أرشيف المدونة الإلكترونية

السبت، 25 أغسطس 2018

في الأردن ازدهار لافتٌ لرواية اللارواية

بقلم د.إبراهيم خليل

يشهد الأردن في الظروف الحالية ازدهارا لافتا في نشر رواية اللارواية، إذا جاز التعبير. فالمتابع يلاحظ كثرة الروايات الصادرة حديثا، وهي كثرة كان من الممكن الشعور بالفخر والزهو حيالها، لو أن الروايات المنشورة تتوفر على الحد الأدنى من شروط السرد الروائي، لكن الواقع يحبط المتابعين المهتمين، فأكثر هذه الروايات لا يدل إلا على جهل المؤلفين بفن الرواية، واستخفاف الناشرين بعقول القراء، ما دام المؤلف مستعدا وقادرا على تسديد كلفة الطباعة، كلا أو جزءا.

فقد وقع بين يدي عدد من هذه الروايات التي يصدق على مؤلفيها وصف الناقد عبدالله إبراهيم لهم بعبارة «غُشماء السرد» فإحدى هذه الروايات (كذا) تتضمن فيضا من المذكرات واليوميات والشهادات، عن أحد أبطال المقاومة الفلسطينية في حرب المخيمات في بيروت، ما بين عام 1982 و1987 وهو الفدائي الحيفاوي الأصل علي أبو طوق. فالمؤلف مهند الأخرس يقدم لنا في نحو 416 صفحة من القطع المتوسط ركاما من الأحداث والمرويات التي لا ترتبط برابط فني وتسلسلي سردي، وإنما كل ما يربطها ببعضها أنها تتعلق بشخص واحد، شريف ومناضل هو علي أبو طوق الذي اغتاله حلفاء العدو الصهيوني في مخيم شاتيلا يوم 27/ 1/1987، وحملت عملية الاغتيال توقيع كل من الجيش السوري وحلفائه، وفي مقدمتهم حركة أمل الطائفية. 
والحق أن النوايا التي ينطلق منها المؤلف مهند الأخرس، في هذا الكتاب الضخم الذي وسمه بعنوان «الجرمق» وهو اسم الكتيبة التي قادها أبو طوق في معركة الشقيف، نوايا طيبة وأكثر من جيدة، ولا يمكن لقارئ هذا الكتاب الصادر عن دار الشروق في عمان (2018) إلا أن يحترم هاتيك النوايا احتراما كبيرا. بيد أن النوايا شيء وكتابة الرواية شيء آخر. فثمة مثل إنكليزي يقول: الطريق إلى جهنم معبدة بالنوايا الحسنة. فالكاتب الذي يعلن في كتابه هذا عن نواياه الحسنة، يقود نفسه إلى جحيم القراء بكلمة (رواية) المسطورة على الغلاف. وهي لا تعدو أن تكون كالطعم الذي يوضع في رأس صنارة الصياد، ليلقي القبْض على السمكة. فالكاتب يبدأ كتابه هذا باستغراب الراوي، لأن صديقا له سمعه يقسم بعلي أبو طوق بدلا من أن يقسم بالله. والكتاب كله بصفحاته ومروياته المتراكمة، يجيب عن السؤال: لمَ يقسم بعض الفلسطينيين باسم هذا الشهيد علي أبو طوق. فهو وفقا لهذه المرويات مناضل كغيره، بل هو بشهادات موثقة ومتلفزة، مدرسة نضالية بالمعنى الدقيق للكلمة. وهو من صنف الثوار الذين يقدمون نموذجا لا يتكرَّر. ولهذا فإن سيرته العطرة في هذه المرويات تتكدس فيها الاعترافات، والشهادات، واحدة تلو الأخرى، للإشادة به، وذكر مناقبه التي لا تعد، ولا تحصى.


نموذج جبرا
ولو أن المؤلف – غفر الله له وعفا عنه- لجأ لما لجأ إليه جبرا إبراهيم جبرا في روايته «البحث عن وليد مسعود» فجعل من شخوص الكتاب شخصيات روائية تلتقي وتفترق وتتخاصم وتأتلف حول شخصية علي أبو طوق، وأن يقدم لنا بعض ما قام به أبو طوق من أفعال في هيئة أحداث تقع وتجري على أرض الواقع، لا على هيئة اقتباسات، أو شهادات، يدلي بها بعض رفاق السلاح، لأصبح ما يقدمه في الكتاب رواية ، وعند ذلك يجوز للقراء أن يختلفوا أو يتفقوا في ما إذا كانت رواية جيدة أم أنها رواية ركيكة. بيد أن مهند الأخرس لا يبدي أساسا الرغبة في التخطيط لكتابة رواية، فهو لا يُعنى بغير هذه الفصول التي تتضمن شهادات وتقارير لا تخلو من استطرادات وحوارات مملة ومكررة، عن تسمية فلسطين بهذا الاسم، وعن الساميين، وعن تاريخ فلسطين الغابر والحاضر، أو عن البحر الميت، والملح، أو عن دور الأغنية في الثورة الشعبية، أو عن عشاء في مزرعة في الأغوار على كثب من البحر الميت، أو عن البرنامج التلفزيوني الذي يتم تصويره في منزل معين الطاهر في عمان، وفيه تلقى شهاداتٌ لعددٍ من رفاق السلاح: آمنة جبريل، وأحمد عودة، وجمال أيوب، ومحمد الشبل، ومريم عيسى، ومحمد درويش، وحنان باكير قبل أن يدلي معين الطاهر بشهادته عنه.

وعلى الرغم من أن الكاتب يومئ بشهادة معين الطاهر لانتهاء تصوير البرنامـــــج، إلا أنه يستأنف هذه الشهادات في الفصل التالي (السادس عشر) موردًا شهادات أخرى، وكأنه كان يعتزم التوقف عن ذلك في الفصل السابق، ثم ذكَّره آخرون بما يرويه الرفاق الذين لم يذكرهم في السابق، فأضاف شهاداتٍ أخرى في ما يبدو برنامجًا وثائقيا يبث على شاشة إحدى الفضائيات. يقول أحمد أبو جودة في شهادة أخرى «حاصرنا الجيش السوري. وطلب منا مغادرة المنطقة. وصارت قواتنا في حالة استنفار شديد، لكن مين اللي ورا الانشقاق؟ السوريون» تلي هذه الشهادة شهادة أبو العواصف وكريس يانو الذي تعرف إلى علي أبو طوق في النبطية منذ عام 1981.


قلعة الشقيف
ولأن أبو طوق ارتبط اسمه بقلعة الشقيف، حتى أنهم كانوا يسمونها قلعة أبو طوق، فقد أفرد المؤلف لهذه المعركة الفصول من 17 إلى 19 الممتدة من ص 308 حتى 415 بدون أن يفوته ذكر أسماء الشهداء الذين سقطوا فيها اسمًا تلو الآخر. وهذا توثيق لا غبار عليه، قطعا، بل إن ما يرويه المؤلف عن علي أبو طوق هذا، بجلِّ ما فيه من تراكمات وتفصيلات ضرورية أوغير ضرورية، يشد القارئ شدًا. لكن هذا القارئ بلا ريب سيتخلص من عبء الكلمة المسطورة على الغلاف (رواية) لأنه إذا تذكرها، وتذكر معها أنه يقرأ رواية، فسيندم ندما شديداً، لكون الكتاب ليس رواية على نحو لا يقبل الشك. إذ إنه لو كان رواية فعلا لوجب أن يتساءل: أين هي الشخصيات الروائية؟ وكيف تناول الراوي الوقائع؟ وأين هي حبكة الرواية، وهل هي حبكة صاعدة أم هابطة؟ وهل هي غامضة أم مكشوفة؟ منفردة أم مركبة من حبكتين فأكثر؟ ما الصيغة السردية التي اتبعها المؤلف في تحويل الحكاية من قصة إلى خطاب سردي؟ وما علاقة هذه الصيغة بتلك الحكاية؟ كيف وظف الكاتب الزمن في بناء محكياته السردية؟ وهل اتبع التسلسل الأكرونولوجي؟ أم لجأ إلى السرد الذي يتوافق مع دورة عقارب الساعة فتكسر لديه النظام الخطي للزمن؟ وهل نجح المؤلف مهند الأخرس في إضفاء صفة البطولة الروائية على نموذجه الفدائي علي أبو طوق؟ أم أنه مثل غودو في مسرحية بكيت في انتظار غودو؟ وحتى هذه المقاربة بين غودو وأبي طوق ليست منصفة؛ لأن غودو في المسرحية المذكورة يتوقع المشاهدون حضوره، في حين أن «الجرمق» بدأت بذكر استشهاد أبي طوق، وتكرر تأكيدها لهذا الاستشهاد في جل ما تلا ذلك. أما وليد مسعود في رواية جبرا المشهورة، فهو شخصية سردية، إذ يمثل اختفاؤه لغزا شُغلت بحله الشخصيات الأخرى في الرواية. 

زبدة الحديث أن «الجرمق» لمهند الأخرس لو نشر بصفته كتابا توثيقيا، أو شهادة عن الشهيد النموذج (أبو طوق) بدون أن يشار إليه بكلمة رواية، التي تعني في ما تعنيه أنه متخيَّل سردي، لكان أفضل ما كُتب، أو من أفضل ما كُتب بكلمة أدق، عن تلك الحقبة من نضال شعب فلسطين، لكنه، بهذا التمويه، وادّعاء ما ليس فيه، سلكه للأسف في عداد الكتب التي تنشر على أنها روايات، وما هي بالروايات.

٭ ناقد وأكاديمي من الأردن

الأربعاء، 8 أغسطس 2018

امرأتان أمام جسد مسجّى

بقلم: سما حسن 
العربي الجديد

هل كانت نبوءةً، عندما كانت تجيب بالجواب نفسه: هل ستلتقين بالمرأة الأخرى؟ فيكون ردُّها: سيكون لقاؤنا الأول يوم وفاته.. هي لا تعرف كيف لعبت الأقدار لعبتها، ليحدث ذلك، لكي تلتقي معها للمرّة الأولى، بعد سنواتٍ طويلة من دخولها حياة رجلها الأول، تقفان أمام جسده المسجَّى، بلا حراك، في غرفةٍ نائية، في أحد أقسام المستشفى الحكومي الذي أمضى فيه أيامه الأخيرة، يُصارع المرض.
كانت لدى كلّ واحدة منهما مشاعرها، وكانت لديها أسبابها؛ لكي تبكي، فيما تتفقان في سبب واحد، هو رهبة الموت، فالأسباب الأخرى كانت متباعدة ومختلفة، فالأولى كانت تبكي عمرها الذي مضى مع رجلٍ دمَّر حياتها، وأصبح "لا تجوز عليه إلا الرحمة"، والثانية كانت تبكي مصيرها، بعد رجلٍ انتشلها من الفقر والحاجة، وحوَّلها زوجةً تأمر وتطاع، وترفل في الثراء الذي خصَّها به، مقابل شبابها وحيويتها، فيما كان يمضي نحو نهايته.
كانت الأولى تنظر إلى الجسد المسجَّى، وتعيد الذاكرة، بسرعة؛ لكي تستحثَّها ألا تنسى، ولكي تذكِّر الجسد، قبل أن يذهبوا به، بأنها قد سامحت وغفرت؛ لأن ربَّ العباد يغفر ويسامح. ذكَّرته بأنها كانت فتاةً صغيرةً، لا تخبر من الدنيا، سوى فارس أحلام على جوادٍ أبيض، سيأتي ليحملها إلى بيت الزوجية، حيث الهناء والسعادة، فقد كانت مغرمةً بكلام الروايات، وكانت معجبةً بجمالها الذي تشهد له مرآتُها الصغيرة، في بيت والدها، كلَّ يوم، عشرات المرَّات، إلى درجة أنها لم تتوقع أنّ رجلا سيُهين هذا الجمال، ولكنه فعل.. لم تكن تتخيل أنّ أحدا سيصفعها على وجهها، لكن الدنيا فعلت، وأبكتها، وأدمت قلبها.

