كتاب: الترجمة في
الأندلس ودورها في النهضة الأوروبية الحديثة
عرض وتقديم: د. رشأ الخطيب
اسم الكتاب: الترجمة في الأندلس
ودورها في النهضة الأوروبية الحديثة
الناشر: دار التنوير، الجزائر - 2012
المقال
منشور في مجلة ( المنتدى )، منتدى الفكر العربي/ عمّان، المجلد 29 العدد 259 كانون الثاني-نيسان
2014
ما زال للأندلس سحر خاص يجذب الباحثين في سعيٍ متواصل
لاستكناه أسرار هذه التجربة الحضارية الفريدة في العالم، ومن هذه المساعي قدم د.
مصطفى داودي (أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة زيان عاشور/ الجزائر) محاولته
لدراسة الترجمة في الأندلس، وهو موضوع جدير بالبحث والتحقيق، وفيه جوانب
متعددة تكشف عنها الترجمة بوصفها وسيلة من وسائل التواصل الحضاري والتثاقف بين
الأمم، التي اكتسبت أهمية خاصة في الأندلس زماناً ومكاناً؛ لما لها من دور في
النهضة الأوروبية الحديثة التي تقطف البشريةُ اليوم من ثمارها.
تتضمن هذه السطور عرضا وصفيا لمحتويات الكتاب وملاحظات
نقدية على منهجية البحث وتنفيذه.
عرض المحتوى:
انتظم الكتاب في مقدمة وفصول أربعة، في خطة حاول فيها
المؤلف استقصاء فعل الترجمة في الأندلس، وأهلها والقائمين عليها، وتمثلاتها على
المستقبِلين لها من أفراد ومجتمعات، وما كان لها من دور في النهضة الأوروبية. فكان
قد وقف في الفصل الأول على الحياة السياسية والفكرية في الأندلس، وفي الثاني على
نشأة الترجمة بالأندلس، وفي الثالث على رحلة المعرفة الإسلامية إلى الغرب، ثم كانت
المحطة الأخيرة حول الترجمة والتفاعل الحضاري بين الشرق والغرب.
ويكمن الدافع على إصدار هذا العمل في إبراز الدور
الحضاري للأندلس وما قدمته للحضارة الإنسانية، خاصة في النهضة الأروربية الحديثة،
وهو دافعٌ له وجاهته وأهميته، رغم محاولات طمس دور الحضارة العربية الإسلامية من
قبَل بعض العلماء الأوروبيين لأسباب عنصرية أو دينية، أو لأسبابٍ تتعلق بمجرد
الجهل بما قدمته الحضارة العربية الإسلامية في مسيرة الحضارة الإنسانية الشاملة.
وقد نبه المؤلف على أن دراسة التاريخ الأندلسي تمتاز عن
غيرها من دراسة التاريخ الإسلامي بأنها تتطلب النظر في الرواية العربية من جهة وفي
الرواية غير العربية من جهة أخرى، لأن واحدة منهما لن تقدم إلا صورة منقوصة الجانب
عن التاريخ الأندلسي ولا تكتمل الصورة إلا بالرواية المقابلة الأخرى.
وقد انتهج الباحث في عمله هذا منهجاً مؤتلفاً من مناهج
عدة: التاريخي والوصفي والاستقرائي والإحصائي؛ نظرا لاتساع مادة البحث زمناً
وموضوعا، وكان من بينها اللجوء إلى المنهج الإحصائي موفقاً في محاولةٍ جيدة
للإحاطة بالمصنفات التي جرى تأليفها أو دخولها إلى الأندلس في مختلف العصور، وكانت
سببا في قيام الترجمة في تلك البلاد بعد حين، وكان لهذا المنهج ميزة يتحلى بها
الكتاب وهي الإتيان بمسرد للمصنفات المتنوعة في الأندلس التي كان لها دور في
الحركة الفكرية وفي حركة الترجمة التي تمت هناك وأسهمت في النهضة الأوروبية
الحديثة.
الفصل الأول: نبذة عن الحياة السياسية والفكرية بالأندلس
وقف المؤلف في
الفصل الأول وقفة طويلة على الحياة السياسية والفكرية في الأندلس منذ القرن السادس
حتى التاسع الهجري (ق12- ق15م) وقد استغرق منه هذا الفصل نحو سبعين صفحة ابتدأ
بالقول فيها على أصل لفظ الأندلس وخاض في تفاصيل التاريخ السياسي للمسلمين هناك،
وربما كان هذا تطويل في قول معاد مكرور في مظان كثيرة ومصنفات سابقة عديدة حول
الأندلس.
