أرشيف المدونة الإلكترونية

الأحد، 28 مايو 2017

صياماً مقبولاً

بقلم د.لانا مامكغ
جريدة الرأي
أحكمتْ وضع الأغطية على أولادها بعد تناولهم السّحور، أعادت الأشياءَ إلى أمورِها في المطبخ، غسلت ما وجبَ غسلُه وترتيبَ ما وجبَ ترتيبُه، توجّهت إلى الفراش، ولم يمضِ وقتٌ حتى استيقظت مذعورة، إذ حسبت أنّ المنبّه قد رنّ دون أن تسمعَه، فقرّرت النّهوض حتى لا يقعَ المحظور ويتأخّر الأبناء عن المدرسة، فعادت لتوقظهم بعد حين، لتساعدهم على الاستعداد ليومٍ دراسيّ جديد، وتمضي إلى عملِها بعد ذلك.
عند انتهاء الدّوام؛ سارعت إلى المنزل، غيّرت ثيابها، غسلت يديها، هرعت إلى المطبخ فوراً وهي تدعو الله أن تتمكّن من إنهاء وجبة الإفطار وتبعاتها قبل الغروب، وفيما هي منهمكةٌ في التّحضير؛ وصلها صوتُ أحد أبنائها طالباً منها مساعدته في فهم إحدى قصائد الشّعر... تركت ما بين يديها وقامت بالمطلوب، ثم عادت إلى طناجِرها، لم تمضِ لحظات حتى دخلَ الزّوج حاملاً معه كميّةً من القطايف وبعض الخضروات... رماها جانباً وهو يقول: «سأغتسلُ وأنام الآن، اعملي القطايف بالجبنة هذه المرّة، وزيدي كثافة القطْر لو سمحتِ، لم تعجبني حلاوة القطايف أمس!»
خرجَ ثم عاد مسرعاً ليضيف: «انتبهي أرجوكِ لكميّة الخلّ والزّيت في الفتّوش، الدّقة ضرورية، وإلا طغى طعم الخلّ، ولا تبالغي في تحميرِ الخبز، سأنامُ أنا الآن...»
بعد قليل، دخل الابنُ الثاني ليسألها عن نظرية «فيثاغورس»... شرحتها له وهي تفرُم كميّة من الخيار، وحين لم يفهم، تركت ما بين يديها، لتجلس معه، وتفسّر له النّظرية، إلى أن تأكّدت أنّه فهم هذه المرّة، عادت مسرعة إلى المطبخ لتستأنفَ عملها وهي تنظرُ إلى السّاعة بذعرٍ كلّ لحظة...
قبيل الغروب بقليل كانت قد سكبت أطباق الحساء، والفتّوش، والوجبةَ الرئيسية، وحضّرت العصائر، وجهّزت القطايف، ثم أيقظت الزّوج...
بعد الانتهاء من الوجبة، جلس هو والأبناء أمام التلفزيون، وبدأت هي بجمع الأطباق، والأكواب، والصّواني، والأوعية، وبدأت بتنظيفها... ثم لمَّعت الغاز، وشطفت أرضيّة المطبخ، حتى جاءها صوتُه يطلب القهوة، سارعت إلى عملها وتقديمها له، ليقول لها وهو مستغرقٌ في مشاهدة أحد البرامج الكوميدية: «حان الوقت لنبدأ بالدّعوات الآن، سأبدأ بأهلي... لقد دعوتهم وهم قادمون غدا للإفطار» ثم أطلق ضحكةً مجلجلة على أحد المواقف المعروضة على الشّاشة الصّغيرة، فيما جلست تفكّرُ وتحسبُ عدد الأشخاص المدعوين، وعدد الأصناف المطلوب تحضيرُها، ومدّة الوقت المُتاح... فقرّرت العودة إلى المطبخ، والبدء ببعض التّحضير استغلالاً للوقت، لكن في لحظةٍ ما، أحسّت بتعبٍ شديد... فتوجّهت إلى السّرير وهي تتعثّر بالأثاث الموجود في الطريق، ونامت بعد أن تأكّدت أنّها ضبطت المنبّه لإيقاظ العائلة على السّحور...
في اليوم التّالي؛ وفيما كانت السّاعة قد قاربت الثانية عشرة، شعرت بالخوف من أنّ السّاعات المتبقّية للغروب قد لا تكفي لإنجاز ما هو مطلوب منها، دخلت على المسؤول المباشر عنها تستأذنه بالمغادرة بعد أن شرحت له السّبب باقتضاب، فقال وهو يحملق في منفضة السّجائر الّلامعة أمامه: «هذا ليس بعذْر يا أختي، ساعات الدوام محدّدة ومعروفة» ثم أردفَ وهو يعبثُ بمسبحتِه بعصبية دون أن يرفع عينَه عن المنفضة» في رمضان كانوا يجاهدون ويغزون ويفتحون البلاد...»
ولم تجد في نفسها طاقة على النّقاش، انتظرت انتهاء الدوام، طارت إلى المنزل، بدأت بالعمل في سباقٍ محموم مع الزّمن حتى جاء وقت الإفطار، حضرَ الضّيوف... أكلوا، وشربوا، وسهروا، وغادروا... لتبقى في المطبخ حتى منتصف الليل فتنهي شؤون التّنظيف وإعادة التّرتيب، إلى أن قرّرت الخلودَ إلى النوم أخيراً...
ألقت بنفسها في الفراش وهي تشعرُ أنّ الأرضَ تميدُ بها، لكنها لم تتمكّن من الإغفاء؛ إذ خافت أن تستغرقَ في النّوم فلا تسمع صوتَ المنبّه، احتارت وجلست في السّرير ساهمةً تقاومُ ثقلَ جفنيها، وألمَ ظهرها، وقلقَها على الأبناء، وسحورهم، ومدرستهم... وظلّت هكذا حتى ارتفع شخيرُه فجأة، نادت عليه لتهمسَ له برفق شديد: «هل تستطيع إيقاظي بعد أن يرن المنبّه؟ أخشى ألّا أصحو لتحضير السّحور...»

غمغمَ بعصبيّة ليصرخَ قائلاً: «عجيبةٌ أنتِ، أنا أصحو لأوقظكِ؟ والله عال، ما رأيكِ لو حضّرت أنا السّحور بنفسي أيضاً؟ ألا تعرفين واجباتكِ تجاه عائلتكِ في رمضان؟ اللهُ أكبر... اللهُ أكبر!»
ثم أدارَ ظهرَه لها، ليلتحفَ بغطائه وهو يتمتمُ بين النّوم واليقظة بصوت متقطّع: «حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيل... حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيل!»

الأربعاء، 17 مايو 2017

عندما كان أبي "امرأة"

بقلم: مدلين أحمد/ مدونات الجزيرة

وَقفتُ راكية نصفي على بوابةِ المدرسة في آخر اليوم الدراسي، أنتظر حافلة منطقتي لتنتشلني من بيتي الثاني وتُلقي بي أمام بوابة بيتي الأول. أخرجت من حقيبتي شطيرة الجبن، سَرَحَت صديقتي قليلاً بما في يدي، فاعتقدتُ بأنها تشتهي القليل فمددت يدي فقالت: لا أريد، ولكنك في نهاية كل يوم وفي نفس الموعد تُخرجين شطيرة وتأكلينها، لِمَ تفعلين ذلك وبينك وبين البيت وموعد الغَداء دقائق؟!
أجبتها بأن موعد الغداء يتأخر دائماً في بيتي فلم تقتنع، سَكَتت وقالت: صارحيني؛ هل تملكون طعاماً في البيت؟ ضحكتُ من غرابة السؤال وأجبتها بأن سؤالها سخيف وبالتأكيد نملك طعام، فقالت وهي تُفكر إن كانت ستُحرجني فشجعتها على البوح بما يجول في ذهنها فأكملت: والدتك مُتوفيه وأنت صغيرة ولا تعرفين كيفية إعداد الطعام ووالدك لم يتزوج، فكيف تأكلون؟ لم أفكر وسارعت بالإجابة وقلت بصراحة لم أحسب توابعها: أبي يصنع لنا كل ما نشتهي من الطعام! 
لم أرَها تضحك في حياتي بقدر تلك اللحظة واعتقَدَت بأني أمازحها وقالت لصديقتها: والدها يطهو، فالتفتت الأُخرى وقالت: صدقاً كيف تأكلون وأنتم في غُربة بلا أم أو أقارب، هل حقاً والدك يدخل المطبخ - وحاجبها يستهزئ-؟!
لا أدري لِمَ تَعجبَوا، فكرتُ أن أقول لها بأن والدي كان يبحث في دفتر وصفات أمي ويُجرب كل شيء، وحتى أنه تعلم أن يعجن لأكثر من مرة ولم ييأس، لأن أخي الصغير يُحب معجنات أمي وبأنه يُقشر الخُضار ويطبخ الكوسا ويلف أوراق العنب، وبأنه يغسل الأواني ويُلمع الأطباق ويقضي نصف يومه في المَطبخ. 
فكرت أن أقول لها بأنه يغسل قميصي الأبيض للمدرسة على يديه خشية أن أخلطه مع باقي الألوان، وإن كان زر القميص يتهاوى من موضعه فكان يبحث عن لون يُناسب قميصي ويسند أزراري؛ أو أن أقول لها بأنه كان يُنظف السجاد بمهارة عالية، وبأنه كان بارعاً في تنظيف أرضية المنزل.
فكرت في أن أقول لها بأنه كان يُنسق لي ملابس العيد بالألوان التي أحب، وبأنه كان يُتابع معي مسلسلاتي السخيفة التي يمقُتها؛ وبأنه يُتابع الحَلَقات التي فاتتني ليُخبرني بمُختصر الأحداث التي لم أكُن أمام الشاشة أرقبها. 
فكرت في أن أقول لها بأنه يُنظف شبابيك منزلنا ويَنفض الغبار عن الستائر ويُنزلها ويُرجعها وقد تأخذ يوماً من عمره؛ وبأنه كان يبتاع كل مسُتلزماتي التافهة والتي لا أهمية لها سوى أنها لي.. فكرت أن أقول لها بأنه لا يصعب شيء على أبي ولكنها تظُن بأن من يفعل كل هذا قد يُشبه المرأة؛ بعد كل هذا التفكير غِرتُ على رجولة أبي وقلت: بالتأكيد أمازحك، فوالدي رَجل كوالدك والرجال لا يدخلون المطابخ.. ليتَك يا أباها تقرأ؛ فَبِئس ما قَد زَرَعت..

