أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 2 أكتوبر 2016

سوبر ماما

بقلم مي ملكاوي 
مدونات الجزيرة




فتحت فمها مندهشة: غير معقول... ماجستير ولديك طفلتان؟"
ابتسمتُ وأنا أساعدها وهي تقوم بفحص "مريم".. وعلقت وهي تنظر ناحية "ميرة" التي لم تتوقف عن القفز في الغرفة منذ دخولها "أنا لا أعرف كيف فعلتِها؟... أنا حقاً منبهرة". 
كانت تلك الأخصائية في عيادة الأطفال، ألتقيها لأول مرة بعد غياب الأخصائية التي اعتدناها، وقد بدا عليها الفضول لمحاورتي. لكنني لم أستطيع إلا أن أقول لها: "أعرف الكثيرات ممن يقمن بأكثر من هذا، لي أخت تحضر الدكتوراة ولديها أربعة أبناء أنجبت آخرهم في فترة مناقشتها الأخيرة، كما أنني أعرف أكثر من صديقة حصلت على الدكتوراة في نفس الوقت الذي أنجبت فيه أطفالها كلهم، وعندي صديقات يقمن بعشرين مهمة وعمل بذات الوقت". زاد انبهارها، وقالت لي إنها أم لثلاثة لكنها لا تستطيع فعل شيء آخر سوى عملها اليومي، وأكدت إن الأمور صعبة. 
ليست هناك وصفة جاهزة تجعل من المرأة إنساناً ناجحاً، لأنها ببساطة مثل الرجل تحتاج الى قوة وعزيمة وإرادة للاستمرار، تضيف إليها قوة تحمل للضغط الكبير. 
لم يكن الوضع يسمح بمزيد من النقاش لكنها أدارت بعقلي الكثير من الكلام.. وتذكرت تعليقاً لإحدى الفتيات على مقالة كتبتها عند حصولي على شهادة الماجستير، قائلة: "لماذا علي أن أصل الى حافة الانهيار؟ أمومة وغربة وزواج ودراسة وعمل لماذا كل هذا؟".. وقد ردت عليها صديقتها معللة رغبتها في أن تكون مثلي "سوبر ماما" لأن في الأمر شعوراً جميلا وإنجازا رائعاً.
علقت معهما يومها.. وضحكت على نقاشهما، وتذكرت بالفعل كم كان الأمر صعباً، وكيف مرت أيامٌ متوترة وأخرى نكِدة حزينة، وأيامٌ بطيئة ومزعجة وأخرى سهلة جميلة.. وتذكرت كيف أنني كنت أنهار بالفعل في لحظات الضعف وأرتمي باكية في رغبة حقيقية بأن يتوقف الزمن كي أحظى بلحظات راحة أو بساعات نوم بدون تنغيص.
لكن هناك حقيقة يجب ذكرها: أنا لم أكن ولا للحظة واحدة لوحدي، كان الجميع حولي يساندونني: زوجي.. أختي الكبرى عبر الهاتف اليومي.. أهلنا من الجانبين، الكل كان يساندني من حيث لا يدري. ولو كان للحق أن يقال فإنني حقاً لم أقم بالأمر وحدي. 
أنا لست "سوبر ماما" ولا سوبر أي شيء آخر، فالمرأة الخارقة ليست سوى في الأفلام الأمريكية، وكل شخص في هذا العالم وليس فقط كل إمرأة عنده حدّ تنتهي عنده طاقته وقوته، ويحتاج الى أن يملأ خزان وقوده بكم كبيرٍ من الراحة الحقيقية، ولكن هناك أشخاصاً خزانات الوقود عندهم ذات سعة كبيرة فعلاً.. وهنا تكمن الفروقات في الإنجازات.

ليست هناك وصفة جاهزة تجعل من المرأة إنساناً ناجحاً لأنها ببساطة مثل الرجل تحتاج الى قوة وعزيمة وإرادة للاستمرار، تضيف إليها قوة تحمل للضغط الكبير، وبظني فغالبية النساء تستطعن ذلك بل إنني رأيت بعينيّ نساءً يقمن حقاً بعشرين مهمة في نفس الوقت ولا يشتكين. على الأقل أنا كنت أبكي كالأطفال في الأسبوع مرتين أو ثلاثة عندما تتراكم الواجبات الى جانب مهام العمل. ولكن الظروف والمحيط المتفهم قد لا يتوفر لكثيرات؛ بل قد تكون الحروب والنزاعات أكبر الدلائل على معنى الظروف الصعبة التي تمر بها النساء، لكن ذلك لا يمنع ولم يمنع كثيرات من التميز والاستمرار، وقد صرنا نرى كثيراً من الأمثلة الحية لنساء تحدين واقعهن بالفعل كي ينجحن وينطلقن.
عالمات ورياضيات ومخترعات وفنانات ورائدات أعمال وغيره، وهذا خلق حالة من الـ"غيرة" الإيجابية أو العدوى الإيجابية فأصبح الجميع راغبين بأن يكونوا جزءاً من هذا التميز. 
لا تحدثوني عن نساء خارقات، حدثوني عن همم حقيقية لا تغمض جفنيها عن أحلامها.. تسعى إليها سعياً وتضرب الأرض لتحقيقها 
لأن النجاح ببساطه هو إرادة.. وقد ذكر القرآن في الآية 28 من سورة يوسف "إن كيدكن عظيم" ورغم أن الكيد ذكر في مواضع كثيرة أخرى في القرآن الكريم في كثير منها ايجابية، إلا أنني أعتقد أن الله عزوجل خص المرأة بقدرتها على تسخير قوة عقلية هائلة حينما تريد شيئاً.. ولست أني هنا الكيد السلبي من غيرة وسواها، إنما أنا أعني مهارتها في التحايل للحصول على ما تريد سواء في بيتها مع عائلتها أو مع صديقاتها أو في عملها أو أي شيء آخر.. وهي تستطيع استخدام الحيلة الطيبة للوصول الى نجاحها الذي تصبو إليه.
هيلاري كلينتون - وقد استحضرت مثالها عمداً بغض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا عليها- فقد تمكنت من الوصول الى المرحلة الأخيرة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وقد تصبح رئيستها خلال أيام معدودة وذلك لم يكن سهلاً أبدا على غيرها، وهي ليست إمرأة خارقة بالتأكيد، لكن كل الظروف والشخصيات والسياسات من حولها ساعدتها وهيئت لها هذا الوصول، وبالتأكيد جهدها وشخصيتها ساهما معها أيضاً.
لكن انظر الى أمثلة أخرى من نساء رائدات في مجالات متعددة.. وأسألهن عن الصعوبات الحقيقية التي واجهنها من إمراة مات عنها زوجها فربت أبنائها بإخلاص وليس في جيبها شيء، الى إمرأة هربت من الحرب وفقدت أبنائها أو أهلها لكنها تابعت مسيرتها في الحياة بقوة وبرزت، الى نساء قدمن لنا أمثلة حية في العلوم والاقتصاد والسياسة والفنون الأخرى. 
لا تحدثوني عن نساء خارقات، حدثوني عن همم حقيقية لا تغمض جفنيها عن أحلامها.. تسعى إليها سعياً وتضرب الأرض لتحقيقها.. نغبطها وننبهر بها نصفق لها جميعاً وكلنا "غبطة" أن نسير على ذات الطريق.