ويرى المؤلف أن الثقافة الأندلسية الخاصة والحياة
الفكرية الأندلسية لم تنشأ هناك بمجرد فتح تلك البلاد وخضوعها للمسلمين؛ إذ ظلَّت
الأندلس تستقبل عناصر الإنتاج الفكري وتدوِّن التراث الشفوي حتى استقرار عهد
الإمارة الأموية فيها بعد الفتح بنحو أربعين عاما، وهي المدة التي شهدت دخول
التأثيرات الفكرية والثقافية إلى الأندلس، كما امتازت بالتطلع إلى الثقافة
المشرقية ودخول المؤلفات والمصنفات الكبرى قادمة من المشرق، هذا إلى جانب انتقال طلبة
العلم بين المشرق والأندلس وبث العلوم والمعارف في أرجائها. وفي العصور التالية
للإمارة بقي المجتمع الأندلسي على صلته بالتقدم الحضاري الذي وصلت إليه البلاد، إلى
أن تفرّق علماء الخلافة الأموية على بلاطات ملوك الطوائف التي أتاحت الفرصة للمعان
مدنٍ جديدة بالعلوم والآداب. كما أسهم الانفتاح والحرية في أن يكون عصر ملوك
الطوائف أزهى العصور فكريا. واستمر الازدهار الفكري والعلمي في العصور التالية على
نحوٍ ما. وعلى الرغم من التراجع السياسي الذي بدأ يصيب الأندلس إلا أنها بقيت
منارة إشعاع حضاري، جعل من الحضارة الأندلسية بمجملها ومختلف جوانبها هي الدافع
الأكبر في ظهور ما يعرف بالنهضة الأوروبية من خلال الترجمة في الأندلس.
الفصل الثاني: نشأة الترجمة بالأندلس
كان من عوامل ظهور الترجمة استقرار الوضع السياسي في أوروبا
ابتداء من القرن الحادي عشر الميلادي، ويقظته وتحرره من سلطان الكنيسة الذي ران
عليه لقرون، ثم كان الاتصال الثقافي بين أوروبا
والمسلمين، الذي أدى إلى ظهور حركة الاستشراق (الاستعراب)..ونتيجة لهذا كله نشطت الترجمة
على نحو خاص نظراً لبعض المتغيرات التي طرأت على الوضع السياسي والاجتماعي هناك.
وقد نهض بعبء الترجمة طوائف عدة في المجتمع الأندلسي
امتهنت الترجمة وتكسَّبت بها، منذ القرن الحادي عشر، وكانت الترجمة في ذلك الوقت
غير دقيقة تماما بحيث تجري عبر وسيط غالبا ما كان يهودياً يترجم من العربية إلى
القشتالية الدارجة، ومنها يقوم شخصٌ ثالث بالترجمة إلى اللاتينية.
ويقرر المؤلف في مستهل هذا الفصل أن الحضارات البشرية
تشترك جميعا بأنها تقوم على قدرٍ من النقل وقدر من الإبداع، بينما تريد الحضارة
الأوروبية أن تجعل من نفسها حضارة إبداع وابتكار وأن تجعل من الحضارة الإسلامية حضارة
نقل وتقليد لا أكثر، وهذا مما لا يصح؛ فالترجمة والنقل هما وسيلة تبادل ثقافي بين
الحضارات، لذا استعرض المؤلف الترجمة عند بعض الشعوب كالإغريق والسريان والمسلمين،
وبيَّن أن المسلمين حتى منتصف القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي قد وقفوا في
النقل والترجمة على تراث اليونان والفرس والهند، وبعد عصر النقل هذا ابتدأ عصر
الابتكار والإضافة... وقد أدت الترجمة إلى نتئج مهمة انتهت بظهور حضارة متميزة .
أما العوامل التي ساعدت على ظهور الترجمة بالأندلس فكانت:
استقرار الوضع السياسي في أوروبا ابتداء من القرن الحادي عشر حيث تراجع الضغط
الإسلامي في صقلية والأندلس، وازدادت الحملات الصليبية على الشرق والسيطرة على بيت
المقدس، والغنى الذي أصابته أوروبا وبداية تحكمها بالتجارة وارتفاع مستوى المعيشة
هناك. ومن روح الاستقرار هذه بدأ الأوروبيون الاهتمام بعالم ما وراء أوروبا خاصة العالم
الإسلامي. كما رافق ذلك كله يقظة الفكر الأوروبي والتحرر من الكنيسة إلى جانب
الاستقرار السياسي والاجتماعي في عصر الحروب الصليبية، وأخذت أوروبا تنهج نهجاً
جديداً نحو العلم والتحرر الفكري.
ومن العوامل المساعدة على ظهور الترجمة بالأندلس كذلك: الاتصال
الثقافي بين المسلمين والأوروبيين، ومن مظاهره وفود بعض الأوروبيين إلى مراكز
العلم الإسلامية، الذين أصابتهم الدهشة مما كان يدور في حلقات العلم الإسلامية،
فأخذوا العلم على أيدي العلماء المسلمين في الأندلس، التي كانت منبعاً حضارياً للعلوم
والمعرفة. خاصة بعد سقوط طليطلة 477ه/1085م، وقيام مدرسة الترجمة فيها برعاية
ألفونسو العاشر الحكيم، كما جرت عدة اتصالات أخرى بين الجانبين عن طريق البعثات
العلمية.