الأربعاء، 10 مايو 2017

كتابة الذات

بقلم سعيد يقطين
جريدة القدس العربي

مدارسنا العربية، من الابتدائي إلى العالي، لا تعلمنا كيف نكون «نحن»، لا غيرنا، ولذلك فهي تواجه «الذات» و«الأنا». كنا نطالب بكتابة «الإنشاء» بالتركيز على الأشياء، لا على كيفية التعامل الذاتي معها. وكنا نخشى التعبير عن آرائنا حيال الأشياء المطلوب منا الحديث عنها. 
هذا الحديث ليس سوى عبارة عن صيغ علينا الامتثال لها، وأي خروج عن «العناصر» المقدمة من لدن المعلم، أو الأستاذ تكون له آثار وخيمة. لذلك لم نتعود على كتابة الذات، ولا على التصريح بآرائنا. علينا أن نعرف ميول كل أستاذ ونكتب له وفق ما يريد هو، أو ينسجم مع ميوله وأهوائه. بهذا كنا نتناصح لنفلح وننجح. ولم يكن البيت سوى صورة عن المدرسة. لم نتعلم كتابة المذكرات، ولا تسجيل الذكريات، لأن لا أحد يمكنه أن يحترم خصوصيتنا، ولا يدفعه الفضول ليطلع عليها. 
حتى في البحوث الأكاديمية العربية يُرفَض ضمير المتكلم، بالمفرد والجمع، رغم أننا لا نعرف متى نستعمل هذا أو ذاك، فنحن أبرياء من استعمالهما. تعجبت كثيرا وأنا أطالع الورقات البحثية للطلبة في الرياض ومسقط، حيث ينعدم المتكلم بصورة مطلقة. فالبحث هو الذي يتحدث، وهو «ما» يتكلم، ولا وجود لـ«الباحث». تقرأ مثل هذه الصيغ: «لن تتناول الدراسة»، و«يرى البحث أن»، «يتحدث هذا الفصل عن…» ومرة ناقشت أحد الطلبة في هذا، فقال لي: إنهم في المناقشة يركزون على استعمال الضمائر، ويتساءلون من أنت لتتحدث بضمير المتكلم؟ 
إذا انتقلنا من المدرسة والجامعة إلى الإبداع، نجد الشاعر العربي كان يتحدث عن ذاته، لأن الثقافة الشفاهية تسمح له بذلك، باعتباره «ممسوسا»، ينطق عن هوى ما يمليه عليه «شيطانه». وكانت «أنا» أبي الطيب استثنائية، ولذلك عد «متنبئا». لكن ما إن ظهرت الكتابة، حتى صار مسؤولا عن خطابه، إذ الكتابة قيد، وهي دالة على الكاتب. فصار لا يكتب عن ذاته إلا في صلتها بما هو مقبول ومتداول. وظهرت «السيرة الذاتية» في الغرب، لتجسد صورا جديدة من تطور النظر إلى الذات، والأنا والتعبير عنهما بأشكال مختلفة عما كان عليه الأمر في العصور القديمة. ومع الزمن صارت الذات تحتل موقعا مهما في الكتابة الأدبية الحديثة، سواء في الغرب أو عند العرب. 
لا تخلو أي كتابة، كيفما كان جنسها أو نوعها، من ذاتية صاحبها. لذاتية الكاتب مراتب ومراق يحكمها الخطاب الذي تنتجه، ويُبِين عنها ما يسمح به لتجليها وتحققها بصورة ما. ولا يمكن التعبير عن الذات، أو الكتابة عنها، إلا من خلال السرد، سواء ظهر من خلال الشعر أو النثر. في السرد الذاتي تبدو لنا الذات في أبهى صورها، وهي تكشف لنا عما يميزها أو يبين ملامحها، أو تقدم لنا بعض جوانبها غير المعروفة. يتحقق ذلك من خلال اتخاذ المؤلف ـ الراوي ـ الشخصية (الفاعل) محور هذا السرد الذاتي. السرد الذاتي موجود أبدا، وفي كل زمان ومكان. فكل واحد منا يسرد عن ذاته أكثر مما يتحدث عن غيره، سواء في الحياة اليومية أو الفنية، وأي سرد عن الذات، يمكن أن يكون واقعيا، كما يمكن أن يداخله «الكذب»، أو التزيد، أو الخيال، فيكون بذلك تعبيرا عن الذات المتحققة أو المفترضة أو الممكنة. 

ظهرت السيرة الذاتية في الأدب العربي تحت تأثير التطور الذي عرفته الذات العربية في العصر الحديث من جهة، وفي ضوء قراءة نصوص السير الذاتية الغربية وترجماتها إلى العربية من جهة أخرى. وحين نتعرف على عدد الكتاب العرب خلال قرن من الزمان، ونصطفي منهم من كتب سيرته الذاتية، نجد العدد ضئيلا جدا. فما مرد ندرة النصوص التي تتناول الذات الفردية، أو الجماعية في أدبنا العربي الحديث والمعاصر؟ أيكمن ذلك في سلطة المجتمع؟ أم في نكران الذات؟ أم في التقليل من أهمية التجربة الذاتية التي يمكن أن تجعلها قابلة للقراءة؟ 
أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح، ليس فقط على الأدباء عامة، والساردين خاصة، ولكن على المثقفين والساسة ورجال الاقتصاد والاجتماع، لماذا حين نقارن ما ينتج من سير ذاتية في الغرب، مع ما يكتب بلغتنا نجد العدد هزيلا جدا؟ والأدهى من ذلك هو أننا، حتى في غمرة اهتمامنا بالقراءة النقدية للنصوص «الذاتية» لا نطرح مثل هذه الأسئلة. فنحن نتحدث عن ذواتنا بصورة أكبر مما يجب، إلى الحد الذي يجعل الكتابة عنها متجاوزة وغير مجدية، بل إن الكثير من الكتابات السردية العربية تطغى فيها الذات المتصلة بالكاتب مهما بدت لنا «المواد الحكائية» بعيدة عن الذات ومنفصلة عنها. يصل الأمر إلى حد أن يكون ذاك البعد والفصل فقط للتعمية وصرف النظر عن البعد الذاتي في الكتابة.
يبدو لنا ذلك بصورة أوضح في كون السارد حتى وهو يكتب نصا يتصل بذاته، يرفض اعتباره «سيرة ذاتية». فلماذا لا نكتب السيرة الذاتية؟ أو نرفض إدراج كتابتنا عن الذات ضمن السيرة الذاتية؟ حين نتعلم الصدق في الحياة، يمكن أن نمارس كتابة الذات.

٭ كاتب مغربي


-  -
3 تعليقات
أحمد عزيز الحسين
May 10, 2017 at 6:29 am
في ظني أن سبب غياب ( ضمير المتكلم ) مما يكتب في الوطن العربي يعود إلى أن البنية الاجتماعية المهيمنة هي بنية بطركية أساساً لا تعترف بالهوية الذاتية للفرد ، ولا تربي أبناءها على أنهم ذوات مستقلة عنها، بل تربيهم على أنهم متماهون بها، معبرون عنها أكثر مما هم معبرون عن ذواتهم الفردية. ولذلك ينشأ الفرد من دون ذات تتكون ضمن علاقتها بالسياق الذي تتحرك فيه، بل إن الحاضن الاجتماعي الذي يحتضن الفرد العربي عموما ( بدءا من الأسرة مرورا بالمدرسة وصولا إلى مؤسسات المجتمع ككل ) يعمد إلى إلغات الذات الفردية، ويجعل من أبنائه نسخة مطابقة بلباقي أفراد المجتمع ككل، ثم تكمل الدولة التسلطية دورها في صياغة شخصية الفرد ، فتمحو من خلال بنيتها الأتوقراطية كل مظاهر تميزه وانفصاله عن القطيع ، وتبذل جهدها كي تجعل منه نسخة للمواطنين الرعايا لا الأفراد الذي يمتلكون ذوات مبدعة متميزة عن غيرهم، وحين يعارض ما هو مهيمن وسائد من سياستها أو آليات صياغتها لمواطنيها تمارس دورها في قمعه بـأكثر من طريقة، ولذلك لا يبقى له من سبيل سوى الطأطأة والانحناء وتقبل ما هو مهيمن وشائه ، مما هو يلغي فرديته ، ويجعله( إن تكلم)
يميل إلى استخدام صيغة الجمع بوصفه فردا غير متلك لهوية محددة تميزه من غيره ، وبوصف ضمير الجماعة تأكيدا على ذوبان شخصيته في الجماعة وفقدانه لهويته الفردية وذاتيته الإبداعية .
Reply
سوري
May 10, 2017 at 7:12 am
يبدو ان بينك وبين الاستاذ واسيني توارد خواطر، واختلافات في الرأي، أنا شخصيا مع كتابة الذات الصادقة التي تعبر عن واقع معيش ربما يعكس حالة عامة او شبه عامة كما فعل محمد شكري في الخبز الحافي التي عرفنا من روايته مدينة طنجة وحاراتها ووضعها الاجتماعي والامية المتفشية، حتى اني عندما عشت في طنجة لفترة زمنية رحت ابحث عن الاماكن التي ذكرها في الرواية مثل مقهى الحافة المطل على البحر، او المرفأ وسواهما، وقلما نجد قلما عربيا صادقا في الكتابة عن ذاته، لكن الشعر هو مسألة اخرى وخاصة عند العرب الاوائل لان الفخر كان موضوعا مفضلا لتضخيم الانا او في خطبهم
انا الذي نظر الاعمى
انا ابن جلى وطلاع الثنايا
الخيل والليل البيداء تعرفني
…الخ
Reply
الدكتورجمال البدري
May 10, 2017 at 8:25 am
تحياتي للدكتورسعيد يقطين : آلية فرض لغة الخطاب لها علاقة باحتكارالدوروالوظيفة.بمعنى (مؤسساتنا العتيدة ) لا تريد لغيرأركانها التعبيرعن حقيقة الأشياء كي لا ينافسها منافس من خارجها وإلا تتهمه بالغروروالتعالي وووو.فهي بالنتيجة عملية تجارية بين محتكرجشع باسم المعرفة ومستهلك راضخ باسم الحاجة.فيما لوعدنا لكتاب العربية الأكبرالقرآن نجد أنّ لغة الخطاب ( نحن وأنا ) قد وردت فيه كثيراً للتعبيرعن موقف مسؤول وقادر.وفي الوقت الذي كنت أيام الماجستيرمثقل بعشرات المصادروالمراجع…كان زميل لي قد أنجزّرسالته في الولايات المتحدة وعرض عليّ نسختها.إنها من مائة صفحة فقط من دون هوامش ولا مصادرولا مراجع.فأستغربت من هذا التقليد الأكاديمي.
فأخبرني أنّ أساتذه الأمريكي طلب منه أنْ يقرأ ما يشاء من المراجع والمصادر…ثمّ يأتي ويكتب ما هومفيد بشان الموضوع ويضيف له بأسلوبه ( الطالب ) وهذه الرسالة هي خلاصة لتلك المصادروالمراجع بلغة الطالب الذاتية…مع الرأي الذاتي ووجهات النظرالمنطقية…
فهي الآن لديهم قد أصبحت مرجعاً جديداً باسمي.فهل عندنا الإبداع ضريبة بل مصيبة ؛ وعندهم الإبداع خلق لفرصة جديدة ؟
Reply

