أرشيف المدونة الإلكترونية

الجمعة، 8 يونيو 2018

«وجع المبدعات».. اعترافات 16 كاتبة عن الزواج والحمل والرضاعة (ملف خاص)



دعك من هذه المثقفة التى تنفث دخاناً رديئاً فى هواء ردىء وهى تقول بكل ثقة الحمقى : وأنا أتجوز وأجيب طفل برىء لمجتمع منحط وغوغائى وسسنتمالى متعفن ليه ؟"، ولا تسأل عن معنى سنتمالى ، دعكّ من المنبثقات من كراسى المقاهى وخصلة الشعر الساقطة من الإيشارب ، دعك منهن وتعالى إلى تجارب كاتبات تزوجن وأنجن أولاداً وبنات لمجتمعات متعفنة واجتهدت كل واحدة منهن كى تنجو بطفلها من الغوغائية والأفكار المنحطة .
هذه شهادات 16 كاتبة عربية يمثلن أجيالاً متباينة فى العالم العربى ،شهادت عن الوجع والألم وشهور الحمل والولادة والعلاقة المرتبكة بين الأم " المبدعة " وطفلها .
قصص درامية لآمهات صغيرات حملن الرسالة فى بطونهن وتأخرتْ عقولهن فى فهم محتواها ومعناها ،ودائماً أقول لزوجتى:" إنت أقرب إلى الله" ، ليس لأننى سىء ، ولكن "نفخنا فيه من روحنا "تشير إلى أن أنفاس الله هى التى تبارك البذرة وترعاها،فالإناث بنات الرحمن يخصهن بهمساته تقديراً لما يحملن من عبء ورسالة إلى البشرية .
لا فرق بين أجنة فى أرحام آمهات مسلمات أو مسيحيات أو بوذيات حتى! ،لا فرق ، ونفحات الرحمن لا فرق بينها ،لكن الفوارق والكوارث من صنعنا نحن البشر حين نزرع الحقد والكراهية والعنصرية والتعصب فى عقول الصغار ، حين تتعالى المرأة على " النعمة " وتهملها وتتركها لمصائر مأساوية .
التجربة اسمها " ديوان الأمومة ـ شهادات ونصوص " عن دار ميريت ، جمعتها وأشرفت على تحريرها الشاعرة "رنا التونسى" التى يحسب لها التفكير فى هذا الجانب كمشروع شعرى مشترك ومختلف وجديد فى العالم العربى ،كما يحسب لها أن بذرة هذا المشروع بدأت من ديوانها " ألعاب الهواء " ،لكن من الواضح أن عامل الوقت دفع " رنا " إلى التسرع بعض الشىء فى جمع الشهادات واختيار الكاتبات وعدم توجيه الدعوة لكثيرات ، وتجاهل تجارب كبرى فى كتابة " الأمومة " سواء لروائيات أو شاعرات ،ولكن يغفر لها تنوع التجارب واختلافها وحرصها على شهادات شاعرات مغتربات عن أوطانهن ، وأظن الفرصة قائمة لتجنب أخطاء التجربة الوليدة وإعادة إنتاجها بصورة أفضل من حيث الاخيتارات والترتيب والتصنيف ، فهو مشروع ثقافى كبير يستحق الاهتمام من مؤسسسات وهيئات ربما نقدم صورة جديدة للأم " المبدعة " بعد أن انتهكها المجتمع وسخر منها واعتبر إبداعها عيباً إن لم يكن جنوناً خالصاً!
لقد قرأتُ الشهادات والنصوص بعناية فائقة وكثير منها يستحق النشر منفرداً ، ولكن حرصاً من الدستور على تشجيع التجربة وتكرارها ،حاولتُ جاهداُ جمع العدد الأكبر من الشهادات والنصوص واجتزاء مقاطع تعبر عن تجربة صاحبتها .. وتلك مهمة صعبة أتمنى أن أنجح فيها .

«وجع المبدعات»..
1
كل يوم .. أحبك أكثر
عندما ولدتك 
لم تكن لحظة الميلاد معجزة 
كنتُ ذليلة 
مكسورة 
غارقة فى الألم 
كان الغرباء يسكونون عظامى 
وكنت أحبك 
محبة الناجية من الموت 
المستيقظة لتعشق 
كل يوم كأنه أول أول

"رنا التونسى"


«وجع المبدعات»..
2
إلى مارسيل
أمك متهمة بالجنون والهلوسة والعبث والنشار والشعر .. لا تصدق شيئاً من هذا 
قد لا أعيش طويلاً لأخبرك أنى محض دم مغرور يحب هذه البلاد ولم يفلح أحد بعد بجعلى أخرج من البيت من دون كجلى ولا بمضاجعته بعينين نظيفتين 
أحب هذه البلاد .. ولست مجنونة ولست مهلوسة ولست نشازا ولست شاعرة .. أحبها كما أحبك هكذا ،بكل غريزة الوحوش 
"سمر دياب" 

3
سارقات الوقت
ولكن ما هى الأمومة يا سارة ؟
لكزة فى الروح لتفيق من نوبة تأمل طويلة 
أم صفعة على الوجه بعد سنوات من اللامبالاة والطمأنينة الزائفة 
مهارات غير ضرورية نتعملها على مضض 
كأن نغير الحفاضات للصمت 
ونضطر إلى كراهية الليل بسبب نوبات الصراخ 
نصير قراصمة الوقت بجدارة 
نسرق دقائق للنوم أو للبكاء .
"مروة أبو ضيف"

4
عقبال ما تخاوية
وُلد "يحيى" وكنت في غيبة البنج ولم أستقبله، بل فعلوا نيابة عني، وعندما أفقت وحملته للمرة الأولى شعرت بالشفقة على ضعفه وجوعه، وتحاملت على نفسي لأطعمه، وبداخلي رغبة كبيرة أن تأتي أمه بعد قليل لتحمله وتبتعد وتتركني لألمي الضاري، لكنها لم تأت أبدا، كنت أكتشف تورطي الكبير لحظة بلحظة منذ فتحت عيني يومها، وأصابني هذا بغضب كبير وربما بفعل آثار البنج والدواء صببت كامل غضبي على كل من هنأني بولادة يحيى وأضاف من تلقاء نفسه"عقبال ما تخاويه" يا الله، لو كنت أستطيع لقتلتهم عقابا على هذه الأمنية الغبية، وسوء تقدير الموقف الرهيب، ولم أجد - وقتها - أي متعة في كوني أصبحت أما، حتى أن البعض يتوقعون مني تكرار التجربة!
تصدق في حالتنا هذه مقولة أن الأمومة وجبة تصنع على مهل، شعرت بمسؤولية عن طفلي الصغير، اهتممت به وألـّفت الحكايات عن حبي له حينما كان بداخلي، لكنني لم أشعر بأنني أم (بالمعنى الإيجابي للكلمة؛ هذه الفرحة التي نقصدها حينما نقول أما) سوى بعد ذلك بوقت طويل، وقت صنعنا فيه علاقتنا الحقيقية، وتأسست فيها كطرف مسؤول عن كل شيء، بدون إجازات، وبخبل كامل أحيانا، وضع معقد لكنه كان - للغرابة - يعطيني بهجة وسعادة، خصوصا مع خالص الحب والانتماء اللذين حباني بهما يحيى من أبسط ردود أفعاله، وحتى قدرته على التشبث بي، بل وكتابة الكلمات في محبتي ورسم اللوحات تقديرا لي وتعبيرا عن مشاعره.

"اميمة عبد الشافى"

«وجع المبدعات»..
5
أبنى .. أصبح عائلتى
حين تزوجت وأنجبت طفلي الأول بعد عدة سنوات من الانتظار المتعمد، صار عندي سلام. وكانت تلك اللحظة الخالدة الباقية إلى الأبد في ذهني، صورة وليدي بين يدي، أتأمل وجهه الأبيض الملائكي صباح الأول من أيار 1987 في مشفى حمص الوطني في الصباح الباكر. جاء الولد/الحلم، ونامت في حضني القصيدة التي لم أكتبها، القصيدة التي أعجز عن كتابتها، القصيدة التي صارت تمشي على الأرض وتبكي وتحبو وتأكل وتغضب وتغيب عن البيت، لأسباب وجيهة. لم أكتب الأمومة حتى الآن رغم وعيي بأن المرأة الكاتبة لم تلتفت بعد وبشكل إبداعي لصوت الأمومة وملابساتها. 
لم أنجب الطفلة التي كنا نحلم بها. كانت الظروف تفرض علينا بعض الأثقال. كنا ما نزال نبحث عن استقرار مادي، وظرف إنساني جميل نستطيع من خلاله العناية بالأطفال كما يليق بالحلم الشعري العالي. تعثرنا، ولم تكن الظروف مواتية. هجرنا سوريا إلى كندا، بدأنا رحلة الصراع مع كندا، المكان الجديد، قررت ألا أنجب من جديد. صار لي خمس ولادات هي المجموعات الشعرية التي أشعر أنها كتبت بخليط من الروح والدم والنفس خلال الطواف بالعالم داخلاً وخارجا، شرقا وغربا. 
بدأت النشر على نطاق واسع في كندا وباسم جاكلين سلام. سلام اسم ابني الوحيد وليس اسم عائلتي، اسم عائلتي حنا. صار انتمائي لاسم الابن الذي أنجبته، هو القصيدة والأمومة في تجليات لها أكثر من تفسير ومعنى، وهذا ما أغضب والديّ قليلاً ثم تناسيا الموضوع أو انشغلا بالحياة وتفاصيلها اليومية. 
في الأيام القادمة وحين أصبح امرأة حرة كما أريد سأكتب قصيدة عن حلمة الثدي، عن ألم الرضاعة الأولى، عن آلام فطام الطفل عن الإرضاع، سأكتب عن آلام العادة الشهرية ومشاكلها، سأكتب عن الجسد الذي عشق وحمل وأنجب وعاش مخاضات الأزمنة كلها.
"جاكلين سلام"

«وجع المبدعات»..
6
الكائن الذى يتمدد فى بطنى
ساعات الولادة الطويلة لم تكن وحدها وسيلة لمراقبة هذا الجسد، كيف يخرج من وظائفه، وشكله المعتاد اليومي، كانت فترة الحمل كلها درسا مُبهمًا، قاسيا، وحنونا في فهم كيف يتمدد جسدي الأنثوي، ويكبر، وينتفخ وكيف يتحول إلى كتلة ضخمة تمتلئ بالماء، بالسوائل، وبكائن صغير لا يتردد أحيانًا في رفس هذا الجدار المعتم الذي يغلّفه.
كانت لديّ بالطبع أفكار رومانسية حول الأمومة والأطفال، والوجوه الزهرية اللون، التي تلتفّ بالأبيض الثلجيّ. لا تعطينا ثقافتنا العربية أية علامات أخرى للأمومة وعلاقة الأم بطفلها سوى هذه الرومانسية والتقديس، وأدوار التضحية والقدرة على الاحتمال ونكران الذات. ولا يذكر أحد أمامكِ أنكِ قد ترغبين في بعض الأوقات برمي هذا الطفل الجديد من البلكون مثلا، أو أنك قد تفضلين أنت تنفيذ قفزة حرة عن ذات البلكون. كان دور الأم معقدًا للغاية بالنسبة لي؛ لأنني عنيدة، وأريد أن أخوض تجربتي المميزة عن كل تجارب البشر. لا أريد أن أقلّد أو أسمع أحدًا، وفي النهاية استمعت للجميع، وجربت كل وصفات الينسون والشومر التي تطرد الغازات من بطن "ناي"، تلك الغازات التي كانت تجعلها تتلوى أمامي، وتتألم، وأنا ووالدها نسهر الليل بطوله، لا نعرف ما الحل معها؟
بعد سنوات طويلة وأمومة لابنتين، أستطيع أن أقول أن ثمن الأمومة في مجتمعنا العربي باهظ للغاية، خاصة لمن أصبن بشغف الكتابة ولوثتها. ثمن الأمومة قاسٍ وهائل، كثمن الحب والجنس والزواج والانفصال والعلاقات العابرة وغير العابرة والزمالة وكل شيء، كامرأة عليك دفع ثمن غالٍ في كل مرة تتوقعين فيها العيش بسعادة ورضا، أو أن تقرري أن تعيشي الحياة وفق رؤيتك للحياة.