وحين وجد الأوروبيون عندما بدؤوا نهضتهم تراثا هائلا لا
ينضب لدى المسلمين بدأ الاهتمام بتعلم
اللغة العربية وزيادة الوفود إلى المدن الأندلسية، وظهرت حركة الاستعراب (الاستشراق)،
وهو الاهتمام بدراسة الحياة الحضارية للأمة الشرقية وكان لهذه الحركة أثر عظيم في أوروبا
والعالم العربي، وكانت جزءا من الصراع الحضاري بينهما، وهي تمثل الخلفية الفكرية
لهذا الصراع؛ فقد كان اتصال الأوروبيين بالعرب قد أكد التفوق الحضاري الإسلامي، فعدّوا
تعلُّم العربية والدين الإسلامي هو الطريق لهدم الإسلام؛ لأن تحطيمه بقوة السلاح
ربما يكون أمرا مستحيلا، ولهذا عكفوا على العمل على ترجمة المؤلفات الإسلامية
والقرآن الكريم.
والخلاصة أنه طرأ تغيرٌ كبير على المجتمع الغربي في
أواخر العصر الوسيط، من انهيار الإقطاع وقيام المدن، وظهور شخصية الفرد، وقيام
الممالك المستقلة الحديثة، ونموّ القوميات، وظهور اللغات الرومانثية المنبثقة عن
لاتينية العصور الوسطى، ونشوء الجامعات...أي أنه بإيجاز: انهيار عصر بنظمه وتقاليده
وأفكاره ومُثُله وفلسفته، وبداية عصر جديد له أوضاعه التي كانت أسسها ومنابعها
الأولى العمل على مواكبة التطور الذي وصلت إليه الحضارة الإسلامية، وذلك لا يتأتى
إلا بالعمل على نقل معالم هذه الحضارة إلى اللسان الأوروبي وهو ما يمكن تسميته
بعصر الترجمة في أوروبا الذي كان داعماً للنهضة الأوروبية الحديثة.
أما عن ظهور الترجمة بالأندلس فقد كانت الحضارة
الإسلامية قد نقلت من حضارات سابقة دون أن تنسب لنفسها ما أخذته من غيرها، وحفظت
عبر الترجمة علوم الأوائل والتراث اليوناني انطلاقا من ميزة الحضارة الإسلامية
القائمة على القيم النبيلة لهذا الدين. في حين كان الأوروبيون أحياناً ينحلون
لأنفسهم الكتب الإسلامية التي ينقلونها، ولم يتحقق التواصل الإيجابي بين الحضارات
إلا عن طريق حركة الترجمة، باعتبارها خير وسيط لربط الثقافات بعضها ببعض، وخير
معبر عرَّف أوروبا بالعلوم العربية واليونانية.
وكانت حركة الترجمة ذات طابع علمي؛ إذ كان مسارها شبيها
بما كان لدى المسلمين أول عهدهم بالترجمة من حيث الاهتمام بالعلوم..وكانت حركة
الترجمة هذه محدودة حتى انتعشت بقوة في القرن الثاني عشر الميلادي واستمرت لما بعد
القرن الخامس عشر.
ولم تنته وهذه الترجمات إلى الغرب دفعة واحدة وإنما على
دفعات، وقد اضطلع بها المستعربون في الأديرة في أنحاء شبه الجزيرة الإيبيرية،
وتميزت في أوائلها بسيرها العفوي غير المنتظم، وأغلبها كان تعاملات في شؤون يومية
مع القضاة، وتجدر الإشارة إلى أن معظم الأندلسيين كانوا يتكلمون الرومانثية بحكم
التعامل اليومي.
ولاننسى أهمية الدور غير المباشر لعلماء المسلمين في
إسبانيا في التثقيف العام - من خلال أساليبهم التعليمية_ على الجامعات المسيحية
الأوروبية، ونتيجة ذلك انتقلت الترجمات العلمية للتراث اليوناني إلى أوروبا.
أما عن طوائف الترجمة في الأندلس: فقد كان المستعربون من
أبناء الطائفة المسيحية وسطاء بين المسلمين والأوروبيين، ولا تسعفنا المصادر حولهم
بكثير معلومات، فلا نعرف الكثير عنهم، وقد أشير لهم بلفظ عجم الأندلس أو الروم أو
النصارى أو النصارى المعاهدون أو عجم الذمة، أما لفظ مستعرب فظهر متأخرا،
لكنه كان جاريا على ألسنة الناس قبل ذلك في كتابات نصارى الأندلس سواء باللاتينية
أو الإسبانية، وظهر المصطلح في القرن الثالث عشر الميلادي في وثائق النصارى
الأندلسيين في البلاد التي استولى عليها النصارى وكانوا يكتبون وثائقهم بالعربية. واللفظ
الذي كان مستعملا عند عرب الأندلس هو العجم أو نصارى الذمة، ومما ساعد في ظهور هذه
الفئة تسامح المسلمين معهم في حرية العقيدة، وقد أسهمت حياتهم الجديدة في أن
يتأثروا كثيرا بالحضارة العربية الإسلامية فأقبلوا على تلقي العلوم واللغة العربية
وتتلمذوا على العلماء المسلمين، وأصبحوا بذلك رسلا للحضارة العربية نتيجة إتقانهم
اللغتين العربية واللاتينية معا، فاستطاعوا إيصال العلوم الإسلامية إلى الإسبان والأوروبيين.