ربع قرن وعام مرّت بها، وتعلّمت دروسًا من الحياة، مجبرةً وطائعة، والدرس الأكبر الذي تعلمته أنّ رجلا قد يحوِّل حياتك إلى جنّة، أو يحولك إلى محاربةٍ تقتلعين الشوك بأسنانك، وبأطراف أصابعك الهشَّة المرمرية، وهذا ما حدث معها، ولم تندم لحظة أنها لم تعش في جنّة رجل؛ لأنها اكتشفت أنّ الحياة لا تقبل إلا بالمحارِبات.
مسحت دموعها أمام جسده المسجَّى، واحتضنت المرأة الأخرى، شعرت بالشفقة عليها، هي دخلت حياته في الأعوام الأخيرة، وكانت لديها أسبابها التي تدفع أيّ فتاة للارتباط برجلٍ في سنِّ أبيها، ولديه زوجة أولى وأولاد، يقتربون من عمرها.. 
شعرت نحوها بالشفقة كثيرا؛ لأنها ستبدأ المشوار الذي سلكته هي قبل ربع قرن، فلديها أطفال صغار سيكون عليها أن تربِّيهم، وتقوم بمقام الأب والأم، بعد رحيل أبيهم، مثلما فعلت مع أولادها، والذين قامت بمقام الأب والأم في حياتهم، على الرغم من وجود أبيهم على قيد الحياة.
التفتَتْ نحو الجسد المسجَّى، بلا حراك، تذكَّرت يوم أن أمسك بيديها، أول مرّة، شعرت برعشةٍ مع حياء، ورفرف قلبُها الصغير بين ضلوعها، اليوم يرفرف قلبُها المثقَل بالهموم والمسؤولية، في ثقل وتثاقل، ويهتف بها: سامحي فقد مضى، ولم يعد قادرا على أن يضع، لو حُجَّة واحدةً أمام ما صنعه بك، فتنهّدتْ، وردَّدَتْ العبارة نفسها: "الميِّت لا تجوز عليه إلا الرحمة".
سامحته من أعماق قلبها الذي لا يعرف الضغينة، حتى وعمرها وشبابها وجمالها، كلُّها تتسرّب، من دون أن تعيشها، وترفل بها، مسحت دمعةً جرت على وجنتها، وانحدرت من زاوية عينها، وتحسّست الخطوط الصغيرة التي بدأت تشقُّ صفحة وجهها، تعرف أن الزمن لن يمهل صفحة وجهها الناصعة البيضاء، وسوف يشقُّها بتجاعيده القاسية، بكت أكثر، وأدارت وجهها في وجوه من حولها؛ فرأت أولادَها حولها، ينظرون في صمتٍ نحو الجسد المسجَّى، لحظتَها، مسحت دموعها، وفتحت ذراعيها؛ لكي تحتضنهم، نسيت الزمن وخطوطه وتجاعيده، تمنَّت أن يُشفق عليها القدر؛ فلا تقبع في غرفةٍ نائيةٍ من مشفىً حكومي تتعذَّب في أيام حياتها، لم تطلب من الله في تلك اللحظة سوى ذلك، احتضنت فلذات كبدها، وسارت بهم، فيما تركت المرأة الأخرى، تبكي مشوارا غامضا وموجعاً ينتظرها، مشوارا سارت به قبلها، وحوّلها إلى امرأةٍ تحلّق في سماءٍ أخرى.

الأحد، 5 أغسطس 2018

شعراء يتغزلون إلا بزوجاتهم

بقلم: منصف الوهايبي
جريدة القدس العربي

تنطوي الكتابة في الحب أو الغزل عند العرب على قَدْرٍ هائل من اللَبْسِ. وهو لبس مأتاه التعميم الذي قد يشوب مفردة الحب، حيث تُحمل في معنى عام على دلالة مطلق الرغبة في هذا الشيء أو ذاك، أو على دلالة المحبة بما هي توادد بين البشر. على أن ما يعنينا في السياق الذي نحن به، إنما هو المضمون الغرامي الذي يعتري العلاقة بين ذكر وأنثى، خارج مؤسسة الزواج في أدب الحب. والغريب أن جل شعراء العربية، إن لم نقل جميعهم، هم منذ الجاهلية إلى اليوم لا يتغزلون بزوجاتهم؛ وإنما بنساء «حبيبات» بعضهن في عصمة أزواج؛ مما ينكره الدين والعرف الاجتماعي معا. 
وفي قصص العذريين لم يشذ سوى قيس بن ذريح، فقد تزوج لبنى؛ ثم طلقها لتتزوج غيره. ولعله كان طلاقا «أدبيا» أبرمه الرواة، حتى يظل قيس جزءا من هذا النسيج الاستثنائي في تاريخ الحب. ويخرج جميل بن معمر هاربا بعد أن هدر أهل بثينة دمه وأباحهم السلطان قتله. ولكن ما يعنينا أن هذا الحب البدوي، أو العذري ينشأ هو أيضا في ما هو محرم أو محظور ونقصد هذه العلاقة بين جميل الأعزب وبثينة المتزوجة. وفيها من الحسية ما فيها،على أنها حسية من نوع مختلف. وفي الشعر الحديث فإن شاعرا مثل نزار قباني لم يكتب قط غزلا في أي من زوجتيه؛ وما كتبه في بلقيس هو رثاء باهت لا حب فيه؛ بل إن صورة العاشق في أكثر شعره هي صورة المتغزل الفاتح المفتون بنفسه «لم يبق نهد أبيضٌ أو أسودٌ/ إلا زرعتُ بأرضه راياتي». وكذا بعض قصائد أدونيس في زوجته خالدة فقد لا تعدو أكثر من تمرين على التغزل بالزوجة؛ إذ تختفي فيها تفاصيل المرأة تماما. ولا يفوتني أن أشير إلى السياب وعلاقته الملتبسة أو المتوترة بزوجته، فلا حب في ما كتبه فيها وهو قليل جدا؛ وإنما حالة رجل نخر المرض جسمه؛ فكان هذا الشعر أقرب إلى الاستعطاف منه إلى الحب. وقد أستثني العراقي يوسف الصائغ في مجموعته «سيدة التفاحات الأربع»، وهي شعر خالص، ولكنها مرثية هي أيضا، وليست غزلا. وكأن شعار هؤلاء وغيرهم قول جرير يرثي زوجته:
لولا الحياءُ لعادني استعبارُ / ولزرتُ قبركِ والحبيبُ يزارُ
هذه الظاهرة «غياب الزوجة» والاستحياء من ذكرها في شعر الحب عند العرب قديما وحديثا؛ قد تُعزى في جانب منها إلى أثر الشعر القديم في الشعر الحديث، أو إلى سلطان العرف الاجتماعي وغلبته، أو إلى ضرب من المترسب اللغوي أو المخيال الجمعي، بدون أن يسوق ذلك إلى القول إن صلتها بالحياة منقطعة أو تكاد، أو هي مفصولة عن المجتمع أو الإيديولوجيا. وهذا أدب، والأدب يظل تخيرا نوعيا من الحياة، على قدر ما يظل عملا تخييليا؛ الأمر الذي يسوغ قولهم «واقعية العمل التخييلي»؛ كلما أذكى الكاتب الإيهام بالواقع، وكان لذلك أثره في القارئ؛ حتى لَيبدوَ التخييل أقل غرابة من الحقيقة وأكثر تمثيلا. والتمييز لا يقوم في الأدب بين واقع وتخييل، وإنما بين مفاهيم عن الواقع مختلفة، وطرائق من التخييل متنوعة.

أما قديما فتؤكد أخبار كثيرة متواترة أن جسد المرأة في القبيلة العربية ما قبل الإسلام، لم يكن منبع إثم أو خطيئة عند جميعهم؛ فقد أقر هذا المجتمع إلى جانب الزواج أنواعا من العلاقات كانت تطلب للاستمتاع أو للاستبضاع؛ وتنم على احتفاء بجسد الأنثى، من حيث هو مصدر متعة و«متاع» يقتنى أو ينهب، بل يؤجر أو يقايض، و«ملكية» قابلة للانتقال بالإرث. 
وقد يستخلص من هذه العلاقات الجنسية أن المجتمع العربي القديم لم يعقل الشهوة الجنسية، ولم يحطها بكثير من التحريمات والمحظورات. وربما تواصل ذلك بنسبة أو بأخرى في ثقافة الإسلام على نحو ما أذكر لاحقا. وقد يستخلص من أخبار العرب القدماء وأساطيرهم، أن مجتمعهم كان مجتمع الوفرة الجنسية والغرائز المطلقة. والحق ينبغي أن لا نذهب بعيدا في التأويل؛ وندعي بأن هذا المجتمع كان رمزا لتحرر الجسد من كل قمع ثقافي أو أخلاقي، وأن الجسد في العشير البدوي كان منبع تحرر فردي وجماعي. فقد كانت هذه «الحرية الجنسية» ـــ إن جاز أن نسميها هكذا ــ مقصورة على الرجل، وشاهدا على إشباع الغريزة؛ ونزعة الرجل إلى امتلاك جسد المرأة والاستئثار به. ومن ثمة فإن الحديث عن «فوضى جنسية» أو «حرية جنسية مطلقة» لم تقنن المعرفة فيها، ولم تروض الغريزة، لا يقوم لـه سند لا في شعر الجاهلية ولا في عادات أهلها وتقاليدهم، ولا في هذه القصص المنسوبة إليهم. أما الاحتكام إلى شعر الأعشى أو امرئ القيس وسيرته وقصص حبه، لتأكيد هذه «الحرية» فيمكن الاعتراض عليه بأكثر من حجة. فسلوك أمرئ القيس ظاهرة فردية، أو استثناء ينبغي عدم تعميمه على المجتمع الجاهلي كله؛ بل إن المجتمع لم يقر هذا السلوك. 
ومع ذلك فقد بقيت الصورة الغالبة في شعر الغزل عامة صورة الرجل المنتصر الفاتح المفتون بنفسه، وفتنة المرأة به؛ وهو يتناول ما يكون بينه وبين صاحباته، وليس ما بينه وبين زوجته. وعلى هذا النهج سار شعراء العربية، بعضهم في اعتدال وفضل تعفف على نحو ما نجد عند العذريين، وبعضهم في جرأة لكنها تخفي «نرجسية» عجيبة حتى عند المعاصرين من أمثال نزار قباني وأدونيس وغيرهما. 
ولعل في الوصف الذي أثبته صاحب «الأغاني» ما يفسر تقبل المجتمع العربي الإسلامي الأول لهذا القصص وهذا الشعر، على استشعاره الخطورة التي كان يمثلها هذا الأدب على قيمه ومثله. يقول ابن أبي عتيق عن شعر عمر بن أبي ربيعة: «لشعر ابن أبي ربيعة لوطة في القلب وعلوق بالنفس، ودرك للحاجة ليست لشعر. وما عصي الله عز وجل بشعر أكثر مما عصي بشعر ابن أبي ربيعة». ولعل في هذا بعض مبالغة، فقصص الحب المنسوبة إلى عمر، مثل قصته مع الثريا، أو هند بنت الحارث المرية أو العراقية… هي أقرب ما تكون إلى قصص الحب العذري. وفي «مصارع العشاق» يجمع الكاتب بين عمر وجميل ويستنشد كلا منهما صاحبه. وينشده عمر قصيدته التي مطلعها «عرفت مصيف الحي والمتربعا»:
حتى إذا بلغ قوله: 
وقربن أسباب الهوى لمتيم / يقيس ذراعا كلما قسن إصبعا
صاح جميل مستحييا: «لا والله ما أحسن أن أقول مثل هذا!»
ثم يجمع الراوي بين عمر وبثينة، وقد دله جميل على بيتها، بدون أن يرافقه إليها متعللا بأن الأمير قد أهدر دمه متى جاءها. وتقول بثينة لعمر:»لا والله يا عمر ما أنا من نسائك اللاتي تزعم أن قد قتلهن الوجد بك!». بل إن كثيرا أو قليلا من «غرامياته» وقصص عشقه، لا تتعدى المعابثة، حتى وهي تجري في مقام ديني مثل الطواف، يلزم صاحبه ما يلزم من تقوى وخشوع. ومثال ذلك القصة التي ساقها الأصفهاني، وعلل بها قصيدة عمر التي يقول فيها:
أبصرتـها ليلة ونسوتـها / يمـشين بين المقام والحجر
فهي صورة لما يمكن أن يقع بين العشاق، من مغازلات ولهو ومعابثة. والطريف فيها أن المرأة هي التي تبادر فتطلب من صاحبتها ـ وقد أزمعت أن تفسد على عمر طوافه ـ أن:
قومي تصدي له ليعرفنا / ثم اغمزيه يا أخت في خفـر
والأطرف أن يكون عمر هو المتمنع:
قالت لها قد غمزته فأبى / ثم اسبطرت تسعى على أثري
وكأن الأمر يتعلق بصورة أخرى لما وقع في القصة القرآنية بين النبي يوسف وامرأة العزيز. على أنها في القصة التي نحن بها، صورة ساخرة لاهية.
لعل أظهر ما نخلص إليه أن هذا الأدب مما يعزز القول بأن الجسد فيه جسد «متخيل» أو «جسد استعارة» يرسم صورة لما ترسب في أغوار النفس من علاقة ملتبسة بالمرأة.
ولعل صورة هذا الجسد الاستعارة هي التي جعلت البعض يحملها على وجوه من التأويل قد يكون أكثرها إغراء، أن الاحتفال بالجسد ليس إلا ذكرى بعيدة لعبادة المرأة في العصور العربية السحيقة. وهي العبادة التي ترتد إلى أسباب تاريخية تضرب بجذورها في أعماق النظام الأمومي، حيث كانت السيطرة للمرأة. وربما تجلى ذلك كأوضح ما يكون في ما نسميه أدب الحب العذري. ولا نخاله مقصورا على الحقبة الإسلامية، فله جذور في ثقافة الجاهلية، ولعله مثل قرينه الحب الحضري، نص مخضرم هو أيضا، بل هو أدب لا يزال يفعل فعله في أدبنا الحديث.