"رجاء غانم"

7
أحلامى تنام فى جيوب أطفالى 
الحبَل بجنين يبدو بالنسبة لي أسهل من الحبَل بقصيدة، إنجاب طفل أسهل من خلق كلمات مصابة بمتلازمة داون.. تحتاج خيوطا هائلة لترميم الصدع بين النجمة ونعل الحذاء، الولادة ستبقى الصدمة الحقيقيّة التي تترتّب عليها جميع الحماقات الأخرى على حدّ رأي سيوران في كتابه "مثالب الولادة". الشعر يصيبنا بالوحام فنكره المطابخ، ورفوف الخزائن المرتّبة، والألوان المتناسقة... حتّى الحياة نتخيّلها فاكهة بغير موسمها. 
كتبت ابنتي "حنين" في سنّ مبكرة: 
" الثلج قطع طحين على رفوف النجوم " 
شعرت في تلك اللحظات أنّني أمّها حقًّا، وأنّه لا يمكنني التغاضي عن ذلك... أن ألد شاعرة حادّة الأفكار.. تحيط بها شياطين الشعر من جميع الجهات ليس صدفة... مزاجها ساديّ حقًّا، ونظراتها تنحت الأشياء.. ليس بإمكان حنين أن تبني عالمها دون أن تقطن بيت العنكبوت لتمزّقه في الوقت المناسب..
"لمى" تشبه ألعابها.. ترسم الوقت بأغنيات بسيطة.. فراشة تهتمّ بالموضة والرقص بحذائين برّاقين على دفترها المدرسيّ..
علاقتي بابنتيّ ليست تقليديّة، فيها من البوح والصداقة ما يكفي... أخبّئ غالبًا هفواتي في جيوبهم الصغيرة، أرتعش من طراوة أحلامهما القريبة من الدمى، من خيالاتهم المجرّدة كالجنة... حنين تقرأ قصائدي من حين لآخر، وهذا جزء من الصداقة التي أصبحت غرفة جاهزة للعبث، بيتي تسنده القصائد من جهاته الأربع… أحيانًا أخشى انهيار السقف...أو أن تثمر شجرة الميلاد، أخشى أن تحصل أمورًا غريبة دون معجزات تُذكر 

"رنيم طاهر"

8
الأمومة .. مش لعب عيال
فكرت أن الأمومة ستكون مخلصا ومنقذا لي، لم أفكر أبدا في تبعات الأمومة أو مشاكلها، في الحقيقة لم أكن اتخيل مدى صعوبة التجربة كنت صغيرة (ثلاثة وعشرون عاما) ولا أرغب في شيء قدر رغبتي في أن أصبح أما.
عندما أصبحت أما بالفعل اكتشفت مدى صعوبة التجربة، الأمومة ليست كما تبدو في البوسترات الملونة أو الصور الفوتوغرافية.
أشعر بقرب أكبر من بناتي كلما كتبت بشكل جيد، وأجد الحياة من حولي تستحق وبها أشياء جميلة وأفكار مبهجة، أشعر بهن يقبلنني ويحتضنني بحب أكبر، أما عندما تسير الكتابة بشكل سيء، أو لا أجد ما أكتبه أتحول لشخص متهور غاضب، أصبح مجنونة تماما حتى تتم الكتابة بالشكل الذي يرضيني.
أكتب في المطبخ، في غرفة البنات، أفكر في الكتابة وأنا أعلق الملابس على حبال الغسيل، أو أثناء تغيير الحفاضات للصغيرة، أو أثناء غسيل الأطباق، في كل لحظة لا أكتب فيها أفكر في الكتابة، أشعر أني أوثق حياتي بالكتابة. 
في كل كتاب أضع لهن الإهداء ربما يجدن وقتا لقراءة بعض ماكتبت، أنا مريضة بهن وبالكتابة، ولا أرغب سوى في أن نكون معا طوال الوقت :" فريدة، كرمة، فيروز". 

"سارة عابدين"

9
قصائدى وأصابع أطفالى الملطخة بالشيكولا
الأمومة أعطت تلك اللذعة الواقعية للنص لتجعله أكثر حرارة واقترابا من القارئ، أطفالي تجدين أصابعهم الملطخة بالشوكلا على وجه القصيدة، وألعابهم منثورة في فضاء النص، تجدين فرحتي بهم وقلقي وخوفي من الحرب عليهم، تجدين غضبي منهم وقلة حيلتي إزاء شقاوتهم، كلماتهم، أفعالهم، كتبهم، يعني احتلال كامل ههههههه. في الحقيقة اختلف نصي من قبل مجيئهم، من الحمل وفترة الوحم والتخلق داخلي، ثمة شيء لابد أن يؤثر و لا يمر عبثا. 
الأمومة سراج بزيت لاينفذ، عالم الطفولة قادر بشكل دائم على بعث الدهشة، وتلك ما يحبها الشعر؛ فالشعر الذي لايدهش يتوقف عن كونه شعرا، وتجربة الأمومة بالنسبة لي كانت عتبة مختلفة تختلف عن غيرها من التجارب، تعمق الشعر وتمنحه أجنحة من طفولة؛ ليطير قريبا وعاليا، أيضا أطفالي يحبون الشعر، ويلقونه بالسليقة؛ فالأب شاعر أيضا، ولهذا كان من المحتم ربما أن تتسرب هذه الجينات إليهم. يدهشونني دائما بتعابير حلوة لا يقولها الأطفال في سنهم عادة. الجميل في الأمر كله معرفتهم لعناوين كتبنا؛ فيتسابقون في حفظها أيضا، و يفتحون هذه الكتب في محاولة منهم لقراءة قصائدنا.

"سميرة البوزيدى"

10
أعترف بأننى لم أكُنْ أُمًّا صالحة
تعلَّم طفلي أبجديته بفضل الآخرين، ونطق كلماته الأولى في غيابي، وفاتتني مواقفه الطريفة وبدايات تفتحه على الحياة. زاد الضغط بسبب حَمْلِي غير المرتَّب في شقيقته، الذي جعلني أكثر عصبيةً وضاعف من تكرار نوبات ثورتي وشدَّتِها. نعم، كنتُ أضرب طفلي البالغ من العمر ثلاث سنوات بقسوة؛ أذكر أنني ضربته ذات مرة بقبضتي على ظهره الصغير لأنه سكب مسحوق الغسيل على الأرض
إن مرضا يسهر والدهما بجوارهما، يتابع الكمَّادات ومواعيد الدواء، بينما أغُطًّ في النوم كجثة بفعل الإرهاق والشد العصبي طوال النهار. باختصار لم أكن أمًّا، كنتُ آلةً تعمل ببرنامجٍ مكتوب..
تمر ثلاث سنواتٍ عجاف، حتى يسألني عمي أن أكون رضوان جنته؛ أن أعمل لديه، مساعدته الخاصة، أتولى أمر مراسلاته الإلكترونية، أعد مدونته وأسجل فيها ترجماته وقصائده، وذلك في شقته المكسوة بالكتب المكتوبة بأبجدياتٍ سحرتْني منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما، وهنا بدأتُ أخطو خطواتي الأولى التي تأخرتْ طويلاً وتاهت عن طريقها الصحيح. علَّمني مبادئ الترجمة، علَّق على محاولاتي الأولى، أشار لي إلى بداية الطريق وأبوابه المغلقة. عدتُ إلى مقاعد الدراسة في شغف، نهلتُ من الشعر والنثر، شربتُ كثيرًا وما ارتويتُ، كأنني أعوِّض جفاف الأعوام الطويلة. 
بدأ الحجر الساكن في داخلي يتفتَّت، ويتشكَّل كلماتٍ ونصوصًا، وتسلَّل شيء من الدفء إلى القلب البارد. 
اكتشفتُ طبيعة علاقتي بأبنائي -أيًّا كان وصفها- بعد أن لان قلبي وتفتحت روحي بأسرار الأبجدية، 
تخطو ابنتي نحو عامها السادس عشر وقت كتابة هذه السطور، صبيةً جميلةً متفتحةً على الحياة، لم تأخذ عني شيئًا يُذكر، وتعمل على صياغة تجربتها الوليدة بنفسها. ويبدأ ابني حياته الجامعية وقد اختلف كثيرًا عن ذلك الصبي الذي كان، ليصبح شابًّا ساعيًا بقوة نحو استقلال تفكيره وأسلوب حياته. العمر".
أن تأتي متأخرًا خيرٌ من ألاَّ تأتي أبدًا.

"سها السباعى"

11
أنا صفر بجانب طفلتى
هى أنفاسى الحقيقية التى أحيا بها، قطعة من جسدى تشبهنى إلى حد التطابق، وأتمنى ألا تشبهنى فى الواقع، فأنا أم بلهاء لم أكن يوما بدهاء الحياة ومكرها، ربما اكتشفت بداخلى قوة إرادة وأنا أواجه الحياة وحدى، وأنا أحفر أساسات مستقبل أتمناه سعيدا بالطبع، فعندما رحلت أمى أعتقدت اننى سأفقد الطريق تماما، وعندما رحل زوجى، تيقنت إننى وجدت الطريق، فقد بانت لى أمارات القوة الحقيقية داخلى، وأخرجت البنت الشقية كل عفاريت التحدى والصمود، ساندنى الأصدقاء والأهل لأقف أمام عثرات الوحدة والحاجة، ربما لن تسع هذه الشهادة بعدد صفحاتها الذى لا ينتهى، شكر كل الناس الذين ساندونى بما فيهم من أذونى وتخلوا عنى، فقد ساعدونى أيضا فى أن أعرف اننى لا أهزم أبدا.
أنا صفر بجانبك، أنا أخلو من أنا إذا لم تكونى هنا أصلا، أنا أنت يا قطعة لحمى الصغيرة، تحميكى ملائكة الخير من شر البشر والكائنات اللى مستخبية فى خيالك يا قلبى، أنا دونك يا عينى لا أرى الكون لا جميلا ولا قبيحا، اعمى بصر وبصيرة، دونك حتى الموت لا معنى له، احمد الله أنها هنا، يارب دوام نعمتك فى دوام حضنها، احمد ك يارب، ما كل هذا الحنان يارب، أدم على نعمة بنوتها وبارك لى فى أمومتى

"سها زكى"

«وجع المبدعات»..
12
أنا الفتاة اليتيمة التى أصبح لديها ولد
عندما جاء طفلي اﻷول، كنت ميتة لم أزل؛ واندهشت أن تقدر مثلي على منح الحياة. تجربة عكرتها خبرة الفقد، وقصائد الرثاء. كان ”علي" متعبا جدا، وكنت مرهقة كجثة. منذ اللحظة اﻷولى عرفت أنه حياة في الاتجاه الضد لحياتي، وانتقام جسدي الذي لم أحبه ؛ حوصرت بالانتكاسات البيولوجية، ومتلازماتها النفسية ورأس حربتها متلازمة الذنب التي حفزت لفترات متواصلة رغبتي في الانتحار، ﻷنني لم أكن أما طيبة كالوسادة!.
بأمومتي التي استشعرتها متأخرة، أظنه انتهى يتمي، صرت أما وابنة، أنا التي رملتني المراثي، ولضمت روحي بسرب عجائز كعدودة شائخة. والموت الذي ناديته من أعلى جبل في روحي صار خيانة حرام على أم جديدة، حرام حتى أنني استبدلته بحياة جديدة قررت إهدائها لطفل ثان، كهدية لطفلي اﻷول، الذي أردت له النجاة من أمراض الطفل اوحيد، التي عددها ”موراكامي” في روايته ”جنوب الحدود غرب الشمس”.
لكن الطفل الذي انتصر وجوده للتو وانسحقت لأجله أنانيتي، لن يظل طفلا، سيصير ربما القارئ الأصعب، القارئ الوحيد الذي أخشاه، هذا القريب كظل، سيصير عبئا على الكاتب وعلى الكتابة.