والحقيقة أن تعلُّق المستعربين باللغة العربية كان كبيرا؛
إذ إن كتبهم وأناجيلهم إلى القرن الرابع عشر كانت مكتوبة بالعربية، وكان أسقف
إشبيلية قد وضع في القرن الثاني الهجري ترجمة عربية للتوراة في متناول المستعربين.
وشارك المستعربون في نقل العلوم في طليطلة ولكن إنتاجهم الأدبي كان ضئيلا سواء
باللاتينية أو العربية، ولهذا فاللقاء الحقيقي بين الحضارة الإسلامية والمجتمعات
الأوروبية كان على يد المستعربين عبر مدارس الترجمة أو من خلال هجرتهم من البيئة
الإسلامية إلى الغرب اللاتيني؛ إذ كانوا مسلمين حضاريا ومسيحيين فكريا وروحيا.
أما اليهود فقد عاشوا في الأندلس في ظل التسامح الإسلامي
واندمجوا بسرعة في المجتمع الإسلامي واستعربت ألسنتهم، وتولوا مناصب كبرى هناك،
واشتهر كثير منهم بالعلم والأدب، وقد كانت الأندلس جنة اليهود خلال العصور الوسطى
وما كان لهم أن يحققوا ذاتهم ببعث لغتهم العبرية وأدبهم العبري إلا في الأندلس، بل
إن بعض علماء اللغة المسلمين أعانوا اليهود على تقعيد نحْوِ اللغة العبرية.
تعد القرون من العاشر حتى الثاني عشر العصر الذهبي
لليهود في الأندلس، وشكَّلت الحقبة المرابطية منها نقطة مهمة في تطور تاريخ الفكر
اليهودي؛ إذ لمعت أسماء العديد من المفكرين في شتى مناحي المعرفة كالفلسفة والطب
والشعر... واشتهر من بينهم ابن جبرول وابن ميمون الذي حاول التوفيق بين أرسطو
والعهد القديم بتأثير الفارابي وابن سينا، واشتهر منهم في الشعر العربي موسى بن
عزرا من أهل غرناطة، واهتم اليهود بحي بن يقظان فترجمها إلى العبرية موسى النربوني،
كما تُرجمت مقامات الحريري إليها أيضا.
كان اليهود من عوامل نشر الثقافة الإسلامية في الغرب:
نشروها بأنفسهم باتصالهم بالمسيحيين أو من خلال تزويد الغرب بالكتب والمصادر
الإسلامية وإسهامهم في حركة الترجمة في القرون الوسطى، وكانوا وسطاء لنقل الثقافة
الإسلامية إلى أوروبا فكثير منهم يكتب بالعربية، وحين هاجروا من الأندلس حملوا
معهم الكتب العربية وترجموها للعبرية، وكان دورهم قد برز أيضا حين لجأوا إلى جنوب
فرنسا وأقاموا في بروفانس وأسسوا المكاتب والمدارس في مونبلييه، وأخذوا يدرِّسون
فيها الطب والرياضة والنبات على طريقة العلماء العرب، كما درّسوا فلسفة ابن رشد
التي تتلمذ عليها بعض اليهود.
ومن الطوائف الأخرى التي عُنيت بالترجمة في الأندلس الطلبة
المتجولون ومدارس الترجمة، كمثل مدرسة طليطلة التي تأسس فيها مركز للترجمة منذ
القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، وتُرجمت فيها العلوم الإسلامية
والإغريقية برعاية ألفونسو العاشر الحكيم ملك قشتالة نصير العلم، الذي حاكى
الخليفة الأموي في قرطبة الحَكَم المستنصر في رعايته العلم والعلماء. وكمثل مدارس
أخرى في المدن الأندلسية منها: مدرسة سرقسطة، ومدرسة تُطيلة وهي من ثغور الأندلس
وكان يقطنها جالية يهودية مهمة، ومدرسة إشبيلية وقرطبة وبلد الوليد.
أما طرق الترجمة فلم تبدأ الترجمة الحقيقية إلا
في القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، حين اتجهت الأنظار إلى الأصول
اليوناينة، وأنشئت بعض المعاهد لتعليم اللغات العربية والعبرية، وتوافر في طليلطلة
مجموعات متخصصة في الترجمة، وكان النقل يجري من العربية أولاً إلى القشتالية ثم
منها إلى اللاتينية، ولم يكن المترجمون بمستوى واحد لذا تفاوتت ترجماتهم تبعاً
لتمكنهم من اللغات التي ينقلون منها أو إليها، وتنوعت الترجمة مابين الترجمة
بالمعنى والترجمة الحرفية التي تلتزم ترتيب الجملة العربية، مما أدى إلى دخول
ألفاظ عربية في اللغة العلمية والفلسفية.
وتجدر الإشارة إلى أن الأوروبيين عنوا كالعرب بنقل الكتب
العلمية، ولم تقف الترجمات عند المصنفات العربية الإسلامية بل تعدَّتها إلى
المصنفات اليونانية التي كانت منقولة إلى العربية، مثل كتب جالينوس وأرسطو
وإقليدس.
وبلغ الاهتمام بترجمات مدرسة طليطلة ذروته في عهد ألفونسو
العاشر الذي توسعت في عهده ترجمة الكتب العربية لتشمل مجالات مختلفة غير العلوم
مثل الألغاز والموسيقى والأغاني والقصص.