٭ كاتب تونسي

السبت، 28 يوليو 2018

هل في منزلنا ضيوف أم هم معاقين؟!

منقول

مشهد يتكرر في كل بيت:
شاب أو شابة في مقتبل العمر وأوفر الصحة يعيش في بيت ذويه.
يستيقظ صباحاً ويترك فراشه دون ترتيب..فالأم ستتولى ذلك.
ويستبدل ملابسه ويتركها للغسيل متناثرة في أي زاوية أو ركن..فالأم ستتولى جمعها وغسلها وكويها وإعادتها للغرفة.
يقدم له الطعام جاهزاً ليتناوله قبل ذلك أو بعده لايتعب نفسه بغسل كوب أو صحن..فالأم ستتولى كل مايترتب على هذا.
يذهب لمدرسته أو.جامعته ويعود لينام أو يسهر على سنابشات أو تويتر أو انستجرام أو مشاهدة حلقات متتابعة من مسلسل جديد يتخلل ذلك وجبات تقدم له جاهزة وكل ماعليه هو أن "ياخذ بريك" ويمد يده ليأكل ، جزاه الله خير على ذلك، ويعاود الجهاد أمام شاشة هاتفه أو الآيباد أو اللابتوب.
وأحياناً في أوقات فراغه قد يتكرم في الجلوس مع بقية أفراد أسرته لكنه حاشا أن ينسى أن يتصفح شاشة هاتفه ليظل حاضراً وقريباً من أصحابه الذين يقضي معهم جُلّ أوقاته حتى لا يفوته لاسمح الله تعليق أو صورة أو فضول فيما يفعله الآخرون.
صاحبنا هذا لا يساهم ولا يشارك في أي مسؤولية في البيت ولو بالشيء القليل. يترك المكان في فوضى ويزعل إن لم يعجبه العشاء وإن رأى في البيت مايستوجب التصليح أو التبديل يمر مر السحاب،، طبعاً التصليحات مسؤولية والده أليس كذلك،، والتنظيف و الترتيب مسؤولية أمه فقط..
انتهى المشهد.
تفكرت فيما أراه حولي وتوصلت لنتيجة واحدة: أظن أننا نجحنا في خلق جيل معوق
نعم جيل معاااااااق وبتفوق

لدينا الآن جيل معظمه يتصرف وكأنه ضيف في منزله. لايساعد ولا يساهم ولايتحمل أية مسؤولية حوله من سن المدرسة إلى الكلية وحتى بعد حصوله على الوظيفة.
هو وهي يعيشان في بيت والديهما كضيف.
ولايعرفان من المسؤولية غير المصروف الشخصي ورخصة قيادة السيارة.
ويبقى الأب والأم تحت وطأة المسؤوليات عن البيت حتى مع تقدم العمر وضعف الجسد.
فالوالدان(لا يريدان أن يتعبوا الأولاد).
تقدير وتحمل المسؤولية تربية تزرعها أنت في أولادك "لا تخلق فيهم فجأةً "ولا حتى بعد الزواج
لأنهم بعد الزواج سيحملون الثقافة التي اكتسبوها من بيوت أهليهم إلى بيت الزوجية
وأي ثقافة تلك
ثقافة الإعاقة .. الاتكالية
وبالتالي جيل لا يعتمد عليه أبدا في بناء بيت أو أسرة أو تحمل مسؤولية زوجة وأولاد
فهل هكذا تأسست أنت أو أنت في بيت أهلك
وإن كان نعم فكيف هي نتائج تأسيسك ؟
عزيزي وليّ الأمر: أن تعود ابنك او ابنتك على تحمل بعض المسؤوليات في البيت يساعد في بناء شخصيته وبناء جيل مسؤول اجتماعياً.
تحمل المسؤولية يجعلهم أقوى ويعينهم على مواجهة ما سيأتيهم مستقبلاً.
ويساعدك أنت في الاعتماد عليهم ويساعدهم هم في التفكير بالآخرين، ما يجعلهم أقل أنانية وأكثر تقديراً وفاعلية في بيوتهم ومحيطهم ومن ثم وظيفتهم ومجتمعهم مستقبلا .
في حين اتكالهم عليك أو على الخادمة يجعلهم أكسل وأضعف وأكثر سطحية ولا يعدهم للمستقبل.
بل كيف لشخص اتكالي أن ينشىء أسرة مستقلة ومستقرة؟ وبعدها نتساءل عن ارتفاع معدلات الطلاق في جيل اليوم "وليش ما عندهم صبر!"
الحمل والولادة شيء فطري،
لكن أن تجتهد لأسرتك وأن تتحمل مصاعب الحياة ذكراً أم أُنثى هذه مهارة يجب اكتسابها من الوالدين أولاً.
وأخيراً أيتها الأم وأيها الأب : إن لم ترب ابنك على تحمل المسؤولية في منزلك، ستعلمه الدنيا،
لكن !!!
دروس الدنيا ستكون صادمة ومتأخرة وأقل حناناً وأكثر قسوة منك.
فأعنه عليها ولا تكن عوناً عليه فيها.
لاتنشىء ابنك او ابنتك ليكونوا ضيوفاً في بيتك بل ربهم ليكونوا عوناً لك، فاعلين في بيتك وثم في بيوتهم ومجتمعهم.
ونسأل الله أن يعيننا على التربية ويصلحنا ويصلح فلذاتنا لنا ...امين ربنارب العالمين انك على ما تشاء قدير وانت المولى ونعم النصير.تحياتى...

الأحد، 22 يوليو 2018

أيام زمان

بقلم:أحمد خالد توفيق

هناك ناقدة أمريكية كانت تحب فيلم: ذهب مع الريح.. وشاهدته عشرات المرات. فجأة شاهدته عندما تقدمت في العمر.. أثار دهشتها أنها لم تنفعل وبدا لها سخيفًا مفتعلاً، وكتبت تقول: الفيلم تغير !.. لم يعد نفس الفيلم الذي كنت أشاهده قديمًا
هذا هو السؤال الأبدي الذي يطاردك عندما تكون في سني: هل الحياة قد ساءت حقًا أم إنني لم أعد كما كنت؟
في صباي كنت أسمع أبي لا يكف عن استعادة ذكريات صباه.. كانت الدجاجة بحجم الخروف والخروف بحجم ديناصور ترايسيراتوبس، وكانت للأزهار رائحة حقيقية.. زهرة واحدة كانت تغمر بالشذى حيًا كاملًا من أحياء دمنهور - حيث ولد- دعك من الفراولة والتفاح.. كان يمكنك أن تعرف أن هناك من ابتاع نصف كيلو تفاح أو فراولة في دمنهور كلها؛ لأن الرائحة تتسرب لكل شيء.. كانت الأغاني أعذب والفتيات أجمل والأفلام أمتع والبشر أنقى..
كنت أستمع - أو أسمع- لهذا الكلام في تأدب، وإن كنت أنقل قدمي مائة مرة في ملل أخفيه. وقد بدا لي خيطًا لا ينتهي من كلام الشيوخ المعتاد: هي الفراخ بتاعتكم دي فراخ؟.. دي عصافير.. كنا بنشتري عربية وفيلا ودستة بيض بنص ريال.... إلخ
حدثني أبي عن أفلام عصره وعن إيرول فلين المذهل وجيمس كاجني العبقري و... و... على الأقل صار بوسعي اليوم أن أرى هذه الأفلام كدليل لا يُدحَض، فلا أرى فيها أي شيء خارق.. التخشب الهوليودي المعتاد والكثير من الافتعال..
نقّبت عن نقاء الناس في ذلك العصر، فقرأت عن ريا وسكينة النقيتين، والبواب النقي الذي اغتصب طفلة في الثالثة من عمرها عام 1933، والفنانة النقية التي ضبطت زوجها النقي مع الخادمة النقية في المطبخ ليلة الدخلة! 
وماذا عن الفنان النقي: فلان.. الذي اقتحم مكتب الناقد الذي لم يرُقْ له فيلمه الأخير شاهرًا مسدسه؟ كان هناك حي دعارة شهير جدًا في طنطا اسمه: الخبيزة.. واليوم صار سوقًا شعبيًا محترمًا.. فأين هذا النقاء إذن؟
لكن أبي - رحمه الله- عاش ومات وهو مؤمن بأن الحياة قد صارت سيئة، كأنها صورة صنعت منها نسخة تلو نسخة تلو نسخة حتى بهتت ولم تعد لها قيمة..
اليوم أنظر أنا بدوري إلى الوراء فيبدو لي أن الحياة كانت أفضل في صباي بكثير. قلت لابني إن الأغاني في عصري كانت أعذب والفتيات أجمل والأفلام أمتع والبشر أنقى... أرغمته على مشاهدة بعض أفلام السبعينيات على غرار الأب الروحي وقصة حب.. فشاهدها وقال لي بصراحة إنها زي الزفت. أغاني البيتلز والآبا والبي جيز (خنيقة) جدًا في رأيه.. ولم يحب أية أغنية من أغاني وردة الجزائرية الحارقة في أوائل السبعينيات مثل: حكايتي مع الزمان واسمعوني.. طبعًا لم أحاول أن أسمِعه أم كلثوم فأنا لست مجنونًا.. لن يفهمها ولو بعد مائة عام..
قلت له في غيظ إنه بعد عشرين سنة -أعطاه الله العمر- سوف يُسمع ابنه أغاني شاجي وإنريكي إجلسياس وفيرجي ويعرض عليه أفلام: الرجال إكس والفارس الأسود.. لكن الوغد الصغير سيؤكد له أنها زبالة، إلا أن ابني لم يصدق.. يعتقد أن الأخ شاجي خالد للأبد..
نعم كان لرمضان رائحة وحضور في الماضي.. كانت هناك رائحة مميزة للعيد.. تصور أن عيد الثورة كانت له رائحة؟ كان قدوم الربيع يعلن عن نفسه مع ألف هرمون وهرمون يتفتح في مسامك، فتواجه مشكلة لعينة في التركيز في دروسك والامتحانات على الأبواب، بينما الحياة ذاتها قد تحولت إلى فتاة رائعة الحسن تنتظرك..
أذكر يوم شم النسيم وأنا في الصف الثالث الإعدادي، أمشي في شوارع طنطا التي مازالت خالية في ساعة مبكرة، مزهواً بنفسي أوشك على أن أطير في الهواء، وأتمنى لو عببت الكون كله في رئتي.. بينما المحلات تذيع أغنية حفل الربيع التي غناها عبد الحليم حافظ أمس: قارئة الفنجان.. تصور أن الأغنية مازالت طازجة ساخنة خرجت من حنجرة الرجل منذ ساعات لا أكثر. للمرة الأولى أسمع: بحياتِكَ يا ولدي امرأة.. عيناها سُبحانَ المعبود..
أنا شاب.. لقد كبرت.. لن تتغير هذه الحقيقة.. الغد أفضل بمراحل.. الكون كله ينتظرني.. سوف أصير أمين عام الأمم المتحدة وأتزوج راكيل ويلش وأفوز بجائزة نوبل في الأدب، وفي وقت فراغي سأمارس هوايتي في إجراء جراحات الجهاز العصبي.. هذا قد يضمن لي جائزة نوبل أخرى.. من يدري؟ قد أصير أول رائد فضاء عربي.. بالمرة، ولسوف أصير وسيماً أشقر الشعر أزرق العينين.. لا أدري كيف.. يجب أن تكون في الخامسة عشرة لتفهم..
نعم.. لم يعد شيء في العالم كما كان.. أبتاع الفراولة وألصق ثمارها بأنفي وأشم بعنف.. لا شيء.. لو حشرت ثمرة منها في رئتي فلن أجد لها رائحة. ماذا عن التفاح الذي لا تقتنع بأنه ليس من البلاستيك إلا عندما تقضم منه قطعة؟ عندها تحتاج لفترة أخرى كي تقتنع أنك لم تقضم قطعة من الباذنجان.. أين ذهب جمال الفتيات؟ ولماذا لم أعد أرى إلا المساحيق الكثيفة، حتى تشعر أن كل فتاة رسمت على وجهها وجهًا آخر يروق لها؟
أين ذهبت العواطف الحارقة القديمة عندما كنت تكتب عشرات القصائد من أجل ابتسامة حبيبتك؟ اليوم لو تزوجتها وأنجبت منها عشرين طفلاً فلن تجد في هذا ما يأتي بالإلهام!
الإجابة التي تروق للمسنّين هي: الحياة تغيرت ولم تعد هناك بركة.. لكن الإجابة الأقرب للمنطق هي: الحياة لم تتغير.. أنت تغيرت
ربما صار شمي أضعف.. ربما صار بصري أوهن.. ربما صار قلبي أغلظ.. ربما تدهورت هرموناتي.. ربما صرت كهلاً ضيق الخلق عاجزًا عن أن يجد الجمال في شيء.. ربما مازالت الفتيات جميلات والفراولة عطرة الرائحة وأغاني هذا الجيل جميلة..
نعم هو المنطق ومن النضج أن أعترف بهذا.. لكن من قال لك إنني أريد أن أكون كذلك؟ أفضّل أن أظل شابًا على أن أكون ناضجًا، لهذا أقول لك بكل صراحة: 
"الحياة صارت سيئة ولا تطاق فعلاً.. الله يكون في عونكم.. هيّ أيامكم دي أيام؟"

