطويل
مدونات الجزيرة

قرأت موضوعا في إحدى المواقع الصحفية يتحدث عن جرائم الأمهات تجاه أبنائهن، الموضوع لم يقدم أي حلول أو تعمق في الظاهرة، هو فقط رصد الظاهرة وتصاعدها، خاصة مع ارتفاع احتمالية "إعلام" الناس بس، ذكرني هذا بمقال طويل قرأته لإيمان مرسال، تحت عنوان "الأمومة والعنف"، تتحدث فيه عن الأمومة بصفتها تماهٍ بين ذاتين، وكطاقة حب وعطاء لا محدودين حسب قولها، تتحدث إيمان عن أمومة المتن، وأمومة الهامش؛ أمومة المتن حيث هي السائدة، الأمومة المثالية التي لا كَدر فيها، العطاء التام، والتّضحية المطلقة، والتماهي التام مع الطفل، الأمومة المقدسة التي لا يمكن أن تصيبها أو تشوبها شائبة، أمومة المتن هي الأمومة العامة الجمعية الاجتماعية الدينية، حيث الجنة تحت أقدام الأمهات، وحيث الأمهات هن المقدسات للأبد..
 هي الأمومة التي يتحدث عنها مجد كيال في روايته "مأساة السيد مطر" بتصرف أذكره هنا "الابن يقتل كل احتمالات أمه، ...أليست الحياة هي الاحتمالات؟ الأم مقابل أمها معدومة الاحتمالات، معدومة الإمكانيات، إنها تقف هنا أمام الحقيقة الوحيدة بالنسبة إليها.. في هذه اللحظة تحرم الأم مما يسمونه الخطيئة أو الرذيلة، ..ما يتحدث عنه السيد مطر هو بالضبط ما تتحدث عنه إيمان، أمومة المتن الطاهر المكتوب والمنمق..
أمومة الواقع هي الأمومة في عالم يعشق التأنيب، التأنيب على كل شيء وأي شيء، إذا كنت أمّا فاستعدي للتأنيب على الرضاعة الصناعية أو الطبيعية. 

أمومة المتن التي تنقل الشابات المنطلقات الحالمات الطموحات لعالم جديد مملوء بالألم، ألم الإحساس بالذنب، حيث لا شيء فيه أصدق منه، وترتد المشاعر كلها على نفسها، ليكون الإحساس بالذنب جامعا للأمهات الجديدات، عن نفسي لم أر أمّا لا تشعر بالذنب، دائما وأبدا، البكاء يجمعهن والألم والحيرة، واعتدت على أن أراها حتى بدون سبب منطقي، شعور الأم بالذنب بدهيّ غير مسبب.. 
أما أمومة الهامش حسب إيمان "فهي أمومة قد تجد شظاياها السرديّة في بعض كتب الطب والنصوص الأدبيّة وقصص الجرائم الأسريّة، حيث هناك أصوات متفرقة تحاول -عبر المرض النفسيّ أو الكتابة أو الجريمة- التعبير عن الرعب والصراع والتوتر داخل أمومتها"
وأحب أن أضيف هنا عن "أمومة الواقع" -وهي أمومة خاصة جدا، خاصة بكل أم- تجربة دقيقة ومنفصلة عن كل شيء عدا واقعها المعيش يوميا، أمومة الواقع حيث الأمومة لا يمكن الرجوع فيها ولا عنها، حتى لو فقدت الأم كل أبنائها دفعة واحدة، لا يمكن أن تعود عن وضع الأمومة، يمكن للمرأة أن تتزوج وتنفصل، أن تعمل ثم تستقيل، ولكن لا يمكن للأم أن تكون أمّا ثم تكون "لا أم" ..
أمومة الواقع هي الأمومة في عالم يعشق التأنيب، التأنيب على كل شيء وأي شيء، إذا كنت أمّا فاستعدي للتأنيب على الرضاعة الصناعية أو الطبيعية، على الولادة الطبيعية أو القيصرية، على قرار الإطعام في عمر الأربعة أشهر، أو الستة أشهر، على العمل والأمومة في آن أو الأمومة وفقط، أنت مذنبة دائما، وإذا قررتِ أن تنصاعي للمؤنِّب؛ سيظهر شيء جديد تستحقين أن تؤنبي عليه.