والخلاصة التي يراها المؤلف في هذا الفصل بعد استعراض
نشأة الترجمة بالأندلس أن الأصالة قدر مشترك بين جميع الحضارات، وأن كل حضارة نقلت
وأبدعت وكان لها سمة تميزها بين الأمم، وأن الإنسانية وحدة متفاعلة وثقافتها واحدة
يضيف اللاحق فيها إلى السابق، وتعد الحضارة الإسلامية أكبر موروث أخذه الأوروبيون
بإقبالهم على ترجمة المؤلفات الإسلامية في شتى العلوم، وكان لذلك أبلغ الأثر في
نضوج الفكر الأوروبي وانبثاق النهضة الأوروبية الحديثة.
الفصل الثالث: رحلة المعرفة الإسلامية إلى الغرب
أخذت رحلة المعرفة الإسلامية سبيلها إلى الغرب بالترجمة من
طرق عدة كان منها: ترجمة العلوم الدينية والاجتماعية، وترجمة العلوم الرياضية
والطبيعية، وترجمة العلوم العقلية. وجدير بالذكر أن هذه الرحلة تشابهت مع رحلة
المعارف اليونانية والهندية والفارسية في طريقها إلى اللسان العربي من قبل، وذلك
من حيث اهتمامها بالدرجة الأولى بالعلوم العقلية والفلسفية؛ خاصة لأن الأوروبيين
وجدوها فرصة لاسترداد تراثهم اليوناني الضائع، عبر الترجمات العربية للإرث
اليوناني.
وهذا لا ينفي ملاحظة أن حركة الترجمة كانت في أساسها
موجهة نحو التعليم الطبي واستمرت قوية بهذا الاتجاه حتى القرن السادس عشر، وخلال
تلك القرون كانت اللغة اللاتينية واللغات الأوروبية قد استوعبت أهم كتب الطب
العربية التي اعتُمدت مناهج للتدريس في الجامعات الأوروبية الناشئة آنذاك، وظلت
ذلك حتى زمن قريب.
فقد كان استقرار المسلمين في الأندلس قد جعل المستعربين
يتأثرون بهم ومن أهم مظاهر ذلك استعراب لسانهم، فأناجيلهم كانت بالعربية وكذلك حواشي
الكتب والتراتيل الكنسية وغيرها، وقد ترجم اليهود التوراة إلى العربية وكان ذلك من
مظاهر استمرار عملية الترجمة وعدم توقّفها في القرون الوسطى، ثم سعَوْا ترجمة
القرآن الكريم منذ القرن العاشر بمحاولات بطرس المبجل في مدرسة طليطلة، ومن
الأعمال التي تُرجمت كذلك للملك ألفونسو العاشر في طليطلة: وصفٌ مفصل لعروج النبي
صلى الله عليه وسلم للسماء، كما نشط اليهود في ترجمة العلوم الدينية لإبراز دينهم
اليهودي.
أما في ترجمة العلوم الأدبية فقد دخلت أنماط من الأدب
العربي إلى أوروبا كانت مظهرا من مظاهر الحركة الثقافية هناك؛ حيث ضاق الأوروبيون
ذرعاً بالقيود التي تفرضها عليهم الكنيسة، ونشدوا في الأصقاع الإسلامية ما يغنيهم
عن فقر أدبهم وزيفه.. وأعقب ذلك تسلُّل للأدب العربي إلى مختلف الآداب الأوروبية،
مما مهد للنهضة الفكرية الأوروبية وبزوغ فجر الأدب الأوروبي، الذي نجد فيه من سمات
الأدب العربي الكثير، وما كان ذلك ليكون لولا عملية الترجمة عن العربية.
ولم تقتصر عملية الترجمة فقط على نقل الأعمال والكتب
التي ألَّفها العرب بل كذلك الكتب التي ألفها اليهود، وكانت اتجاهات الترجمة تنحو
نحو الشعر والقصة أكثر من غيرها، وبعضها انتقل إلى أوروبا بالتناقل الشفوي للقصص
العربي ذات المغزى الأخلاقي وبعض قصص ألف ليلة وليلة، وظهرت بعض التأثيرات العربية
في الروايات المشهورة مثل دون كيشوت والكوميديا الإلهية..
في حين يتمثل أثر الشعر في أشعار التروبادور في منطقة
البروفانس، وتأثير الموشح والزجل الأندلسي. ومن أهم الملامح الواضحة ملحمة
السيد التي احتوت على صور وأخلاق عربية ومؤثرات إسلامية كثيرة.
وإلى جانب هذا اهتموا بالترجمة في موضوعات التاريخ، وترجمة
الموسيقى خاصة رسائل الكندي والفارابي وابن باجة وابن سينا، كما اتجهت بعض
الترجمات نحو ترجمة علوم الرياضة والطبيعة والحياة والرياضيات، حيث اشتهر بالأندلس
عدد من العلماء وكانت مجمل أعمالهم قد جرى ترجمتها في الأندلس إلى اللغات
الأوروبية إلى جانب الحساب والجبر والهندسة التي لم يكن الأوروبيون يعرفون عنها
شيئا في القرون الوسطى، حتى تُرجمت كتب إقليدس وغيرها من تراث اليونان الهندسي إلى
اللاتينية عن طريق العرب. يضاف إلى هذا كله الترجمات التي نقلها الأوروبيون في
مجال ترجمة علم الحيوان والنبات وعلم الهيئة الفلك خاصة في مدرسة طليطلة، والكيمياء
والفيزياء.