الأربعاء، 27 يونيو 2018

الخيانة والخوف توأمان لا يفترقان

بقلم د. رزان إبراهيم


" من بقي على العهد من أصدقاء الزمن القديم. كفى نفاقاً! من الذي بقي على العهد؟ هل بقيت أنا نفسي على العهد؟"

( واحة الغروب) للروائي المصري المعروف بهاء طاهر واحدة من نصوص روائية متجددة بطاقة إنسانية وفنية عالية، تستدعي تأملات عديدة تحت أكثر من عنوان. واحدة من هذه العناوين الجديرة بالتناول فيها (موضوع الخيانة)؛ من هو الخائن؟ وما هي صفته؟ وما الذي يدفع إلى الخيانة؟ وهل هناك نصف خائن وخائن بالكامل؟ كل هذه التساؤلات نجد صداها في رواية لا تكتفي بتقديم سلوك الخيانة أو عرضه، وإنما نجد مبدعها وقد عمل جاهداً على تفسيره واضعاً إياه تحت الضوء، شارحاً قبل كل شيء علاقة الخائن مع نفسه، خصوصاً أن الخائن وإن تابع كذبه على الآخرين فإنه – على الأغلب- لن يكون قادراً على الكذب بينه وبين نفسه. ومن ثم تتسع الدائرة كاشفة عن سلطة ما تحرك الخيانة وتغري بها، موصلة صاحبها في نهاية المطاف إلى قرار بالانتحار يُتخذ تطهراً من شعور بالذنب كان رفيقاً لنفس أخفقت مراراً في التخلص منه.

الرواية بطلها محمود المسافر من كرداسة إلى واحة عرف عنها أن (محمد علي) كان قد غزاها وضمها إلى مصر منهياً استقلالها الذي استمر لمئات السنين. وفيها يعين محمود مأموراً على ناسها المعروفين بعداواتهم فيما بينهم وبشجاعتهم وتحالفهم يداً واحدة على الأغراب. كرهوا الأوروبيين وقتلوا بعضاً من رحالة ذهبوا إليها ليستكشفوها. كرهوا دفع الضرائب التي كان على محمود أن يجمعها منهم في وقت لم يكفوا فيه عن التمرد والثورة. لذلك كان محمود كآخرين ممن اختارتهم القاهرة هدفاً لهم.
يحضر محمود إلى هذه الواحة محملاً بماض أثقلته الخيانات، بدءاً بخيانة لوطن لا يكون من المقبول اتخاذ أنصاف المواقف تجاهه، خصوصاً حين يكون هذا الوطن واقعاً تحت وطأة المحتل؛ فنواب البرلمان الذين ألقوا ذات يوم خطباً ملتهبة ضد الإنجليز ما لبثوا أن انضموا إلى الخديوي وهو يستعرض جيش الاحتلال الذي دمر بأسطوله الإسكندرية. وهو (محمود) أيام انتدابه إلى الإسكندرية صنف وقت الفرز خائناً حين اختار لنفسه مصلحة شخصية بمردود نفعي ذاتي على حساب الوطن. لتنهال عليه بعدها ذكريات متعبة يشوبها قسط وفير من الألم، مع أسئلة تتحلق حول إمكانية أن يقول لهؤلاء الذين يسبونه أنه لم يخن، أو يحضره سؤال: "لماذا خان الباشوات والكبار الذين يملكون كل شيء؟ ولماذا يدفع الصغار دائماً الثمن. يموتون في الحرب ويسجنون في الهزيمة بينما يظل الكبار أحراراً وكباراً؟". " ولماذا يخون الصغار أيضاً؟ ولماذا خان الضابط بلده في التل الكبير وقاد الإنجليز ليغدروا به ويفتكوا به ليلاً؟".
" لماذا خان؟ لماذا نخون؟" يحضر هذا السؤال مخترقاً أشكالاً متعددة للخيانة، بما في ذلك مشكلة محمود في علاقته المبكرة مع نعمة التي عاشت معه طفلاً بحكاياتها واستردته بالعشق رجلاً. أحبها كما لم يحب سواها. وحين سألته إن كان يحبها، قال لها " كلام فارغ"، تخرج بعدها إلى الشارع وتختفي، ليتهمها بالخيانة إذ تركته، يعود آنئذ متسائلاً: " ومن الذي خان يا حضرة الصاغ شهريار؟". تحضر هذه الخيانات غير بعيد عن خوف وخيانة يظهران توأماً لا يمكن الفصل بينهما مضافاً إليهما حافز طمع لا يمكن إغفاله. 
ذاك ما حصل مع محمود وهو يجر إلى ذهنه احتمالات السجن والطرد من العمل والنفي إن لم يخن. وقد يحدث أن الطغيان والظلم يقودان لطاعة، ومن ثم إلى خوف يعشعش في قلب المستبد حين يخشى من خيانة أولئك الذين أسلموا له، كما كان من أمر الاسكندر الكبير الذي خطا فوق رمال الواحة في يوم من الأيام، واستحث كاثرين زوجة محمود الإيرلندية كي تبحث عنه في قلب هذه الواحة، لنستمع إلى صوته قادماً من غياهب الغيب معترفاً:" نعم بالطبع أنا طاغية مهما سقت لطغياني الأسباب. حكمت الرعية بالخوف فأفرخ الخوف الطاعة كما أردت لكنه أفرخ معها الخيانة. خانني أقرب الناس إلي وتآمروا علي مرة بعد مرة". لتتأكد في هذا كله ثنائية الخوف والخيانة؛ ويبقى سؤال: أيهما يلد الآخر؟ مضافاً إليهما حافز الطمع الذي يفرض حضوراً قوياً في ثنايا هذه الثنائية. 
تحضر تأملات محمود هذه منذ لحظات عبوره الأولى تجاه الواحة عبر صحراء ما فتئت أن تكون فضاء غزيراً متخماً بدلالات ورموز أتقن بهاء طاهر صناعتها ضمن رؤى تحاكي امتداد الصحراء واتساعها، وتحسن التقاط علامات ضوئية وحركية وصوتية كانت قادرة على تمثل محمود بكل تقلباته وتبدلاته عبر حوار ذاتي دفعنا في العمق من هذه الشخصية كاشفاً ما يمكن أن يكون مستوراً أو خافياً بلغة ربما كانت حزينة أو مهزومة تشعر بألم الحياة وتعبر عنها بمنأى عما يمكن أن يكون سرداً إخبارياً مباشراً. بل وجعلتنا قادرين على التعرف على أحلام زوجة محمود الإيرلندية (كاثرين) وتداعيات هذه الصحراء في نفسها التي لا تشبه بحال من الأحوال ما هو كامن في داخل زوجها.
قلنا: إن للخيانة أكثر من شكل وصورة، تحضر كلها منافسة صحراء جرت العادة أن تنسب إليها سمة الغدر بسبب عاصفة تكتنفها في غير أوانها. يتكشف لنا بعدها أن البشر في غدرهم قد يكونون أشد وطأة من هذه الصحراء. يحضر هذا بالتزامن مع مشاعر تجاه الموت بدت مخيفة وعادت من ثم لتتضاءل حين داهمت محموداً زوابع الصحراء ولتتسلل إلى رأسه فكرة خاطفة: " فليأت! هو مؤلم ولكنه ليس مخيفاً. فليأت بسرعة! أود النهاية كراحة جميلة في عبء لا يحتمل. فليأت". وكأن في هذه الصحراء التي يجتازها نداء أو حتى إغراء بموت سريع وناعم رقيق. ليقول في هذا الشأن: "ها أنذا قد واجهت الموت الذي تفلسفت في الصحراء عن إغوائه وعن الهاتف الذي يناديني. لكن عندما رأيته ينقض حجراً من السماء ارتعبت. حتى عندما كان واجباً يتحتم علي أن ألبيه, جبنت وتركت غيري يقوم به. هل هذه إذن هي حقيقتي؟" 
وهنا يعود السؤال مرة أخرى عن حقيقة محمود الذي اختار بإرادته أن يخون ويتخلى، ليجد نفسه في واحة تقع في جوف الصحراء السحيق وقد تغير، حتى تجاه بشر جاءهم كارهاً، يعود بعدها فيقول: " لم نأتهم إخواناً بل غزاة. لم نعاملهم كأهل البلد بل كمستعمرين، عليهم أن يدفعوا أموالهم غصباً للفاتحين. فلماذا أغضب مما يفعل الإنجليز بنا أو تغضب كاثرين مما يفعلونه بإيرلندا؟ ذلك قانون الأقوى، نمارسه نحن هنا كما يمارسه الإنجليز هناك". 
ويبقى السؤال معلقاً: هل تغير محمود أم أنه وجد حقيقته في هذا المكان البعيد؟؟ وهو من أدمن التفكير في نفسه معترفاً بسوء فيها، متمنياً لو أنه لم يكن هو. ليخلص في نهاية الأمر بأن "لا داعي للشجاعة المتأخرة" وبأنه "لا ينفع في هذه الدنيا أن تكون نصف طيب ونصف شرير. نصف وطني ونصف خائن، نصف شجاع ونصف جبان. نصف مؤمن ونصف عاشق. دائما في منتصف شيء ما... أردت أن أنقذ محمود الصغير لكن في منتصف المحاولة تركت إبراهيم يكسر ساقه. تحمست فترة للوطن والثوار وعندما جاءت لحظة الامتحان أنكرتهم ثم توقفت في مكاني. لم أكن شخصاً واحداً كاملاً في داخله". 
وما كان لمحمود أن ينجو إذ "لو كان الألم والشقاء وأنّات الخيانة والظلم ثمنا للنجاة" لنجا هو ونجا معه كل الناس. لذلك بادر إلى وضع أصابع ديناميت داخل معبد في الواحة مليء بنقوش الموتى مختاراً ألا يبقى للمعبد أثر، منهياً بذلك حياته وقصصاً لأجداد سيفيق أحفادهم من أوهام العظمة والعزاء الكاذب.

