أرشيف المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 17 أبريل 2019

روايات كارتون ومركز الزهرة.. كيف أطَّـــر الفنُّ جيلاً كاملا؟!

بقلم:أيوب واوجا
مدونات الجزيرة

ارتبطت طفولة جيل التسعينات وبداية الألفية بعدة رسوم متحركة خصوصا مع ظهور اللواقط التلفازية وبداية انتشار القنوات المخصصة للأطفال كسبايس تون وأرتينز، رسوم متحركة أثرت في حياة جيل بالكامل، حتى صرنا نقلد أبطالها ونتناعت بأسمائهم ونغني جنريك البداية ونتسابق بعد نهاية الدوام المدرسي للتسمر حول التلفاز لمشاهدتها وتعلم المشاعر الإنسانية والأخلاق.. غير أن حداثة سننا أنذاك لم تكن تسمح لنا بالبحث في تاريخ تلك الرسوم المتحركة، فكل مسلسل كارتوني كان يخفي ورائه تاريخا ممتدا لسنين طويلة من الأدب والرواية قبل أن يتحول لرسوم متحركة تذاع بشكل مبسط موجه للأطفال في قنواتنا العربية.
ريمي:
كم بكينا بشدة ونحن أطفال على موت العم فيتاليس في المسلسل الكارتوني ريمي، مسلسل لامسنا فيه الحزن وجربنا فيه ونحن أطفال التعاسة والشعور بالحرمان الذي عانت منه الطفلة ريمي، لا زالت أفواهنا رغم كبر سننا تصدح بكلمات أغنية الجنريك العربية بصوت رشا رزق. 

المسلسل ياباني الإنتاج من موسمين ظهر أول مرة في الثمانينات وعرض لأول مرة مدبلجا في نهاية التسعينات، المسلسل في الأصل مأخوذ من رواية "فتى بلا عائلة" للأديب الفرنسي هكتور مالوت، في الرواية ريمي طفل وليس طفلة على عكس المسلسل، وتتحدث الرواية عن معاناة الفتى ريمي بعد اكتشافه أنه متبني ويتم بيعه من طرف والديه اللذان تبنياه للعم فيتاليس العم الإيطالي الذي يقوم بعروض مسرحية متجولة رفقة قرده وكلابه، وبعد وفاة العم فيتاليس يقرر ريمي البحث عن عائلته الحقيقية.


عهد الأصدقاء:
"وتهدينا الحياة أضواء في أخر النفق.. تدعونا كي ننسى ألما عشناه" من منا لا يتذكر هاته الكلمات بصوت رشا رزق، ومن منا استسلم لكن قال لا فما دمنا أحياء نرزق وما دام الأمل طريقا فسنحيا.. 

إنها كلمات شارة مسلسل عهد الأصدقاء الذي يحكي عن صديقين يعملان في تنظيف المداخن ويعيشان المآسي والأحزان، لكن المأساة الكبرى تنبع من كون تفاصيل المسلسل ومعاناة الأطفال فيه حقيقية للغاية! تعود القصة الكاملة وراء المسلسل ليوم كانت فيه الكاتبة الألمانية ليزا تيتزنير تتصفح الجرائد فقرأت خبرا عن موت ثلاثين طفلا سويسريا يعملون في تنظيف المداخن غرقا في باخرة كان من المفترض أن تتجه لإيطاليا، فسرحت ليزا بخيالها متخيلة حياة هؤلاء الصبية، حياة أرغمتهم عن اعتزال اللعب مبكرا والدخول في رماد المداخن والسواد، ومن خيالها ذلك اليوم انبثقت رواية الإخوة السود die shwarzen bruder سنة 1941.

تربع الفنان طارق العربي طرقان على عرش شارات أفلام الكارتون، وقد استغل دراسته للفنون في كلية الفنون الجميلة بدمشق لينتج للأطفال شارات تغني حواسهم وترفع من ذوقهم
رغم أن الرواية مليئة بالحزن والبؤس كثيرا، إلا أنه كان بؤسا حقيقيا مقتبسا من تفاصيل حياة الأطفال الفقراء لإقليم تيسينو السويسري الذين كانوا يضطرون للاشتغال في إيطاليا في تنظيف المداخن لمساعدة أسرهم لتغطية مصاريف العيش. نجحت الكاتبة في وصف معاناة الأطفال مع أرباب عملهم في إيطاليا وسلب أجورهم وتجويعهم. من كل هاته الأحزان الحقيقية، أخرجت ليزا للوجود بطل روايتها جورجيو (روميو في الرسوم المتحركة)، والذي عاش نفس حياة أطفال إقليم تيسينو من معاناة في صقيع إيطاليا وجوعها وسواد مداخنها، هذا الألم الذي لم يخفف من شدته سوى أصدقائه الأخرين ومعهم يبدأ عهد الأصدقاء. تم تحويل الرواية سنة 1995 إلى رسوم متحركة يابانية بعنوان سموات روميو الزرقاء انتقلت فيما بعد للمشاهد العربي فتعلمنا مع روميو كيف نجابه الأيام وعلمنا أيضا معنى الوفاء فروميو يحفظ عهد الأصدقاء.