أما ترجمة العلوم الطبية وعلوم الصيدلة فقد تُرجمت
مؤلفات طبية عديدة لعدد من الأطباء المسلمين، تدل على مدى ما وصله الطب لدى
المسلمين في الأندلس بالذات، وأعظم أعمال الترجمة في الطب كانت تلك التي قام بها
جيرار الكرموني في طليطلة، وتركزت على نقل مؤلفات كبار الأطباء إلى اللاتينية
كالقانون لابن سينا، الذي طبع منه نحو عشر طبعات حتى نهاية القرن الخامس عشر،
وظهرت منه طبعة كذلك بالعبرية فيما بعد.
ثم ظهرت شروح وتعليقات لا تعد على كتاب القانون باللاتينية
والعبرية، حتى لكأنه (إنجيل الطب) في القرون الوسطى. وتُرجمت أرجوزة ابن سينا في
الطب إلى اللاتينية، وتُرجم كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف للزهراوي الأندلسي- إلى
اللاتينية والبروفنسية والعبرية، وقد جعلت جامعة أكسفورد من هذا الكتاب مرجعا
أساسيا لدراسة الجراحة حتى القرن الثامن عشر.
استمر الاتجاه نحو ترجمة التعليم الطبي قوياً حتى القرن
الخامس عشر، وبهذا استوعبت اللاتينية -لغة العلم في ذلك الوقت- أهم كتب الطب
العربية، وعلى ضوئها أنشئت مدارس الطب في مونبلييه وأكسفورد وكمبردج. ثم يعرض المؤلف
بعد ذلك ثبتاً لبعض الفلاسفة مع موجز لكل منهم. لا داعي له.
الفصل الرابع : الترجمة والتفاعل الحضاري بين الشرق
والغرب
إن هذه الرحلة الطويلة للمعرفة الإسلامية وانتقالها إلى أوروبا
عبر القرون تفضي بنا إلى الفصل الرابع الذي يكشف فيه الباحث - من خلال المقابلات
التي عقدها بين واقع أوروبا قبل القرن الثاني عشر وواقعها بعد ذلك- بجلاء عن دور
المعرفة الإسلامية في النهضة الأوروبية الحديثة بمجالاتها المتعددة من الأدب
والفلسفة إلى الجغرافيا والطب والفلك مرورا بالعلوم والرياضيات، حتى الموسيقا.
فقد كانت أوروبا تعيش في تخلُّف وتراجع، في الوقت الذي
كان العالم الإسلامي في نهضة وحضارة، وفي مجال الثقافة كان الجهل هو الطابع المميز
لأوروبا؛ لأن وسائل نقل العلم كانت مجهولة، وأسعار الكتب مرتفعة جدا، والأمية
متفشية بين الناس، وكانت اللاتينية لغة الكنيسة - المؤسسة الثقافية الوحيدة وهمزة
الوصل بين التراث القديم والثقافة المعاصرة-، وقد سادت الطبقية المجتمع الأوروبي
في حين كان المجتمع الإسلامي ينعم بالمساواة.
ومنذ تتويج شارلمان امبراطوراً لفرنسا في القرن التاسع
الميلادي بدأت بوادر النهوض تدبُّ في أوروبا ثم خفتت ثانية حتى القرن الثاني عشر،
وكان من أبرز ملامح النهضة التطلع نحو الحضارات الجديدة: الإسلامية منها خاصة،
التي بدأت تتسرب إلى أوروبا عبر ثلاثة معابر: الأندلس وصقلية والحروب الصليبية.
ومن هنا يبين المؤلف دور المعارف الإسلامية في قيام
النهضة الأوروبية، وهي معارف متنوعة منها: الأدب حيث كان الاحتكاك المباشر -منذ
القرن الثاني عشر حتى الخامس عشر- بين المسلمين والأوروبيين قد أدى إلى نشوء الأدب
الأوروبي، وكان دخول أنماط الأدب العربي للأدب الأوروبي مظهرا من مظاهر الحركة
الثقافية بعامة هناك.
ففي الشعر شاع الشعر الغنائي الذي ينظمه الجوالون
التروبادور، واشتهرت بعض الملاحم الشعرية مثل ملحمة رولان عن مغامرات شارلمان
والفرنجة ضد العرب في القرن العاشر الميلادي، وأشعار أخرى شبيهة بأشعار الموشحات
والسِّيَر العربية، وكانت معظم تلك الأشعار تميز النهضة الأدبية في أوروبا وتشترك
مع الآداب العربية في موضوعاتها حول الحب والأساليب والصياغة الشعرية. كما تأثرت
القصة الأوروبية عند نشأتها بما لدى العرب من فنون قصصية أيضا كألف ليلة وليلة، وساعد
هذا التأثير في توجُّه الأوروبيين نحو النزعة الرومانتيكية، وهناك بعض الكتب التي
اشتهرت في الأندلس التي كان لها أثرها على الكتاب الأوروبيين بحيث ظهر تأثيرها في روايات
البيكارسك، وفي أدب الأسفار كرحلات جلفر، وروبنسون كروزو..وغيرها من مظاهر تشير
إلى أن الأدب العربي بمختلف فنونه كان المحرك لنشأة الآداب الأوروبية.