الثلاثاء، 19 يونيو 2018

أُمّهات 7 على مقياس ريختر !

بقلم إكرام الزعبي

 عليك أيتها الأم أن تفتحي (إيميل) مدرسة أولادك ثلاث مرات في اليوم؛ لتتفقدي واجب الرياضيات أو الإنجليزي، أو لتقومي بطباعة فصل من الرواية المقررة. عليك أن تتذكري شبكة من المواعيد والواجبات الخاصة بجميع أفراد العائلة، وبك. بهذه الأثناء عليك أن تُركِّبي طنجرة الغداء على النار لتجهيز الطعام قبل ذهابك الى الدوام، فرائحة تقطيع البصل هي أفضل (كاموفلاج ) للتغطية على دموعك، هذا اذا كنتِ (زعلانة) من أحد- بحالات نادرة جداً - لا سمح الله .

فإذا كنتِ من ذوات الذاكرة السَمَكيّة ( زي حالاتي ) فعليكِ أن تتعلمي سُرعة الرّكض ، أو أن ترفعي سرعة السيارة الى 90 بطريق الذهاب إلى المدرسة؛ حيثُ نسيتِ أمر يوم اللغة أو يوم المُعلِّم، أو (برزنتيشن ) الولد أو البنت.
وعليك سيّدتي أن تتذكّري يوم التبرعات، وعيد الشجرة، وعيد العصفور، وعيد استقلال جمهورية الصين! التركيز عزيزتي الأم، التركيز هو لُعبتك ومجال احترافك ؛ فلا مكان بين أُمَّهات اليوم لمن لا تُركّز. إذا كان ظرفك النفسي لا يسمح بالتركيز، فاكتبي قائمة مهامّ، ولكن تذكًري أين تضعينها. وكيف تنسينها بالله عليكِ؟ النسيان ممنوع، وإن كان نعمة كما يُشاع.
تذكري أيضاً أين وضعتِ بدلة الرياضة، والربطة الزرقاء، والمفتاح الإنجليزي. ولا تنسي المغسلة التي تُسّرب المياه، والكرتون الأزرق الذي طلبه الولد. وبطريق المكتبة تذكّري قبل شراء (فعطات نُمرة 5 ) أن تَمُرِّي على الخياط لتقصير البنطلون. هل نسيتِ حفلة بنت خالتك يوم الخميس؟ وهل نسيتِ آخر موعد لتجديد البطاقة؟ ما هذه الذاكرة التي لا تقبل القسمة على خمسة آلاف مُهِمِّة؟ سامحكِ الله يا أمّ آخر زمن! ألا تشاهدين الحلول السحرية على اليوتيوب؟ اشربي ثلاث ملاعق بزر الكتان على الريق، مع معصور قشر البطاطا، وذيل الضفدع الفسفوري!
اربطي المنبه على الساعة الثانية كي لا تفوتك صلاة العصر، واشتركي (بجروبات الواتساب) لأُمّهات المدرسة؛ حيث الصور والفيديوهات اليومية التي ستزيد من (تشتيتك). موعد طبيب الأسنان هو بصراحة نوع من الترف الزائد، ومن يحتاج لتبييض الأسنان؟ أصلاً من يراكِ يا مُدرِّسة بعد الظهر وطبّاخة الصباح؟ اتّفقنا: أنت تركُضين وتركُضين، لكن احذري ( فكشة ) الكاحل اليمين أو صدعة الرُكبة! لماذا لا تلبسين (بوت) الرياضة الأسلم؟ الكعب لم يعد من مُفردات الأنوثة بعد اليوم؛ وسامحني يا عبد الوهاب حيث كنت تظن بأن ' أجمل ما في الكون هو الكعب العالي'.
أسرعي واسرعي كي لا يفوتك حجز الصالون، أو موعد الطائرة، أو موعد الولادة. ادخلي الدوامة كي لا تخرجي منها بقوة الطرد المركزي، أو الذكوري، وامسحي من قوائمك (جروب) العائلة، وعناوين صديقات أيام الجامعة، ولا ضرورة لفنجان قهوة عابر مع الجارة، فأنت لا تعرفين اسمها أصلاً. حجتّك متوفرة دائماً : (مهووو) الأولاد. الأولاد ، الله (يخليهم).
تحبينهم أكثر من روحك، ومع ذلك يُلازمك شعور الذنب بالتقصير تجاههم، فظلي في دائرة التعذيب النفسي وقلق المستقبل ، ولا بأس لو رأيتِ كوابيس الأفاعي، والمرأة السوداء ذات الشعر المنكوش. بهذه الحالة فدواء (البروزاك) يُناسب الدلوعة، أما المٌتماسِكة عُنوةً، فعليها أن تقفز من نومها كالملدوغة، و(تتفل) ثلاث مرات على الشمال. الكوابيس بشأن مُستقبل أولادك، ومنظر الشهادة المُمَزّقة في الحلم، والوحش الذي يحمل الساطور و( يهبِد) رأسك فيه، كل هذا طبيعي، طبيعي جداً، فقط تعوّذّي بالله من الشيطان الرجيم.
زيدي من سرعتك كي لا تنسي أعياد ميلاد أصحاب أولادك -أثناء كتابة تقارير العمل، واسرعي أكثر في توصيل الولد الى دورة (الجيجيستو) والبنت الى دورة الرسم. حاولي أثناء ذلك أخذ دورة في اللغة الإنجليزية لتفهمي رسائل المدرسة؛ فالأم التي تزوجت صغيرة ولم تكمل دراستها لا قدّر الله، لا يُحسب لها الحساب،لا بالمدارس الخاصة، ولا عند نساء يُحقّقن (البرستيج) من التَحدُّث والكتابة بالإنجليزية.
قومي، اركضي، تحدّثي مع نفسك وأنت تقودين السيارة؛ فاذا انكشف أمرك قولي: ' لقد كنت أتحدّث عبر سمّاعة (الموبايل)'! عادي جداً، لا ضير في ذلك، فأنتِ (سوبر ليدي). أنتِ زلزال بقوة سبع درجات على مقياس ريختر!

الجمعة، 8 يونيو 2018

«وجع المبدعات».. اعترافات 16 كاتبة عن الزواج والحمل والرضاعة (ملف خاص)



دعك من هذه المثقفة التى تنفث دخاناً رديئاً فى هواء ردىء وهى تقول بكل ثقة الحمقى : وأنا أتجوز وأجيب طفل برىء لمجتمع منحط وغوغائى وسسنتمالى متعفن ليه ؟"، ولا تسأل عن معنى سنتمالى ، دعكّ من المنبثقات من كراسى المقاهى وخصلة الشعر الساقطة من الإيشارب ، دعك منهن وتعالى إلى تجارب كاتبات تزوجن وأنجن أولاداً وبنات لمجتمعات متعفنة واجتهدت كل واحدة منهن كى تنجو بطفلها من الغوغائية والأفكار المنحطة .
هذه شهادات 16 كاتبة عربية يمثلن أجيالاً متباينة فى العالم العربى ،شهادت عن الوجع والألم وشهور الحمل والولادة والعلاقة المرتبكة بين الأم " المبدعة " وطفلها .
قصص درامية لآمهات صغيرات حملن الرسالة فى بطونهن وتأخرتْ عقولهن فى فهم محتواها ومعناها ،ودائماً أقول لزوجتى:" إنت أقرب إلى الله" ، ليس لأننى سىء ، ولكن "نفخنا فيه من روحنا "تشير إلى أن أنفاس الله هى التى تبارك البذرة وترعاها،فالإناث بنات الرحمن يخصهن بهمساته تقديراً لما يحملن من عبء ورسالة إلى البشرية .
لا فرق بين أجنة فى أرحام آمهات مسلمات أو مسيحيات أو بوذيات حتى! ،لا فرق ، ونفحات الرحمن لا فرق بينها ،لكن الفوارق والكوارث من صنعنا نحن البشر حين نزرع الحقد والكراهية والعنصرية والتعصب فى عقول الصغار ، حين تتعالى المرأة على " النعمة " وتهملها وتتركها لمصائر مأساوية .
التجربة اسمها " ديوان الأمومة ـ شهادات ونصوص " عن دار ميريت ، جمعتها وأشرفت على تحريرها الشاعرة "رنا التونسى" التى يحسب لها التفكير فى هذا الجانب كمشروع شعرى مشترك ومختلف وجديد فى العالم العربى ،كما يحسب لها أن بذرة هذا المشروع بدأت من ديوانها " ألعاب الهواء " ،لكن من الواضح أن عامل الوقت دفع " رنا " إلى التسرع بعض الشىء فى جمع الشهادات واختيار الكاتبات وعدم توجيه الدعوة لكثيرات ، وتجاهل تجارب كبرى فى كتابة " الأمومة " سواء لروائيات أو شاعرات ،ولكن يغفر لها تنوع التجارب واختلافها وحرصها على شهادات شاعرات مغتربات عن أوطانهن ، وأظن الفرصة قائمة لتجنب أخطاء التجربة الوليدة وإعادة إنتاجها بصورة أفضل من حيث الاخيتارات والترتيب والتصنيف ، فهو مشروع ثقافى كبير يستحق الاهتمام من مؤسسسات وهيئات ربما نقدم صورة جديدة للأم " المبدعة " بعد أن انتهكها المجتمع وسخر منها واعتبر إبداعها عيباً إن لم يكن جنوناً خالصاً!
لقد قرأتُ الشهادات والنصوص بعناية فائقة وكثير منها يستحق النشر منفرداً ، ولكن حرصاً من الدستور على تشجيع التجربة وتكرارها ،حاولتُ جاهداُ جمع العدد الأكبر من الشهادات والنصوص واجتزاء مقاطع تعبر عن تجربة صاحبتها .. وتلك مهمة صعبة أتمنى أن أنجح فيها .

«وجع المبدعات»..
1
كل يوم .. أحبك أكثر
عندما ولدتك 
لم تكن لحظة الميلاد معجزة 
كنتُ ذليلة 
مكسورة 
غارقة فى الألم 
كان الغرباء يسكونون عظامى 
وكنت أحبك 
محبة الناجية من الموت 
المستيقظة لتعشق 
كل يوم كأنه أول أول

"رنا التونسى"


«وجع المبدعات»..
2
إلى مارسيل
أمك متهمة بالجنون والهلوسة والعبث والنشار والشعر .. لا تصدق شيئاً من هذا 
قد لا أعيش طويلاً لأخبرك أنى محض دم مغرور يحب هذه البلاد ولم يفلح أحد بعد بجعلى أخرج من البيت من دون كجلى ولا بمضاجعته بعينين نظيفتين 
أحب هذه البلاد .. ولست مجنونة ولست مهلوسة ولست نشازا ولست شاعرة .. أحبها كما أحبك هكذا ،بكل غريزة الوحوش 
"سمر دياب" 

3
سارقات الوقت
ولكن ما هى الأمومة يا سارة ؟
لكزة فى الروح لتفيق من نوبة تأمل طويلة 
أم صفعة على الوجه بعد سنوات من اللامبالاة والطمأنينة الزائفة 
مهارات غير ضرورية نتعملها على مضض 
كأن نغير الحفاضات للصمت 
ونضطر إلى كراهية الليل بسبب نوبات الصراخ 
نصير قراصمة الوقت بجدارة 
نسرق دقائق للنوم أو للبكاء .
"مروة أبو ضيف"

4
عقبال ما تخاوية
وُلد "يحيى" وكنت في غيبة البنج ولم أستقبله، بل فعلوا نيابة عني، وعندما أفقت وحملته للمرة الأولى شعرت بالشفقة على ضعفه وجوعه، وتحاملت على نفسي لأطعمه، وبداخلي رغبة كبيرة أن تأتي أمه بعد قليل لتحمله وتبتعد وتتركني لألمي الضاري، لكنها لم تأت أبدا، كنت أكتشف تورطي الكبير لحظة بلحظة منذ فتحت عيني يومها، وأصابني هذا بغضب كبير وربما بفعل آثار البنج والدواء صببت كامل غضبي على كل من هنأني بولادة يحيى وأضاف من تلقاء نفسه"عقبال ما تخاويه" يا الله، لو كنت أستطيع لقتلتهم عقابا على هذه الأمنية الغبية، وسوء تقدير الموقف الرهيب، ولم أجد - وقتها - أي متعة في كوني أصبحت أما، حتى أن البعض يتوقعون مني تكرار التجربة!
تصدق في حالتنا هذه مقولة أن الأمومة وجبة تصنع على مهل، شعرت بمسؤولية عن طفلي الصغير، اهتممت به وألـّفت الحكايات عن حبي له حينما كان بداخلي، لكنني لم أشعر بأنني أم (بالمعنى الإيجابي للكلمة؛ هذه الفرحة التي نقصدها حينما نقول أما) سوى بعد ذلك بوقت طويل، وقت صنعنا فيه علاقتنا الحقيقية، وتأسست فيها كطرف مسؤول عن كل شيء، بدون إجازات، وبخبل كامل أحيانا، وضع معقد لكنه كان - للغرابة - يعطيني بهجة وسعادة، خصوصا مع خالص الحب والانتماء اللذين حباني بهما يحيى من أبسط ردود أفعاله، وحتى قدرته على التشبث بي، بل وكتابة الكلمات في محبتي ورسم اللوحات تقديرا لي وتعبيرا عن مشاعره.