الأحد، 23 أبريل 2017

الديوان العربي -الأيبيري -اللاتيني للفكر والتبادل الثقافي

https://goo.gl/qXSVZZ

 نظم المعهد الملكي للدراسات الدينية ومنتدى الفكر العربي،برعاية صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، مائدة مستديرة بعنوان "درب الأفكار" بمشاركة عدد من الأكاديميين والخبراء والدبلوماسيين من دول مختلفة وذلك بتاريخ 23 أبريل/نيسان 2017. وتم خلال الندوة إطلاق "الديوان العربي الأيبيري اللاتيني للفكر والتبادل الثقافي" كمنبر لتعزيز الحوار بين العالم العربي والعالم الأيبيري–اللاتيني، والتعاون على المستوى الأكاديمي والاجتماعي والثقافي. ويركز هذا المنبر على إحياء درب الأفكار والعودة إلى الإنتاج المعرفي وتبادل الآداب والعلوم عن طريق التراجم، ما يؤسس لحوارثقافي وديني فاعل بين هذيْن العالميْن.


    ويستلهم "الديوان" أفكاره من تجارب سابقة شهدتها الثقافة العربية في عواصم مختلفة مثل بغداد  وقرطبة، وعبّرت عن فترة مزدهرة من الإبداع الفكري والثقافي ضمّت مساهمات العرب والعجم من ديانات وأصول مختلفة في إطار من التعددية والتنوع. فتحققت الوحدة في ثقافة عربية واحدة حملت هدفا مشتركًا تمثّل في البحث عن حقيقة الذات الإنسانية. 

    كما يتطلع"الديوان" للاستفادة من تجارب مؤسّسات عملت على تعزيز الحوار الثقافي والإنساني ومهّدتْللتعاون من أجل آفاق جديدة للعمل الثقافي، باعتباره أداة مميزة لتعزيزالعلاقات بين الناس في شرق البحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة الأيبيرية والعالم الجديد. في هذا الإطار،أشير إلى مؤسسة الثقافات الثلاث في إشبيلية و"الأكاديمية للثقافة اللاتينية"، التي تأسّست بهدف تعزيز التضامن والتكامل بين الدول والشعوب اللاتينية، ودعم التبادل الثقافي والعلمي بين ثقافات العالم.

    وتأتي هذه المبادرة تثمينًا لأهمية إنشاء نظام إنساني عالمي جديد يعيد التفاهم بين البشر،ويحقّقُ الفهم المشترك المنشود، الذي ينبثق من قناعتنا بأن الإنسان هو رأس المال الحقيقي الذي يجب استثماره والعمل على رعاية اللقاء الفكري والعاطفي بين البشر، وتعزيز العمل الثقافي لتسهيل الفهم التحليلي المقارن لنظرتنا لبعضنا البعض من أجل تحقيق فهم متبادل أفضل.

الأهداف:

تعزيز العمل الثقافي والأكاديمي في هذيْن العالميْن، علاوة على تعليم اللغات العربية، والإسبانية، والبرتغالية.
رعاية تبادل الباحثين، والأكاديميين، والطلبة بين الجامعات في هذيْن العالميْن، عن طريق "الديوان"، إضافة إلى تنظيم برامج بحثية بهدف (بناء وتطوير) تميّز رأس المال الإنساني.
تعزيز مفهوم "توأمة المدن" في هذيْن العالميْنلتحسين التعاون الثقافي، والتقني، والتجاري بينها.
تحسين مفهوم "التراث الإنساني المشترك" عبر الاعتراف بتنوع الثقافات، وتعدّد الديانات، والحضارات.
الإشادة بالجوانب المشتركة لمواجهة القوالب النمطية السلبية المتعلقة بالدين والثقافة، وتعزيز حرية العبادة وحقوق الإنسان.
دعم المبادرات التي تعزز الحوار بين الحضارات، والثقافات، والأديان، والناسبشِكل عام.
تشجيع الدول غير الأعضاء في مجموعة "آسباASPA" (دول أميركا الجنوبية والعالم العربي) على المشاركة في الحوار وتبادل الخبرات في إطار "الديوان".
إشراك الصحفيين في هذا المشروع، لغرض الترويج لصورة صحيحة شاملة لقيَم الحضارات المعنية.
الأنشطة:

تنظيم مشاريع بحثية، وندوات، ومؤتمرات، وورش عمل.
تنظيم أسابيع ثقافية تتضمن عروضًا للكتب، وندوات ثقافية وفكرية، وعروضًا للفنون الجميلة، وكتب الأطفال، والأزياء التقليدية، وعروضًا مسرحية وموسيقية.
عقد محاضرة "ايميليو غارثيا غوميز" السنوية.
التعاون على تنظيم مناسبة مشتركة في الأسبوع الأول من شهر شباط/ فبراير من كل عام للاحتفال بأسبوع الوئام العالمي بين الأديان، ويشمل جميع الأديان، والمذاهب، والمعتقدات.
توصيات الندوة:

خلُص المشاركون في الندوة إلى مجموعة من التوصيات:

تبنّي مبادرة جديدة بعنوان "دستور الشرق Codex Levanticus" لتأمين مستقبل هذه العلاقات، وتجاوز النزعة العرقية الأحادية وضمان مشاركة دول شرق البحر المتوسط من دون استبعاد أو تهميش لأي شخص تحت أي ظرف من الظروف؛ مؤكدين على القواسم المشتركة وتبادل الخبرات.
دعوة مملكة إسبانيا لقبول وتشجيع هذه المبادرة، جنبًا إلى جنب مع المملكة الأردنية الهاشمية، بحيث يدعم كل طرفٍ، بالاتفاق/بالتعاون مع دول أمريكا اللاتينية، المشاريع والمبادرات التي تسهم في تحقيق هذه الأهداف.
دعوة الأكاديميين المشاركين في المائدة المستديرة إلى عمل بحثي أكاديمي يجمع بيننا في هذيْن العالميْنويركز على القواسم الإنسانية في المجالات المختلفة وعلى حاجات شعوب العالميْن.
البحث عن العالميّة بمنأى عن المركزية الأوروبية.
إدماج الأدب والشعر اللاتيني في الجامعات والمدارس الأردنية.
الابتعاد عن إدانة التاريخ ودراسة أخبار دول أمريكا اللاتينية ونشرهاباللغة العربية، ومنها ما نُشر في صحف الجاليات العربية في تلك الدول على مدار سنوات مضت.
وسيَتولى المعهد الملكي للدراسات الدينية نشر الأوراق التي قدمها المشاركون في المائدة المستديرة في كتاب باللغتين العربية والإسبانية ليكون الإصدار الأول ضمن سلسلة إصدارات "الديوان".

شارك في هذه المبادرة:

سعادة سفير البرازيل Francisco Carlos Soares Luz
سعادة السفير التشيلي Eduardo Escobar
سعادة السفير إبراهيم عواوده – مدير إدارة شؤون أمريكا اللاتينية والوسطى في وزارة الخارجية الأردنية (السفير الأردني في تشيلي خلال فترة زيارة سموه - حفظه الله - إلى تشيلي في 2010)
سعادة السفير عاطف هلسة
سعادة السيد سمير الناعوري – سفير سابق في إسبانيا
الدكتورة رناد المومني – قسم اللغات الإسبانية في الجامعة الأردنية
الدكتورة هند أبو الشعر – أستاذة التاريخ في جامعة آل البيت
معالي الدكتور صلاح جرار– وزير الثقافة الأسبق/الأردن
الدكتورة رشا الخطيب – الباحثة في المستشرقين والدراسات الأندلسية – الجامعة الأردنية
الدكتورة سحر المجالي – أستاذ مشارك في تخصص التاريخ - جامعة البلقاء التطبيقية
الدكتور جمال الشلبي – أستاذ العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية- الجامعة الهاشمية
سعادة السفير الإسباني
سعادة القائم بأعمال السفارة الاسبانية
ميكيل فوركادا – جامعة برشلونة/ إسبانيا
سعادة سفير المكسيك
الدكتور خلبيرتو كوندي زمبادا أستاذ التاريخ في مركز دراسات آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط في جامعة المكسيكEl Colegio de Mexico
سعادة سفير فنزويلا
سعادة القنصل حسام العصامي – سفارة فنزويلا
السيدة عميرة زبيب زبيب – الوزيرة المفوضة في سفارة فنزويلا في لبنان
ستتم دعوة مفكرين وباحثين وأكاديميين من الدول العربية والأيبيرية واللاتينية للمشاركة في نشاطات "الديوان" القادمة.

الأحد، 16 أبريل 2017

نذل ..

عندما يمر نذلٌ في حياتك، فإن أسوأ ما يعلّمك إياه أنك تتوقع الشر من الآخرين إلى أن يَــثبُتَ منهم الخير!! 
ما أسوأ الحياة دون الإيمان بالناس!! وما أسوأ الاتهام إلى أن تظهر البراءة!!
فأين"..الموفون بعهدهم إذا عاهدوا"؟؟
الوفاء صفةٌ لا تتحقق ولا تُعرف في الأشخاص، إلا عند الاختبار، ولا تظهر إلا عند المحكّات. 
والعهد لا يؤخذ إلا في المواقف الجليلة والممحِّصة، عندما تبلغ القلوب الحناجر، كأنما أُدخلتَ الى النار، وتسوّل لك نفسُكَ الخيانة والنكث وتجد لنفسك كل التبريرات و الحجج ثم تتماسك وتفي بعهدك...عندها فقط تستحق صفة الوفي.