****
ونخلص مع الباحث بعد رحلته الطويلة في الكتاب
بما ضم من إحصاء للأعمال التي جرت ترجمتها أو بعض المصنفات التي جرى ترحيلها، وبما
كشف من عمل دؤوب وجهد محمود، نخلص إلى أن الأصالة قدر مشترك بين الحضارات جميعا
ولم توجد بعد حضارة تفردت بالإبداع أو تفردت بالنقل، فالإنسانية وحدة متفاعلة يضيف
اللاحق فيها إلى ما تركه السابق، لذا فالحضارة الإسلامية في الأندلس كانت أهم موروث
أخذه الأوروبيون عندما أقبلوا عليها بالترجمة والنقل، وصارت فيما بعد دافعا لهم
ليعكفوا على دراسة لغات الشرق وتاريخه وآدابه ودينه في الحركة الواسعة التي عرفت
بـ الاستشراق. ولم يتوقف دور الترجمة على مجرد النقل من لسان إلى آخر، بل إنها تَبِعَتْها
حركةُ النهضة التي نعيش جميعا في ظلها اليوم من أدنى الأرض إلى أقصاها.
*****************************
ومع ما
للكتاب من قيمة توثيقية ومعرفية، إلا أن ملاحظات أخرى لا يمكن إغفالها في هذا
المقام، ذلك أن الكتاب يمثل أنموذجاً من نماذج النشر في العالم العربي، وهي نماذج تتكرر
حتى ليخالها المرء ربما لا تنتهي، وما أقصد إليه هنا مسائل فنية تتعلق بنشر الكتاب
مطبوعاً على ورق وتقديمه للقرّاء.
فإنه مما أثار كاتبة هذه السطور لكتابة ما يأتـي، التوجيه الرباني إلى إتقان العمل؛ ذلك أن الله يحبُّ إذا عمل أحدنا عملا أن يتقنه، ويبدو
أن مسألة إتقان العمل ما زالت غائبةً بوعي أو دون وعي عن عالم النشر العربي، الذي
يخلو في بعض الأحيان من أعمال التدقيق والتحرير لما يصدر من بحوث ودراسات تضمها
دفات الكتب قبل طباعتها ونزولها إلى الأسواق، وهذا ينتقص من الفائدة المرجوّة من
نشر الكتب والمعرفة العلمية.
فقلةٌ من دور النشر العربية تجعل من هذه المهمة في مقدمة
أولوياتها، كي تخرج في كتبها ومنشوراتها إلى النور بثوب قشيب، لا يغمط الكاتب
منزلته ولا يغمط القارئ المتلقي الفائدةَ المرجوَّة، لهذا تخرج الكتب أحياناً ملآى
بالأخطاء التي كان يمكن تداركها..وعلى ذلك يتطلَّب هذا العرض منا الوقوف عند بعض
الملاحظات التي لا يمكن إغفالها نوردها على سبيل التذكرة؛ لأن مثل هذا الجهد المبذول
في الكتاب يستحق أن يسعى صاحبُه والقائمون على إخراجه للنور – وكل صاحب قلم- أن
يكون قريبا إلى الكمال.
ومن النظرة الأولى فالكتاب من ناحية إخراجه الفني على
مستوى عالٍ: غلاف أنيق مصقول، صفحات وطباعة فخمة، مريحة للنظر وللقراءة، خفيف
الوزن، جميل التنسيق.
إن موضوعا كمثل موضوع هذا الكتاب الترجمة في الأندلس
هو موضوع مهم يكشف أسرار هذا الجسر الحضاري الذي نقل أوروبا من عالم القرون الوسطى
إلى عالم العصور الحديثة بقوة وثقة. ويتصل هذا الموضوع بأسباب كثيرة وبمواضيع أخرى
كالاستشراق والآداب المقارنة والتبادل الثقافي وما أشبه، مما يتطلب اللجوء إلى سرد
أسماء الأعلام في هذه المجالات الفكرية وأسماء المصنفات والكتب والمؤلفات، ويتطلب الدقة على نحوٍ كبيرٍ في ضبط رسم الأعلام بالعربية وبالأحرف اللاتينية، إلى
جانب عدم إغفال تواريخ الوفاة على أقل تقدير؛ فالكتاب في جوهره اتخذ الطابع
التأريخي، وما التاريخ إلا زمان ومكان، فإن أُغفل واحدٌ منهما خرج البحث التاريخي
عن مراده.