"اميمة عبد الشافى"

«وجع المبدعات»..
5
أبنى .. أصبح عائلتى
حين تزوجت وأنجبت طفلي الأول بعد عدة سنوات من الانتظار المتعمد، صار عندي سلام. وكانت تلك اللحظة الخالدة الباقية إلى الأبد في ذهني، صورة وليدي بين يدي، أتأمل وجهه الأبيض الملائكي صباح الأول من أيار 1987 في مشفى حمص الوطني في الصباح الباكر. جاء الولد/الحلم، ونامت في حضني القصيدة التي لم أكتبها، القصيدة التي أعجز عن كتابتها، القصيدة التي صارت تمشي على الأرض وتبكي وتحبو وتأكل وتغضب وتغيب عن البيت، لأسباب وجيهة. لم أكتب الأمومة حتى الآن رغم وعيي بأن المرأة الكاتبة لم تلتفت بعد وبشكل إبداعي لصوت الأمومة وملابساتها. 
لم أنجب الطفلة التي كنا نحلم بها. كانت الظروف تفرض علينا بعض الأثقال. كنا ما نزال نبحث عن استقرار مادي، وظرف إنساني جميل نستطيع من خلاله العناية بالأطفال كما يليق بالحلم الشعري العالي. تعثرنا، ولم تكن الظروف مواتية. هجرنا سوريا إلى كندا، بدأنا رحلة الصراع مع كندا، المكان الجديد، قررت ألا أنجب من جديد. صار لي خمس ولادات هي المجموعات الشعرية التي أشعر أنها كتبت بخليط من الروح والدم والنفس خلال الطواف بالعالم داخلاً وخارجا، شرقا وغربا. 
بدأت النشر على نطاق واسع في كندا وباسم جاكلين سلام. سلام اسم ابني الوحيد وليس اسم عائلتي، اسم عائلتي حنا. صار انتمائي لاسم الابن الذي أنجبته، هو القصيدة والأمومة في تجليات لها أكثر من تفسير ومعنى، وهذا ما أغضب والديّ قليلاً ثم تناسيا الموضوع أو انشغلا بالحياة وتفاصيلها اليومية. 
في الأيام القادمة وحين أصبح امرأة حرة كما أريد سأكتب قصيدة عن حلمة الثدي، عن ألم الرضاعة الأولى، عن آلام فطام الطفل عن الإرضاع، سأكتب عن آلام العادة الشهرية ومشاكلها، سأكتب عن الجسد الذي عشق وحمل وأنجب وعاش مخاضات الأزمنة كلها.
"جاكلين سلام"

«وجع المبدعات»..
6
الكائن الذى يتمدد فى بطنى
ساعات الولادة الطويلة لم تكن وحدها وسيلة لمراقبة هذا الجسد، كيف يخرج من وظائفه، وشكله المعتاد اليومي، كانت فترة الحمل كلها درسا مُبهمًا، قاسيا، وحنونا في فهم كيف يتمدد جسدي الأنثوي، ويكبر، وينتفخ وكيف يتحول إلى كتلة ضخمة تمتلئ بالماء، بالسوائل، وبكائن صغير لا يتردد أحيانًا في رفس هذا الجدار المعتم الذي يغلّفه.
كانت لديّ بالطبع أفكار رومانسية حول الأمومة والأطفال، والوجوه الزهرية اللون، التي تلتفّ بالأبيض الثلجيّ. لا تعطينا ثقافتنا العربية أية علامات أخرى للأمومة وعلاقة الأم بطفلها سوى هذه الرومانسية والتقديس، وأدوار التضحية والقدرة على الاحتمال ونكران الذات. ولا يذكر أحد أمامكِ أنكِ قد ترغبين في بعض الأوقات برمي هذا الطفل الجديد من البلكون مثلا، أو أنك قد تفضلين أنت تنفيذ قفزة حرة عن ذات البلكون. كان دور الأم معقدًا للغاية بالنسبة لي؛ لأنني عنيدة، وأريد أن أخوض تجربتي المميزة عن كل تجارب البشر. لا أريد أن أقلّد أو أسمع أحدًا، وفي النهاية استمعت للجميع، وجربت كل وصفات الينسون والشومر التي تطرد الغازات من بطن "ناي"، تلك الغازات التي كانت تجعلها تتلوى أمامي، وتتألم، وأنا ووالدها نسهر الليل بطوله، لا نعرف ما الحل معها؟
بعد سنوات طويلة وأمومة لابنتين، أستطيع أن أقول أن ثمن الأمومة في مجتمعنا العربي باهظ للغاية، خاصة لمن أصبن بشغف الكتابة ولوثتها. ثمن الأمومة قاسٍ وهائل، كثمن الحب والجنس والزواج والانفصال والعلاقات العابرة وغير العابرة والزمالة وكل شيء، كامرأة عليك دفع ثمن غالٍ في كل مرة تتوقعين فيها العيش بسعادة ورضا، أو أن تقرري أن تعيشي الحياة وفق رؤيتك للحياة.

"رجاء غانم"

7
أحلامى تنام فى جيوب أطفالى 
الحبَل بجنين يبدو بالنسبة لي أسهل من الحبَل بقصيدة، إنجاب طفل أسهل من خلق كلمات مصابة بمتلازمة داون.. تحتاج خيوطا هائلة لترميم الصدع بين النجمة ونعل الحذاء، الولادة ستبقى الصدمة الحقيقيّة التي تترتّب عليها جميع الحماقات الأخرى على حدّ رأي سيوران في كتابه "مثالب الولادة". الشعر يصيبنا بالوحام فنكره المطابخ، ورفوف الخزائن المرتّبة، والألوان المتناسقة... حتّى الحياة نتخيّلها فاكهة بغير موسمها. 
كتبت ابنتي "حنين" في سنّ مبكرة: 
" الثلج قطع طحين على رفوف النجوم " 
شعرت في تلك اللحظات أنّني أمّها حقًّا، وأنّه لا يمكنني التغاضي عن ذلك... أن ألد شاعرة حادّة الأفكار.. تحيط بها شياطين الشعر من جميع الجهات ليس صدفة... مزاجها ساديّ حقًّا، ونظراتها تنحت الأشياء.. ليس بإمكان حنين أن تبني عالمها دون أن تقطن بيت العنكبوت لتمزّقه في الوقت المناسب..
"لمى" تشبه ألعابها.. ترسم الوقت بأغنيات بسيطة.. فراشة تهتمّ بالموضة والرقص بحذائين برّاقين على دفترها المدرسيّ..
علاقتي بابنتيّ ليست تقليديّة، فيها من البوح والصداقة ما يكفي... أخبّئ غالبًا هفواتي في جيوبهم الصغيرة، أرتعش من طراوة أحلامهما القريبة من الدمى، من خيالاتهم المجرّدة كالجنة... حنين تقرأ قصائدي من حين لآخر، وهذا جزء من الصداقة التي أصبحت غرفة جاهزة للعبث، بيتي تسنده القصائد من جهاته الأربع… أحيانًا أخشى انهيار السقف...أو أن تثمر شجرة الميلاد، أخشى أن تحصل أمورًا غريبة دون معجزات تُذكر 

"رنيم طاهر"

8
الأمومة .. مش لعب عيال
فكرت أن الأمومة ستكون مخلصا ومنقذا لي، لم أفكر أبدا في تبعات الأمومة أو مشاكلها، في الحقيقة لم أكن اتخيل مدى صعوبة التجربة كنت صغيرة (ثلاثة وعشرون عاما) ولا أرغب في شيء قدر رغبتي في أن أصبح أما.
عندما أصبحت أما بالفعل اكتشفت مدى صعوبة التجربة، الأمومة ليست كما تبدو في البوسترات الملونة أو الصور الفوتوغرافية.
أشعر بقرب أكبر من بناتي كلما كتبت بشكل جيد، وأجد الحياة من حولي تستحق وبها أشياء جميلة وأفكار مبهجة، أشعر بهن يقبلنني ويحتضنني بحب أكبر، أما عندما تسير الكتابة بشكل سيء، أو لا أجد ما أكتبه أتحول لشخص متهور غاضب، أصبح مجنونة تماما حتى تتم الكتابة بالشكل الذي يرضيني.
أكتب في المطبخ، في غرفة البنات، أفكر في الكتابة وأنا أعلق الملابس على حبال الغسيل، أو أثناء تغيير الحفاضات للصغيرة، أو أثناء غسيل الأطباق، في كل لحظة لا أكتب فيها أفكر في الكتابة، أشعر أني أوثق حياتي بالكتابة. 
في كل كتاب أضع لهن الإهداء ربما يجدن وقتا لقراءة بعض ماكتبت، أنا مريضة بهن وبالكتابة، ولا أرغب سوى في أن نكون معا طوال الوقت :" فريدة، كرمة، فيروز". 

"سارة عابدين"

9
قصائدى وأصابع أطفالى الملطخة بالشيكولا
الأمومة أعطت تلك اللذعة الواقعية للنص لتجعله أكثر حرارة واقترابا من القارئ، أطفالي تجدين أصابعهم الملطخة بالشوكلا على وجه القصيدة، وألعابهم منثورة في فضاء النص، تجدين فرحتي بهم وقلقي وخوفي من الحرب عليهم، تجدين غضبي منهم وقلة حيلتي إزاء شقاوتهم، كلماتهم، أفعالهم، كتبهم، يعني احتلال كامل ههههههه. في الحقيقة اختلف نصي من قبل مجيئهم، من الحمل وفترة الوحم والتخلق داخلي، ثمة شيء لابد أن يؤثر و لا يمر عبثا. 
الأمومة سراج بزيت لاينفذ، عالم الطفولة قادر بشكل دائم على بعث الدهشة، وتلك ما يحبها الشعر؛ فالشعر الذي لايدهش يتوقف عن كونه شعرا، وتجربة الأمومة بالنسبة لي كانت عتبة مختلفة تختلف عن غيرها من التجارب، تعمق الشعر وتمنحه أجنحة من طفولة؛ ليطير قريبا وعاليا، أيضا أطفالي يحبون الشعر، ويلقونه بالسليقة؛ فالأب شاعر أيضا، ولهذا كان من المحتم ربما أن تتسرب هذه الجينات إليهم. يدهشونني دائما بتعابير حلوة لا يقولها الأطفال في سنهم عادة. الجميل في الأمر كله معرفتهم لعناوين كتبنا؛ فيتسابقون في حفظها أيضا، و يفتحون هذه الكتب في محاولة منهم لقراءة قصائدنا.