منقول

براعم

بقلم د.لانا مامكغ/ جريدة الرأي

أطالَ النّظرَ في وجهه، قضى وقتاً وهو يتأمّلُ آثارَ السّنين على ملامحه حتى شعرَ بوسامةٍ مفاجئة... فحلقَ ذقنه بتأنٍ، وتعطّر، ثمّ انتقى ثيابه بعناية ليلقي نظرةً أخيرة على هيئته، ثمّ ليمضي فرِحاً منتشياً إلى عمله.
كان يشعرُ أنّ نسماتِ ذلك الصّباح محمّلةٌ بعبيرٍآسر، في حين بدت له الأشجارُ أكثرَ اخضراراً، والسّماءُ أشدّ زرقةً، والأفقُ أكثرَ اتّساعاً... واللحن العذب ذاته عاد ليجولَ في وجدانه ككلّ صباح وهو متجّهٌ إلى مكتبه... إلى حيث يجدُها باستقباله مثلَ فراشةٍ خرجت للتوّ من شرنقتها؛ رقيقةٍ عذبةً ملوّنة تضجّ بالحياة... مثلَ برعمٍ ربيعي غضّ شاء أن يعيدَ الخِصبَ لروحِه الخريفية !

باتَ على يقين مؤخرّاً أنّها منجذبةٌ إليه وتبادله الشّعور ذاته، كان يقرأ هذا في التماعة عينيها... في حركتها المرتبكة وهي حوله، في صوتِها الذي يذوب رقّة... في ضحكتها السّاحرة حين تسمعُ تعليقاتِه العابرة على بعضهم، في عطرها الشّفيف الذي يملأ صباحاتِه بعبق الرّبيع...
أدرك أنّه يعيش معها سحرَ الحبِّ وسرّه... الحبِّ الذي لا يعترفُ بفرق العمر ولا بأيّ من تلك الترّهات، فبينه وبينها لغةٌ كونية تتمرّدُ على الكلمات ومفردات البشرِ كلّهم... إنّها هدّية القدَر بعد سنوات القحط مع شريكة تحوّلت إلى رفيقة سكن... تلك التي لم يعد يذكرُ متى تبادلَ معها جملةً واحدة مفيدة، تلك التي لمحته يخرجُ بكاملِ بهائه دون أن تكترث، هو على يقين الآن أنّ الزّمن أنصفه أخيراً، ومن حقّه أن يستمتعَ ويستعيدَ إنسانيته فيما تبقّى له من عمر !
انتهت تداعياتُه بوصوله إلى مكتبه، ليعيشَ يوماً آخر محلّقاً بين الغيوم... هائماً في حقلٍ من الزّنابق البرّية... مستسلماً مأخوذاً بسمفونيةٍ يومية باتت تصدحُ في أعماقِ روحه وخلايا جسده !

مضى ذلك اليوم كغيره دون أن يشعرَ بالوقت، إلى أن حلّ المساء، ليجدَ نفسَه في بيته يجلسُ مسترخياً وهو يقلّبُ هاتفه بيدِه باحثاً عن سببٍ ما للاتّصالِ بها وسماعِ صوتها... حتى قطعت زوجتُه عزلته لتبلغَه أنّ ابنتهما قد وجدت أخيراً فرصة عملٍ في إحدى الشّركات... وقبل أن يعلّق، دخلت الشّابة لتقولَ بصوتٍ يفيضُ بهجة: « نعم، عُيّنتُ سكرتيرة لدى المدير العام، رجلٌ دمثٌ محترم في مثل عمرك تقريباً... يا إلهي كم هو لطيف يا بابا... أشعرُ أنّه يعاملني معاملةً خاصّة ! « ووقع الهاتف من يده فجأة... ولم يعلم كم مضى من الوقتٌ وهو صامتٌ ساهمٌ سارح... إلى أن قامَ أخيراً متوجّهاً إلى سريره، تّقلب طويلاً دون أن يتمكّن من النوم... ظلّ يتقلّبُ حتى قرّر أخيراً بأن أوّل ما سيفعله في الصّباح؛ إصدارُ قرارٍ بنقلِ سكرتيرته إلى فرعٍ آخر... ثم ليقومَ بزيارةٍ عاجلةٍ سريعةٍ مباغتة لمديرِ ابنته !

الخميس، 13 أبريل 2017

دعاء

        قانون كوني (بعد أن يختفي الأصل، تمتلىء الطريق بالأشباه الزائفة)!
.... أولئكَ الذين يُناقِضُ فعلُهم قولَهم، القادرون على الحديث عن الثورة والمبادئ والثوابت. ثم إذا صادفتهم مرشدةٌ أسرية رخيصة باعوا أرواحَهم لشيطانها... ثمَّ إذا وعدوا أخلفوا وإذا حدّثوا كذبوا وإذا خاصموا فجروا. 
أولئك الخونة.. هم أكثر ما يُلجئنا لصدق الطلب والدعاء ألّا تجعلَـنا يا ربِّ مثلهم، وعلّمنا كيف نبقى وجهاً واحداً لا يعرف التلوين، وأهلَ مبدأ لا يقبلُ التزييف. 
علِّمنا يا رب أن نخافكَ ونخشاك في قلوب مَن نحب وفِي قلوب مَن نفارِق.

الأربعاء، 12 أبريل 2017

عبق الرسائل

بقلم: بروين حبيب

جريدة القدس العربي

"ترى إلى أي مدى كسر عصر الأنترنت رومانسية حياتنا؟ تلك الرّسائل التي تصلنا وعليها خط يد المحبوب وطابع بريد البلاد التي يقيم فيها. وساعي البريد وهو يقطع الشارع بدراجته، ويتوقف عند كل بيت… طقوس انقرضت، أو على عتبة الانقراض، لأن أجهزتنا الإلكترونية أخذت أمكنة الورق والطوابع وساعي البريد… في الغربة دوما غائب ما من كل بيت…
والرسائل الورقية تحمل رائحة المغترب وأنفاسه ولمسات يديه وروحه. نشمُّ الرسائل حين تصلنا من الأحبة، ونعانقها أحيانا… نعانقها كما لو أن «الغالي الذي كتبها» بين أحضاننا…
ننتظرها أشهرا، ونعتقد دوما أن ما تحمله الرّسالة أقوى من الكلام في الهاتف، وأقوى من اللقاء المباشر. ففي الرسالة جزء خفي من ذواتنا، نترك له العنان ليخرج نقيا كما هو من دون خوف من ضعفنا. هناك شجاعة جبّارة نتحلّى بها حين نمسك قلما ونجلس أمام بياض ورقة، ونكتب رسالة… ثم جاء عصر الإنترنت، وكأنه عصر جليدي جديد، جعل كل شيء باردا.
نعم يبقى للرسالة طعم آخر، خاصة حين تكون من حبيب، لكن أين وقع الرسالة الورقية من وقع الرسالة الإلكترونية التي يحملها الهاتف مثلا؟ نقبّل هاتفنا أحيانا حين تصلنا رسالة حب جميلة، أو رسالة تطمئننا على أحد الأحبة، لكنها ليست تلك الحرارة التي تشبه حرارة موسم بأكمله، ونحن نحضن الرسالة الورقية ونمرر أصابعنا على حروفها، ونخترع أكثر من طريقة لتفجر مزيدا من الفرح فينا. نقرأها وندسها تحت الوسادة وننام على أريج حروفها… نقرأها ونخفيها باتقان بين ملابسنا… نخصص صندوقا جميلا فقط لرسائل من نحب ولبطاقات الأعياد التي تصلنا من طرفهم.
 للرسائل مكان مقدس دائما في خزانتنا. حتى حين نتهيأ لكتابة رسالة لحبيب، نختار أجمل الورق، قد يكون ورديا، أو عليه أزهار وقلوب، نرسم أحيانا قلوبنا بأنفسنا، وأشياء أخرى كتلك الحروف التي تتعانق في دلال، هي أول حرفي إسمينا.
عبق رسائل الماضي يحضرني اليوم حين فتحت صندوق رسائلي… ما أجمله، وكأنّه صندوق مجوهرات، كنز لا يقدّر بثمن، لا يقدر بلغة.
أجيال اليوم، لم تعرف هذه المتعة أبدا، وكل خوفي أن يأتي يوم يحدث فيه خلل ما فتتوقف هواتفهم وأجهزتهم ويصبحون بلا ذاكرة.
قيمة الرسالة الورقية لا تتوقف عند الملمس فقط، بل عند قيمة خط اليد، وحين نتذكر رسائل مهمة لمشاهير بيعت في مزادات علنية بمبالغ طائلة سندرك أن الرسالة فعلا كنز. رسائل نجمة هوليوود الراحلة إليزابيث تايلور بيعت بـ 47 ألف دولار، لـ66 رسالة غرامية كتبتها في سن السابعة عشرة لأول حب في حياتها (وليام باولي جونيور) رسائل كانت ستكون سببا في موت فتاة عربية لو أن إحداها فقط كشف أمرها. في السابعة عشرة، ألا يبدو في الأمر تقديسا لتلك العواطف الأولى نحو الجنس الآخر؟ واحتراما لتلك التجربة وتقديرا لها. ولعلّ من يعرف حياة تايلور سيدرك أن احتفاظها بتلك الرسائل، رغم عدد زيجاتها، يكشف مدى صدق ذلك الحب وما كان يعنيه لها، وإلا كان مصيرها سلة المهملات. 
في عالمنا العربي من النادر أن نجد أثرا ملموسا لقصة حب بين اثنين، ولعل ما يناسب عواطفنا فعلا هو العصر الإلكتروني العجيب. لهذا أتوقع أن رسائل الحب اليوم بين بناتنا وشبابنا، أقل شغفا، فالوصول لأي شخص نريده نجده بكبسة زر على فيسبوك، إن لم نجده على مواقع التواصل الاجتماعية الأخرى. وغير ذلك في سرعة التواصل قتلك ذلك الشغف… أما الأمان فقليل في ما يخص صناديقنا الإلكترونية، لهذا نادرا ما تحفظ رسائلنا المتبادلة في علبة الرسائل الإلكترونية بل «تُعدم» مباشرة بكبسة «دليت» بعد قراءتها، خوفا من عملية سطو من أي هاكر يفضح الأمر. 
تُعدم أيضا لأسباب أخرى، وهي أن الحبيب رقم واحد قد يكون خائنا، والثاني أيضا، وأن الرجل الحقيقي في حياتنا هو من يتقدم للزواج من المرأة، وليس الرجل الذي «يفت» كلام الحب للنساء. 
في صباي كان التصرف الصح تجاه رسالة حب من شاب أن تمزق فورا وترمى، أو تحرق، وتختفي تماما. وهو تصرف قد يستحليه الشاب أيضا، ظنا منه أن حبيبته «نقية» وليس لها باع في الحب والكلام الفارغ. هي مثل الحزورة، حكايات الحب عندنا، وكذلك كل ما كتب عن الحب بأنامل أشخاص اكتوت قلوبهم من العشق. صحيح أن «الحب وحده يبقينا على قيد الحياة» كما قال أوسكار وايلد، لكن للعرب مقولة أخرى تقول «من الحب ما قتل»، ويبدو أن الحب عندنا كله يؤدي إلى القتل، إن لم يكن جسديا كان معنويا، «كبس أنفاس يعني» إلى أن نستسلم.
بين أوراق التاريخ رسائل نيلسون أنغرن الكاتب الأمريكي ذي الجذور اليهودية، الذي تعرف بسيمون دي بوفوار سنة 47 وقلبت حياته رأسا على عقب، أغرم بها وكتب لها رسائل بالأكوام، كما أثمرت علاقتهما على مدى خمسة عشر عاما أكثر من كتاب. ورغم ما كتب عن علاقات دي بوفوار، إلا أنها حين توفيت دفنت بخاتم أنغرن في أصبعها كما وصت، وكشفت رسائلها له عن علاقة حب نادرة، رقصة فالس فيها كثير من الانسجام العاطفي والجسدي والفكري. وكأنّها فعلا علاقة الحب المثالية التي يجب أن تكون بين امرأة ورجل. وهو الدرس الذي نستشفه من قراءتنا لرسائلها ورسائله، رغم أن رسائله لم تأخذ وهج رسائلها، لكن كلاهما لم يدخل عالم اللغة العربية وهذا غريب جدا، إذا ما عرفنا أن سارتر أخذ مكانة مهمة في الثقافة العربية، بما في ذلك علاقته بسيمون دي بوفوار، التي كانت أكثر تأثيرا في قرائهما وأتباعهما بعد وفاتهما. ولعل عدم الاهتمام بهذه الرسائل يعود لسيرة دي بوفوار المعقدة والغريبة كشخص، فالعثرة الوحيدة التي تجعلنا كمجتمع عربي نخاف من أفكار الآخر هو فضولنا لمعرفة حياته، خاصة الجانب السري منها. 
لا علينا فقد بدأنا الحديث عن «عبق الرسائل الورقية» وجمالها وبلغ بنا المطاف إلى عالم المشاهير ورسائلهم، وهو عالم جميل، ومثير، ولكننا لم نمنحه الأهمية التي يجب. 
كتب كثيرة تملأ المكتبات الغربية عن رسائل بين كتاب وفنانين ومشاهير سياسة، وهي أقرب إلى تفسير شخصياتهم التي يشوهها الإعلام في الغالب، حسب أهواء من يكتب عنهم ويصفهم، بل إن البعض من هؤلاء المشاهير يواجهون جمهورهم بأقنعة جميلة، ظنا منهم بأنهم يتقنون تسويق أنفسهم بتلك الطريقة ويحافظون على شهرتهم. والحقيقة أن رسائلهم التي تنشر في الغالب بعد وفاتهم هي البصمة الوحيدة الحقيقية في مساراتهم المشوهة قصدا أو من دون قصد.
وإن كان فرناندو بيسوا يقول إن «رسائل الحب سخيفة، وإنها لا يمكن أن تكون رسائل حب إن لم تكن سخيفة»، فهذا ليس استسخافا للحب، بل لأن الحب يكشف بساطة الشخص حين يحب. ولأن ما يؤسف حقا أحيانا في رسائل الحب التي نكتبها ليس مشاعرنا الجميلة والنقية، وإنما تفاهة الشخص الذي نعتقد أنه يستحق منا ذلك النقاء وهو يستقبله بسخرية وتحقير".