سالي وتوم سوير:
سالي الطفلة ذات العشر سنوات التي تنقلب حياتها رأسا على عقب بعد وفاة أمها فتضطر للرحيل من الهند إلى لندن للعيش مع أبيها الذي سرعان ما يموت هو الأخر فيتركها وحيدة وهنا تبدأ المغامرات. تعود القصة الأصلية لمسلسل سالي الكارتوني إلى رواية للفرنسية فرانسيس هودوسون بعنوان "سارة كرو" سنة 1905. 


الكثير من المطلعين على الأدب الغربي يعرفون الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين، غير أن القليل يدرك أن هذا الكاتب كان وراء مسلسل كارتوني انتشر في العالم العربي في التسعينات عنوانه توم سوي ، اقتُبس المسلسل من رواية بنفس الاسم لمارك توين ويتحدث عن فتى شقي يدعى توم سوير ومغامراته مع رفاقه في قرية بضفاف المسيسيبي.





مركز الزهرة.. في خدمة جيل بكامله:
لا بد أنكم قد لاحظتم في نهاية كل مسلسل كارتوني مدبلج في التسعينات ظهور اسم وعلامة مركز الزهرة، هذه الشركة المختصة في الدبلجة التي كان لها الفضل الكبير في إدخال المسلسلات الكارتونية العالمية لمنازل أطفال العرب يعود الفضل في إنشائها لشخصين اثنين هما الأردني فايز الصباغ والسوري ماهر الحاج ويس وهما أيضا مالكا قناة سبايستون الشهيرة. اُنشئ مركز الزهرة سنة 1985 ليكون بذلك أول مركز مختص في ترجمة المسلسلات الكارتونية وبيعها للقنوات العربية الحكومية، وبعد 15 عام قرر المالكان إنشاء قناة سبايستون سنة 2000 لتكون بذلك المنصة الأولى لعرض أعمال مركز الزهرة ولخدمة جيل كامل من الأطفال العرب.

طارق العربي طرقان..صوت الحنين والذكريات:
أي شخص مهتم بالفن والإبداع يدرك جليا أن أصعب أنواع الفن هو ذلك الذي يوجه للأطفال، فهو المؤسس الأول لوعي وأخلاق هاته الفئة، وأطفال التسعينات وبداية الألفية يعرفون جيدا اسم طارق العربي طرقان، ابن دمشق الذي جمع بين روح المشرق العربي (منطقة مولده) وروح المغرب الكبير (أصوله الجزائرية)، فتولدت فيه أرض خصبة للإبداع ترجمها لكلمات أغاني لا زلنا نرددها لحد الآن.
لقد تربع الفنان طارق العربي طرقان على عرش شارات أفلام الكارتون، وقد استغل دراسته للفنون في كلية الفنون الجميلة بدمشق لينتج للأطفال شارات تغني حواسهم وترفع من ذوقهم وتنمي لديهم الحس الإبداعي والشِعري. انضم طارق لمركز الزهرة وأظهر منذ البداية حسه الفني العالي، فقد عُرفت موسيقاه بكونها تنتمي للسهل الممتنع، بساطة اللحن كانت تخفي نوتات موسيقية متنوعة ومعقدة، تفوقه الشعري ظهر في كل الأغاني التي قام بتألفيها ونذكر منها هذا البيت الجميل من شارة مسلسل ماوكلي: "فلتحذر أن تُغدر.. استخدم عقلك أكثر.. وحدك عود غض وطري.. والجمع عصا لا تُكسر".


تمضي السنين وتبقى رشا صوتا للطفولة:
لا يمكن تخيل شارات البداية دون صوت الفنانة السورية رشا رزق، ارتبطت ذاكرة جيل من الأطفال بصوت رشا الملائكي، جيل لم يكن متاح له الاستمتاع سوى أمام الشاشة الصغيرة. عملت رشا رزق مع مركز الزهرة كمسؤولة عن الدبلجة كما شاركت طيلة سنين في الغناء وكتابة الشارات، عملت كأستاذة موسيقى في المعهد العالي للموسيقى بدمشق، كما أنها قدمت عدة حفلات في باريس ومونتريال وشاركت رفقة زياد رحباني في حفلاته ولعبت دور جمانة في أول أوبرا عربية قُدمت في قطر.
"عندما نقوم بتأسيس جيل نعطيه موسيقى جيدة، نرفع من سوية الفن لديه ونحارب الموسيقى اللاأخلاقية والتي لا تتمتع بالسوية الفنية ونسرق أذن المستمع الطفل إلى موسيقى ومعاني راقية"
- رشا رزق