"عزة حسين"

«وجع المبدعات»..
13
لحظة السحر التى غيرت حياتى
الممرضة التي لم ترضع طفلا يوما، شرحت لي كيف أمسح حلمتي وأحشرها بين الأصبعين لأجهز لشيرين وجبات متلاحقة كل ساعتين، لكنها لم تذكر شيئا عما سيحدث لهذا الثدي الذي كان يوما نافرا مكابرا مقابل لسعات البرد في الشتاء والنشوة في الصيف، لم تقل أنه بعد أن يلتهب ويتشقق بفعل المص والشفط سيعود لينفس كالعجلة المثقوبة بعد أن تفرغ شيرين منه. نعم أنا لست أما ولا أستطيع أن أكون.
ثم حصل السحر مرة واحدة، كانت الساعة الثالثة صباحا، وكنت منهكة وأكاد أقع، مشيت باتجاه صراخ شيرين اللانهائي. كانت في شهرها الخامس عشر. نظرت إليها فردّت إليّ النظرة بعنف وأخافتني. بكيت بصوت عال، وهي تنظر إليّ مستغربة فعلتي التي يجب أن تكون فعلتها هي. انحنيت بنصف جسدي فوق قضبان سريرها، وأخبرتها أنني متعبة وأريد أن أنام ورجوتها، قلت لها: "من شان الله ما تبكي"، سكتت شيرين وربما راعها منظري المنتحب والمتوسل وأشفقت عليّ. نظرت إليّ بطرف عينها وابتسمت، ثم لوّحت لي بيدها مودعة. كانت تقول لي بعينيها وبكلّ التفهم الموجود في الدنيا: "أذهبي الآن وارتاحي. لن أزعجك".
لم أصدق ردة فعلها، لكنني استجبت بكلّ وداعة لأوامرها، وانتقلت ببطء وأنا أتوقع أن يعود الصراخ ليمنحني ليلة طويلة من قلة النوم، لكن ذلك لم يحدث، نامت شيرين ونمت أنا وأصبحنا منذ تلك اللحظة أعزّ الأصدقاء. 
لقد حصل السحر فعلا ..أصبحت أقل وحدة بسبب وجود بنتين وولد. أذهب إلى طفلتي كاثرين في الليل حتى حين تكون نائمة، وأخبرها أنني وحيدة، وتتفهمني 

"مايا أبو الحيات"

«وجع المبدعات»..
14
انا الام الجريحه التي مازالت تكتب 
أهديت نفسي لطفلي الأول، بحملٍ صعب لمدة تسعة أشهر، منهم ثلاثة، كنت خلالها مستلقية على سرير بارد في مشفى فرنسي، حيث لم أكن أفهم اللغة.
رأسي للأسفل وساقاي للأعلى. ممنوع أن تلمس قدماي الأرض أو أن أذهب للتواليت. وحيدة دون أصدقاء وبدون أهل. تشققتت أكواعي لخشونة الأغطية وضمرت عضلاتي لعدم الحركة،إذ كنت مهددة بالولادة المسبقة، التي إذا حصلت، سيولد الطفل لا محالة ميتا، لأنه غير كامل.
إلا أن الأمومة لم تجعل مني فيما بعد، عاقلة ورزينة وخاضعة. بل ظل قلبي متعطشا للحب وللحرية. فتطلقت محتفظة بابني الذي كنت أرى به وطني البعيد وأهلي، ولكن مرة أخرى خُطف مني، عقابا على خروجي عن الطاعة الاجتماعية وتوقي للحب.
أصبحت الأمومة عندي حلما..حققته بطفلين آخرين دون نسيان طعم الحرمان من الطفل الأول.
في كل كتبي - عدا أنذرتك بحمامة بيضاء - أمومتي الجريحة موجودة، وتتضح أكثر وأكثر مع كل كتاب، إلى أن قررت نشر قصائدي التي كتبتها عن ابني، عقب خطفه مني وحرماني من حضانته..
الفكرة المؤلمة، التي أخذتني إلى أبعد من ذلك، ولأكتب عن هذا الخطف المستمر
ومع كل ذلك لا أدري إلى الآن إذا كان أولادي يعاملونني كأم، فلطالما لم أعرف استعمال أية سلطة عليهم.. لكني.. أحببتهم ما استطعت، مقتنعة دوما أنهم ليسوا لي.

"مرام المصري"

«وجع المبدعات»..
15
زينب رفيقه ايام الحرمان والجوع
علاقتي بزينب، الاسم الذي استقريت عليه أخيراً تيمناً بعمتي المفضلة، مشوشة وغير واضحة المعالم. ليس بالنسبة لي فقط، بل بالنسبة لها أيضاً. فأنا لا أذكر أنني كنت أبادلها الابتسام كل صباح حين أكشف عن وجهها في مهدها. لم تكن تبكي عندما تجوع في الليل. تكتفي بمص أصبعها أو إحداث صوت أشبه بطقطقة بالضغط على لسانها في سقف حلقها وأعرف أنها جائعة. عندما كانت تمرض تكتفي بأن تكون منطفئة في عينيها وذابلة مثل قطة جائعة في الشارع تحاول استجداء تعاطف المارة. كنتُ أحاول مراراً أن أبدو أماً حقيقية بروح وجسد مشتركين معها ولكني كنتُ أعجز. كان أبي ينبهني دائماً أن أحفظ فتحات أنفها بعيداً عن ثقل ثدي خشية اختناقها. كان الجميع يشعر بذلك البون بيني وبينها عداي. لم أعترف لنفسي يوماً أن ذلك اللا شعور هو الشعور بعينهِ، وهو موقف بالتالي كنتُ أترجمهُ يوماً بعد يوم إلى آليات حب مفترض لم أختره.
صارت زينب رفيقة دربي في الأيام السود من حرمان وفقد وتنقلات بين حياة وأخرى. كنا نجوع سوية ونمرض سوية ونعتزل الحياة في غرفة نائية بعيداً عن أنظار العالم. كنتُ أخشى مواجهة العالم الخارجي مخافة أن يلمحوا نظرتي البليدة ويتهمونني بالجنون وأنني لست أهلاً لأكون أماً. حملتها بين فكيّ مثل قطة، وربما أذيتها دون وعي وأنا أضغط على فك العناية، لأحميها من تقلبات الحياة وقسوتها. حزمنا حقائبنا مرات ومرات ولم يكن لها خيار في ذلك. كانت تحمل معي حُلمي بدلَ أن يكون لها حلماً أو تكون هي أحد أحلامي.

"منال الشيخ"


«وجع المبدعات»..
16
ايها الرجال ليتكم تعرفون طعم هذه المتعه!
منذ فترات الحمل الأولى وأنا تنتابني مشاعر الأمومة بصورة غريبة وجديدة ووحشية. ليس فقط أن ترى طفلاً وتشعر بالسعادة لرؤيته وترغب في ملاعبته، وإنما ذلك التشكل الحقيقي الواقعي الملموس لكائن ما داخل أحشائك. أن تعرف أنك لست وحدك في هذا المنزل الطيني الأثير الذي تسميه وجودك الجسماني. وإنما هناك بداخلك من يتحدث إليك عبر تشكله وتكونه ونموه.
كثيراً ما أشفق على الرجال لأنهم لا يمرون بهذه التجربة المثيرة الشيقة. شديدة الطبيعية والحيوانية والواقعية واقعاً أغرب من الخيال نفسه. وكأنها تحقيق لهذا الخيال. يمكنك أن ترى عبرها كيف تتشكل فكرة وكيف تتغذى على طاقتك لتنمو وتتبلور إلى أن تخرج حية إلى النور. يمكنك أن ترى ذلك يحدث فيك. ويحدث بك. ولا يمكنك الفكاك منه ولا يمكنك العيش بدونه أيضا.
جعلتني فترة الحمل أكون لصيقة. أو لنقل هذا المصدر من مصادر التعرف على عملية الإبداع والخلق وكيف تكون خطواتها وكيف يكون هذا الأخذ منك – وإن رغما عنك – ممتعاً، لأنه في النهاية يشكل كائناً حياً يحمل من صفاتك وملامحك لكنه في النهاية يستقل عنك ويكون هو، وتتعدد الآراء نحوه وتتباين اشكال تناوله النقدي فيما بعد. ربما يكون الفارق الوحيد هنا هو أن نصك الإبداعي يُكتَب باسمك. أما الأطفال فيكتَبون باسم الأب.

"هدى حسين"

الخميس، 7 يونيو 2018

تريد أن تصلي التراويح في المسجد وأطفالك يمنعون؟ إليك الوصفة الماليزية

https://goo.gl/hLFgD9

“الأبوان وأولياء الأمور الأعزاء الكرام، تدريب الأطفال والأبناء على الحضور إلى المسجد أمر مستحب في الإسلام، إلا أن الإسلام يعلمنا ويحثنا كذلك على احترام الآخرين والالتزام بالآداب الإسلامية في جميع الأوقات والأحوال، لذا يرجى منكم مراقبة تصرفات أطفالكم عند إحضارهم إلى المسجد. شاكرين لكم حسن تعاونكم”.
عندما تدخلين من الباب الرئيسي لمسجد سلطان حاج أحمد شاه، بمنطقة جومبأ في العاصمة الماليزية كوالالمبور، تطالعين لوحة معدنية كبيرة قد كتبت عليها العبارات السابقة بالعربية والإنكليزية والمالوية، وما يلبث نظرك أن يسبقك إلى ساحة مصلى النساء بالدور الأول، حتى يؤكد لك ما جاء في هذه اللوحة. إذ تزين المصلى بوجوه الصغار المرافقين لأمهاتهم، وقد ارتدين الحجاب الماليزي التقليدي بألوانه المبهجة وتصميمه المميز.
الجميل في هذا المشهد، أن ذلك الإعلان لم يذهب أدراج الرياح، فلا روائح أطعمة أو مخلفات أطفال داخل المسجد. الابتسامة والبهجة تعتلي الوجوه البريئة الصغيرة دون أن تسفر عن ضجة أو صخب، يقلدون الكبار أحياناً في الصلاة، ويلهون أحياناً أخرى مع بعضهم البعض أو مع عائلة القطط الوادعة في سلام على عتبات المسجد، ولكن لا ضيق هناك ولا ضجر من وجودهم.
وقتها يقفز إلى ذهنك سؤال: كيف استطاعت الأمهات الماليزيات تحقيق هذه المعادلة الصعبة، والتي تحول بين كثير من الأمهات العربيات وصلاة التراويح، بسبب ما يسببه أطفالهن من ضجة في المسجد، أو رفض إدارة المسجد والمصلين اصطحاب الأطفال؟
وللإجابة عن هذا السؤال إليك الوصفة الماليزية على لسان الأمهات أنفسهن..
كانت أول من لفت انتباهي لفكرة هذا التقرير، بأطفالها الستة الذين يمرحون حولها، بينما السابع يثبت وجوده من خلال ذلك البروز الواضح في بطنها، معلناً قرب خروج المولود الجديد للحياة، ورغم ذلك انتصبت واقفة في سكينة خلال صلاة التراويح.
نور الهدى بنت إسماعيل، التي لم تتجاوز السادسة والثلاثين من عمرها، راحت تروي تجربتها المميزة لهاف بوست عربي قائلة:
“تزوجت في عمر الـ23 عاماً، لدي 6 أطفال، أعمارهم بين 12 إلى 4 أعوام، ولم أتوقف عن صلاة التراويح في أي عام بسبب أطفالي، إلا في مرة واحدة فقط، حيث وضعت خلال شهر رمضان ولم يكن عليّ صلاة”.
تضيف: “لم أفكر مطلقاً هل عليَّ أن أصطحب أطفالي للمسجد أم لا، فهي مسألة بديهية ومحسومة بالنسبة لي، وبالتالي كل ما كنت أفعله هو أن أقوم بواجبي فقط لإعدادهم لذلك، كما أعدهم لأي شيء آخر في الحياة، فنغتسل ونتوضأ قبل الذهاب للصلاة، وآخذ معي ما يلزمهم من احتياجات تناسب أعمارهم، وإذا كانوا قد بدأوا الحركة والكلام، أتحدث معهم عن آداب المسجد وأهميتها”.
وعن زوجها تقول: “يصطحب زوجي الصبية معه (إذا صاروا أكبر من 5 سنوات) وأصطحب الفتيات. من أراد من الأطفال أن يصلي يقف بجوارنا، ومن أراد أن يلعب يذهب لمؤخرة المسجد ليشارك الأطفال الآخرين المرح”، وتردف: “طبيعي أن يكون لكل طفل ملابس صلاة، يحرص بنفسه على تنظيفها كل يوم والاعتناء بها وارتدائها عند الذهاب للمسجد، فأنا أريدهم أن يعرفوا كيف يصلون، ويتعايشون مع هذه البيئة الروحية في المسجد خلال رمضان”.
تجدر الإشارة إلى حرص الماليزيين بشكل عام على الاغتسال يومياً قبل الذهاب للعمل وبعد العودة منه، وقبل الذهاب للمسجد، وتوضح نور الهدى ذلك بقولها: “يكون المسجد مزدحماً بالمصلين، فمن المهم أن حافظ على الاغتسال قبل الذهاب حتى لا نضايق الآخرين برائحة العرق الغزير الذي تسببه طبيعة الجو في بلادنا”، مشيرة: “هذه أيضاً من الأسباب التي تجعلني أفضل مسجد حاج سلطان أحمد، حيث يضم أماكن للاغتسال خاصة بالقسم النسائي، فتستطيع المعتكفات وغيرهن الاغتسال خلال وجودهن في المسجد، وكذلك أطفالهن”.