الأحد، 9 أبريل 2017

نكهة الرسائل

بقلم: أ.د. صلاح جرار
جريدة الرأي

لستُ أنسى عندما كنت طالباً في الجامعة في مرحلة البكالوريوس كيف اعتمدتُ مكان دراستي عنواناً بريدياً لرسائلي التي تصل إليّ من أصدقائي وسواهم، وكنت كما كان جميع الطلبة آنذاك، أذهب كلّ يوم إلى لوحةٍ في عمادة الكليّة تعلّق فيها لائحةٌ بأسماء الطلبة الذين تصل إليهم رسائل جديدة، فنذهب إلى ديوان الكليّة ونتناول رسائلنا بشوق وشغف شديدين! وكنا نميّز الرسالة التي مصدرها خارجيّ من الرسالة التي مصدرها داخلي عن طريق لون المغلّف، فإنْ كان أبيض مخطّطاً بالأزرق فهي في الغالب من الخارج، وإن كان أبيض خالصاً فيكون في الغالب من الداخل. كان كلّ واحدٍ يخطف رسالته وينتبذ زاوية ويقلب الرسالة من الوجه ومن الخلف لمعرفة مرسلها ومصدرها ثمّ يسارع في نزع غلافها ويأخذ في قراءتها، فبعضنا يظهر على وجهه علامات الفرح والسعادة وبعضنا يكتئب ويعود حزيناً بعد أن يدسّ الرسالة في جيبه الداخليّ.
ولا أنسى عندما كنت طالباً في جامعة لندن خلال إعدادي لدرجة الدكتوراه، كيف كان للرسائل التي تصل عبر البريد إلى منزلي مع طلوع الشمس، مذاق خاصّ جدّاً، لم أعد أجد له نظيراً بعد أن رجعت من الدراسة، وافتقدته بالكامل بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، من إنترنت وفيسبوك وواتس أب وفايبر وسكايب وسواها ممّا قضى على الحاجة إلى استخدام الورق والرسائل والطوابع والخطوط اليدوية قضاءً شبه تام.
كانت الرسائل التي تصل إليّ من عمّان إلى لندن ذات قيمة خاصّة، وكان الشوق الذي يرافق وصولها أو يسبقه شوقاً له مذاقه الخاصّ ونكهته الخاصّة، كان ساعي البريد يدسّ الرسالة أو الرسائل التي بحوزته من شقّ صغير في الباب يؤدّي إلى سلّة معلّقة في الوجه الداخلي للباب، لم نكن نسمع صوته وهو يدسّ الرسائل عبر الشقّ لكن كنّا نسمعه عندما ترتد سدّادة الشقّ المعدنية إلى مكانها، فنصحو على صوتها ونسرع نحو الباب بلهفة شديدة، كنّا نفرح كثيراً عندما نجد رسالة في مغلف أبيض ذي خطوط زرقاء فنعرف أنها من عمّان، وكانت تصيبنا الخيبة إن كانت الرسائل مجرد دعايات أو فواتير ومطالبات ماليّة!!
لم تكن الرسائل التي كنّا نتلقّاها، في أيّ مكان ومن أيّ مصدر، مجرّد ورق وحبر، بل كان لها أهميتها الخاصّة، كان للون الرسالة لغته، ولملمسها معناه، وللخطّ الذي كتبت به نكهته لأنّ الخطّ في الرسالة جزء من هويّة كاتبها، وكان للطابع الذي ألصق على وجه غلافها دلالته، وكلّ شيء في تلك الرسائل كان جميلاً، ولذلك كنّا نحتفظ بها ونحرص على عدم فقدانها، حتّى إنّني ما زلت أحتفظ برسائل منذ أكثر من أربعين عاماً، ولم يكن مضمون الرسالة وحده هو الباعث على الاحتفاظ بها، بل أن تأتيك رسالة فهذا سبب كافٍ للفرح بها والاحتفاظ بها.

وما زلت إلى اليوم ينتابني شعورٌ بالفرح لأي رسالة تأتيني مكتوبة بخطّ اليد وبمغلّفٍ عليه طابعٌ بريديّ وأختامٌ بريديّة وتحمل تاريخ الإرسال وتاريخ الوصول واسم المكتب البريدي الذي أرسلت منه والمكتب البريدي الذي وصلت إليه واسم المرسل وعنوانه بخطّ يده واسم المرسل إليه. وما زلت أثق بمثل هذه الرسائل حتّى لو خلت من أيّ خبر مهمّ أكثر من عشر رسائل تصل إليّ عبر البريد الإلكتروني والواتس أب والمسنجر وسواها حتّى لو كانت تحمل لي بشائر الغنى والسعادة وأنواعاً من الأخبار السارّة.
وبعد ثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات التي تجتاح العالم طوْعاً أو كرْهاً، أصبح بإمكان أي شخص على وجه الأرض أن يبلغ رسالته إلى أيّ مكان على وجه الأرض في ثوانٍ قليلة وبكبسة واحدة على أحد الأزرار في جهاز حاسوبه الخاص. وبين يدي هذه الثورة هل نستطيع القول إنّ عهد الرسائل الورقية المكتوبة بخطّ اليد قد ولّى إلى غير رجعة؟! وهل أصبحت الرسائل والخطوط التي تكتب بها- أو هل ستصبح قريباً- تراثاً نادر الوجود وذكرى من ذكريات الشعوب؟!
إنني أدعو كلّ من لديه رسائل بخطّ اليد قديمة أو حديثة أن يحتفظ بها، فربما تصبح هذه الرسائل ذات يوم شاهداً على زمن جميل كان ممزوجاً بالشوق والمحبة واللهفة.


الأربعاء، 5 أبريل 2017

الكتابة في منتصف العمر

بقلم غازي الذيبة
جريدة الغد/   الأحد 5 نيسان 2015

"أريد يدا ثالثة"، قال صديقي الشاعر الستيني ذات مساء، وهو ينظر من شرفة منزله المطلة على مكعبات الإسمنت في مدينة عمان "لأكتب كل شيء".
**
أن تكتب، وأنت أساسا منشغل بهذا الهم، يعني أنك تخلِّق عالمك، تصوغ مدنك، أناسك، حيواتك. حتى لو كتبت عن الكائنات الفضائية، فأنت تكتب ذاتك، تكتب المهمة التي هبطت عليك في لحظة انعتاق تبحث فيك، فيما حولك، في دقتك العالية لاكتشافها في التقاط المعنى وإرساله مرة ثانية محملا بك، بدلالاتك، بحركة روحك، بتوهجك فيه.
في منتصف العمر، يصبح الأمر ملحا جدا. تصبح الكتابة طريقة حياة كاملة، لا تستطيع الفكاك منها، حتى وأنت تفكر ببيت رخيٍّ في جزيرة نائية، لتجلس على شاطئ البحر فيما سنارتك ملقاة في الماء، تنتظر أن  يعلق بها شيء، وقد لا يعلق، لكنك تظل محدقا في اللحظة تلك، محتدما في المنحة الخارقة التي جذبتك إلى هذا الصفاء كي تتأمل وأنت تصطاد الفكرة/ السمك. 
خلال الانتظار ذاك، ستتفقد الحياة.. الأحلام، ستمر عليك الحيوات وميضا، بينما تتأمل موج البحر وفيروز الشاطئ، وستتخلص من زوان كثير في صفائك ذاك، وكما لو أنك في نطاق هيوليٍّ، إن خرجت منه، عدت إلى مرمى العادي، وصرت مسكونا به.
في منتصف العمر، الكتابة فضاء تواق لأن تشعل فيه وقدة أفكارك، تكون في لحظات نضج وصلتها بعد مرارات كثيرة من البحث والتقصي والحوارات والقراءة والتأمل، وربما الصراخ.