أمومة الواقع في عالم بين بين، هو متخلف تماما عن العالم والحضارة والمحيط، ولكن تحكمه قيم الرأسمالية، والحداثة، لكنها ليست رأسمالية تماما، ولا حداثة تماما، هي كما أسلفت بين بين، حيث يكون مطلوبا من الانسان أن يبدل وجهه بسرعة تتماشى مع الأحداث والعالم، وهكذا على النساء أيضا، وبالطبع الأمهات، عالم بلا قوانين محسومة، يتحرك بسرعة هائلة بين نقيضين، ومطلوب من الأمهات أن تجاري كل شيء بأداء لا يختل ولا يحيد عن المثالية..
أمومة الواقع هي الأمومة التي تنحي إنسانية الأمهات لصالح أمومتهن، فإذا كنت أستاذة جامعية، أو طبيبة، أو صحفية أو أي وجه آخر من وجوه الامتداد الإنساني وأصبحتِ أمّا، فستنحى كل هذه المواهب اجتماعيا، وسيتم النظر لك أنك "أم" مع نظرة اشمئزاز وقلب الشفاه مع بعض الترهيب وتوقع لأداء سيء وغير مناسب، كونك أم يعني الافتراض تلقائيا بنقصان الأهلية، دون التساؤل عن الحقيقة..
أمومة الواقع هي ببساطة الأمومة المسكوت عنها، لأن الأمهات يخجلن ويستحيين ويشعرن بالعار أن يصرحن بالحقيقية، وإن حدث؛ فيتم التعامل معها باعتبارها "أمومة هامش"
أمومة الواقع هي "الأمومة المقهورة دائما"، الأمومة المقهورة بالحليب المحتبس في أثداء الأمهات في ساعات العمل، المقهورة بالنظرة المحتقرة لأجساد الأمهات بعد الشقوق الطولية والعرضية اللازمة للأمومة، الكلف والكيلوجرامات الإضافية الإلزامية، الأمومة المقهورة في الشركات والمؤسسات تحت لائحة "أنتن الأقل انتاجا"، الأمومة المقهورة بعدم التأثر، عدم التأثر بموت العائل أو الزوج، الأمومة السائرة كقطار فوق كل الظروف وحتى فوق جسد الأمهات أنفسهن إن استلزم الأمر ذلك..
الأمومة المقهورة تحت تحمل عبء الإنجاب وحيدة في حالات كثيرة، وتحمل المرأة وحدها اللوم عن التربية وسوئها دون الحديث عن اختلال معاني القوامة وواجباتها، وانقلاب الأوضاع وتقهقر أدوار الآباء في مقابل تحميل الأمهات كل أدوار التربية..
الأمومة المقهورة من أثر التصورات الخيالية عن كل شيء، فتتشكل فيه الأمومة من جديد في المخيال الخاص بالأنثى، تكون فيه الأمومة عبئا حقيقيا، عبئا على الجسد والجمال، عبئا على سعادتها الشخصية، عبئا على سكينتها، عبئا على مالها..
أمومة الواقع هي ببساطة الأمومة المسكوت عنها، لأن الأمهات يخجلن، ويستحيين ويشعرن بالعار أن يصرحن بالحقيقية، وإن حدث؛ فيتم التعامل معها باعتبارها "أمومة هامش" منبوذة ومكروهة.
في عالمنا تزداد الهوة بين أمومة المتن وأمومة الهامش وأمومة الواقع، حتى لو اقتربت الأمهات من أمومة المتن، فإنها لن تنفك عن واقعها، عن أحلامها التي انفصلت عنها وربما نبذتها، لن تنفك عن نظرة المجتمع الساخطة دائما، إن جلست لتربية أطفالها، أو إن خرجت للعمل الدؤوب في الشركات والمؤسسات المرموقة، النظرة الساخطة تطاردها وتغطيها برداء الذنب والعار دائما..
مهما اقتربت من أمومة المتن، فستظل أمومة الواقع تطاردها، الواقع الذي يخبرنا عن معدلات العنف الأسري، عن التحرش في المنزل والشارع والجامعة وبيئة العمل، كيف لي كأم أن أطمئن أبنائي في واقع غير مطمئن؟ مهما اقتربت من أمومة المتن، فستظل أمومة الواقع تطاردها، ماذا لو هجرني زوجي؟ ماذا أصلا لو كانت أمّا وحيدة بلا ظهر ولا عائلة ممتدة؟ ماذا لو كانت أمّا مطلقة بلا عائل؟ ماذا لو كانت أمّا متزوجة ولكن زوجها زوج متخل عن واجبه العائلي، فتصبح هي كأم كل شيء؟ وماذا لو كانت الأم الأرملة، والتي يتعامل معها وكأنها الأرملة السوداء، مع التعديل الدائم على كل خطوة وكل نظرة..؟
أمومة الواقع القاسية جدا، وفي نظري هي أقسى حتى من أمومة الهامش، فأمومة الهامش ستجد دائما من يبرر لها، "يا حرام مريضة"، سينظر لأمومة الهامش دائما بصفتها الاستثناء الذي يثبت القاعدة، والذي سيُستأصل لا محالة، لن ينظر لأمومة الهامش بصفتها إهمالا أو تقصيرا أو خروجا عن مجتمع يستدعي المحاصرة والعزل والعقاب والإبادة أحيانا... لكن أمومة الواقع تستدعي كذلك، أعرف عددا لا بأس به من الأمهات يخفين ما يفعلن مع أولادهن خوفا من الأم أو الحماة أو المجتمع عموما.. إذا كانت الأمومة خائفة فكيف يمكنها أن تكون أمومة جميلة أو رائقة؟
في أمومة المتن هناك أسئلة غير مجاب عنها دائما.. ماذا لو لم آخذ فرصتي للتعرف على ذاتي وإمكاناتها؟ ماذا لو لم آخذ فرصتي للتعرف على نفسي الحقيقة؟ ماذا لو نظرت للمرآة فلم أجد إلا وجها مشوها؟ ماذا لو لم أجدني في سرديتي الخاصة أو في سردية المجتمع العامة؟ ماذا لو تعرضت لما لا يمكنني أن أتجاوزه وأتخطاه؟ كيف يمكننا الفصل بين الاستبداد المتوحش الذي يحيطنا من كل اتجاه، وبين أدوارنا تجاه الأمومة؟ إجابات هذه الأسئلة هي من تصنع وتخلق أمومة الواقع، والسكوت عنها وتجاهلها هو ما ينتج أمومة الهامش..
عندما قرأت الموضوع الصحفي الذي أشرت له في أول التدوينة فكرت بيني وبين نفسي أن السؤال خطأ، إذا كانت هناك أم عانت من تحرشات جسدية ونفسية، وطفولة بائسة، وفقر، واستبداد، ثم تزوجت -كامتداد طبيعي لحالتها- من مدمن مخدرات منفك عن أسرته وعائلته ويعنفها، ثم أنجبت بدل الطفل ثلاثة أو أربعة، كيف لا تقتل أولادها؟؟ السؤال الصحيح هو كيف لا تقتل أولادها وتتخلص منهم؟ هذا هو السؤال الحقيقي، هؤلاء الأمهات مشكورات بكامل الامتنان أنهن قادرات على المحافظة على الشعرة -وأنا متأكدة من أنها شعرة- التي تحفظ عليهن عقولهن وتمنعهن من قتل أولادهن في عالمنا البائس الموحش..
سيكون عالمنا رائعا لو استطاعت الأمهات أن تعشن تجربة الأمومة كلها في المتن، حيث السكينة والهدوء والأمور المحسومة سابقً، والتقديس والعطاء المطلق، عالم لا تحكمه النيوبرالية، ولا الشركات الكبرى، ولا تحولات هائلة من مجتمع يقدس الأمومة لمجتمع ينبذ الأمومة ويحتقرها، لكننا عالقون في العالم الحقيقي؛ حيث لا شيء مثاليّ سوى أننا بشر يمكننا أن نخوض التجربة ..