"سميرة البوزيدى"

10
أعترف بأننى لم أكُنْ أُمًّا صالحة
تعلَّم طفلي أبجديته بفضل الآخرين، ونطق كلماته الأولى في غيابي، وفاتتني مواقفه الطريفة وبدايات تفتحه على الحياة. زاد الضغط بسبب حَمْلِي غير المرتَّب في شقيقته، الذي جعلني أكثر عصبيةً وضاعف من تكرار نوبات ثورتي وشدَّتِها. نعم، كنتُ أضرب طفلي البالغ من العمر ثلاث سنوات بقسوة؛ أذكر أنني ضربته ذات مرة بقبضتي على ظهره الصغير لأنه سكب مسحوق الغسيل على الأرض
إن مرضا يسهر والدهما بجوارهما، يتابع الكمَّادات ومواعيد الدواء، بينما أغُطًّ في النوم كجثة بفعل الإرهاق والشد العصبي طوال النهار. باختصار لم أكن أمًّا، كنتُ آلةً تعمل ببرنامجٍ مكتوب..
تمر ثلاث سنواتٍ عجاف، حتى يسألني عمي أن أكون رضوان جنته؛ أن أعمل لديه، مساعدته الخاصة، أتولى أمر مراسلاته الإلكترونية، أعد مدونته وأسجل فيها ترجماته وقصائده، وذلك في شقته المكسوة بالكتب المكتوبة بأبجدياتٍ سحرتْني منذ أكثر من خمسة وعشرين عاما، وهنا بدأتُ أخطو خطواتي الأولى التي تأخرتْ طويلاً وتاهت عن طريقها الصحيح. علَّمني مبادئ الترجمة، علَّق على محاولاتي الأولى، أشار لي إلى بداية الطريق وأبوابه المغلقة. عدتُ إلى مقاعد الدراسة في شغف، نهلتُ من الشعر والنثر، شربتُ كثيرًا وما ارتويتُ، كأنني أعوِّض جفاف الأعوام الطويلة. 
بدأ الحجر الساكن في داخلي يتفتَّت، ويتشكَّل كلماتٍ ونصوصًا، وتسلَّل شيء من الدفء إلى القلب البارد. 
اكتشفتُ طبيعة علاقتي بأبنائي -أيًّا كان وصفها- بعد أن لان قلبي وتفتحت روحي بأسرار الأبجدية، 
تخطو ابنتي نحو عامها السادس عشر وقت كتابة هذه السطور، صبيةً جميلةً متفتحةً على الحياة، لم تأخذ عني شيئًا يُذكر، وتعمل على صياغة تجربتها الوليدة بنفسها. ويبدأ ابني حياته الجامعية وقد اختلف كثيرًا عن ذلك الصبي الذي كان، ليصبح شابًّا ساعيًا بقوة نحو استقلال تفكيره وأسلوب حياته. العمر".
أن تأتي متأخرًا خيرٌ من ألاَّ تأتي أبدًا.

"سها السباعى"

11
أنا صفر بجانب طفلتى
هى أنفاسى الحقيقية التى أحيا بها، قطعة من جسدى تشبهنى إلى حد التطابق، وأتمنى ألا تشبهنى فى الواقع، فأنا أم بلهاء لم أكن يوما بدهاء الحياة ومكرها، ربما اكتشفت بداخلى قوة إرادة وأنا أواجه الحياة وحدى، وأنا أحفر أساسات مستقبل أتمناه سعيدا بالطبع، فعندما رحلت أمى أعتقدت اننى سأفقد الطريق تماما، وعندما رحل زوجى، تيقنت إننى وجدت الطريق، فقد بانت لى أمارات القوة الحقيقية داخلى، وأخرجت البنت الشقية كل عفاريت التحدى والصمود، ساندنى الأصدقاء والأهل لأقف أمام عثرات الوحدة والحاجة، ربما لن تسع هذه الشهادة بعدد صفحاتها الذى لا ينتهى، شكر كل الناس الذين ساندونى بما فيهم من أذونى وتخلوا عنى، فقد ساعدونى أيضا فى أن أعرف اننى لا أهزم أبدا.
أنا صفر بجانبك، أنا أخلو من أنا إذا لم تكونى هنا أصلا، أنا أنت يا قطعة لحمى الصغيرة، تحميكى ملائكة الخير من شر البشر والكائنات اللى مستخبية فى خيالك يا قلبى، أنا دونك يا عينى لا أرى الكون لا جميلا ولا قبيحا، اعمى بصر وبصيرة، دونك حتى الموت لا معنى له، احمد الله أنها هنا، يارب دوام نعمتك فى دوام حضنها، احمد ك يارب، ما كل هذا الحنان يارب، أدم على نعمة بنوتها وبارك لى فى أمومتى

"سها زكى"

«وجع المبدعات»..
12
أنا الفتاة اليتيمة التى أصبح لديها ولد
عندما جاء طفلي اﻷول، كنت ميتة لم أزل؛ واندهشت أن تقدر مثلي على منح الحياة. تجربة عكرتها خبرة الفقد، وقصائد الرثاء. كان ”علي" متعبا جدا، وكنت مرهقة كجثة. منذ اللحظة اﻷولى عرفت أنه حياة في الاتجاه الضد لحياتي، وانتقام جسدي الذي لم أحبه ؛ حوصرت بالانتكاسات البيولوجية، ومتلازماتها النفسية ورأس حربتها متلازمة الذنب التي حفزت لفترات متواصلة رغبتي في الانتحار، ﻷنني لم أكن أما طيبة كالوسادة!.
بأمومتي التي استشعرتها متأخرة، أظنه انتهى يتمي، صرت أما وابنة، أنا التي رملتني المراثي، ولضمت روحي بسرب عجائز كعدودة شائخة. والموت الذي ناديته من أعلى جبل في روحي صار خيانة حرام على أم جديدة، حرام حتى أنني استبدلته بحياة جديدة قررت إهدائها لطفل ثان، كهدية لطفلي اﻷول، الذي أردت له النجاة من أمراض الطفل اوحيد، التي عددها ”موراكامي” في روايته ”جنوب الحدود غرب الشمس”.
لكن الطفل الذي انتصر وجوده للتو وانسحقت لأجله أنانيتي، لن يظل طفلا، سيصير ربما القارئ الأصعب، القارئ الوحيد الذي أخشاه، هذا القريب كظل، سيصير عبئا على الكاتب وعلى الكتابة.

"عزة حسين"

«وجع المبدعات»..
13
لحظة السحر التى غيرت حياتى
الممرضة التي لم ترضع طفلا يوما، شرحت لي كيف أمسح حلمتي وأحشرها بين الأصبعين لأجهز لشيرين وجبات متلاحقة كل ساعتين، لكنها لم تذكر شيئا عما سيحدث لهذا الثدي الذي كان يوما نافرا مكابرا مقابل لسعات البرد في الشتاء والنشوة في الصيف، لم تقل أنه بعد أن يلتهب ويتشقق بفعل المص والشفط سيعود لينفس كالعجلة المثقوبة بعد أن تفرغ شيرين منه. نعم أنا لست أما ولا أستطيع أن أكون.
ثم حصل السحر مرة واحدة، كانت الساعة الثالثة صباحا، وكنت منهكة وأكاد أقع، مشيت باتجاه صراخ شيرين اللانهائي. كانت في شهرها الخامس عشر. نظرت إليها فردّت إليّ النظرة بعنف وأخافتني. بكيت بصوت عال، وهي تنظر إليّ مستغربة فعلتي التي يجب أن تكون فعلتها هي. انحنيت بنصف جسدي فوق قضبان سريرها، وأخبرتها أنني متعبة وأريد أن أنام ورجوتها، قلت لها: "من شان الله ما تبكي"، سكتت شيرين وربما راعها منظري المنتحب والمتوسل وأشفقت عليّ. نظرت إليّ بطرف عينها وابتسمت، ثم لوّحت لي بيدها مودعة. كانت تقول لي بعينيها وبكلّ التفهم الموجود في الدنيا: "أذهبي الآن وارتاحي. لن أزعجك".
لم أصدق ردة فعلها، لكنني استجبت بكلّ وداعة لأوامرها، وانتقلت ببطء وأنا أتوقع أن يعود الصراخ ليمنحني ليلة طويلة من قلة النوم، لكن ذلك لم يحدث، نامت شيرين ونمت أنا وأصبحنا منذ تلك اللحظة أعزّ الأصدقاء. 
لقد حصل السحر فعلا ..أصبحت أقل وحدة بسبب وجود بنتين وولد. أذهب إلى طفلتي كاثرين في الليل حتى حين تكون نائمة، وأخبرها أنني وحيدة، وتتفهمني 

"مايا أبو الحيات"

«وجع المبدعات»..
14
انا الام الجريحه التي مازالت تكتب 
أهديت نفسي لطفلي الأول، بحملٍ صعب لمدة تسعة أشهر، منهم ثلاثة، كنت خلالها مستلقية على سرير بارد في مشفى فرنسي، حيث لم أكن أفهم اللغة.
رأسي للأسفل وساقاي للأعلى. ممنوع أن تلمس قدماي الأرض أو أن أذهب للتواليت. وحيدة دون أصدقاء وبدون أهل. تشققتت أكواعي لخشونة الأغطية وضمرت عضلاتي لعدم الحركة،إذ كنت مهددة بالولادة المسبقة، التي إذا حصلت، سيولد الطفل لا محالة ميتا، لأنه غير كامل.
إلا أن الأمومة لم تجعل مني فيما بعد، عاقلة ورزينة وخاضعة. بل ظل قلبي متعطشا للحب وللحرية. فتطلقت محتفظة بابني الذي كنت أرى به وطني البعيد وأهلي، ولكن مرة أخرى خُطف مني، عقابا على خروجي عن الطاعة الاجتماعية وتوقي للحب.
أصبحت الأمومة عندي حلما..حققته بطفلين آخرين دون نسيان طعم الحرمان من الطفل الأول.
في كل كتبي - عدا أنذرتك بحمامة بيضاء - أمومتي الجريحة موجودة، وتتضح أكثر وأكثر مع كل كتاب، إلى أن قررت نشر قصائدي التي كتبتها عن ابني، عقب خطفه مني وحرماني من حضانته..
الفكرة المؤلمة، التي أخذتني إلى أبعد من ذلك، ولأكتب عن هذا الخطف المستمر
ومع كل ذلك لا أدري إلى الآن إذا كان أولادي يعاملونني كأم، فلطالما لم أعرف استعمال أية سلطة عليهم.. لكني.. أحببتهم ما استطعت، مقتنعة دوما أنهم ليسوا لي.

"مرام المصري"

«وجع المبدعات»..
15
زينب رفيقه ايام الحرمان والجوع
علاقتي بزينب، الاسم الذي استقريت عليه أخيراً تيمناً بعمتي المفضلة، مشوشة وغير واضحة المعالم. ليس بالنسبة لي فقط، بل بالنسبة لها أيضاً. فأنا لا أذكر أنني كنت أبادلها الابتسام كل صباح حين أكشف عن وجهها في مهدها. لم تكن تبكي عندما تجوع في الليل. تكتفي بمص أصبعها أو إحداث صوت أشبه بطقطقة بالضغط على لسانها في سقف حلقها وأعرف أنها جائعة. عندما كانت تمرض تكتفي بأن تكون منطفئة في عينيها وذابلة مثل قطة جائعة في الشارع تحاول استجداء تعاطف المارة. كنتُ أحاول مراراً أن أبدو أماً حقيقية بروح وجسد مشتركين معها ولكني كنتُ أعجز. كان أبي ينبهني دائماً أن أحفظ فتحات أنفها بعيداً عن ثقل ثدي خشية اختناقها. كان الجميع يشعر بذلك البون بيني وبينها عداي. لم أعترف لنفسي يوماً أن ذلك اللا شعور هو الشعور بعينهِ، وهو موقف بالتالي كنتُ أترجمهُ يوماً بعد يوم إلى آليات حب مفترض لم أختره.
صارت زينب رفيقة دربي في الأيام السود من حرمان وفقد وتنقلات بين حياة وأخرى. كنا نجوع سوية ونمرض سوية ونعتزل الحياة في غرفة نائية بعيداً عن أنظار العالم. كنتُ أخشى مواجهة العالم الخارجي مخافة أن يلمحوا نظرتي البليدة ويتهمونني بالجنون وأنني لست أهلاً لأكون أماً. حملتها بين فكيّ مثل قطة، وربما أذيتها دون وعي وأنا أضغط على فك العناية، لأحميها من تقلبات الحياة وقسوتها. حزمنا حقائبنا مرات ومرات ولم يكن لها خيار في ذلك. كانت تحمل معي حُلمي بدلَ أن يكون لها حلماً أو تكون هي أحد أحلامي.