ألعاب وقصص وألوان.. هذا هو المسجد
“هذا هو المسجد.. أريد أن يعرفه أبنائي وتتعلق قلوبهم به، ويتعرفوا على آدابه وعلى الحياة الاجتماعية والروحية فيه”، تفتتح فرحانة بنت إسلام (30 عاماً) حديثها لهاف بوست بهذه الكلمات، مضيفة: “لدي ثلاثة أبناء، تتراوح أعمارهم بين 8 و5 سنوات، اعتدت أن أصطحب البنتين معي، بينما يرافق الصبي والده في مصلى الرجال”.
تتابع: “لم أجد صعوبة مطلقاً في اصطحاب أطفالي معي للمسجد، فأنا أحب أن أعودهم على قيمة صلاة الجماعة، والارتباط مع المجتمع المسلم منذ الصغر، وهذا الأمر لا يأتي إلا بالمعايشة، خاصة في أجواء رمضان، وقد تعوَّد أطفالي على المسجد، حتى صاروا ينتظرون هذه الفرصة ويستمتعون بالحضور، وإذا قررت معاقبة أحدهم، فيكون بعدم اصطحابه معي للمسجد”.
وعن كيفية تهيئتها أطفالها لتلك الخطوة تقول: “أحضر لهم بعض الكتب والقصص المصورة، وكذلك الألعاب البسيطة، ليتمتعوا باللعب والقراءة في المسجد كما يستمتعون بالصلاة، ودئماً أذكرهم خلال الطريق بآداب المسجد، وخاصة التحدث بصوت خفيض، والحقيقة أن هذه الصفة تحديداً يجب أن ينشأ الأطفال عليها في البيت قبل أن نطالبهم بتطبيقها، فهي نمط حياة اعتاده الماليزيون كباراً وصغاراً في حياتهم اليومية. فالقرآن يعلمنا (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).. فكيف أطالب طفلي بتطبيق سلوك وأنا لا أطبقه في حياتي؟!”.
تركت طفلها المريض ذا الثماني سنوات في رعاية أمها، حتى تصطحب طفلتها ذات الخمس سنوات إلى صلاة التراويح في المسجد، حيث ترى دليلة (31 عاماً) أنه لا بأس من تقسيم الأدوار لبعض الوقت، نظراً لأهمية صلاة التراويح في المسجد خلال رمضان، لها بشكل شخصي، وفي تنشئة أطفالها بشكل عام.
تقول دليلة: “أحب أن أعلمهم ما هو رمضان من خلال التواجد في صلاة التراويح، ليس فقط التراويح، بل والاعتكاف أيضاً، فقد اعتدت أن أصطحبهم معي خلال الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، نقضي اليوم كله في المسجد منذ العصر حتى شروق الشمس، وبفضل الله لا أجد صعوبة في ذلك، حيث تعود أطفالي كيف يتصرفون في المسجد”.
وترفض دليلة ما يجري في بعض المساجد من اعتراض المصلين على تواجد الأمهات الشابات بأطفالهن الصغار، قائلة “لو الأطفال لم يختبروا هذه التجارب وخاصة في رمضان، فأين ومتى وكيف سيتعلمون كيف يحترمون الآخرين، ويضبطون تصرفاتهم عندما يحتاج الأمر لذلك، لا يمكن أن نمنع حضورهم، لأنهم لن يتعلموا إلا من المعايشة الواقعية”.
وترى أنه “نعم على الدولة تهيئة المساجد الملحقة بالمرافق المناسبة، ولكن أيضاً هذا ليس شرطاً، فهذه مسألة تتعلق بثقافة المجتمع لا بمساحة المسجد وشكل البناء”، مردفة “الأبوان عليهما أن يعلما أبناءهما السلوك المناسب، والصبر عليهم، لأنهم أطفال، وطبيعي أن يلعبوا ويتشاجروا، ولكن الأهم هو ثقافة المجتمع التي تتفهم أهمية إدماج الأطفال في مثل هذه المواقف، فالمسجد ليس للصلاة وفقط، هو مركز لحياتنا كمسلمين، هذا مكان لإثراء حياتهم الروحية، وتعليمهم الكثير من الأمور، وتنمية سلوكهم الاجتماعي”.
“لو منعنا الأطفال من المجيء للمسجد، فهل الأفضل لهم أن يذهبوا لأماكن أخرى تتقبلهم؟!!”، تختتم دليلة حديثها بتساؤل للجميع!.

الأربعاء، 30 مايو 2018

ابنة الدكتورة بنت الشاطئ في حوار بلا شواطئ

http://www.eapress.eu/eap/?p=1929 
يورو آراب بر
الدكتورة بنت الشاطئ في ايام الشباب حقوق النشر: يورو عرب برس
الدكتورة بنت الشاطئ في ايام الشباب
حقوق النشر: يورو عرب برس


قام بإجراء الحوار : وجيه فلبرماير

تاريخ النشر الأصلى في جريدة القاهرة المصرية
 في 29 مايو 2001





تعريف بالسيدة أديبة الخولى كريمة الدكتورة بنت الشاطئ
من مواليد 1946 دخلت المدرسة وسنها أربعة سنوات وتعلمت في مدارس حكومية حيث كان الأب الأستاذ أمين الخولي يرفض دخول الأبناء للمدارس الأجنبية رفضاً باتاً

لكن من ناحية أخرى أحضر لهم مربية نمساوية لأنه كان حريصاُ أن يعلمهم اللغة الألمانية، لأنه كان يفضل الثقافة الألمانية، ونشأت الأستاذة أديبة الخولي مع أخوتها أمنية وأكمل يتكلمون الألمانية في المنزل مثل العربية، وحصلت على الثانوية بتفوق ودخلت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، ثم عملت بالإذاعة في البرنامج الأوربي لمدة سنة ثم بعدها غادرت مصر لتعيش في أوربا ”

تعريف بالدكتورة بنت الشاطئ (عائشة عبد الرحمن)
اسمها الحقيقي الدكتورة عائشة محمد على عبد الرحمن واختتمت حياتها الزاهرة بالعمل كأستاذة متفرغة بالجامعة، وأما اسم بنت الشاطئ يرجع إلى الاسم الذي أطلقته هي على نفسها كلقب للكتابة في الصحف حيث كتبت أول مقالاتها عام 1935 في مجلة النهضة النسائية ، وحيث كتبت أول مقال في الأهرام عام 1936. ولماذا بنت الشاطئ بالذات ؟ قالت د. عائشة عبد الرحمن “كانت ذكري لجدتها لأمها التي أحبتها جداً وماتت غريقة ” ولدت بنت الشاطئ في 6 نوفمبر عام 1913 بمحافظة دمياط ورحلت عن عالمنا في 1 ديسمبر عام 1998.

حصلت على شهادة كفاءة للمعلمات عام 1929 وليسانس في اللغة العربية عام 1939 ثم حصلت على الماجستير عام 1941 والدكتوراه في عام 1950، وعينت أستاذ كرسي ورئيس قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية كلية الاداب جامعة عين شمس وكانت أستاذا زائراً لجامعتي أم درمان والخرطوم والدراسات العليا في جامعة القرويين بتونس وأستاذ للتفسير بكلية الشريعة في فاس بالمغرب .وإذا أردنا الحديث عن مؤلفاتها ودراساتها وأعمالها الأدبية وبحوثها المنشورة فسوف نحتاج إلى كتب كثيرة ، وأما عن الجوائز فإنها حصلت على عشرات الأوسمة والجوائز أهمها جائزة الدولة التقديرية في الأداب عام 1978 ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب عام 1967 وجائزة الأدب من الكويت عام 1988 وجائزة الملك فيصل للآداب والدراسات الإسلامية في أبريل عام 1994 .

مقدمة الحوار
إن حياة المفكرة الإسلامية والعالمة الجليلة الدكتورة بنت الشاطئ كانت نموذجاً للشمعة التي انصهرت لتضئ الطريق للكثيرين ، وكانت في حياتها ومماتها عبرة ودرس لكل إنسان يبحث عن الحقيقة ، أطلق عليها الكثير من الصفات والألقاب مثل رائدة الفكر الإسلامي وصاحبة الدعوة المستنيرة ومعلمة الأجيال وشاهدة على العصر وزاهدة العصر، وبلاد أدنى شك احتلت بنت الشاطئ مكانة رفيعة المستوى بين كبار المفكرين العرب، وكانت مدرسة فكرية أنجبت تلامذة صاروا علماء ، وبعد رحيلها كتبت في سجل الخالدين ، وفي جنازتها إكتظ مسجد رابعة العدوية بالذين وفدوا لأداء صلاة الجنازة وكانت جنازة تليق بمقام عالمة إسلامية كبيرة لا يمكن أن يجهل أحد فضلها في علوم الدين، إنها بنت الشاطئ أدخلت المسلمين إلى بيوت النبي بقلمها

نص الحوار

عندما سألت الإبنة أديبة الخولي المقيمة في فيينا عن عملها كمدرسة للأدب الإسلامي في جامعة فيينا كما نشرت بعض الصحف المصرية أجابت :
حكاية إن أنا مدرسة للأدب الإسلامي في جامعة فيينا معلومة خاطئة ، أنا حقيقة خريجة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ، وأدرس اللغة العربية منذ 26 عاماً كلغة غير أساسية في جامعة الاقتصاد بفيينا وهذا ليس له أي علاقة بالأدب الإسلامي الذي لم ادرسه ولا أدرسه، كما أنني عملت بالسفارة المصرية بفيينا 8 سنوات أترجم مقالات الصحف النمساوية باللغة العربية أو التعليقات والردود السياسية، في عهد السفير طاهر شاش

الابنة اديبة مع الام بنت الشاطئ في مكتبة المنزل


لو رغبت الصحافة أن تسلط الأضواء على السيدة أديبة الخولي فما هي الأسباب الأخرى غير أنها ابنة المفكرة الإسلامية ذائعة الصيت والشهرة في العالم العربي الدكتورة بنت الشاطئ؟
ليس هناك أي سبب سوى أني واحدة من العدد الكبير للمغتربين وكل واحد فينا له قصة خاصة وتجارب يمكن أن تفيد الآخرين خاصة الذين يعيشون في مصر ليعرفوا الظروف التي نمر بها

هل هذا نوع من التواضع؟
لأ لا تواضع ولا حاجة

لماذا تركتي شارع أمين الخولي بمصر الجديدة للإستقرار نهائياً في عاصمة الموسيقى فيينا؟
أولاً من وأنا طفلة وأنا أحب فيينا جداً ، ووالدي كان بيأخدنا النمسا كل سنة ، فكنا بنزور النمسا في سن مبكرة جداً ، وطول عمري بأحب فيينا وأحس إنها بلدي، وحتى اللغة واللهجة النمساوية مش غريبة ومتعودة عليها ، وكانت بداية إستقراري هنا هي سفري مع أمينة أختي في بعثة الدكتوراة للنمسا، ولأن أحوالها الصحية كانت غير مستقرة إقترحت علي والدتي مرافقتها في البعثة، وبعد حصولها على الدكتوراة هي رجعت وأنا ما رجعتش ، لكن مازلت أحتفظ بشقتي في شارع أمين الخولي


لكنك عكس والدتك رحمها الله كانت تخشى الإغتراب؟
هي كانت لا تحب الاغتراب في أوروبا ، لكن كانت بتحب البلاد العربية و لا تعتبر سفرها وإقامتها فيها اغتراب، وكانت تقضي معظم وقتها في المغرب، ومنذ منتصف السبعينات حتي قبل الوفاة بثلاثة أسابيع كانت بشكل متكرر تزور المغرب، الذي كان بالنسبة لها كالوطن الثاني، وقبل ذلك أقيمت في السودان فترة طويلة وقامت بالتدريس في السعودية

وما هي الإختلافات الواضحة بينك وبين الدكتورة بنت الشاطئ؟
إختلافات كبيرة قوي في الشخصية ، يمكن أنا ورثت من والدتي المثابرة والاهتمام الشديد بالكتب والقراءة والثقافة ، أما إهتمام والدتي الشديد بالحياة العامة لم يسعدنا ، وكنت أنا وأخوتي نفضل العزلة والبعد عن الحياة العامة لنيعش حياتنا الخاصة سعداء

ألم يكن زواجك من نمساوي سبب خلاف أيضاً؟
أكيد بالطبع ، ومنذ زواجي لم تأتي للنمسا أبداً