الجمعة، 16 فبراير 2018

العمران جوا

بقلم: محمد معاذ شهبان
مدونات الجزيرة

في رحلتي الأخيرة إلى باريس أواخر شهر ديسمبر الماضي، وبُعيد لحظات من استقرار الطائرة في الجو مُغادرة مطار مراكش نحو فرنسا، جلستُ بمحاذاة النافذة متأملا المباني الكبيرة والمساكن البسيطة وهي تزداد صغرا في الحجم كلما ارتقت الطائرة في العلو، فكانت تبدو بلونها الأحمر متفاوتة من حيث التناسق والمعمار، يغلبُ عليها طابع الاختلاف البيِن على مستوى الواجهات والأسطح لحد يُفقدها جمالها الذي يستهوي الرائي وهو يتأملها متجولا بين دروبها غير مُدرك للشكل الذي تبدو عليه للعيان من فوق..
يشد انتباهك ذلك المعمار الذي لا يُفصح عن هويته وقد تداخلت أركانه دون أن تتركَ لمسة فنية على لوحة مدينة بحجم مراكش، فتتزاحم الصحون الهوائية مترامية من سطح لآخر وتبدو المساحات الخضراء وقد حوصرت من الجهات الأربع من قبل حيتان العقار الجشعة لضم كل ما وجدته أمامها. ثم ما تلبث الطائرة أن تتجه جهة الشمال الغربي عابرة جبالا ومدنا صغيرة، وبين هذه وتلك تبدو الأراضي الشاسعة عذراء خالية تماما من أي نشاط بشري.