"منال الشيخ"


«وجع المبدعات»..
16
ايها الرجال ليتكم تعرفون طعم هذه المتعه!
منذ فترات الحمل الأولى وأنا تنتابني مشاعر الأمومة بصورة غريبة وجديدة ووحشية. ليس فقط أن ترى طفلاً وتشعر بالسعادة لرؤيته وترغب في ملاعبته، وإنما ذلك التشكل الحقيقي الواقعي الملموس لكائن ما داخل أحشائك. أن تعرف أنك لست وحدك في هذا المنزل الطيني الأثير الذي تسميه وجودك الجسماني. وإنما هناك بداخلك من يتحدث إليك عبر تشكله وتكونه ونموه.
كثيراً ما أشفق على الرجال لأنهم لا يمرون بهذه التجربة المثيرة الشيقة. شديدة الطبيعية والحيوانية والواقعية واقعاً أغرب من الخيال نفسه. وكأنها تحقيق لهذا الخيال. يمكنك أن ترى عبرها كيف تتشكل فكرة وكيف تتغذى على طاقتك لتنمو وتتبلور إلى أن تخرج حية إلى النور. يمكنك أن ترى ذلك يحدث فيك. ويحدث بك. ولا يمكنك الفكاك منه ولا يمكنك العيش بدونه أيضا.
جعلتني فترة الحمل أكون لصيقة. أو لنقل هذا المصدر من مصادر التعرف على عملية الإبداع والخلق وكيف تكون خطواتها وكيف يكون هذا الأخذ منك – وإن رغما عنك – ممتعاً، لأنه في النهاية يشكل كائناً حياً يحمل من صفاتك وملامحك لكنه في النهاية يستقل عنك ويكون هو، وتتعدد الآراء نحوه وتتباين اشكال تناوله النقدي فيما بعد. ربما يكون الفارق الوحيد هنا هو أن نصك الإبداعي يُكتَب باسمك. أما الأطفال فيكتَبون باسم الأب.

"هدى حسين"

الخميس، 7 يونيو 2018

تريد أن تصلي التراويح في المسجد وأطفالك يمنعون؟ إليك الوصفة الماليزية

https://goo.gl/hLFgD9

“الأبوان وأولياء الأمور الأعزاء الكرام، تدريب الأطفال والأبناء على الحضور إلى المسجد أمر مستحب في الإسلام، إلا أن الإسلام يعلمنا ويحثنا كذلك على احترام الآخرين والالتزام بالآداب الإسلامية في جميع الأوقات والأحوال، لذا يرجى منكم مراقبة تصرفات أطفالكم عند إحضارهم إلى المسجد. شاكرين لكم حسن تعاونكم”.
عندما تدخلين من الباب الرئيسي لمسجد سلطان حاج أحمد شاه، بمنطقة جومبأ في العاصمة الماليزية كوالالمبور، تطالعين لوحة معدنية كبيرة قد كتبت عليها العبارات السابقة بالعربية والإنكليزية والمالوية، وما يلبث نظرك أن يسبقك إلى ساحة مصلى النساء بالدور الأول، حتى يؤكد لك ما جاء في هذه اللوحة. إذ تزين المصلى بوجوه الصغار المرافقين لأمهاتهم، وقد ارتدين الحجاب الماليزي التقليدي بألوانه المبهجة وتصميمه المميز.
الجميل في هذا المشهد، أن ذلك الإعلان لم يذهب أدراج الرياح، فلا روائح أطعمة أو مخلفات أطفال داخل المسجد. الابتسامة والبهجة تعتلي الوجوه البريئة الصغيرة دون أن تسفر عن ضجة أو صخب، يقلدون الكبار أحياناً في الصلاة، ويلهون أحياناً أخرى مع بعضهم البعض أو مع عائلة القطط الوادعة في سلام على عتبات المسجد، ولكن لا ضيق هناك ولا ضجر من وجودهم.
وقتها يقفز إلى ذهنك سؤال: كيف استطاعت الأمهات الماليزيات تحقيق هذه المعادلة الصعبة، والتي تحول بين كثير من الأمهات العربيات وصلاة التراويح، بسبب ما يسببه أطفالهن من ضجة في المسجد، أو رفض إدارة المسجد والمصلين اصطحاب الأطفال؟
وللإجابة عن هذا السؤال إليك الوصفة الماليزية على لسان الأمهات أنفسهن..
كانت أول من لفت انتباهي لفكرة هذا التقرير، بأطفالها الستة الذين يمرحون حولها، بينما السابع يثبت وجوده من خلال ذلك البروز الواضح في بطنها، معلناً قرب خروج المولود الجديد للحياة، ورغم ذلك انتصبت واقفة في سكينة خلال صلاة التراويح.
نور الهدى بنت إسماعيل، التي لم تتجاوز السادسة والثلاثين من عمرها، راحت تروي تجربتها المميزة لهاف بوست عربي قائلة:
“تزوجت في عمر الـ23 عاماً، لدي 6 أطفال، أعمارهم بين 12 إلى 4 أعوام، ولم أتوقف عن صلاة التراويح في أي عام بسبب أطفالي، إلا في مرة واحدة فقط، حيث وضعت خلال شهر رمضان ولم يكن عليّ صلاة”.
تضيف: “لم أفكر مطلقاً هل عليَّ أن أصطحب أطفالي للمسجد أم لا، فهي مسألة بديهية ومحسومة بالنسبة لي، وبالتالي كل ما كنت أفعله هو أن أقوم بواجبي فقط لإعدادهم لذلك، كما أعدهم لأي شيء آخر في الحياة، فنغتسل ونتوضأ قبل الذهاب للصلاة، وآخذ معي ما يلزمهم من احتياجات تناسب أعمارهم، وإذا كانوا قد بدأوا الحركة والكلام، أتحدث معهم عن آداب المسجد وأهميتها”.
وعن زوجها تقول: “يصطحب زوجي الصبية معه (إذا صاروا أكبر من 5 سنوات) وأصطحب الفتيات. من أراد من الأطفال أن يصلي يقف بجوارنا، ومن أراد أن يلعب يذهب لمؤخرة المسجد ليشارك الأطفال الآخرين المرح”، وتردف: “طبيعي أن يكون لكل طفل ملابس صلاة، يحرص بنفسه على تنظيفها كل يوم والاعتناء بها وارتدائها عند الذهاب للمسجد، فأنا أريدهم أن يعرفوا كيف يصلون، ويتعايشون مع هذه البيئة الروحية في المسجد خلال رمضان”.
تجدر الإشارة إلى حرص الماليزيين بشكل عام على الاغتسال يومياً قبل الذهاب للعمل وبعد العودة منه، وقبل الذهاب للمسجد، وتوضح نور الهدى ذلك بقولها: “يكون المسجد مزدحماً بالمصلين، فمن المهم أن حافظ على الاغتسال قبل الذهاب حتى لا نضايق الآخرين برائحة العرق الغزير الذي تسببه طبيعة الجو في بلادنا”، مشيرة: “هذه أيضاً من الأسباب التي تجعلني أفضل مسجد حاج سلطان أحمد، حيث يضم أماكن للاغتسال خاصة بالقسم النسائي، فتستطيع المعتكفات وغيرهن الاغتسال خلال وجودهن في المسجد، وكذلك أطفالهن”.

ألعاب وقصص وألوان.. هذا هو المسجد
“هذا هو المسجد.. أريد أن يعرفه أبنائي وتتعلق قلوبهم به، ويتعرفوا على آدابه وعلى الحياة الاجتماعية والروحية فيه”، تفتتح فرحانة بنت إسلام (30 عاماً) حديثها لهاف بوست بهذه الكلمات، مضيفة: “لدي ثلاثة أبناء، تتراوح أعمارهم بين 8 و5 سنوات، اعتدت أن أصطحب البنتين معي، بينما يرافق الصبي والده في مصلى الرجال”.
تتابع: “لم أجد صعوبة مطلقاً في اصطحاب أطفالي معي للمسجد، فأنا أحب أن أعودهم على قيمة صلاة الجماعة، والارتباط مع المجتمع المسلم منذ الصغر، وهذا الأمر لا يأتي إلا بالمعايشة، خاصة في أجواء رمضان، وقد تعوَّد أطفالي على المسجد، حتى صاروا ينتظرون هذه الفرصة ويستمتعون بالحضور، وإذا قررت معاقبة أحدهم، فيكون بعدم اصطحابه معي للمسجد”.
وعن كيفية تهيئتها أطفالها لتلك الخطوة تقول: “أحضر لهم بعض الكتب والقصص المصورة، وكذلك الألعاب البسيطة، ليتمتعوا باللعب والقراءة في المسجد كما يستمتعون بالصلاة، ودئماً أذكرهم خلال الطريق بآداب المسجد، وخاصة التحدث بصوت خفيض، والحقيقة أن هذه الصفة تحديداً يجب أن ينشأ الأطفال عليها في البيت قبل أن نطالبهم بتطبيقها، فهي نمط حياة اعتاده الماليزيون كباراً وصغاراً في حياتهم اليومية. فالقرآن يعلمنا (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).. فكيف أطالب طفلي بتطبيق سلوك وأنا لا أطبقه في حياتي؟!”.
تركت طفلها المريض ذا الثماني سنوات في رعاية أمها، حتى تصطحب طفلتها ذات الخمس سنوات إلى صلاة التراويح في المسجد، حيث ترى دليلة (31 عاماً) أنه لا بأس من تقسيم الأدوار لبعض الوقت، نظراً لأهمية صلاة التراويح في المسجد خلال رمضان، لها بشكل شخصي، وفي تنشئة أطفالها بشكل عام.
تقول دليلة: “أحب أن أعلمهم ما هو رمضان من خلال التواجد في صلاة التراويح، ليس فقط التراويح، بل والاعتكاف أيضاً، فقد اعتدت أن أصطحبهم معي خلال الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، نقضي اليوم كله في المسجد منذ العصر حتى شروق الشمس، وبفضل الله لا أجد صعوبة في ذلك، حيث تعود أطفالي كيف يتصرفون في المسجد”.
وترفض دليلة ما يجري في بعض المساجد من اعتراض المصلين على تواجد الأمهات الشابات بأطفالهن الصغار، قائلة “لو الأطفال لم يختبروا هذه التجارب وخاصة في رمضان، فأين ومتى وكيف سيتعلمون كيف يحترمون الآخرين، ويضبطون تصرفاتهم عندما يحتاج الأمر لذلك، لا يمكن أن نمنع حضورهم، لأنهم لن يتعلموا إلا من المعايشة الواقعية”.
وترى أنه “نعم على الدولة تهيئة المساجد الملحقة بالمرافق المناسبة، ولكن أيضاً هذا ليس شرطاً، فهذه مسألة تتعلق بثقافة المجتمع لا بمساحة المسجد وشكل البناء”، مردفة “الأبوان عليهما أن يعلما أبناءهما السلوك المناسب، والصبر عليهم، لأنهم أطفال، وطبيعي أن يلعبوا ويتشاجروا، ولكن الأهم هو ثقافة المجتمع التي تتفهم أهمية إدماج الأطفال في مثل هذه المواقف، فالمسجد ليس للصلاة وفقط، هو مركز لحياتنا كمسلمين، هذا مكان لإثراء حياتهم الروحية، وتعليمهم الكثير من الأمور، وتنمية سلوكهم الاجتماعي”.
“لو منعنا الأطفال من المجيء للمسجد، فهل الأفضل لهم أن يذهبوا لأماكن أخرى تتقبلهم؟!!”، تختتم دليلة حديثها بتساؤل للجميع!.