ماهو السبب وماذا كانت وجهة نظرها؟
هي كانت معترضة على زواجي من أوربي مع أن مربيتنا وأمنا البديلة كانت نمساوية ، وكان تأثيرها علينا قوي من الطفولة وهذا كان أمر طبيعي بالنسبة لي أن أتزوج نمساوي


الطفلة اديبة مع مربيتها النمساوية في كيرنتن
حقوق النشر يورو عرب برس

هل زوجك النمساوي مسلماً؟
طبعاً دخل الدين الإسلامي ، وإلا لم نستطيع الزواج ، وكان أخي أسامة الأستاذ في جامعة الخليج شاهداً على زواجناً، أما والدتي كانت غير سعيدة بهذا الزواج ،وأنا أرى أن ذلك متناقض لأنه وبالرغم من أن أمي من جهة لم تسمح لأحد أن يتدخل في حياتها الخاصة ، ولا في حياتها عموماً ، وشقت طريقها بنفسها رغم كل المصاعب والعقبات بدليل أنها دخلت الجامعة في وقت كان صعب على البنات ، إلا أنها من جهة أخرى كانت تريد من بناتها أن تكون في صورة معينة من بنات المجتمع المصري والإسلامي التي تريدها، ولا نسير في طريق غريب عنها أو نقوم بعمل أي شئ غير معتادة عليه

هل تعنين بهذا التناقض هو ربط حياتكم الخاصة كأبناء بحياة الأم العامة؟
طبعاً ، وكانت تعتبر زواجي من أجنبي وصمة بالنسبة لها

هل كان ذلك يمثل قيود بالنسبة لكم كأبناء؟
لأ أنا كنت متزوجة وأعيش هنا في النمسا بعيد، لكن أخوتي لم يتزوجوا

لقد تربت الدكتورة بنت الشاطئ وفقاً لتقاليد صارمة من أبيها ، فهل إستطاعت أن تستقل من تسلط الرجل حينئذ ؟
ماما إستقلت جداً بدليل أنها خرجت عن جميع القيود الموجودة فعلاً ودرست الثانوية العامة من منازلهم، وإستطاعت أن تدخل الجامعة في وقت لا تدخل فيه البنات الجامعة أصلاً، فهي حطمت حواجز البنات لجيلها والجيل التالي ، لم تخضع أبداً لقيود الرجل ، وهي تزوجت أبي وكانت الأسرة ضد هذا الزواج لأنه كان متزوجاً ، ولكنها صممت على الزواج

ولو كنت أقصد في سؤالي الإستقلال عن الرجل من الناحية الفكرية؟
طبعاً استقلت إلى حد كبير فكرياً ، لكن فيكانت خاضعة لأبي طبعاً ومطيعة له ، وهو كان الآمر الناهي ، وذلك راجع إلى إعجابها الشديد بشخصيته

في حوارها الأخير مع جريدة الأهرام قالت د. بنت الشاطئ لا أستطيع أن أربي إبنتي كما ربتني أمي فهل كانت الوالدة صارمة أم متساهلة معكم؟
ولا كانت صارمة ولا محافظة ، ولم يكن لديها الوقت الكافي لتربيتنا، وكانت تقوم بهذه المهمة المربية، وبصراحة تأثيرها علينا كأم كان ضعيف

كل منا يتأثر بإيجابيات وسلبيات والديه، فكيف كان ذلك مع السيدة أدبية الخولي؟
حقيقة أنا تأثرت بالجو العلمي والثقافي الذي نشأت فيه ، وحتى عندما تزوجت نمساوي تزوجته يعرف العربي الفصيح أفضل من العرب أنفسهم ، بل ومن النوع الذي يهتم بالثقافة والعلم جداً، وحبي الشديد للكتب أصله البيت، وجو البيت الهادئ كان يشجع الواحدة على تنمية الهوايات والمواهب

وماهو سر حب الزوج للغة العربية والثقافة العربية؟
هو مهندس إلكترونيات ودارس للرياضيات وعندما تعمق في تاريخ الرياضيات بدأ اهتمامه بالعرب وعلماء العرب في الرياضيات في زمن العصور الوسطى

سألتها مازحا : معني ذلك أن العلماء العرب لهم الفضل في زواجك؟
قالت لي وهي مبتسمة ” لهم الفضل في إهتمامات زوجي الشخصية

نعود لموضوعنا الأساسي وهو تأثير الوالدين على الأبناء ، وحضرتك تحدثت عن الجانب الإيجابي فقط فما هي السلبيات
السلبيات هي إحساسنا الدائم بأننا غرباء سواء في المجتمع الشرقي أو المجتمع الغربي، فوالدي ربانا على المواعيد الصارمة والدقة الشديدة، فكنا بالنسبة للمصريين حاجة شاذة، فمواعيدنا كانت بالدقيقة ونأكل بالثانية، ومن ناحية أخرى أشعر في النمسا أكثر بأنني مصرية ، في الحقيقة أن أبي كان مهتم جداً بتربيتنا جداّ وكان شبه متفرغ لذلك

هل كانت الوالدة منشغلة ومكرسة وقتها للدراسات والسفريات؟
نعم الدراسات والقراءة لكن السفر جاء بعد وفاة والدي ، هي والدتي كانت موجودة في البيت لكن غير موجودة معنا بل مع الكتب في المكتبة

كانت الدكتورة بنت الشاطئ تقول أن المكتبة والكتاب هي الوطن الذي لا تشعر فيه بالغربة فهل عزلتها الكتب عن الأسرة؟
نعم هذا صحيح ، وليس فقط الأسرة بل الأصدقاء أيضاً

لقد مرت الأسرة بظروف وأحداث صعبة فهل تسمحين لي بالسؤال عنها؟
بالطبع

كانت والدتك مصباحاً مضيئاً لكثيرين ، ورغم ذلك كانت تجلد الذات في أحاديثها عن فقدان شقيقك أكمل وشقيقتك الدكتورة أمينة ، هل هذا شعور بالذنب؟
والدتي كانت متفرغة لعملها والكتب ، ولم تركز اهتمامها على المشاكل التي يمر بها أشقائي ، كانت في شبه تفرغ كامل للكتابة ، لم تشعر بأزمات أكمل وأمينة النفسية، التي تدهورت شيئاً فشياً


مع الامير سلطان والشيخ يوسف القرضاوي في السعودية
حقوق النشر : يورو عرب برس


هذا يعنى أنه كان فعلاً إحساس بالذنب؟
أيوه طبعاً ، وكنت أحياناً أواجهها بهذا الأمر

وهل كان ذلك يسبب مشادات بينكما؟
بالعكس كانت تتأثر جداً ، وكانت تحزن ، وعند لومي لها ، كانت تقول لي أنتم ضحايا العلم

هل قالت ذلك قبل فقدان أشقائك أم بعد ذلك؟
بعد ذلك بكثير وقبل وفاتها أي في السنين الأخيرة

هل تعتقدين أن النجاح في الحياة العامة من السهل أن يكون متوازي مع النجاح الحياة الأسرية أم أنه قد يكون السبب في فشل الحياة الأسرية؟
النجاح في الحياة العامة عندماً يزيد عن حده كما حدث مع والدتي يستحوذ على حياة الإنسان ويجعله غير سعيد في الحياة الأسرية ، لأن الحياة الأسرية تحتاج وقت لتجلس مع من تحبه لتحس مشاكله وتفهمه ، فمن أين تأتي بالوقت وأنت منشغل في أمور أخرى ، أمي كانت تجلس أغلب الوقت في المكتب

بعد رحيل الدكتورة بنت الشاطئ إتصلت صحفية شابة بجريدة الأهرام لأنها تريد الحديث إليها حول الموضة والأزياء الحديثة، وهل هي مناسبة للمتحجبات؟ ما هو تعليقك؟
نعم قرأت في بريد الأهرام عن هذا الحدث ، إستغربت على هذا الجهل العجيب

ولكن الدكتورة بنت الشاطئ لم تحقق شعبية كبيرة مثل الشيخ الشعرواي في تفسير القرأن الكريم والدراسات الإسلامية ؟
قد لا يكون لها شعبية في الجيل بتاعكم لكن على أيامي كانت مشهورة قوي، لما كنت أنأ وأخوتي في المدرسة وأمشي في الشارع، كانت الناس تشاور علينا وتقول أبناء بنت الشاطئ. وشعبية الشيخ الشعرواي لأنه بيطلع في التليفزيون، وأما والدتي كانت لا تهتم بمسألة التليفزيون

ومارأيك في القول أن الكاتبات التي تنادي بتحرير المرأة مثل نوال السعداوي وتوجان الفيصل حققت شعبية أكبر ؟
طبعاً هؤلاء جيل آخر ، ووالدتي حررت نفسها لكن لم تنادي بتحرير المرأة ولم يكن هذا الموضوع محور اهتمامها، كان اهتمامها في المقام الأول بالعلم وليس بالتغيرات الاجتماعية

ما هي طموحات وهوايات السيدة أديبة الخولي؟
ما فيش طموحات فوق العادة ، حياة عادية والتمتع بالحياة الأسرية كما أنني أحب المشي والموسيقى والقراءة والتدريس للغة العربية

هل لك صديقات نمساويات ؟
لي صديقات كثيرات من النمسا والأصدقاء العرب قليلين

من أين جاء إختلاف شخصيتك عن الأم الدكتورة بنت الشاطئ؟
تأثير الأب علينا كان أكبر ، والدليل على ذلك أن كثير مما في شخصيتي قاسم مشترك بيني وبين أخوتي غير الأشقاء، فأنا أقرب لهم في تفكيري وأسلوبي ، وكأن أبناء أمين الخولي هناك شئ ما يجمعهم

ألم يكن قرار الهجرة للنمسا صعب؟
لم يكن صعباً كثيراً فكما قلت مربيتي نمساوية ، وكانت زياراتي المتكررة لها وأنا طفلة سبباً في عدم الشعور بالغربة

قد يكون تعودك على استقلالية قراراتك هو أيضاً عامل مشجع على الهجرة؟
هذا أيضاً عامل هام

شكرا لك على هذا اللقاء الذى كشف لنا جوانب جديدة من حياة الدكتورة بنت الشاطئ ومن حياتك الشخصية
وانا اشكرك ايضا

الجمعة، 4 مايو 2018

“بايعناك”.. و”فوّضناك”

الحب والإخلاص والتضحية والفداء هي معاني الزمن الجميل..
 وهي قطعا تتناقض مع معاني الزمن الرديء.. زمن “فوضناك” و”بايعناك”..

بقلم: د. حسن خريشه
نائب رئيس المجلس التشريعي


وأخيرا اجتمع المجلس الوطني بمن حضر وعمت الفوضى واللغط عندما ارادوا التحقق من النصاب، البعض قال 605 واخرين قالوا 560 وفريق ثالث قال 650.. ليس مهما ما قيل سواء تحقق النصاب بهذا العدد او ذاك، لكن ماذا عن النصاب السياسي والأخلاقي والجمعي الوطني.. اين هي الجبهة الشعبيه.. أين هو المجلس التشريعي.. أين هي الفصائل العشر في سوريا وتحديدا الصاعقه والقياده العامة.. أين هي “حماس”.. أين هو الجهاد الإسلامي.. أين هم بعض الفريق المؤسس من الأولين مثل أنيس القاسم، سليمان أبو سته، فاروق القدومي، وعبد الجواد صالح وغيرهم القليل.
كلنا نعلم أن “حماس” حصلت على اكثر من 62% من اصوات الضفه وغزه والقدس في انتخابات التشريعي، وكل الآخرين حصلوا على 38% من الأصوات.. والغريب، ولا أدري إن كان مقبولا عند البعض أن هذا 38% يتحدث بإسم الشعب الفلسطين، ويقود منظمه التحرير الفلسطينيه، ومجلسها الوطن، وأن الـ 62% ممنوع عليهم التحدث إلا بإسمهم فقط.. فهم كغيرهم يقدمون الشهداء والمقاتلين ويبتكروا ويبدعوا في استنباط اساليب ووسائل جديدة في مواجهه المحتل ليس اولها الأنفاق، ولن يكون آخرها مسيرة العوده الكبرى، وما تخللها من جمعة الكاوتشو.. وجمعة العلم، والطيارات الورقيه الحارقة.
مطلوب من أهلنا في غزه الذين يحتضنون المقاومة والمقاومين ويدفعون اثمانا باهظة لكل الإعتداءات الصهيونية المتكررة.. مطلوب لهمى أن يجوعوا، وأن يمرضوا، ولا يجدوا الدواء.. مطلوب من ابنائهم المبدعين أن يتعلموا على الشموع.. أو بعض منهم يعيش تحت الواح الصفيح.. والكثير من اطفالهم يأكلون الخبز مع الشاي.

