8 آذار وحرب لن أخوضها
بقلم غادة السمان
لم تولد بعد تلك المرأة التي لا تحب شراء شيء تافه بسعر مرتفع ـ أنيس منصور.
المرأة شعرها طويل وفكرها قصير ـ مثل روسي.
لا سلاح للمرأة إلا لسانها ودموعها ـ مارك توين.
كثير من الزيجات بائسة وتعيسة لأن الزوج كان يتناول العشاء مع زوجته بدلاً من سكرتيرته ـ تشرشل.
هذه الأقوال في مجلة عربية راقية واسعة الانتشار اخترتها لكم بمناسبة الاحتفال غداً 8 آذار/ مارس باليوم العالمي لإعلان «حقوق المرأة».
ستحتفل بالمناسبة منابر كثيرة. سيقال كلام لطيف عن «حقوق المرأة» والتضامن معها وصباح اليوم التالي يعود كل شيء كما كان. صراخ الخطباء والخطيبات، سيرجع إلى صمت الحناجر وستعود أوراقها إلى الجيوب حتى السنة القادمة ليتم القاؤها كما هي ـ دونما تبديل ـ لأن شيئاً لا يتبدل على الأرض المعاشة اليومية. أما ذلك الكلام المهين للمرأة المنشور في غير منبر فلن يعترض عليه أحد لكثرة ما صار مكرراً وتكتبه المنابر ولا تعترض عليه محررة واحدة أو قارئة. فإهانة المرأة مألوفة وبالتالي لا يلحظها أحد.
والبادئ أظلم!
ولأن المرأة المعاصرة صارت أحيانا متعلمة وعاملة وواعية لحقوقها الأنسانية، كأي مواطن آخر، خاضت المرأة الغربية حرب الرد على الأذى بمثله والبادي أظلم، وصرنا نقرأ أقوالاً مشابهة لما تقدم ولكن في الأتجاه المعاكس أي ضد الرجل.
وكما نقلت أقوالاً للذكور، أنقل الآن أقوالاً للنساء:
ثمة نوعان من الرجال، الميت والمميت ـ هيلين رولاند.
أحب أن يتصرف الرجل كرجل: برعونة وصبيانية ـ فرنسواز ساغان.
الرجال هم تلك المخلوقات ذات الرأس الواحد والأذرع الثمانية (الأخطبوط) وتضيف كليربوث:
لو عملت في «الكونغرس» لتعلمت أن الثرثرة والنميمة والوشاية اخترعها رجل.
أياً كان عمل المرأة فعليها أن تؤديه بمهارة مضاعفة كي تربح نصف ما يربحه الرجل. ولحسن الحظ. هذا ليس صعبا على المرأة ـ شارلوت ويتون.
يصرخ رجل: النساء كالسجاد يجب ضربهن باستمرار وانتظام.
ترد امرأة: النساء أذكى من الرجال. هذا مؤكد، ولذا يحتفظن بتلك الحقيقة سراً ـ أنيتا لوس.
يصرخ أحدهم: قطاع الطرق يطلبون منك حياتك أو نقودك، والمرأة تطلبهما معاً ـ صموئيل باتلر.
يرد صوت نسائي غاضب: المرأة العادية تفضل أن تكون حلوة لا ذكية لأنها تعرف أن الرجل يرى جيداً ولا يفكر جيداً!.
وتؤكد آماندا فيل: جنس ثالث في كوكبنا؟ لو وجد ذلك لما حظي الرجال بنظرة مني! وتؤكد جيرسين غرير: «تفشل النساء في فهم مدى كراهية الرجال لهن.. ويتعالى الصراخ..
بعض المجلات النسائية الأمريكية صارت منذ عقدين تعاقب اي (ذكر) يتورط في تصريح ضد المرأة عامة، وتسخر منه وتقاطعه.
وعود كاذبة ومعارك هزلية
لم ترق لي يوما تلك الحرب بين النساء القادمات من «كوكب الزهرة» و «الرجال من كوكب المريخ» كما يزعم أحد الكتب عن حرب مفترضة بين النساء والرجال. وأعتقد أن المرأة العربية عامة تقف في خندق واحد مع الرجل العربي والمعاناة واحدة والمآسي واحدة. وترف حرب الأجناس ليس متاحاً لنا. هذا على الرغم من أن المرأة العربية تتلقى كل عام بمناسبة «اليوم العالمي لأعلان حقوق المرأة» كمية هائلة من الوعود بإنصافها وبمنحها المزيد من الحقوق المشروعة، ولكن ذلك كله يذوب مع شمس الصباح التالي.. وحتى «العنف ضد النساء يستمر في تصاعد مع مناخات ظلامية لا تدعم المرأة العربية بل تحاول (حجبها)!