إذن، ستبقى يدك على أزرار الكيبورد، لترقن، وستبقى نظارتك قربك لتقرأ، وسيبقى ذهنك متوقدا لترى. كل حواسك ستكون مستعدة لأن تكثّف اللحظة التي تمر في رأسك، لتعيدها فعلا مكتوبا، حتى لو أخذت إجازة من الكتابة.
حين تصل إلى منتصف العمر، ستجد نفسك محاصرا بأسئلتك المرهقة عن الوجود والعدم. وستتساءل باستمرار عن جدوى التوقف عن الكتابة والاستمرار بها، لكن الغلبة ستكون لأن تستمر، بل إن هذا التساؤل سيكون كفة الميزان المائلة جهة الروح والقلب والعقل معا، منذ اللحظة التي يخطر لك سؤال: إلى متى أكتب؟.

نصف العمر، ليس مجرد وقت، يحدث لكل منا، لا، إنه مبتدأ لخوض نصف العمر الثاني، مستهل رفيع المستوى لاكتشاف اللهفة والتوق والحب مكتملين. طاقة مشعة على خوض الاكتمال في النصف الثاني منه، تضيء حدقات الروح، وتفسر مكامن الوجدان بعمق، وشفافية وحنكة المُدَرَب على اكتشاف الدروب في مفازات الوجود الوعرة. النصف الأول مجرد تجربة، تظل مشحونة بما سيتحقق، لا بما تحقق، والنصف الثاني ليس مجردا من شيء، إنه التجربة المشغولة بيد صانع ساعات سويسري ماهر.

السبت، 25 مارس 2017

لذة لم يذقها رجل!

بقلم غادة السمان
القدس العربي

قبل أربعة أيام مر عيد الأم العربية ومعه أشعر دائماً بالرغبة في كلمات دافئة، قلبية، بعيدة عن اللغة التقليدية التي يتم تكرارها كل عام.
أتذكر صوت الدكتور فايز سويدان حين قال لي: مبروك أنتِ حامل. لا كحول. لا سجائر. لا أدوية دون استشارتي.. وهكذا كان. وخضعت للمرة الأولى في حياتي (لديكتاتورية) ما.


أهلاً بالمحتل.. ووداعاً للأدب والتمرد

صار ذلك المخلوق الغامض يكبر في بطني ونشأت بيننا علاقة حميمة كعلاقة السجناء في زنزانتين متلاصقتين.. يتواصلان بالقرع على جدران السجن كما في رواية «الكونت دي مونت كريستو».. ولكن تصادف ان تلك الجدران كانت بطني الذي انتفخ وصرت أمشي مثل طائر البطريق «البنغوان». تلك العلاقة الحميمة عطلت فعالياتي الفكرية كلها. صرت عاجزة عن الكتابة، وعن العمل، وذلك المخلوق الذي ينمو في جسدي احتلني وشل طاقاتي كلها وسخرني لحمايته! انه المخلوق الوحيد الذي نفرح باحتلاله لنا ونرفع أعلامه ونخفض أعلامنا دون الشعور بالهزيمة بل بالبهجة.
وأخيراً قررت طفلتي/طفلي مغادرة سجنه/سجنها وتصادف ذلك ليلة زيارة الشاعر أدونيس لنا بموعد سابق. جاء برفقة سمير الصايغ الرسام والشاعر.

أدونيس يقرأ شعره وكلي آهات!

اقتادهما زوجي إلى غرفة نومنا قائلاً إنني متوعكة إذ كنت عاجزة عن النهوض، وكان أدونيس قد عاد للتو من نيويورك التي ألهمته قصيدة ولطالما تذوقت شعره وقرأ علينا ليلتها قصيدته الجديدة غير المنشورة بعد يومئذ، بعنوان «قبر من أجل نيويورك».
هو يقرأ وأنا لا أفهم شيئاً غير الإنصات لرفسات طفلي وموجات ألم تجتاحني وكلي آهات. فجأة، توقفت حواسي كلها عن التلقي. وانشغلت بذلك (الجار) الحبيب في بطني الذي لم يكتف تلك الليلة بالركض جيئةً وذهاباً داخل قشرتي البشرية بل سبب لي ألماً مفاجئاً مبرحاً في بطني. أدونيس لاحظ انني في كوكب آخر لا تطاله الأبجدية مهما كانت مبدعة، وأنجز قراءة «قبر من اجل نيويورك» ومضى وسمير الصايغ، ومضينا زوجي وأنا إلى المستشفى..

النشوة المطلقة التي لن يعرفها رجل

بعد ساعات من الأوجاع قال الطبيب فجراً، «مبروك … إنه صبي «. صبي أو بنت لا فرق.
الطبيب ناولني طفلي وشاهدته للمرة الأولى.. وكانت لحظة نشوة جارفة استثنائية.. ها انا التقي اخيراً بذلك المخلوق الذي احتلني شهوراً وعطلني عن الكتابة وحرية الحركة، ها هو كحلم ضوئي شفاف بأصابع دقيقة كعيدان الكبريت. وحين وضعت اصبعي داخل يده انطبقت أصابعه على يدي وعلى روحي وككل ام عرفت انها لن تنفك يوماً عن قلبي.. واظن ان كل أم عاشت تلك اللحظة الاستثنائية: لقاء طفلتها/طفلها للمرة الأولى. إنها لحظة النشوة واللذة التي لم يذقها رجل بشحنتها الخاصة. ثم يأتي والد الطفل، الذي لا غنى عنه في حياة المولود، ولكن تلك الشهور التسعة من العلاقة الحميمة المميزة التي لا تشبهها صلة تظل استثنائية ـ سواء كبر وصار مجرماً أو قاتلاً او إنساناً سوياً او مليونيراً او متسولاً. إنه الحب اللا مشروط. الحب الوحيد الذي يتقبل الآخر كما هو بكل نقائصه.

رسائل حب كتبتها دامعة!

لم أصدق يوماً الإعلام الذي يلتقط صوراً لأم قُتل ابنها ومن المفترض انها تزغرد تحت أضواء (الكاميرات) لإعلام (موجّه) ستغوص سكين الافتقاد في قلب الأم. وأمنية كل ام ان ترحل عن كوكبنا قبل ابنتها/ابنها اياً كان كيفما كان. ولن انسى يوماً العاملة المنزلية «خدوج» التي لحقت بي ليلة العشاء لدى بعض الأصدقاء في بيروت وقالت دامعة: ارجوك.. اكتبي رسالة لإبني ليشفق عليّ ويتصل بي. إنها (خادمة) في أواخر الخمسينات من العمر، دامعة، نحيلة، يبدو ان ابنها الوحيد لا يبالي بشقائها ولا يتصل بها حتى هاتفياً. واظن انني كتبت اجمل رسائل الحب بخط يدي إلى ابن «خدوج»، وكانت تملي عليّ وكنت اكتب على طريقتي وادمع تأثراً..

أبناء المهاجرين إلى الغرب

في كل «احتفالية» يتم إخفاء السلبيات.. ولن استسلم لتلك اللعبة بل أرغب في الكلام باختزال عن خيبة الأمهات (والآباء ايضاً) ببعض الأبناء. وبالذات أولاد المهاجرين إلى حضارة غربية.. ولي صديق كبر أولاده في لندن وتطبعوا بالعادات الغربية وهو يريد منهم ان يكونوا عرباً وهذا مستحيل.. وعلى كل من يفكر في الهجرة ان يتذكر ان أولاده لن يكونوا نسخة عنه وعن قيم عالمه بل عن قيم عالم حملهم اطفالاً اليه أو ولدوا فيه وكبروا وتطبعوا بعاداته القائمة..

أمهات فلسطين ـ سوريا ـ العراق ـ اليمن ـ إلى آخره!..

اتعاطف بعمق في عيد الأم مع أمهات بلا أعياد. تلك الأم الفلسطينية مثلاً التي يذلها الإسرائيلي المجرم ويهدم بيتها ويقتاد أولادها إلى السجن والتعذيب لرفضهم الاحتلال ويكاد زوجها ينفجر لأنهم يمنعونه من الصلاة في المسجد الأقصى ومن الأذان ايضاً!
الأم السورية تبكي اطفالها الذين تقذف البحار بجثثهم على شواطئ الهرب المستحيل.. وربما بجثتها أيضاً في ملحمة حزينة من التيه عن البوصلة الفلسطينية/القضية الأولى..
الأم العراقية تندب على أبواب المزارات.
الأم اليمنية نسيت حكايا «اليمن السعيد» في دوامة عنف تخطف ذكور الاسرة وتهين النساء..
وباختصار: لا عيد حقاً للأم العربية هذا العام، ويومها هو غالباً مناسبة حزن عميق وحنين إلى لحظة النشوة تلك التي لم يذقها رجل حين ولد طفلها والتي ستظل تشعر بها سواء ولدته في خيمة تشرد او في مركب هارب او على شواطئ بحار مكهربة..
فالطفل الوليد لا يطلب (تأشيرة) للقدوم إلى كوكبنا!!