بالمقابل هؤلاء الذين يتحدثون بإسم شعبنا وقضيتة.. ويحضروا الإجتماعات، ويصنعوا الإصطفافات.. ويتحدثوا بالسياسة والتحـ… ويجيدوا استخدام كلمات (شعبنا، قضيتنا، شارعنا، شهدائنا، واسرانا) يقولوا ذلك وفي فمهم سيجار أجنبي.. ويدخنون سجاير المالبورو الأميركيه.. ويطلبوا من الآخرين مقاطعة البضائع الإسرائيليه والأميركية.. ولا يشربوا الا حليب تنوفا والكوكاكولا.. وبعض منهم يتسوق عند “رامي ليفي”.. وقليل منهم يعمل وكيلا لشركات صهيونية.. بين هذا وذاك.. وبين الأولى والثانية.. البعض يجمع تواقيع ويعلق اليافطات الكبيرة.. ويضعوا صورا كبيرة.. ويكتبوا تحتها كلمة “بايعناك” أو كلمة أخرى “فوضناك”.. وهذا يذكرنا باستفتاءات مصر في زمن السادات ومبارك، وكل الشعب الفلسطيني ينتظر مرسوما ممن فوضناه بموعد اجراء انتخابات عامة، وليس موعدا للإستفتاء.
طفح الكيل وبات الصمت مشاركة في التضليل وحتى التطبيع… عودوا كما كنتم.. احذفوا ابتساماتكم المصطنعة ونفاقكم المفضوح.. فالحب والإخلاص والتضحية والفداء هي معاني الزمن الجميل.. وهي قطعا تتناقض مع معاني الزمن الرديء.. زمن “فوضناك” و”بايعناك”..


منقول


الاثنين، 16 أبريل 2018

حُمّى الحنين إلى فلسطين…

بقلم سهيل كيوان
جريدة القدس العربي
في الوقت الذي تُعد فيه حكومة إسرائيل للاحتفالات بالذكرى السبعين لتأسيسها، وتدعو رئيس هندوراس للمشاركة، وهذا يوافق، ثم يعتذر لأسباب وصفها باللوجستية، في هذا الوقت من السنة بالذات، تزدهر أمراض الربيع، وأحد أعراضها، حنين المهجّرين الفلسطينيين في الشتات إلى قراهم ومدنهم.
تستيقظ آلام الحنين في هذا الموسم بالضبط، مع بزوغ زهر اللوز في آذار/مارس، وتشتعل مع برقوق نيسان/أبريل، ليصبح إشعاعا حارقا يدمي الصدور والعيون في أيار/مايو. 
من بين هؤلاء المرضى بالحنين صديقي أبو أنس، المقيم حاليا في مخيم إربد في الأردن عند شقيق زوجته، أتى قادما إليه، منذ سنوات قليلة مع أم أنس، من مخيم حمص، بسبب الحرب الأهلية في سوريا. 
تعرفت على أبي أنس، من خلال «الفيسبوك» منذ سنوات، كثيرا ما يكتب تعقيبات على منشوراتي، خصوصا تلك المتعلقة بلقاءات مع طلاب المدارس، فهو أستاذ في اللغة العربية، عمل مدرِّسا فترة طويلة في السعودية، وعمل في مخيم حمص، عاد مؤخرا ليجدّد نشاطه في التعليم، في مخيم إربد، عن طريق إحدى الجمعيات.
ثورة الاتصالات محت سبعين عاما من غباش في الرؤية، ألغت الحدود، وأعادت للجريمة حدّتها ووحشيتها. 
يرن الهاتف على المسنجر، «محادثة كاميرا تنتظرك»، إنه أبو أنس، أفتح الكاميرا، أرفع يدي محييا، ويرد أبو أنس بالمثل.
- صباح الخير أخي أبو سمير، اليوم اتصلت لأطوف معك في سوق مخيم إربد، هنا بعض الشبان يريدون أن يسلّموا عليك. 
- أهلا أخي أبو أنس بك وبالشباب. 
- خذ هذا الشاب يبيع الخضار. يطل وجه شاب على الشاشة. 
- مرحبا مرحبا، أنا من حيفا، من بيت الحسن، هل تعرف بيت الحسن؟
- طبعا أعرف، من لا يعرف بيت الحسن؟!
- بيت جدي في وادي الصليب، هل تعرف وادي الصليب؟
- أهم معالم حيفا التاريخية، أقام فيه قبل النكبة آلاف العمال العرب من مختلف الجنسيات لقربه من الميناء، فيه تأسست جمعية العمال الفلسطينية عام 1926، وانضم إليها أكثر من عشرة آلاف عضو، وفيه مسجد الاستقلال، وعشرات المعالم التاريخية، تحاول البلدية أن تخفيها وتشوّهها، وتبني المباني الجديدة على أنقاضها. 
- طيّب خذ هذا الطيراوي يريد أن يسلم عليك.
- أهلا وسهلا.
- أنا من طيرة حيفا، في مخيم إربد حوالي خمسة آلاف مواطن أصلهم من الطيرة.
- أهلا وسهلا بالطيراوية. 
- كيفكم أنتم بفلسطين؟ 
- الحمد لله نحن بخير.
- الله يعينكم.
- الله يعين الجميع. 
- تعرف طيرة حيفا؟
- طبعا أعرفها، فيها الكثير من المعالم العربية، غرف المدرسة، وبيت المختار، والمقبرة الكبيرة، وغيرها، ولكن لا توجد سوى أسرة واحدة أو اثنتين من العرب. هذه الأسرة في صراع مع البلدية حول الأرض التي تملكها العائلة، فهي في موقع مهم في وسط المدينة، البلدية حوّلت معظم الأرض إلى حديقة عامة، كي تحرم هذه العائلة من البناء عليها، هناك محاكم بينهم منذ سنوات. 
- خذ هذا الزلمة من إجزم.
- أهلا أخي الجزماوي. 
- هل تعرف إجزم؟ 
- طبعا أكبر قرى الكرمل، مساحتها أكثر من ستة وأربعين ألف دونم، كان عدد سكانها أكثر من ثلاثة آلاف عام النكبة، أقيمت على أرضها كيبوتسات، يعني تعاونيات اشتراكية.
- خذ هذا جاري من أم الزينات..
- أهلا بالزيناتي أهلا.
- أم الزينات حلوة، صحيح؟
- من أجمل قرى فلسطين، قرى الكرمل كلها جميلة، ومنها أم الزينات، وعين حوض، وجبع، وعين غزال وكفرلام، وأبو شوشة، وغيرها، كان عدد سكان أم الزينات عام النكبة حوالي ألف وسبعمئة نسمة، على أكثر من إثنين وعشرين ألف دونم، من أجمل قرى فلسطين، طرد منها جميع سكانها. بقي منهم قلائل يعيشون في القرى القريبة مثل عسفيا.
- طيّب خذ هذا من عراق المنشية. 
- أهلا حبيبنا.
- تعرف عراق المنشية؟ 
-طبعا، هذه تابعة منطقة مجدل عسقلان، أقرب لغزة.
- صحيح، تحياتنا لكم يا أهلنا وأخوتنا.
يعود الهاتف إلى يد أبي أنس: 
- أنا بحب إتصل فيك، إنت بتغيّر لي مزاجي، شو ناوي تكتب هذا الأسبوع لـ «لقدس العربي»؟ 
- الحقيقة عندي موضوع عن كلب ألماني محكوم بالإعدام، يا سيّدي هذا الكلب المحترم قتل صاحبته وإبنها فحكموا عليه بالإعدام، فأقيمت حملة لجمع مليون توقيع ضد إعدام الكلب، وأنا أضم صوتي ضد إعدامه، سأقترح إقامة لجنة تحقيق لمعرفة سبب ارتكابه الجريمة، يجب التروي قبل الحكم على الكلب، يعني يا أخي ليس عدلا أن يقتل البشرُ الكلابَ بلا حساب، وحتى أن بعضهم يأكل لحمها، وعندما يَقتلُ كلبٌ إنسانا تقوم الدنيا ولا تقعد، هذا نوع من العنصرية والاستعلاء على الكلاب. 
- والله مقالاتك مشوّقة، ولكن أخي أبو سمير، الشباب هنا يطلبون أن تكتب عنهم، عن سوق إربد، عن حنينهم لفلسطين، أنتم عرب 48 تعطونا نفَسا، أنتم شهادتنا بأنها بلاد كانت عامرة، ولم تكن فارغة، كما تزعم الحركة الصهيونية.
- أخي نحن وأنتم واحد، الصدفة فقط، هي التي أبقتنا هنا، وأنتم هناك، كان ممكنا جدا أن أكون أنا في مخيم حمص، وأنت هنا في مجد الكروم.
- هل يوجد لاجئون خارج فلسطين من مجد الكروم؟ 
- طبعا، أكثرهم في مخيمات شاتيلا، وعين الحلوة، وبرج البراجنة، وبرج الشمالي، والرشيدية، ومنهم في مخيم حمص، والرمل قرب اللاذقية، واليرموك.
- خذ هذا واحد من الحَدَثة؟
-هلا هلا..
- مرحبا أهلنا في فلسطين، «والله مشتاقين»، هل تعرف الحدثة؟ 
- الحدثة؟ طبعا من قرى الهياجنة – أبو الهيجا – أكثر أهل الحدثة يقيمون في مدينة طمرة، وفي الذكرى السابعة والستين للنكبة، أقيمت مسيرة العودة السنوية على أرض الحدثة وهي سهلية خصبة، مساحتها أكثر من عشرة آلاف دونم، مزروعة بكروم اللوز والزيتون، فيها مَجْمعٌ كبير لمياه الأمطار، تقع جنوب غرب طبريا، يستغل أرضها مستوطنون من الجوار (سارونة وكفار كيش)، قدّم المستوطنون شكوى ضد جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين، وادعوا بأن المشاركين في المسيرة، سرقوا ثلاثة أطنان من اللوز اليابس عن الشجر، أقسم بالله، يا دوب قطف بعض الشبان بضع حبات من اللوز، مسيرة العودة أزعجتهم فعاقبوا المنظمين.
- بدنا مقالك عن الجولة، في سوق مخيم إربد.
- طيّب خيّا أبو أنس، ولا يهمك، بحاول لأنه اليوم الإربعاء، والوقت محشور.
- طيّب، لكان أتركك بأمان الله.
- الله معكم، منحكي.
- إن شاء الله، منحكي.

الأربعاء، 4 أبريل 2018

مذكرات نسائية: حبل الغسيل

21/9/2016
الغسيل ... من الأعمال المنزلية التي تقوم بها ربّات البيوت في مختلف بقاع الأرض، وقد تغيرت طقوس هذه العملية وما يرافقها على مرّ الزمان مع انتقال الغسيل من عملية يدوية إلى عملية آلية، ومن كمياتِ ملابس قليلة إلى إنتاجٍ وفيرٍ جعل الفرد العادي في يومنا يملك من الثياب في خزانته ما لم يكن يملكه كبار القوم في غابر الأيام.
ولعل من أشهر القصص وأجملها المرتبطة بالغسيل وطقوسه -أيام كان الغسيل يتم قرب مياه الأنهار الجارية- قصة تعارف الأمير الأندلسي محمد  بن عباد باعتماد الرُّمَيكية، التي كانت تقوم بعملها المعتاد في غسيل الملابس على ضفة نهر الوادي الكبير، وانتهى اللقاء بينهما بحكايةٍ ما زالت تُروى تفاصيلُها في الكتب وتحكي جمال الحب واستمراره من القصور إلى المنافي ثم القبور.
ومهما اختلفت طرائقُ غسيل الملابس بين الماضي والحاضر وبين منطقة وأخرى إلا أن (نشر الملابس) بعد الانتهاء من غسيلها هو مرحلة لا بدّ منها، ولم يكن ممكناً تجاوزها إلا عندما تمَّ اختراعُ مجففات الملابس الكهربائية، وهي ترفٌ قد لا تملكه إلا نسبةٌ معينة من العائلات في مجتمعاتنا الفقيرة التي تملك شمساً ساطعةً على مدار العام، وتملكها نسبة محدودة كذلك في المجتمعات الغنية التي تؤمن بترشيد استهلاك الموارد في بيئةٍ ملبدة بالغيوم تحتفي بالشمس أيّما احتفال لو انكشفت عنها الحُجُبُ سويعاتٍ في النهار.