وهذا خطيب دافع بكل شهامة (متحمسة) عن حقوق المرأة، لكنه كان قد منع زوجته من مغادرة البيت حتى لحضور محاضرته، وهذا آخر تشاجر مع زوجته وضربها قبل الذهاب ليحاضر حول «العنف ضد المرأة»!.. بالمقابل لم تمارس المرأة العربية يوما معركة هزلية كلامية ضد الرجل العربي إلا فيما ندر.
تحرير المرأة مهمة الرجل العربي أيضاً
المرأة العربية لم تقع يوماً في فخ كراهية الرجل أو التوهم ان قتل آدم العربي ضرورة لتحيا حواء إنسانيتها.
منذ البداية كانت تحركات المرأة العربية لنيل حقوقها ناضجة ومتزنة.
لم تعلن يوما كالامريكية أنها تريد المساواة المطلقة مع الرجل لأن المرأة العربية تعرف عجز الرجل عن ذلك، فهو غير قادر على الحمل والولادة مثلها!!.. وبالمقابل تعلن ببساطة أمومتها وحرصها على العمل والبيت معا.
الأمريكية اكتشفت أنها حين حصلت على المساواة المطلقة خسرت حقوقاً هي بحاجة إليها كأم..
ثم أن المرأة العربية وعت منذ البداية بنضج استثنائي أن حليفها الوحيد الممكن هو الرجل الواعي ولذا لم تستفزه (إلا نادراً وبأصوات متطرفة) بل طلبت مساعدته ومحالفته ليقاوما معاً أي ظلم يقع عليهما كمواطنين.. وحرب الدجاجة والديك في مجتمعاتنا ترف لغوي.. والمرأة العربية تعلن بسلوكها: نريد التكامل مع الرجل لا التماثل. نريد ان تحقق المرأة العربية ذاتها كإنسانة وتؤدي واجبها كمواطنة ولكن داخل وطن لا يسلب الطرفين الحرية والكرامة وفرص العمل.
وتحرير المرأة لا يتطلب بالضرورة استفزاز «ذكور القبيلة» بل الاستقواء بعونهم. ولا اعتقد (كمعظم النساء العربيات) أن «الأنثى هي الأصل»، بل الأسرة والحرية هما الأصل، والتعاون بين الرجل والمرأة هو المطلوب.
ولن تتحرر المرأة العربية وتنال حقوقها إن لم يدعمها الرجل بصدق ودونما رياء.
أسطورة تحرير المرأة في أمريكا
هذا العنوان ليس مني بل من كتاب استاذة في جامعة أمريكية تدعى سيلفيا آن هوليت، كانت أول من تمرد على حركة «تحرر المرأة» في U.S.A وطلبها المساواة المطلقة بالرجل والحصول عليها.. ووجدت في المساواة ظلماً لها كإمرأة وأم عاملة. وقبل حوالي ربع قرن أصدرت سيلفيا آن هوليت كتابها الرائد «حياة منقوصة ـ أسطورة تحرير المرأة في أمريكا». كتاب انفجر كقنبلة تطايرت شظاياها على صفحات الصحف البريطانية والأمريكية وفيها تتمرد هوليت بحرية على تحرر المرأة في أمريكا ـ فهي كبريطانية متزوجة من أمريكي لاحظت هناك ثورة (الحريم) المتطرفة البعيدة عن الواقعية والتي حرمت المرأة العاملة من حقوق الأم وإجازات الحمل والولادة وتعويضات فترة الانكباب على الأمومة لأشهر. تعالى الصراخ في (حمام النساء) الأمريكي ضدها، ولكنها أكدت أن من حقها بناء مستقبل عملي دون تدمير مؤسسة الأسرة.
المرأة العربية وعت ذلك منذ البداية ولم يكن التطرف يوماً حليفها.. ويجب أن يقابل ذلك دعم (ذكوري) لقضايا تحررها وبالذات في هذه الأيام المكفهرة التي تتكاثف فيها سحب معتمة تحاول إعادة المرأة إلى زمن الجاهلية وتنسى أن الأسلام حرم وأد المرأة والمطلوب اليوم عدم محاولة وأد حقوق المرأة.