الجمعة، 24 مارس 2017

الموشحات الأندلسية قبَسٌ من الماضي الحاضر




الموشحات الأندلسية هي هذا الإرث الأندلسي الذي ما زلنا نستمتع بجماله إلى اليوم، وهي واحدةٌ من المبتكرات المميزة التي جادت بها قرائحُ الأندلسيين. وهي مأخوذةٌ في اسمها من وشاح المرأة المحلّى باللآلئ والمجوهرات الذي تتزين به.
والموشح في أبسط أوصافه قصيدة غنائية تمتاز بتنوُّع قوافيها وأوزانها، وتتكون من مقطوعاتٍ تتوالى حتى المقطوعة الأخيرة التي تسمى خرجة، وهي مركز الموشح كما كانت تعرف  في بداية نشأة هذا الفن: فهي التي كان الوشّاح يضع وفقها لحنَ موشحته ثم يعمد إلى نظم الكلام عليه. وعادة ما تكون الخرجة على ألسنة النساء أو الصبيان، وفيها من السخف والخفة والعامية والأعجمية ما يجعلها أملح ما في الموشح.
والموشحة أقرب إلى قطعة موسيقية منها إلى قصيدة شعرية؛ إذ كان للغناء أثره الكبير في ظهور هذا الفن بالأندلس، حيث انتشرت مجالس الأنس واللهو في المجتمع الأندلسي، وازدهر الغناء مع وفود زرياب إلى العاصمة قرطبة في القرن الثالث الهجري، وأضاف جمالُ الطبيعة سبباً آخر لجمع هذا كلِّه في الموشحات، فكانت لغتُها وإيقاعاتها السهلةُ الليّنةُ الخفيفة تلائم مزاج الجمهور الطَّروب، وتوافق أغراضها الأساسية التي قيلت فيها كالغزل والخمر والطبيعة ...
ثم ما لبثت الموشحاتُ أن ملكت قلوبَ العامة والخاصة، لكن اشتهار أمر الموشحات الأندلسية وازدهار هذا الفن على مستوى العامة في المجتمع الأندلسي لم يشفع له، فاعتذر مؤرخو الأدب الأندلسي عن الحديث عنها في مؤلفاتهم. إذ لم يلتفت بعضُهم إلى أصحاب هذا الفن لأنهم خرجوا على أعاريض العرب المعروفة، وبعضهم لم يعتد إيراد فن الموشحات في الكتب المجلَّدة المخلَّدة فانصرف عنها، وغيرُهم ما اعتادوا إدخال الهزل في معرض الجد فلم يأتوا على أخبارها!
ومهما يكن من موقف أولئك المؤرخين من فن الموشحات الأندلسية فإننا لا نعدم أن نجد لها في المشرق من المعجبين والمأخوذين بها حدّاً جعل المشارقةَ أصحابَ فضلٍ على محبّي هذا الفن، بأن تلقفوا الموشحاتِ الأندلسية ونظموا على منوالها مقلدين ومجددين .. ولم يكتفوا بذلك بل إن أهم كتابٍ لا غنى عنه للباحثين حتى اليوم في فن التوشيح – كتاب دار الطراز في عمل الموشحات قد ألَّفه أحد المفتونين بهذا الفن وهو المصري ابن سناء الملك (ت608هـ/1211م)، الذي كان أول من أقام صنعة هذا الفن وأحكامَ بنائه، والناس عيالٌ عليه في ذلك إلى اليوم.
ومهما قيل في جمال الموشحات الأندلسية وسحرها الذي سرى إلى المشرق وفتن أهلَ الكلمة والنغم، فإن الموشح كما عرفناه هو فنٌ تفرَّد به أهلُ الأندلس. وترجع أوليّتُه إلى أواخر القرن الثالث الهجري إلى الشاعر محمد القَبْري الذي كان يضع الموشحات على أشطار الأشعار، ومن بعده إلى ابن عبد ربه(ت328هـ/940هـ) .. ومع هذه البدايات المبكرة فليس بين أيدينا موشحات لهؤلاء تضيء لنا طريقتهم الأولى في ابتداع هذا الفن الجميل!
والمستقر بين الدارسين أنّ الشاعر عبادة بن ماء السماء(ت422هـ/1030م)  هو مبتدع الموشحات فكأنها "لم تُسمع بالأندلس إلا منه ولا أُخذت إلا عنه".
إن هذا الفن الذي أهدتْهُ الأندلس لعشاق الجمال والموسيقا هو فن مبتكَر كغيره من الفنون المبتكرة التي عرفها الأدبُ العربي في طريق التجديد والحداثة، إلا أن كثيراً من تلك الفنون خفَتَ ضوؤُها وانطوت صفحتُها أو بقيتْ مغمورةَ الشأن ضئيلة الأثر، في حين ازدادت الموشحاتُ تألقاً مع الأيام حتى تنامى معجبوها في مختلف الأصقاع والجِهات، وحفظوا لها هذا الودَّ والإعجاب في المعارضة والمحاكاة والتقليد.
ولم يكن تأثير الموشحات الأندلسية في أهل المشرق فحسب، وإنما امتدَّ تأثيرها إلى ظهور موشحات عبرية على مثال الموشحات العربية عُرفت بـ(البيزمون) القصيدة الغنائية الشعبية وهي تطوير للأناشيد الدينية العبرية.
فقد قلَّد الشعراءُ اليهود في الأندلس أقرانَهم من الشعراء العرب في نظم الموشحات، وأكثروا من معارضة الموشحات العربية  الأندلسية حتى فاقت الموشحاتُ العبريةُ -التي وصلتْنا- في عددها الموشحاتِ العربيةَ بكثير، وليست قيمةُ الموشحات العبرية في عددها الكبير بقدر ما هي في حفاظها على بعض السمات التي لم تحتفظ بها الموشحات العربية؛ لأن المصادر العربية لم تحتفظ بالكثير منها.
 وكان كبار شعراء العبرية في الأندلس قد أقبلوا على نظم الموشحات مجاراة لتطورِ الحياةِ وذوق العصر، في حين ترفَّع عن ذلك كبارُ شعراءالعربية هناك، الذين لم يستطيعوا أن يتجاوزوا نظرتهم الأولى إلى الموشحات بأنها فنٌ شعبي يُلقى إلى الجمهور على غير هدى عَروض الشعر العربي وقيوده المحكمة. على الرغم من أن ابن سناء الملك قد أدرك سرَّ هذه الموشحات حين وصف قسماً كبيراً من الموشحات بأنها مما لا وزنَ له على أوزان شعر العرب، وبأنه "ما لها عَروضٌ إلا التلحين" أي أنها أغنية يجبر اللحنُ الموسيقي كسرَها العَروضي. وحين وصف كذلك القسم الذي جاء على أوزان العرب مما اختلفت أوزانُ أقفاله عن أوزان أبياته قائلاً إنه "لا يجسر على عمله إلا الراسخون في العلم من أهل هذه الصناعة" صناعة الموشحات.
وكانت الموشحات العبرية قد ظهرت منتصف القرن الحادي عشر الميلادي مع ازدهار الشعر العربي في الأندلس وهي كذلك توافق فترة ازدهار الموشح العبري، وقد خرجت الموشحاتُ العبرية من عباءة الموشحات العربية مقلِّدةً لها في الشكل والبناء، والصور والأغراض، والأوزان والقوافي... وفي كل ما يتصل بها، وصارت الموشحاتُ جزءاً أساسياً في الشعر  الأندلسي العبري. وقد كان الوشّاحُ اليهودي يأخذ مطلعاً أو خرجةً من موشحٍ أندلسي عربي ويقيم عليها موشحته معارِضاً ومقلِّداً، وقد ظل الشعراءُ اليهود في الأندلس على متابعتهم للشعراء العرب المعاصرين لهم  ومعارضة موشحاتهم، ومن الذين اشتهروا في هذا موسى بن عزرا (ت530هـ/1135م)، ويهودا اللاوي (ت536هـ/1141م)، وإبراهيم بن عزرا (ت560هـ/1165م).
ومن أشهر الشعراء الذين عارضوا الموشحات العربية تاوضروس أبو العافية (ت1295م)، وقد أنشأ ديوان موشحاته على معارضته لأسلافه العرب واليهود الذي يقول في مقدمته: "وعلى رأس كل واحدة من هذه الموشحات سوف أذكر النموذج؛ لأنها بُنيت كلها على أسس عربية، وتلك عادة شُداة الألحان (أي الوشّاحين) أن يغنوا على قيثار إسماعيل".
فهذا هو بعضٌ من قبس الموشحات الأندلسية الذي أنار في الآداب الأخرى شموساً وأقماراً تملأ سماءها تنوعاً وجمالاً. وهي بعين المنصِف أثرٌ لا يُمحى للأندلس على التنوع والتعدد الثقافي والفني والحضاري الذي عاشتهُ تلك البلاد شطراً من الزمان، وملأتْ به الأرضَ من ثمراته التي ما زلنا إلى اليوم  نستطيب مذاقَها في كلِّ جمالٍ وألفةٍ تطرق أسماعنا وأرواحنا حين تلامسها كلمةُ الأندلس.


السبت، 18 مارس 2017

أغاني الزمن الجميل جسَّدت قصص حب خالدة بين الفنانين

https://bit.ly/2Sm3oZg

جريدة الغد-

 الغناء رسالة حب للحياة، والأغاني كثيراً ما تكون رسائل غرام بين المحبين من المستمعين. لكن هناك أغنيات اعتدنا سماعها، وقد نكون رددناها عشرات المرات من دون أن نعرف أنها كانت رسائل غرام حقيقية لفنانين حاولوا من خلالها الوصول إلى أحبائهم.
فوراء كل أغنية من تلك الأغاني قصة حب حقيقية، تستحق القراءة وربما الاستماع والغناء حسب تقرير لهافينغتون بوست. 

بتلوموني ليه
رغم ما رُوي عن قصص ربطت بينه وبين السندريلا أو سعاد حسني، وغيرها من نجمات الفن، فإن الفنان عبد الحليم حافظ يروي في مذكراته قصة حبه الوحيدة كما وصفها، حيث وقع في غرام "ذات العيون الزرقاء"، التي رفض الإفصاح عن اسمها، التي قيل إن اسمها "ليلى".
كان حليم قد رأى "ليلاه" للمرة الأولى في لندن خلال تسوقه هناك، وتعرف عليها وأحبها، لكن كان أمامهما عائق كبير، حيث كانت متزوجة ولديها ولدان في التاسعة والعاشرة من العمر. وكان طلاقها يعني انتقال حضانة الأطفال إلى والدهما، فلم تستطع طلب الطلاق، وهو ما تسبب لعبد الحليم وحبيبته في حزن كبير، فغنَّى حينها "بتلوموني ليه".

في يوم.. في شهر.. في سنة
اضطرت حبيبة عبد الحليم إلى البقاء مع زوجها خوفاً من فقدان ولديها، ولكن بعد فترة حصلت على الطلاق، وعادت لعبد الحليم وبدآ تأثيث عش الزوجية.
إلا أن القدر لم يسمح لهما بذلك، حيث تعرضت حبيبة العندليب لمرض شديد استدعى سفرها للندن للعلاج، وماتت هناك، فغنى عبد الحليم حافظ إحدى أشهر أغانيه: "في يوم في شهر في سنة، تهدى الجراح وتنام، وعمر جرحي أنا أطول من الأيام.. يا فرحة كانت مالية عينيا واستكترتها الدنيا عليا".