تعبر المحيط الأطلسي فتلمح آخر نقطة من أفريقيا -طنجة- في الشمال يحُفها البحران الأطلسي غربا والمتوسط شرقا وهي تقابل أندلس الأمس بشكل بهي معلنة بدايةَ حكاية عنوانها أوروبا، وما أدراك ما أوروبا
وأنا أطالع كل تلك المساحات من على متن الطائرة قلت لنفسي: "ما بالنا نتخبط في أزمة السكن وتذهب نصف أجورنا في مصاريف الكراء وقد بسط الله لنا كل هذه الأراضي؟" لعله سؤال بعيد عن إكراهات الواقع  لكن له الحق أن يُطرح وأن يجد إجابة كافية. من الجو تبدو الأمور مختلفة تماما بخلاف ما تراه العين بشكل محدود في مساحة محدودة، هنا من الجو تتضح الصورة بشكل جلي لا زيادة فيها ولا نقصان، وإن كانت عين المتأمل غير مستوعبة لكل ما يمر أمامها في وقت وجيز فإن كل سحابة تحمل تحتها ما تحمله من مناظر ومشاهد قد تروقها أحيانا وتزعجها أحيانا أخرى.
بلا مساحيق هي الأرض من فوق، والجميل أن إبداع الخالق في الطبيعة يسر الناظرين سواء مررت بجبال أو وديان أو بحار، الطبيعة منتظمة بحكمة المصور بديع السماوات والأرض، متناسقة في تمازج الأخضر بأزرق البحار والطيني بالبياض الناصع على الجبال، ولا أبلَغ من جمال طبيعة الله سبحانه. تلك البحار اللامتناهية التي تفصل يابسة عن أخرى فسرعانَ ما تنقلك من خصائصَ جغرافية معينة إلى أخرى، تعبر المحيط الأطلسي فتلمح آخر نقطة من أفريقيا -طنجة- في الشمال يحفها البحران الأطلسي غربا والمتوسط شرقا وهي تقابل أندلس الأمس بشكل بهي معلنة بدايةَ حكاية عنوانها أوروبا، وما أدراك ما أوروبا...

ولجنا الأجواء الإسبانية عصرا وكان السحاب متباعدا تاركا للناظر متعةَ الاستمتاع بما يبرز تحته، يَظهر العمران في قرى إسبانيا المترامية شامخا بجدرانه البيضاء وأسقفه التي تتوسط أعلاها المداخن التي تنعكس عليها أشعة الشمس مشكلة لوحة جميلة. تبدو الدروب المخترقة لأزقة القرى والشوارع المعبدة على مستوى المدن وقد تفرعت بشكل جميل ثم تتلاقى في نقطة ما وتعود لتتفرع فاسحة المجال للعمران والمساحات الخضراء.
قبيل مغرب الشمس تستقبلنا الأجواء الفرنسية وقد أُنيرت شوارعها بأضواء هادئة غير فاقعة وكأنها تطريز على ثوب اختير بعناية. تلوح في الأفق باريس الجميلة يتوسطها برج إيفيل بمنارته التي تبث أضوائها في الأرجاء الأربعة على طول كيلومترات، تبرزُ الدوائر أو المقاطعات العشرون المكونة لباريس "les arrondissements" وقد تراصت بشكل هندسي معماري أنيق ضابط للتوسع العمراني غير آبه بالرأسمالية التوسعية التي لا تُلقي بالا لجمالية المدن وخصوصياتها فكبرياء باريس لا يقبل لها إلا أن تزداد جمالا وانتظاما. تبدأ الطائرةُ في الانخفاض تدريجيا في الأجواء معلنة قرب هبوطها بباريس فتزداد الصورة وضوحا، تلمح "المولات الكبرى" والمطاعم وقد أفصحت علاماتها التجارية عن هويتها، حتى أنني أتذكر أن أضواء المرور في الشوارع الكبرى بدت متقاربة لحد كبير منظمة حركة السير والسيارات فتظهر لك السيارات متوقفة بأضوائها الخلفية الحمراء وأخرى ماضية إلى حال سبيلها وقد أذنت لها أضواء المرور الخضراء.
وأنا أنزل من الطائرةِ إلى المدرج أَدركت حينها أن ما نراه ونحن فوق مهم بمكان في تشكيلِ انطباعنا عن البلاد التي يعبرها مسيرنا، فإن صلح العمران وأُحسنت هندسته أثلجت الصدور وإن غلبت العشوائية وبدا التخبط في التعمير واضحا نُغصت النفوس ولو كانت في متعة سفر..