ولأني من اللواتي تصيبهن لعنةُ الغسيل مراتٍ عديدة خلال الأسبوع كي تكفي متطلبات أربعة أطفال، فإنّ لي مع الغسيل قصةً لا تختلف عن كثيرٍ من قصص الفتيات، اللواتي قد لا يعرفن طريقاً للغسّالة إلا حين تصير الواحدةُ في بيتها، فتجد أنه لا مفرّ من قدرها الجديد في مواجهة أعمالٍ منزليةٍ تكون في انتظارها خلف الباب الذي تدخله بثوبها الأبيض ليلة الزفاف.
ولئن كان غسيلُ الملابس قد أضحى أمراً لا يسرق الوقت والجهد مع انتشار الغسالات الأوتوماتيكية، التي تعفي ربات البيوت من مراحل الغسيل العديدة التي ترهق البدن وتجفف البشرة وتذهب بساعات النهار ... فإن نشرَ الغسيل مسألةٌ أخرى، لم تتخلص منها الكثيرات مع اضطرارها لاستعمال الحِبال لتجفيف الملابس.
تتعدّد أشكالُ مجففات الملابس وتختلف من مجتمعٍ لآخر ومن دولةٍ لأخرى. وتكمن وراءها فلسفةٌ من نوعٍ خاص تجاه الحياة لا يدركه كثيرٌ من الناس. فإن كان أجدادُنا اتخذوا من أغصان الأشجار وحجارة الأسوار مكاناً  ترتمي عليه الملابس الرطبة حتى تجف، فقد فرضَ أسلوبُ الحياة  ونمط العمارة المعاصرة علينا أشكالاً متنوعةً لتجفيف الملابس  تلتقي في معظمها على فكرة الحبل الرفيع الذي  تُعلَّق عليه الثياب.
لكن السفر والتجوال في بلاد الله الواسعة الذي يمنحك فرصةً رائعةً لتدرك أن الناس من نفسٍ واحدة مخلوقون، لا يمنع أنّ لكلٍّ منهم طريقتَه في أسلوب الحياة التي يرتضيها وتختلف تفاصيلُها بين بلد وآخر، بما ينمُّ عن اختلافاتٍ ثقافية وراء تلك المظاهر التي قد نمرّ عليها مرورَ الكرام في جولاتنا السياحية.
أذكر أنني أول عهدي ببيتي وحياتي العائلية قد اتخذتُ شيئاً جديداً لتجفيف الملابس، وهو منشر الغسيل، فقد اعتادت أمي وجدتي وقريباتهنّ وجاراتهنّ أن ينشرنَ الغسيل على حبالٍ طويلة تمتد على أسطح المنازل والبنايات وساحات البيوت، تستعرض فيها كلُّ واحدةٍ نظافةَ القطع القماشية ونصاعة ألوانها وهي معروضةٌ فوق الحبال بطريقةٍ تسرُّ الناظرين قائلة: هذه شهادتي على أنني ست بيت!!

وعندما أخذتُ في تجهيز بيتي- أقدمتُ على شراء منشرِ الغسيل المعدني في تجربةٍ جديدة لم نعهدها في العائلة، وقد سررتُ بمتعة نشرِ الملابس على حبلٍ لا يتجاوز ارتفاعُه خصري، يمنح اليدين راحةً وهي تقوم بترتيب القطع فوق الحبال القصيرة التي لا تتجاوز مترا بنظامٍ لا استعراض فيه؛ لأن صاحبَ البيت وحده هو من يدرك جمال ذلك النظام، لا الجيران أو المتطفلين كما في نشرِ الملابس على حبالٍ طويلةٍ فوق أسطح البنايات أو الأماكن المكشوفة. وقد حباني اللهُ وقتَها في منزلي بشرفةٍ مشمسةٍ تتسع لمنشرِ الغسيل، فكانت تلك التجربةُ أولَّ شيءٍ أجده يسيراً من مراحلِ عمليةِ الغسيل المرهقة التي تستنزف الجهدَ والوقت... والتي لا بُدّ منها فوق هذا كله!!
وكما تُستَقبَل الأشياءُ الجديدةُ عادةً ما بين رفضٍ وقبول- انتشر الهمزُ واللّمزُ من عائلتي الجديدة بأنّ الغسيل يجب أن تضربه الشمس والهواء خارج الجدران، فما هذه الطريقة في نشر الغسيل أيتها العروس؟! كان هذا التعليق قد استقرّ في باطن عقلي خلايا نائمة تصحو على كل حبل غسيل يصادفني في الشوارع والبنايات وبيوت الأصدقاء وعلى الأرض أمام صالونات الحلاقين، ثم توارى ذلك التعليق حتى غاب. وصرتُ أرى أن الأصل في تجفيف الملابس في الشقق الحديثة هو تلك الحبال المعدنية القصيرة اليسير تناولها وتخزينها، بدل إضاعة الوقت في صعود الأدراج واعتلاء أسطح البنايات ورفع الأيدي لتعليق الأقمشة على الحبال العالية في استعراض مكشوف.
وقد واظبتُ على شراء منشر غسيل مناسب في كل بلد انتقلت للإقامة فيه، وكانت محطتي الأولى في أبوظبي المدينة الخليجية الحارة شديدة الرطوبة، التي يعيش عامة المقيمين فيها في أبنية شاهقة أو متوسطة الارتفاع تخلو معظم الأحيان من الشرفات التي قد تنفع لتجفيف الملابس، لكن الأجواء الحارة الرطبة تجعل تجفيف الملابس في الشرفات  أمراً عبثيا لا طائل منه إذ تعود الأقمشة أكثر رطوبة من ذي قبل وتصبح ذات رائحة غير طيبة، لكن الصورة النمطية لسيدات البيوت في بلادنا الشرقية تجعل الحبال خارج النوافذ وفي الشرفات وفي الأزقة الضيقة بين البنايات مشهداً مألوفاً في الأحياء . حتى اضطرت البلدية إلى منع تلك الممارسات تحت طائلة المخالفات بذريعة تشويه المنظر الحضاري للمدينة!
وكنتُ شخصياً أجد في تلك المشاهد تلوثاً بصرياً يؤذي الذائقة الحضارية للسكان ويجعلهم يعتادون هذه التشوهات (العمرانية) كما اعتادوا مناظر أكياس القمامة قرب الحاويات المخصصة لها!!
إزاء كل هذا رجعت إلى ما اعتدتُ عليه في بداية حياتي البيتية من نشر الغسيل على منشرٍ صغير، ولكن هذه المرة صار تجفيف الملابس داخل الشقة المكيفة وقرب النوافذ الواسعة صديقة الشمس. وقد نجح الأمر وتغلبت بذلك على ما كنت أعتقد أنه معضلة. وتكرر الاعتقاد بوجود المعضلة عندما انتقلت للإقامة في أقصى الشمال البريطاني في مدينة إدنبرة الاسكتلندية، حيث الأمطار الغزيرة طوال العام، وحيث الغيوم لا تكاد تغادرنا، وحيث الشقق الضيقة الخالية من الشرفات ..
وعندما سارعتُ للبحث عن (منشر غسيل) مناسب أعجبني أنني وجدتُ ضالتي  في تصميم جديد لم يفت الإنجليز أن يلائم نمط الحياة التي يعيشون، وكان أجمل ما في فكرة التصميم أنّ ما اعتدْنا عليه من تجفيف الملابس على شكل أفقي قد غدا عمودياً، في تصميم خاص لمنشر غسيل مناسب للمساحات الصغيرة تنتظم فيه الحبالُ المعدنية القصيرة فوق بعضها لا بجانب بعضها بعضاً؛ على نحو يتيسَّر فيه أن تقف الملابسُ الرطبة قرب لوحة التدفئة المركزية فتجفّ على نحوٍ أسرع من كونها على حبالٍ أفقية متراصة جنباً إلى جنب!
لم تنته قصتي مع نشر الغسيل حتى هنا، بل إنني في زيارتي للأندلس الحبيبة إلى قلبي ذات صيفٍ حار، وفي أثناء إقامتي في أحد البيوت القديمة في غرناطة، اضطررتُ لغسل الملابس، وحين فكرتُ في تجفيفها  لم أجد أمامي في الشقة الصغيرة شيئاً مناسباً لا أفقياً ولا عمودياً!! ثم التفتُّ من النافذة إلى الفناء الداخلي المجاور وهو ركن أساسي في البيوت الغرناطية العربية المستمدة فكرتها من (أرض الديار) في البيوت الشامية العتيقة، لأجد أن صاحبة الشقة المسـتأجرة قد أعدَّت مجموعةً من الحبال في المكان، وكأني أستعيد رائحةَ التاريخ المشترك بيننا، أستعيده في تاريخ أمي وجدتي وجارتي وقريبتي وغيرهن في بلادي، اللواتي أنفقن من أعمارهن ما تيسَّر منها في مهمة تجفيف الملابس على الحبال المعلقة على أسطح البنايات.
بعدستي.. من شوارع تل أبيب
 وهو التاريخ (المشترك) ذاته الذي التقطَتْهُ عيوني في مدينة تل أبيب على واجهات البنايات (الحديثة) في الشوارع المتواضعة التي تخترق وسط المدينة، حيث تنتشر الحبال التي تحمل الأقمشة من مختلف الأحجام والألوان، في مشهدٍ يحمل في داخله تناقضات المشهد السياسي المحيط بالمكان. لكنّ بعض اللمسات الفنية لا يضير؛ إذ تنتشر حول معظم حبال الغسيل   سواترُ بلاستيكيةٌ مفتوحة من الأسفل ومن الأعلى، وهي فقط تحيط بمكان تجفيف الملابس، وتستر قبح الأقمشة الرطبة عن العيون، بحيث لا يظهر لأعين المارّة منها شيء، وفي الوقت نفسه تبقى معرَّضةً للهواء الطلق حتى تجف تماماً. في محاولةٍ معقولةٍ للحفاظ على المناظر الحضارية اللائقة للمدينة، وفي الوقت نفسه لا يُظلم سكانُ الشقق المحرومون من الشرفات- من تجفيف ملابسهم بطريقة صحّية وطبيعية.
أما آخر وقفاتي مع حبل الغسيل فكانت قبل بضعة أشهر في الصين، التي شاهدتُ فيها شيئاً لم أره من قبل، ألا وهو نشر الملابس على شرفات الشقق والبيوت، بحيث تعلَّق كل قطعة على علّاقةِ الملابس العادية، ومن ثمَّ تُرفع تلك العلّاقة على سلسلةٍ حديدية عريضة قريبة من سقف الشرفة وتُترك الملابس لتجفَّ في الهواء، فترى الشرفات وقد تحوّلت إلى ما يشبه أن تكون خزانة ملابس لأحدهم مفتوحة أمامك تنظر إلى محتوياتها، ولكنْ ليس في غرفة جارك ... بل في الشارع!.
بعدستي.. مبنى سكن الطلاب
 في جامعة صن يات سين في مدينة  جوهاي/ الصين