العيون السود
أحبت الفنانة وردة الملحن بليغ حمدي دون أن تراه، منذ أن كانت صبية في السادسة عشرة من العمر، وذلك بعد سماعها أغنية "تخونوه" للمطرب عبد الحليم حافظ، التي لحنها بليغ.
وعندما جاءت وردة من بلدها الجزائر إلى مصر، التقت الملحن الشاب للمرة الأولى في منزل الفنان محمد فوزي، وحينها قرَّر بليغ أن يلحن لها أغنية "يا نخلتين في العلالي"، التي أطلقت شهرة وردة مصر.
وبادل بليغ حمدي الفنانة وردة مشاعر الحب، وقرر أن يكمل معها حياته، وذلك حسبما روى الإعلامي الراحل وجدي الحكيم، في أحد حواراته التلفزيونية. وتقدم بليغ لوالدها لطلب يدها، إلا أن الوالد رفض طلبه وطرده من المنزل. وبعدها تزوجت وردة من ضابط واعتزلت الغناء.
وهنا عانى بليغ من ألم الفراق، وكتب مقدمة أغنية "العيون السود"، التي جاء فيها "لا الزمان ولا المكان قدروا يخلوا حبنا ده يبقى كان"، واستكمل الشاعر محمد حمزة كلمات الأغنية، وقرر ألا يعطيها لأحد من المغنين والاحتفاظ بها لوردة.
وبعد فترة من الفراق، التقى بليغ حمدي وردة في الجزائر مصادفة في بداية السبعينات من القرن الماضي، لتشتعل قصة حبهما من جديد، وتحصل وردة على الطلاق، وتتزوج من بليغ وتغني أغنية "العيون السود".

بعيد عنك
أغنية "العيون السود" لم تكن الوحيدة التي عبرت عن ألم بليغ حمدي من فراق وردة. فقد كتب أيضاً مقدمة أغنية "بعيد عنك" ولحنها، وغنتها أم كلثوم، كرسالة موجهة لوردة.
"بعيد عنك حياتي عذاب.. متبعدنيش بعيد عنك". وعندما علمت كوكب الشرق بالأمر قالت لبليغ مازحة "انت استخدمتني كوبري عشان توصل للبنت اللي بتحبها".
ظل زواج العاشقين 6 سنوات، ثم تم الطلاق بسبب تضرر وردة من اهتمام بليغ حمدى بشكل كبير بعمله على حساب بيته.

نورا يا نورا
غنَّى الفنان فريد الأطرش في حفل زفاف الملك فاروق والملكة ناريمان، ولم يكن يعلم أنه سيقع في حب الملكة ذات يوم. وبعد اندلاع أحداث ثورة 1952 سافر الزوجان الملكيان للخارج، لكن ناريمان لم تستطع تحمل الوضع في المنفى، وحصلت على الطلاق من فاروق وعادت إلى مصر.
عقب عودتها، اعتاد فريد الأطرش الذهاب إلى قصرها للغناء في الحفلات التي كانت تقيمها، ووقع في غرامها، لكنه لم يكن يعلم حقيقة مشاعرها، وغنى لها "نورا يا نورا" وهو اسم "الدلع" للملكة ناريمان.

جميل جمال
واستمر فريد الأطرش في حبه دون مصارحة الملكة ناريمان، بحسب صحيفة الحياة. ولكنه كان يعلم أنها معجبة به، وأنه مطربها المفضل، حتى إنه غنَّى لها أغنية "جميل جمال". وفي تلك الأثناء كانت الصحف المصرية تنشر أخباراً عن وجود علاقة بين ناريمان وفريد الأطرش.
وكان الأطرش ينوي التقدم للملكة ناريمان وطلب يدها، إلا إنه فوجئ بوالدة حبيبته السيدة "أصيلة" تنفي وجود علاقة بين ابنتها والأطرش، قائلة إنه أساء استغلال علاقته مع العائلة، حيث إنهم من أصول عريقة، ولا يمكن لابنتها الزواج من مطرب.
وبالفعل انتهى الأمر، ولم يحدث ارتباط بين الطرفين.

أروح لمين
رغم الشهرة الطاغية لكوكب الشرق أم كلثوم، إلا أنها رضيت أن تكون مرسال الغرام للشاعر عبد المنعم السباعي، الذي كتب لها أغنية "أروح لمين"، كرسالة حب للفنانة مديحة يسري، التي كانت متزوجة حينها من المطرب محمد فوزي.
وقالت الفنانة مديحة يسري في لقاء مع الإعلامي محمود سعد، إن أم كلثوم كانت تعلم بحب السباعي لها، حتى إنها قالت لها ذات يوم "حرام عليكي"، فردت عليها، قائلة: "يعني أنفصل من محمد فوزي وأتزوج عبد المنعم؟"، مشيرة إلى أنه كانت توجد علاقة صداقة بين الأخير وزوجها.
وكشفت مديحة يسري، أن أغنية 3 سلامات للفنان محمد قنديل، كانت موجهة إليها أيضاً من الشاعر عبد المنعم السباعي.

الجمعة، 17 مارس 2017

روج

بقلم: ابتهال الخطيب

ماذا تخفي النساء العربيات خلف أطنان المكياج وفي دواخل حقائب الماركات باهظة الثمن؟
لكي نجيب عن السؤال لربما من المجدي ذكر ملاحظة أن كمية المكياج وطبقية الحقيبة ترتفعان مع ارتفاع درجة القمع الإجتماعي والتضييق الحياتي، فنجد أن كمية الأصباغ وطبقية الحقائب ترتفع بدرجة كبيرة بين نساء الخليج، فيما سيدات منطقة الشام، لبنان والأردن وفلسطين وسوريا، معروفات «بطبيعية» المظهر بدرجة أكبر، حتى أنه من المتعارف عندنا في مراكز التجميل في دول الخليج أن من ترغب في مكياج خفيف تطلب «مكياجاً لبنانياً» دلالةً على طبيعية وقلة الكمية. فما الذي يحدث هنا أسفل الأصباغ وفي داخل الحقائب الفارهة؟
ليس لأي من البشر أن يدعي مثاليةً أو كمالاً، فمثلي مثل سيدات البشر، أستمتع بألوان المكياج أزين بها وجهي ويسعد قلبي فستان جديد أو حقيبة متقنة الصنع منتميان لنوعية لا أستطيع اقتناءها دائماً، فهذه الماديات، على سطحيتها وحساسية المفاهيم الاقتصادية بل والسياسية المختبئة خلفها، هي ماديات مهمة الى حد ما للسعادة، فكلنا نسعد بالجديد القيم الفاخر وإن حمل قيماً رأسمالية شريرة، وإن عبر عن سياسات إغوائية ضارية، فالتفكير البعيد الى هذا الحد عند اقتناء كل قطعة يصبح عذاباً وأحياناً يدخل في إطار المبالغة والتشدق بالمبادئ.
ولكن ماذا يحدث عندما تستحوذ هذه الماديات على الحياة وتصبح هي ما يعطي للحياة معنى لا ما يأخذ من الحياة قيمة؟
هنا يعود السؤال، لماذا تشتهر السيدات الخليجيات تحديداً بالكميات الثقيلة من المكياج في حفلاتهن وأحياناً كثيرة حتى في الحياة العامة؟ متى اتخذت الرموش الصناعية هذا الدور التجميلي الرئيسي حتى أصبحت الصغيرات قبل الكبيرات يلصقنها على أجفانهن في الصباح قبل المساء؟ لماذا أصبحت الحقيبة «الماركة» قطعة لا يمكن الاستغناء عنها ومقتنىً رئيسياً في الدولاب الخليجي؟
طبعاً لست أعمم هنا، ففي الخليج فقر واحتياج لا يختلف عن غيره في أنحاء الدنيا، وفي الخليج نساء جادات من مختلف الطبقات وفي المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كافة واللواتي لا تقتصر حيواتهن على هذه المظاهر، ولكنني أتكلم عن ظاهرة انتشرت وبشدة وتحديداً بين سيدات الطبقة الوسطى واللواتي يصرفن الكثير من أوقاتهن في التزيين المبالغ فيه للوجه واللواتي يتكلفن القروض والسلفيات ليقتنين حقائب أصبحت احتياجاً «حقيقياً» في حياتهن وليست كماليات، فما المعنى هنا وما التقييم النفسي لهذا المنحى المرهق لسيدات يحاولن باستمرار العيش في طبقة لا ينتمين إليها؟
لا بد أن لرفاهية المجتمع والوفرة المالية فيه من دور مهم في هذا المنحى، الا أنني أجد أن للموضوع بعداً آخر أشد عمقاً وخطورة. فالعلاقة الطردية لاستخدام أدوات التجميل واقتناء الحقائب الباهظة مع القمع الاجتماعي لها دلالة بالغة الأهمية. 
هنا نستدعي السؤال: أي هموم تخفي هذه الأصباغ وأي تعويض تقدم هذه الحقائب في مجتمعات لا تزال تضغط على المرأة بالخلطة المدمرة للتقاليد القديمة والدين «المصحراوي» المتشدد؟
عندما تصبح الأصباغ الثقيلة حاجة يومية فإنها تتحول الى قناع تنكري يخفي خلفه لربما تاريخاً طويلاً من القمع والحجب، وعندما تتحول الحقيبة الى محدد للهوية وللقيمة الإنسانية، فإنها تتحول الى كيس هموم تخفي فيه المرأة ضياع هويتها الاجتماعية وقيمتها الإنسانية التي لربما لم تعد تستطيع تأكيدها الا من خلال الإسم الشهير البارز المطرز بوضوح على حقيبتها الجلدية.
لست أدعي مثالية لا أملكها، ولا أدعي قدرات مادية لا أستطيعها. عندما يهديني والداي حقيبة ثمينة أسعد بها، وعندما أتسوق في المتاجر الفاخرة يقرصني داخلي بالرغبة في معروضاتها التي لا أستطيع اقتناءها، مثلي مثل كل النساء، أسعد بالجميل الفاخر الثمين.
ليست المشكلة في هذه الرغبة وليست المشكلة في الاقتناء بحد ذاته، إنما المشكلة في تحول هذه الماديات المرهقة الى ضرورة، الى محددات للهوية، الى مساطر اجتماعية تقيس بها النساء بعضها البعض. في أعراسنا الخليجية الفاخرة، أتجول بين الوجوه النسائية السمراء خارقة الجمال فأحزن بسبب طبقات الألوان الكثيفة، طبقات تذكرني بقناع الملكة إليزابيث الأولى وبكل ما كانت تخفيه أسفله من قهر وقمع ومعاناة.
سمراوات الخليج الفاتنات، نريد أن نرى وجوهكن السكرية الناصعة، وقلوبكن الصافية، بلا ألوان، بلا حقائب، فقط أنتن والدنيا أمامكن.