ومن الملاحظات الأخرى في الكتاب الاعتماد على مصادر
ثانوية في بعض الأحيان في نقل حقائق، وتكرار الاعتماد على مصدر محدد في نقاط معينة
بحيث يجعل الصفحات تبدو وكأنها ملخص لأفكار ذلك المصدر (مثل الحديث عن ترجمة
العلوم الدينية الذي يجعل القارئ يشعر أنه كله عن اليهود بسبب مصادر الباحث).
وقد اعتمد المؤلف أيضا في موضوع الحياة الفكرية في الأندلس
على رسالة دكتوراه غير منشورة لمحمد الأمين بلغيث (الحياة الفكرية في عصر
المرابطين) وهذا غير كافٍ للحديث عن هذا الموضوع؛ خاصة أن الرسالة لا تتطرق للحياة
الفكرية في جميع عصور الأندلسية.
هذا إلى جانب الخلط بين مستويات المصادر ما بين أولية
وثانوية، الذي أدى إلى خلط أفكار كثيرة في الفروع والأصول، وخلط المصادر المتقدمة
بالمصادر المتأخرة وأحيانا الاعتماد على مراجع عامة غير متخصصة؛ فمثلا المعلومة
التي تقول إن أبناء أوروبا كانوا يتعلمون من العرب الأندلسيين أشار المؤلف فيها
إلى مراجع عدة منها مراجع عامة غير متخصصة، وهكذا. أما المصادر الأجنبية في حواشي
البحث فليس لها أرقام في متن الكتاب تحيل على الحواشي.
وهناك بعض المعلومات التي ليس لها داعٍ في بعض الأحيان،
ففي مقدمة الكتاب عرضَ المؤلفُ لأهم مصادره في البحث ومراجعه، وصار هذا الجزء من
المقدمة كأنه عرضٌ تعريفي موجز بالمصادر الأندلسية ، ولكنه على أهميته مما لا داعي
له؛ فقد كان من الأفضل للمؤلف أن يقف عند النقاط المميزة لكل مصنَّف منها بما له
صلة بموضوع كتابه الترجمة في الأندلس، وبمدى ما يمكن أن يضيفه كل منها لموضوع
الكتاب.
فمعظم المصادر التي عرَّف بها هي معروفة لدى الباحثين في التراث الأندلسي ، ونُشر عنها الكثير، إذ إن الدراسات الأندلسية لم
تعد مع القرن الحادي والعشرين موضوعاً جديداً، كما كان منذ قرن مثلا، حين كان
التعريف بمثل تلك المصادر وأصحابها ضرورة لا بد منها في الكتب التي عالجت تراث
المسلمين في الأندلس.
كما أن المؤلف في حديثه عن ترجمة أعمال الفلاسفة
المسلمين مثلا قد عرض سيراً موجزة لتراجم بعض مشاهير الفلاسفة المسلمين، وكان
يكفي مثلا لو أنه أحال إلى مظانّ ترجماتهم.
أما ما بقي في النفس مما يقع في باب الخطأ أكثر منه في
باب الملاحظة، فكانت الأخطاء الطباعية التي امتلأ بها الكتاب؛ وهي مكررة على نحوٍ
ملحوظ وفي صفحات كثيرة مما يجعل ذكرها جميعا – أمراً متعذراً، لذا سأتوقف عندها
دون ذكر الصفحات..
أولا: الأخطاء الإملائية والنحوية التي يمتلئ بها
الكتاب، بما لا يمكن التجاوز عنه دون الإشارة إليه، وهي تبدأ من أخطاء إملائية
بسيطة، كألف التفريق بعد كل واو تنتهي بها كلمة اعتقادا أنها واو الجماعة (وا) ،
بحيث كانت حتى أسماء بعض الأعلام التي تنتهي بواو، يضاف بعدها ألف تفريق، كمثل
أسماء مدن وأشخاص وأنهار: كنهر ايبيروا، يبدوا، أرسطوا، ....وغيرها كثير.
هذا إلى جانب أخطاء إملائية أخرى منتشرة على صفحات
الكتاب كمثل: النهظة ، ابتداءاً ، هاؤلاء، مواضع همزات الوصل والقطع، القرءان مرة
يكتبها بهذا الشكل ومرة القرآن..
ثانياً: الأخطاء في أسماء الأعلام والالتباس فيها، وعدم
التعريف بالأعلام أو الإحالة إلى مصادر تعرّف بهم في حواشي الصفحات.
وأخطاء أخرى من مثل التصحيف الذي حصل في اسم ابن أبي أصيبعة صاحب
(طبقات الأطباء) حيث ورد اسمه مرسوما على النحو الآتي: ابن أبي الطبيعة. وهذا التصحيف
مكرر في الحواشي كثيرا عند الإشارة إلى كتابه طبقات الأطباء.
الخطأ في اسم كتاب ترجمات الأشواق بدلاً من ترجمان
الأشواق
كما أن المؤلف أحيانا ربما لا يميز حين يتحدث عن شخصٍ في
أكثر من موضع أنه يتحدث عن الشخص نفسه، نفسه نظرا لاختلاف رسم أو نطق حروف اسمه.
في حين كانت بعض أسماء الأعلام الأجنبية التي ذُكرت في متن الكتاب تبدأ بحروف
لاتينية صغيرة، وليس بالحروف الكبيرة.
****