الاثنين، 2 أبريل 2018

خط القرار

بقلم: بروين حبيب
جريدة القدس العربي

ولد الحب أولا، ثم ولدت الخيانة بعده، ثم ترافقا معا على خط قدري واحد، مشى الحب في المقدمة، ومشت الخيانة في أثره مستاءة من تلك المسافات التي تفصل الفائز الدائم في تلك المسيرة الحياتية الغريبة.
قدّم الحب قرابينه الجميلة، واستخدمت الخيانة طقوس الاحتيال التي خبرتها بالفطرة للاستيلاء على محاصيل الحب دون عناء…
ثم جاءت الأسطورة الدينية لتؤكد على امتداد جذور الخيانة في التركيبة الآدمية، دون أن نفهم تماما هل كان آدم أول الخلق أم أنه المعجزة التي فصلت تاريخ البشرية إلى نصفين، ما قبل الذكاء وما بعده، مع أنه في كل الحالات هبط من جنان الله بعد أن خان الثقة الربانية..!
ثم جاءت الكتب على اختلافها، لتؤكد أن الخيانة هي التي تصنع الحدث، و هي التي تغذي الحياة بالاستمرار، وهي التي تُبنى عليها جماليات الأقوال و المقولات و الحكايات. فقبل تلك الخيانة العظمى لم تعد السكينة تسود الكون إلى يومنا هذا. 
تتلوّن الخيانة بألوان قوس قزح، أي أنها ترتدي أجمل حللها، و لها قدرات عجيبة غريبة، إذ بإمكانها أن تخترق السماء والماء، وتشق دروبها في الأراضي الوعرة وتبني مبانيها الشاهقة فينا وحولنا، فتجمع الخونة بالمحبين، وتكسر قلوبنا، وتفرق بين الناس، وتنشئ بينهم عداوات لا نهاية لها، ومع هذا لا نجد سبيلا لنبذها نهائيا من حياتنا، وكأنّها الملح الذي يعطي مذاقا طيبا لأيامنا، وكأنّها بكل أقنعتها البراقة روح الحياة، وكل ملذاّتها…
لا مكاسب للخائن حتى وإن كانت لنفسه، لأنّه لا يتلذذ بالنهايات السعيدة، و لا تهدأ نفسه إلا بتلويث حياة من حوله، لا ود علني له، ولكن الجميع يكن له محبة مبطنة، أو لنقل إنه محاط بالقبول الخفي، وإن كرهه البعض فإن البعض الآخر بحاجة إليه إلى أن تتحقق مآربه، ولهذا يُصِرّ على ممارسة هوايته علنا، ليس تباهيا بل ترويجا لمواهبه، ويبدو أن فعل الخيانة مقترن بمتعة ما، وإن كانت مؤقتة ويتبعها في الأخير ندم وحسرة، و إلاّ لماذا يخون الحبيب حبيبه والصديق صديقه…والآدمي خالقه؟ 
يولد الخير، ثم يليه الشر مرادفا، يجتمع الخير بالحب، و يجتمع الشر بكليهما، ألم يقل الأقدمون « و من الحب ما قتلـ«؟ فكيف للحب أن يقتل؟ و كيف للشر رغم بشاعته أن تُمنَح له فرصة ليعيش إلى الأبد؟ و إن شئنا أن نطرح الأسئلة المستحيلة فلنبدأها بالسؤال الذي يتهدد كل أسس إيماننا، لماذا يُمنح الشيطان فرصة ليعيش؟ ويُعاقب آدم عبر رحلة أرضية طويلة الأمد يرى فيها كل أنواع الأهوال مع سلالته…فيما ينتهي دور الشيطان في بدايته، ويصبح مقتصرا على إطلالات قليلة هي تبعات الكارثة التي حدثت بسببه.
يدور الأدب في فلك الحب والخيانات والدسائس أيضا، وكلما كان قريبا من هذه النفس العامرة بالمشاعر المتناقضة، كلما كان الأدب أنجح، وأقرب للمفهوم الإنساني العميق…
ويبدو أن خط الحب وحده لا إثارة فيه، وهو نفس خط الخير، وأن الحكمة من هذه الحياة تكمن في هذا الصراع المستمر بين هذه المشاعر المتناقضة.
حتى الناس يكتفون بهذه العناصر كملح لحكاياتهم، وهم لا يطلبون أكثر منها، أما القلة الذين يريدون حياة مثالية، تنبع من العدم الذي نجهله وتسلك مسارا واضحا وجميلا ومملا فهؤلاء حتما نقاد حالمون…فالخيانة والغدر و التخلي و ما شابهها أشياء تسكننا، وليس من الضروري أن نراها عند الجيران أو في الأفلام أو نقرأ عنها في القصص الديني لننسبها لكبير الخونة أو في مسرحيات شكسبير لننسبها للساحرات الشريرات، كل تلك العناصر المقيتة موجودة في داخلنا، وهي تتناسل في خلايانا وتتوالد عبر أجيال البشرية جمعاء…
في نصوصنا لا شيء مُبتكر، نحن نصف الأشياء كما نعيشها، نصف تلك الأصوات الصاخبة في داخلنا، و التي لا يسمعها الآخرون، نصف الخيانة كما هي في أعماقنا، سواء قمنا برعايتها علنا أو بقمعها وإخماد عنفوانها، إذ يبدو أن ازدهار تلك المشاعر والسلوكيات البغيضة خاضع حكما لقرارات نتخذها خلال عملية التفكير. بالتالي لا أدري إلى أي مدى يمكننا أن نحتفظ بتلك الشرور في صناديق رؤوسنا وتفكيرنا وقلوبنا؟
هل يمكن تخيل العملية بعد تفكيك عناصرها الأساسية، والتركيز عبر منظار الرؤية لتبَيُّنِ منبع الشيء وطريقة قمعه؟
تبدو العملية بأسرها عملية معقدة وهي في الغالب لا تهم الأغلبية منا، لكن هذا ما فعله بالضبط كل الذين اخترعوا الأدوية لأمراض مستعصية، و أجهزة لتسهيل حياتنا، وغيرها من عمليات التفكيك التي كشفت البنية الحقيقية لكل مكون أمامنا…
كلنا نتاج عملية تركيب لعناصر عديدة، وكما في علم الكيمياء الذي كشف سر الماء والهواء ومكونات العالم الذي نعيش فيه، فكذلك هو جسم الإنسان، اكتشف علم التشريح بعضا من أسراره، وتطورت العلوم لتفكك كل عضو من أعضائه، والآن نقف عند هذه النّفس التي تعج بكل ما يصنع منا ما نحن عليه، من رغبات وميولات وصفات جيدة وأخرى سيئة.
و أعتقد أن ما قرأناه لسيزار لومبروزو في الثانوي، ونحن مراهقون، ما كان يجب أن ندرسه آنذاك، لأن إستيعابنا للموضوع كانت تواجهه قلّة التجربة و قلة القراءات، وفي ذلك العمر ما كنا لنناقش تلك النظريات جميعها، بل كنا نتقبل النظرية مرفقة بنفيها جملة وتفصيلا لأنها لا تتفق مع خلفياتنا الدينية و الثقافية، ولعل أكثر ما جعلنا نقذف بشخص لومبروزو إلى سلة المهملات التي في رؤوسنا هي أنه يهودي، وهذا كان سببا كافيا آنذاك لتأكيد خبله…
أما الجامعات الجادة والأكاديميات المخصصة للبحث فقد وضعت معطيات الرجل أمامها وتعاملت معها بشكل علمي، ما أفرز نتائج مبهرة لدراسات حول موضوع الإجرام وفكك ألغازا قربت الحقيقة لمحاربي الجريمة و السلوكيات العدائية، ولعلنا نهمل فضله في التأسيس لعلم الجريمة، وإطلاق اختبار الكذب عبر جهاز يقيس نبض القلب…
عودتي لنظرية لومبروزو تقوم على كون الشر والخيانة والغدر وحب إيذاء الآخر بذور مختبئة فينا ولها ما يغذيها دائما، ولكي لا نبرر وجودها و نبيحه بسبب تلك المغذيات توقفت عند الحد الفاصل بين الخير والشر وهو « خط القرار» و هو وحده يرمي المسؤولية على صاحبه، و إن كنت أدرجت بعض العناصر الشريرة تحت عنوان واحد فإن ما يكتبه الروائيون عادة لا يختلف عن هذا العنوان الشامل لما عاشوه وعايشوه، فكل تعب وليد تراكمات، و كل حادثة خيانة تصادفها ثقة زائدة، والعجيب اليوم أن تلك الثقة سواء زادت أو نقصت إنما سببها مادة يفرزها الدماغ، وأن الرغبة في الخيانة كذلك…
خط القرار ذاك في النهاية ليس أكثر من تأثير مادة في أدمغتنا. بالله عليكم ألا تدهشكم « كيمياء الرأس « هذه؟ ألا يدهشكم أننا مستقبلا قد نُعدّل جميعا لنصبح كائنات مسالمة وطيبة؟ ألا يخيفكم أن تتناولوا تلك الحبة السحرية التي تمحي كل أثر للشر فيكم؟ شخصيا يخيفني الأمر..!

الخميس، 1 مارس 2018

ممنوع الاقتراب

بقلم
سما حسن
1 مارس 2017
يقولون إن الحقيقة كالشمس، من الصعب أن نحدّق بها طويلاً بعينين عاريتين، وحقيقة من نحب حين تُكشف، قد تودي بنا إلى صدمةٍ تُنهي العلاقة، أو تجعلها في حالة موت سريري، وكلنا أُغرمنا بكتّابنا وشعرائنا المفضّلين في مرحلةٍ من أعمارنا، علاوة على أننا، أي الجنس اللطيف، نُغرم في كلّ وقتٍ بممثل أو فنان، بغض النظر عن أعمارنا، فحبّ شخصية مجسّدة على الشاشة لا يعرف العمر، ولا يجيد وضع المستحيلات، ويتجاوز الخطوط الحمراء، حتى تفيق على حقيقة البطل بحادثةٍ تتناقلها وسائل الإعلام، فتُفجع فتاة وتُصدم امرأة حالمة، وتبكي سيدةً مرهفة، كانت تفتتح صباحها بموسيقاه، وتنهي نهارها بمشاهد من فيلمه الأخير. 

تقول رنا قباني، في أحد مقالاتها عن علاقتها بالشاعر الكبير محمود درويش، حين كانت زوجة له، إنها صُدمت حين رأت بيت الشاعر الذي أحبّت، والذي جعلها ترى الوجه الآخر للشاعر، بحيث لم يستطع زواجها منه أن يصمد أمام هذا الوجه، فهي تكتب عن تدنّي ذوقه في بيته المتواضع، فرنا قباني ذات جذور أرستقراطية، وفوجئت ببيتٍ لا يشبه ما نظمه الشاعر عن القهوة والأكواب والشرفات، فهي تقول، بكل جرأة، إن شقّته تخلو من الشاعرية، وأدوات المائدة لا تحمل أي رموزٍ ثقافية، وهي قد توقّعت أن يكون بيته أوسع وأرحب مما اعتادت. وهكذا انتهى الزواج، أو زالت الصورة الخيالية، فلم تستطع أن تُكمل مع الشاعر الذي ما زالت الشابات يقتبسن كلماته، كلما أردن التعبير عن مشاعر يشعرن بها، ولا يجدن غيره وسيطاً لتوصيلها. 
إذن، ضاع حب رنا الشاعر، حين رأته في الواقع، وهذا لا ينفي أنه كان مصدوماً مما رآه فيها، ولفت انتباهه، وجعله يطلب يدها للزواج، وهكذا ظلّت تجربة ذلك الزواج تضع علامات استفهام كثيرةٍ، ومنها: هل الاقتراب ممن نحب كثيراً يشوّه الخيال، ويجعلنا نبكي ونُصدم ونُخذل؟ وهل من الأفضل أن نبقى غارقين في الخيال، حتى النهاية؟ 
هناك فكرة شائعة لدى علماء النفس أن على الإنسان المُغرم بشاعر أو كاتب ألا يلتقيه في الحياة العامة، لكي لا يراه إنساناً عادياً لديه السلبيات والإيجابيات، ولكي نحافظ على الوهم، ونظل نقرأ لهم، وأمام هذه النظرية أو الفكرة، نتساءل أيضاً: هل علينا أن نُبقي كتّابنا وشعراءنا وفنانينا كالأشباح والصور الثمينة. 
في سني مراهقتي، كنت مغرمةً بكاتب مصري يؤلف روايات للجيب خاصة بالشباب، وكانت روايته تصل إلى فلسطين بصعوبة، لكني كنت أحرص على اقتنائها، لكي أعيش في عالمه السحري، عالمه الذي انتشلني من واقع مجتمعٍ مقيّدٍ بالعادات والتقاليد، ومتهالك من ظلم المرأة، ونظرته الدونية لها. صرت أحلم به، وأتخيّل نفسي ألتقيه وأتحدّث إليه، فأقف بين يديه كأني راهبةٌ في محراب، حتى مرت السنوات، وأنا لم أر منه إلا صورة شخصية لوجهه، والتي توضع على الغلاف الأخير لكل رواية ينشرها، والتقيته مصادفةً حين كنت في زيارة لمصر، وكان ذلك على شاطئ البحر. وقتها، انهارت الصورة وتكسّر الحلم، كما تتكسر الأمواج على الشاطئ، فجعني منظره، طريقة التهامه الطعام، وزجره بائعاً جائلاً مرّ بجواره، فبكيت كما لو كنت أُودع حبيباً الثرى، فلم أتخيّل لحظة أن هذا هو فارسي الذي كان يحملني فوق حصانه إلى عالم الخيال والسحر. 
درس جديد نتعلّمه من الحياة، وهو ألا نقترب كثيراً، فربما يكون سبب فشل معظم الزيجات التي تمّت بعد قصة حبٍّ هو الاقتراب، وربما يكون الإنسان نفسه هو من قرّر أن يخدع نفسه، حتى وقع في شرك الوجه الآخر. تساؤلات كثيرة تجعلنا، حين نفشل في الحب، نبحث عن قصة حب مع كاتب من كتاب العصور القديمة، لأن تواريهم منحهم سحراً ما زال يعبق عبر الزمن، أما من أحببناهم وعاصرناهم فهناك من قلّل من وطأة أسطوريتهم، كما حدث مع رنا قباني ودرويش، مثالاً من قائمة تطول.